هل "ينتقم" الجيش المصري من مرسي؟
بقلم: إنشل بابر
حينما حلّ الظلام في القاهرة في نهاية "جمعة الغضب" قبل سنتين ونصف، حينما كان آلاف المتظاهرين يسيطرون على قلب العاصمة المصرية بعد انتهاء ساعات من القتال في الشارع مع قوات الشرطة، بدأت قوافل من الدبابات تسير بتثاقل في شوارع المدينة، وسيطرت على نقاط استراتيجية بالقرب من الجسور على النيل وحول مبنى التلفاز الوطني وبالقرب من قصر الرئاسة. وكان يمكن ان تكون تلك لحظة "تيانينمن" الثورة المصرية. لكن الجنود لم يطلقوا النار، بل نزل الضباط من الدبابات وعانقوا المتظاهرين، ووعدوهم بالدفاع عنهم لا قمع مطالبهم الديمقراطية. وفي تلك الدقائق ولد الهتاف في الميادين "الشعب والجيش يد واحدة".
كان الجنرالات في تلك الايام لا يزالون يسمعون لأوامر الرئيس حسني مبارك، فنقلوا آلاف المقاتلين المسلحين وعشرات الدبابات ومئات ناقلات الجنود المدرعة الى الشوارع. واقتربت المروحيات والطائرات الحربية في طيرانها من مئات الآلاف الذين ملؤوا ميدان التحرير على أمل ان يُذكرهم إظهار القوة بمن يحكم ويقرر في هذه الدولة منذ ستة عقود. لكن المتظاهرين تجاهلوا منع التجول الليلي، ولم يستجيبوا لمطالب العودة الى بيوتهم.
وفي غضون يومين أُدخلت وحدات أخرى إلى داخل المدينة، وأُشيع في المدينة اشاعات عن انقلاب عسكري، وعن أوامر عسكرية باطلاق النار على المتظاهرين وعن نشطاء اختطفهم الجيش تحت جنح الظلام. لكن تبين بعد اسبوع ان الجيش لم يكن مستعدا لفعل هذا العمل القذر من اجل مبارك. وبدل الجنود أُرسل الى الميدان مرتزقة يحملون الهراوات ويركبون جمالا وخيولاً محاولين إجبار المتظاهرين على الهروب. وتنحى الجيش عن ذلك. وحينما تبين ان عدد المتظاهرين يزداد وأنهم لا ينوون التخلي استقر رأي الجنرالات على التخلي عن مبارك. وأُعلنت استقالته ونقل المسؤولية عن تصريف أمور الدولة العربية الكبرى الى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
واضطر الجيش مدة سنة تقريباً إلى أن يكون مسؤولاً عن إدارة الدولة، وكان الاقتصاد والسياحة ينهاران، والمظاهرات مستمرة والتوتر بين السلفيين والمسيحيين الأقباط في ازدياد، ودُفع الجنرالات الذين كانوا يتمتعون في الماضي بميزة القوة وراء الرشاشات، الى مقدمة المسرح واضطروا الى تقديم أجوبة. وزال التأييد الذي كانوا يتمتعون به سريعاً في ضوء المصابيح، فأفضت تقارير عن اعتقالات واعمال تعذيب واختفاء في مواقع الجيش وعن "فحص عذرية" للمتظاهرات المعتقلات، الى تغير النغمة في المظاهرات، فدعا المتظاهرون الى اسقاط وزير الدفاع، المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الأعلى.
حاول طنطاوي ان يؤدي دور سياسي مدة قصيرة، فتجول في الشوارع ببدلة مدنية، والتقى مع النشطاء. لكن صعب عليه ان يعقد الجسور فوق الفروق، ورفض المتظاهرون قبوله. وبدأت الجموع في الشوارع تهتف بسقوط المشير.
اجراءات قادة الجيش لعقد حلف سري مع "الاخوان المسلمين" وتعيين لجنة من قبلهم تصوغ دستوراً جديداً، وترشيح مرشح منهم للرئاسة – قائد سلاح الجو السابق أحمد شفيق – فشلت كلها، فوجدوا أنفسهم يُساقون مُرغمين الى معركتي انتخابات انتُخب فيهما مجلس شعب ذو أغلبية اسلامية، وانتُخب محمد مرسي من "الإخوان المسلمين" رئيساً. وأمل قادة الجيش ان يُهدئ انتخاب مرسي الجموع، وأن يدعهم في مواقع القوة يتمتعون بالحقوق الاقتصادية الزائدة. لكن الرئيس/ الذي كان ما زال محمولا فوق أمواج تأييد الشعب/ بادر في أول فرصة الى تطهير قيادة الجيش العليا، فأقال طنطاوي ورئيس هيئة الأركان اللواء سامي عنان.
كان النظام الذي أراد مرسي أن ينشئه ما زال ضعيفا وغير منظم، فلم ينجح في ان يُخضع الجيش للحكومة المنتخبة وقتاً طويلاً.
وبعد سنة من انتخابه تخرج الملايين الى الشوارع ضده، وتختفي الشرطة مرة اخرى، ويحل محلها مجموعات من "الإخوان المسلمين" يحملون الهراوات. ويقوم الاقتصاد المصري على شفا هاوية، وينتقم الجنرالات انتقامهم.
ليس هذا انقلابا عسكرياً في ظاهر الامر، فالإنذار مدة 48 ساعة يرمي الى حث مرسي على "الاستجابة لمطالب الشعب". لكن لا يمكن ان نخطئ نية قادة الجيش ان يتولوا زمام الأمور من جديد. وقد بدأت الجموع في ميدان التحرير تهتف مرة اخرى: "الشعب والجيش يد واحدة". وفي كل مرة مرت فيها مروحية عسكرية فوق الميدان كانوا يهتفون، وتصرفوا كأنهم هزموا مرسي المكروه. لكن المسألة مسألة وقت فقط إلى ان يبدؤوا الهتاف مرة اخرى بسقوط حكم الجيش.
هآرتس
0 comments: