Wednesday, July 24, 2013

هل ستتحول مصر إلى جزائر أخرى؟

هل ستتحول مصر إلى جزائر أخرى؟

17 تموز/يوليو 2013
مع تصاعد أعمال العنف في مصر عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي من قبل الجيش المصري في 3 تموز/يوليو، ظهر على الساحة سؤال خطير حول ما إذا كانت البلاد ستصبح جزائر أخرى. وللوهلة الأولى يبدو أن هناك ما يبرر تلك المقارنة، وإن كان من باب التحذير على الأقل. ففي عام 1992، ألغى الجيش الجزائري الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية، التي كان من المتوقع أن تحقق فيها الجبهة الاسلامية فوزاً ساحقاً، واضطر الرئيس الشاذلي بن جديد إلى الاستقالة. وقد دفعت تلك الإجراءات البلاد إلى "سنوات عجاف" ومأساوية راح ضحيتها أكثر من 200,000 شخص. ولا تزال السياسة الجزائرية مرتبكة حتى هذا اليوم.
وبالطبع، إن مصر ليست كالجزائر. والأهم من ذلك، أنها ترفض أن تكون كالجزائر. وآخر ما يرغب المصريون في سماعه هذه الأيام من المثقفين الأجانب "المتطفلين" الذين "يحاضرونهم" عن الديمقراطية هو إخبارهم بما عليهم الاستفادة مما حدث في الجزائر أو تركيا أو دول أخرى تتعامل مع الإسلام والديمقراطية. إن التحليل القائل بأن "مصر حالة منفصلة" يميل إلى تفصيل الخصوصيات الثقافية والسياسية والمسارات التاريخية الفريدة من نوعها في البلاد، وعادة ما يعقبه تحليل حالم بأن مصر ستجد طريقتها الفريدة للعودة إلى الديمقراطية (وما يستتبعه ذلك من مركزها العادل في القيادة في العالم العربي وخارجه). بيد أنه لو اتبعت القيادة العسكرية والسياسية الانتقالية في القاهرة سياسات خاطئة تحت مسمى تحقيق الاستقرار على المدى القصير، فقد ينتهي الحال بمصر على غرار ما حدث في فترة التسعينيات في الجزائر، بل وربما أسوأ من ذلك.
اختلافات مبالغاً فيها
إن أولئك الذين يؤمنون بأن وضع مصر مختلف تماماً عن وضع الجزائر يميلون إلى الاستناد في آرائهم على عدة عوامل. أولاً، يشيرون إلى أن "جبهة الإنقاذ الإسلامية" الجزائرية لم تشكل حكومة مطلقاً، بينما أدى سوء إدارة "حزب الحرية والعدالة" التابع لـ جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر للحكومة خلال عام من توليها السلطة إلى إثارة تظاهرات حاشدة. ثانياً، يقال إن الإسلاميين في مصر يختلفون عن نظرائهم في الجزائر حيث يتجنبون العنف، ويعود ذلك إلى مشاركتهم الطويلة الأمد في السياسة أو، على العكس من ذلك، بسبب عدم وصولهم إلى الحكم عن طريق العنف. ثالثاً، تختلف الجغرافيا المصرية عن نظيرتها الجزائرية، حيث لا توجد معاقل في الجبال تعمل كحصن لاندلاع ثورة (باستثناء سيناء بطبيعة الحال). رابعاً، كان كفاح مصر من أجل تحقيق الاستقرار مختلفاً، وهو الأمر بالنسبة للحكومة التي انبثقت عنها. خامساً، الشارع المصري أكثر حشداً وغير متسامح مع التهديدات التي تواجه الثورة.
إن المشكلة في هذه الفروق هي أن بعضها لا يثبت أمام التحليل الوثيق، في حين أن أي منها لا يجعل قصة الجزائر التحذيرية أقل أهمية. على سبيل المثال، إن القول بأنه كان لدى الإسلاميين الجزائريين استعداد كامن للعنف لا يمكن أن يجتاز أي اختبار تاريخي أو اجتماعي. ويقيناً، كانت أعداد غفيرة من الإسلاميين الجزائريين من المحاربين القدماء في الصراع الأفغاني، وكان البعض الآخر قد انخرط في حرب عصابات ضد نظام الشاذلي في ثمانينات القرن الماضي. ومع ذلك فإن الأغلبية العظمى منهم كانوا إسلاميين سلميين يركزون على أنشطة تبشيرية وغيرها من الدعوات، وكان مصدر إلهامهم وتعليمهم في حالات عديدة هم معلمي المدارس المصريين التابعين لـ جماعة «الإخوان المسلمين» الذين تم نفيهم إلى الجزائر من قبل جمال عبد الناصر. وباختصار، هناك أيضاً تباين بين آراء الإسلاميين الجزائريين والمصريين حول استخدام العنف.
وعلاوة على ذلك، إن أي شخص شهد الإضراب العام في الجزائر العاصمة في أيار/مايو- حزيران/يونيو 1991 أو قام بدراسته يعرف مدى قابلية السكان على حشد الجماهير في ذلك الحين، ودرجة التهديد التي شعر بها النظام. فقد كانت شرائح كبيرة من السكان، من بينهم ملايين الشباب، يعارضون الغش في تقسيم الدوائر الانتخابية من قبل "جبهة التحرير الوطني" بهدف الحد من قوة فوز الإسلاميين في الانتخابات. وقد أدت الاحتجاجات إلى توحيد القوى السياسية من الماويين إلى السلفيين وأغلاق الساحات الرئيسية في العاصمة لفترة دامت عدة أسابيع.
وأما من ناحية الإصرار على أن "جبهة الإنقاذ الإسلامية" لم تتولى مقاليد السلطة أبداً، أشار المحللون عن حق إلى أن "الجبهة" حكمت معظم مدن وبلدات الجزائر لمدة ثمانية عشر شهراً بعد سحق المعارضة في الانتخابات. ومع ذلك، فما افتقده الجانبان في هذا النقاش هو استمرار نجاح "الجبهة" بعد وصولها إلى سدة الحكم. وكان من المفترض أن تحقق "جبهة الإنقاذ الإسلامية" فوزاً ساحقاً في كانون الثاني/يناير 1992 بعد أن تولت مقاليد السلطة لمدة عام ونصف العام، وكان سبب ذلك يعود إلى حد كبير إلى حفاظها على قوتها التنظيمية وتقيدها بالمبادئ الديمقراطية (على سبيل المثال، معارضة السياسة التي كان يدعمها "حزب جبهة التحرير الوطني" والتي تمثلت بمنح الرجال وكالة للتصويت نيابة عن أفراد أسرهم من الإناث)، بالإضافة إلى ذلك كان يُنظر إليها على أنها أقل فساداً. وعلى غرار جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، كانت "جبهة الإنقاذ الإسلامية" ستواصل نجاحاتها في الانتخابات.
إن المتغير الأكثر أهمية في ما يتعلق بالجزائر هو سلوك قوات الأمن والدولة العميقة [مشابهة لفكرة "دولة داخل دولة"]. ففي أعقاب كانون الثاني/يناير 1992، شنت الحكومة حملة أمنية شرسة في ظل فرض حظر تجول صارم، واعتقلت عشرات الآلاف من الناس وقامت بتعذيب مئات آخرين. واندلع صراع مسلح بين الجيش وآلاف الشبان المسلحين، بينما أُلقي القبض على حوالي 25,000 شخص من الإسلاميين الأكثر اعتدالاً وآحرين من أنصار الديمقراطية وتم إرسالهم إلى السجون ومعسكرات الاعتقال النائية في الصحراء، وقد بقي الكثير منهم قيد الاحتجاز حتى أواخر التسعينيات (وتم توثيق ذلك من خلال مذكرات نشرت عن فترة السجون).
وبالإضافة إلى ذلك، أكد أحد الجنرالات الجزائريين البارزين في إحدى قاعات محاكم باريس عام 2002 بأن الحكومة الجزائرية سمحت عن قصد بإطلاق سراح نحو 800 شخص من الجزائريين "الأفغان" بهدف جر المعارضة الإسلامية نحو التطرف وإثارة المزيد من العنف والفوز في المعركة التالية. وتمثلت الخطة بالتخلص من المعارضة الغاضبة والمتشددة في غضون أشهر. وفي حين لا يوجد دليل على أن الحكومة المصرية تقوم بمثل هذه التلاعبات، إلا أن استخدام مصر في الماضي للعملاء المحرضين يجعل من هذه القصة التحذيرية ذات صلة بالموضوع.
وتوجد أوجه شبه أخرى بين مصر والجزائر. ففي مقابلة جرت عام 2002 ونشرت على موقع "ألجيريا ووتش"،  صرح أحد الجنرالات بأن أحداث 1992 تعد "أول انقلاب نسائي" في التاريخ - مذكراً بأن القوة الأساسية التي دفعت الجنرالات لإجهاض التحول الديمقراطي و "إنقاذ الجمهورية" كانت زوجاتهم وأفراد أسرهم من الإناث حيث كن يترددن على مكاتبهم ممسكات بأيدي بناتهن ويتوسلن إليهم بعدم السماح للجزائر بأن " تصبح إيران أخرى". وانضم بعض من تلك النخب النسائية إلى "المنظمات النسوية الداعمة للنظام" في التسعينيات ليدافعن عن أعمال النظام العسكرية بصفتها أمراً ضرورياً للدفاع عن المرأة، مع تجاهل أن أحداث العنف ضد النساء في الجزائر - كما هو الحال في مصر - كان من المحتمل أن تقترفها القوات المسلحة وأفراد الشرطة والقوات الإسلامية على حد سواء. وأولئك النساء كن يكافحن ضد مخاطر حقيقية تهدد وضعهن القانوني والاجتماعي والتي طرحتها الأجندة الإسلامية المتصورة، وعززتها الحقيقة بأن أنصار حزبيين متعصبين كانوا يقومون بشن هجمات على النساء. ومع ذلك، فخلال تلك العملية، شكلن فريقاً واحداً مع نظام كان لا يلبي بالفعل المطالب القانونية والاجتماعية للشعب المتململ المفعم بالشباب، من الذكور والإناث، والمتسم بالتنظيم والقدرة على الحشد ضد ذلك النظام.
العامل الرئيسي هو وضع حد للعنف السياسي
لا يعد العنف السياسي أمراً متأصلاً في مصر أو الجزائر أو أي مجتمع آخر، ولكنه ينشأ من خلال عمليات الانتقام المتكررة. ففي ظل بيئة الجزائر المستقطبة التي جرى التلاعب فيها، كان هناك من يخشون من الجيش أكثر من خوفهم من الإسلاميين، بينما كان آخرون يخشىون الإسلاميين أكثر من خوفهم من الجيش. وفي مصر هذه الأيام،  أخذت القوى السياسية "العلمانية" تشبه بصورة أكثر وأكثر تلك القوى "العلمانية" الجزائرية التي دعمت أحداث 1992 وأصبحت تعرف لاحقاً باسم "المستأصلين". وفي النهاية، أثبتت طرقهم أنها عقيمة وأدت إلى إطالة أمد المأزق السياسي والحرب، في حين أن الذين وضعوا حلاً للأزمة وأنقذوا الجزائر من أسوأ مصير ينتظرها هم المنظمات الشبابية الوطنية مثل "تجمع عمل الشبيبة" وقادة مثل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذين روجوا للمصالحة الوطنية.
وبالنسبة لمصر فإن الدرس الحقيقي المستفاد من الجزائر هو القيام بأي شيء لوقف الانجرار بالعنف إلى نقطة اللاعودة. وعند مواجهة نقاط التحول الانتقالية والتاريخية نجد أن ما يفعله النظام وكيفية تصرفه هي التي تمثل أهمية أكبر، إلى جانب الإجراءات المتخذة في الشوارع وبالاقتران معها. وفي الآونة الأخيرة ركزت الكثير من التحليلات عن الوضع في مصر حول ما إذا كان لدى جماعة «الإخوان» استعداد لاستخدام العنف لمواجهة نظام عزلها من السلطة، مع تناسي درس "الربيع العربي" الهام وهو أن ما يميز نتيجة عن أخرى هو ما يفعله النظام والقوات المسلحة رداً على الحشود. إن الإجراءات الاستثنائية والاعتقالات الجماعية والرقابة على الصحافة واتخاذ تدابير صارمة أخرى ربما تجلب هدوءً سطحياً إلى الشارع، مثلما حدث في الجزائر عام 1992، عندما تفاقمت خلالها حدة النزاع الكامن الذي بدأ يخرج عن نطاق السيطرة بعد تسعة أشهر. إن اتخاذ إجراءات خاطئة وغير ديمقراطية مماثلة في مصر سوف تحد بشكل كبير من احتمالات نجاح الثورة على المدى القصير والطويل.

وليام لورانس شغل حتى الآونة الأخيرة ولمدة سنتين منصب مدير "مشروع شمال أفريقيا" في "مجموعة الأزمات الدولية"، وقد سكن سابقاً فترة دامت عامين في مصر.وليام لورانس

17 تموز/يوليو 2013
مع تصاعد أعمال العنف في مصر عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي من قبل الجيش المصري في 3 تموز/يوليو، ظهر على الساحة سؤال خطير حول ما إذا كانت البلاد ستصبح جزائر أخرى. وللوهلة الأولى يبدو أن هناك ما يبرر تلك المقارنة، وإن كان من باب التحذير على الأقل. ففي عام 1992، ألغى الجيش الجزائري الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية، التي كان من المتوقع أن تحقق فيها الجبهة الاسلامية فوزاً ساحقاً، واضطر الرئيس الشاذلي بن جديد إلى الاستقالة. وقد دفعت تلك الإجراءات البلاد إلى "سنوات عجاف" ومأساوية راح ضحيتها أكثر من 200,000 شخص. ولا تزال السياسة الجزائرية مرتبكة حتى هذا اليوم.
وبالطبع، إن مصر ليست كالجزائر. والأهم من ذلك، أنها ترفض أن تكون كالجزائر. وآخر ما يرغب المصريون في سماعه هذه الأيام من المثقفين الأجانب "المتطفلين" الذين "يحاضرونهم" عن الديمقراطية هو إخبارهم بما عليهم الاستفادة مما حدث في الجزائر أو تركيا أو دول أخرى تتعامل مع الإسلام والديمقراطية. إن التحليل القائل بأن "مصر حالة منفصلة" يميل إلى تفصيل الخصوصيات الثقافية والسياسية والمسارات التاريخية الفريدة من نوعها في البلاد، وعادة ما يعقبه تحليل حالم بأن مصر ستجد طريقتها الفريدة للعودة إلى الديمقراطية (وما يستتبعه ذلك من مركزها العادل في القيادة في العالم العربي وخارجه). بيد أنه لو اتبعت القيادة العسكرية والسياسية الانتقالية في القاهرة سياسات خاطئة تحت مسمى تحقيق الاستقرار على المدى القصير، فقد ينتهي الحال بمصر على غرار ما حدث في فترة التسعينيات في الجزائر، بل وربما أسوأ من ذلك.
اختلافات مبالغاً فيها
إن أولئك الذين يؤمنون بأن وضع مصر مختلف تماماً عن وضع الجزائر يميلون إلى الاستناد في آرائهم على عدة عوامل. أولاً، يشيرون إلى أن "جبهة الإنقاذ الإسلامية" الجزائرية لم تشكل حكومة مطلقاً، بينما أدى سوء إدارة "حزب الحرية والعدالة" التابع لـ جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر للحكومة خلال عام من توليها السلطة إلى إثارة تظاهرات حاشدة. ثانياً، يقال إن الإسلاميين في مصر يختلفون عن نظرائهم في الجزائر حيث يتجنبون العنف، ويعود ذلك إلى مشاركتهم الطويلة الأمد في السياسة أو، على العكس من ذلك، بسبب عدم وصولهم إلى الحكم عن طريق العنف. ثالثاً، تختلف الجغرافيا المصرية عن نظيرتها الجزائرية، حيث لا توجد معاقل في الجبال تعمل كحصن لاندلاع ثورة (باستثناء سيناء بطبيعة الحال). رابعاً، كان كفاح مصر من أجل تحقيق الاستقرار مختلفاً، وهو الأمر بالنسبة للحكومة التي انبثقت عنها. خامساً، الشارع المصري أكثر حشداً وغير متسامح مع التهديدات التي تواجه الثورة.
إن المشكلة في هذه الفروق هي أن بعضها لا يثبت أمام التحليل الوثيق، في حين أن أي منها لا يجعل قصة الجزائر التحذيرية أقل أهمية. على سبيل المثال، إن القول بأنه كان لدى الإسلاميين الجزائريين استعداد كامن للعنف لا يمكن أن يجتاز أي اختبار تاريخي أو اجتماعي. ويقيناً، كانت أعداد غفيرة من الإسلاميين الجزائريين من المحاربين القدماء في الصراع الأفغاني، وكان البعض الآخر قد انخرط في حرب عصابات ضد نظام الشاذلي في ثمانينات القرن الماضي. ومع ذلك فإن الأغلبية العظمى منهم كانوا إسلاميين سلميين يركزون على أنشطة تبشيرية وغيرها من الدعوات، وكان مصدر إلهامهم وتعليمهم في حالات عديدة هم معلمي المدارس المصريين التابعين لـ جماعة «الإخوان المسلمين» الذين تم نفيهم إلى الجزائر من قبل جمال عبد الناصر. وباختصار، هناك أيضاً تباين بين آراء الإسلاميين الجزائريين والمصريين حول استخدام العنف.
وعلاوة على ذلك، إن أي شخص شهد الإضراب العام في الجزائر العاصمة في أيار/مايو- حزيران/يونيو 1991 أو قام بدراسته يعرف مدى قابلية السكان على حشد الجماهير في ذلك الحين، ودرجة التهديد التي شعر بها النظام. فقد كانت شرائح كبيرة من السكان، من بينهم ملايين الشباب، يعارضون الغش في تقسيم الدوائر الانتخابية من قبل "جبهة التحرير الوطني" بهدف الحد من قوة فوز الإسلاميين في الانتخابات. وقد أدت الاحتجاجات إلى توحيد القوى السياسية من الماويين إلى السلفيين وأغلاق الساحات الرئيسية في العاصمة لفترة دامت عدة أسابيع.
وأما من ناحية الإصرار على أن "جبهة الإنقاذ الإسلامية" لم تتولى مقاليد السلطة أبداً، أشار المحللون عن حق إلى أن "الجبهة" حكمت معظم مدن وبلدات الجزائر لمدة ثمانية عشر شهراً بعد سحق المعارضة في الانتخابات. ومع ذلك، فما افتقده الجانبان في هذا النقاش هو استمرار نجاح "الجبهة" بعد وصولها إلى سدة الحكم. وكان من المفترض أن تحقق "جبهة الإنقاذ الإسلامية" فوزاً ساحقاً في كانون الثاني/يناير 1992 بعد أن تولت مقاليد السلطة لمدة عام ونصف العام، وكان سبب ذلك يعود إلى حد كبير إلى حفاظها على قوتها التنظيمية وتقيدها بالمبادئ الديمقراطية (على سبيل المثال، معارضة السياسة التي كان يدعمها "حزب جبهة التحرير الوطني" والتي تمثلت بمنح الرجال وكالة للتصويت نيابة عن أفراد أسرهم من الإناث)، بالإضافة إلى ذلك كان يُنظر إليها على أنها أقل فساداً. وعلى غرار جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، كانت "جبهة الإنقاذ الإسلامية" ستواصل نجاحاتها في الانتخابات.
إن المتغير الأكثر أهمية في ما يتعلق بالجزائر هو سلوك قوات الأمن والدولة العميقة [مشابهة لفكرة "دولة داخل دولة"]. ففي أعقاب كانون الثاني/يناير 1992، شنت الحكومة حملة أمنية شرسة في ظل فرض حظر تجول صارم، واعتقلت عشرات الآلاف من الناس وقامت بتعذيب مئات آخرين. واندلع صراع مسلح بين الجيش وآلاف الشبان المسلحين، بينما أُلقي القبض على حوالي 25,000 شخص من الإسلاميين الأكثر اعتدالاً وآحرين من أنصار الديمقراطية وتم إرسالهم إلى السجون ومعسكرات الاعتقال النائية في الصحراء، وقد بقي الكثير منهم قيد الاحتجاز حتى أواخر التسعينيات (وتم توثيق ذلك من خلال مذكرات نشرت عن فترة السجون).
وبالإضافة إلى ذلك، أكد أحد الجنرالات الجزائريين البارزين في إحدى قاعات محاكم باريس عام 2002 بأن الحكومة الجزائرية سمحت عن قصد بإطلاق سراح نحو 800 شخص من الجزائريين "الأفغان" بهدف جر المعارضة الإسلامية نحو التطرف وإثارة المزيد من العنف والفوز في المعركة التالية. وتمثلت الخطة بالتخلص من المعارضة الغاضبة والمتشددة في غضون أشهر. وفي حين لا يوجد دليل على أن الحكومة المصرية تقوم بمثل هذه التلاعبات، إلا أن استخدام مصر في الماضي للعملاء المحرضين يجعل من هذه القصة التحذيرية ذات صلة بالموضوع.
وتوجد أوجه شبه أخرى بين مصر والجزائر. ففي مقابلة جرت عام 2002 ونشرت على موقع "ألجيريا ووتش"،  صرح أحد الجنرالات بأن أحداث 1992 تعد "أول انقلاب نسائي" في التاريخ - مذكراً بأن القوة الأساسية التي دفعت الجنرالات لإجهاض التحول الديمقراطي و "إنقاذ الجمهورية" كانت زوجاتهم وأفراد أسرهم من الإناث حيث كن يترددن على مكاتبهم ممسكات بأيدي بناتهن ويتوسلن إليهم بعدم السماح للجزائر بأن " تصبح إيران أخرى". وانضم بعض من تلك النخب النسائية إلى "المنظمات النسوية الداعمة للنظام" في التسعينيات ليدافعن عن أعمال النظام العسكرية بصفتها أمراً ضرورياً للدفاع عن المرأة، مع تجاهل أن أحداث العنف ضد النساء في الجزائر - كما هو الحال في مصر - كان من المحتمل أن تقترفها القوات المسلحة وأفراد الشرطة والقوات الإسلامية على حد سواء. وأولئك النساء كن يكافحن ضد مخاطر حقيقية تهدد وضعهن القانوني والاجتماعي والتي طرحتها الأجندة الإسلامية المتصورة، وعززتها الحقيقة بأن أنصار حزبيين متعصبين كانوا يقومون بشن هجمات على النساء. ومع ذلك، فخلال تلك العملية، شكلن فريقاً واحداً مع نظام كان لا يلبي بالفعل المطالب القانونية والاجتماعية للشعب المتململ المفعم بالشباب، من الذكور والإناث، والمتسم بالتنظيم والقدرة على الحشد ضد ذلك النظام.
العامل الرئيسي هو وضع حد للعنف السياسي
لا يعد العنف السياسي أمراً متأصلاً في مصر أو الجزائر أو أي مجتمع آخر، ولكنه ينشأ من خلال عمليات الانتقام المتكررة. ففي ظل بيئة الجزائر المستقطبة التي جرى التلاعب فيها، كان هناك من يخشون من الجيش أكثر من خوفهم من الإسلاميين، بينما كان آخرون يخشىون الإسلاميين أكثر من خوفهم من الجيش. وفي مصر هذه الأيام،  أخذت القوى السياسية "العلمانية" تشبه بصورة أكثر وأكثر تلك القوى "العلمانية" الجزائرية التي دعمت أحداث 1992 وأصبحت تعرف لاحقاً باسم "المستأصلين". وفي النهاية، أثبتت طرقهم أنها عقيمة وأدت إلى إطالة أمد المأزق السياسي والحرب، في حين أن الذين وضعوا حلاً للأزمة وأنقذوا الجزائر من أسوأ مصير ينتظرها هم المنظمات الشبابية الوطنية مثل "تجمع عمل الشبيبة" وقادة مثل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذين روجوا للمصالحة الوطنية.
وبالنسبة لمصر فإن الدرس الحقيقي المستفاد من الجزائر هو القيام بأي شيء لوقف الانجرار بالعنف إلى نقطة اللاعودة. وعند مواجهة نقاط التحول الانتقالية والتاريخية نجد أن ما يفعله النظام وكيفية تصرفه هي التي تمثل أهمية أكبر، إلى جانب الإجراءات المتخذة في الشوارع وبالاقتران معها. وفي الآونة الأخيرة ركزت الكثير من التحليلات عن الوضع في مصر حول ما إذا كان لدى جماعة «الإخوان» استعداد لاستخدام العنف لمواجهة نظام عزلها من السلطة، مع تناسي درس "الربيع العربي" الهام وهو أن ما يميز نتيجة عن أخرى هو ما يفعله النظام والقوات المسلحة رداً على الحشود. إن الإجراءات الاستثنائية والاعتقالات الجماعية والرقابة على الصحافة واتخاذ تدابير صارمة أخرى ربما تجلب هدوءً سطحياً إلى الشارع، مثلما حدث في الجزائر عام 1992، عندما تفاقمت خلالها حدة النزاع الكامن الذي بدأ يخرج عن نطاق السيطرة بعد تسعة أشهر. إن اتخاذ إجراءات خاطئة وغير ديمقراطية مماثلة في مصر سوف تحد بشكل كبير من احتمالات نجاح الثورة على المدى القصير والطويل.

وليام لورانس شغل حتى الآونة الأخيرة ولمدة سنتين منصب مدير "مشروع شمال أفريقيا" في "مجموعة الأزمات الدولية"، وقد سكن سابقاً فترة دامت عامين في مصر.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: