اسرائيل لا تفهم العربية
بقلم: ايلي أفيدار
قرأ العديد من الاسرائيليين أمس النبأ عن الهجوم الحاد الذي شنه المندوب الفلسطيني في الامم المتحدة وببساطة لم يفهموا. فوزير الخارجية الامريكي جون كيري أعلن فقط عن استئناف محادثات السلام، وها هو رياض منصور يتهم اسرائيل بليس أقل من جرائم الحرب. اسرائيل تبني في الضفة الغربية، قال منصور، تصادر الاراضي، تطرد السكان من اراضيهم وتدعم المتطرفين الذين يمارسون الارهاب ضد الفلسطينيين في الضفة. غير أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الخطوات الفلسطينية، بل في صعوبتنا في أن نفهم الاستراتيجية والفلسفة الدبلوماسية للطرف المقابل لنا. هكذا، حتى بعد أكثر من عشرين سنة من الاتصالات، فانه يخيب أملنا كل مرة من جديد. جذر المفاجأة الاسرائيلية هو الفهم السطحي الذي نتبناه: السلام أو الحرب. إما نطلق النار على اعدائنا أو نعانقهم. الحرب نفهمها، ولكن في اللحظة التي تتجدد فيها محادثات السلام، نتخذ جانب الحذر فلا نهاجم ولا ننتقد، باسم الزخم الايجابي بالطبع، وكي لا نعتبر كمن يخرب على مسيرة الحوار الهشة.
اما الفلسطينيون فليس لهم مثل هذا الثبات الفكري. طريقتهم معاكسة. ليست لديهم مشكلة في استئناف محادثات السلام، وفي نفس الوقت ممارسة الضغط الدبلوماسي الشديد على اسرائيل في كل الجبهات. السير على البسط الحمراء نحو غرف المباحثات وفي نفس الوقت اتهام شركائهم في المفاوضات بجرائم حرب.
ايام هذه الاستراتيجية كايام الاتصالات المباشرة، حتى في ذروة مسيرة اوسلو لم يكف عرفات للحظة عن ممارسة الضغط على اسرائيل بهدف تقييد مجال المناورة لديها وهز مكانتها العالمية. ابو مازن ليس عرفات ولكن السياسة الفلسطينية بقيت على حالها، وذلك لانها لا ترتبط بهوية الزعيم في رام الله، بل بالنهج المختلف تجاه العلاقات الثنائية. خصوصا المفاوضين المثقفين والمعتدلين صائب عريقات، نبيل شعث، حنان عشراوي، أمثالهم وخلفاؤهم هم الذين قادوا وسيقودون الهجمات ضد اسرائيل. بالنسبة لهم هذا ليس خروجا عن المفاوضات بل استمرارا للدبلوماسية بوسائل اخرى.
اسرائيل من جهتها تسمع الهجمات وتتجلد، ولكن في اقصى الاحوال تعلن بانها من شأنها ان تمس بالمسيرة السلمية. سنة وسنة اخرى تمر، قمة إثر قمة، والسياسة التافهة لا تتغير: اذا كنا نتحدث، فلا نهاجم.
حان الوقت لان نتصرف بادوات ولغة الشرق الاوسط. الى جانب المحادثات علينا أن نبادر ايضا الى دبلوماسية هجومية. الموافقة على المفاوضات بل وتشجيعها، وبالتوازي شجب التحريض والكراهية اللذين يثيرهما جهاز التعليم الفلسطيني. الى جانب التسهيلات على التجارة والحركة التي تعهدنا بها، سنطالب السلطة بان تعرض تحسينا حقيقيا في الاقتصاد الفلسطيني، وليس فقط اسداء الثواب لشريحة ضيقة من القريبين من الصحن ودفع باقي الجمهور الى الانهيار. نقبل مبادرة كيري، وبالتوازي نعرب عن خيبة الامل من الفساد في السلطة، التي تأخذ المليارات من اموال المانحين ولا تدفع الى الامام بالشعب الفلسطيني في شيء، لا تبني بيتا واحدا في مخيمات اللاجئين ولا تضيف صف تعليم واحدا للمدارس المكتظة حتى التعب. ومثل هذا النهج لا ينقل فقط واجب البرهان الى الطرف الاخر، بل ويكشف ايضا الازدواجية الاخلاقية للقيادة في رام الله ومبعوثيها في العالم. وهو سيسهل على اصدقائنا تأييدنا، ويساعد في وقف الانجراف في الرأي العام.
لقد قيض لاسرائيل ان تعيش في الشرق الاوسط. وبدلا من التمسك بالتقاليد الغربية علينا أن نتصرف بلغة المنطقة ذات اللغة التي يستخدمها اعداؤنا منذ سنوات لتقويض مكانتنا الدولية وجعلنا منبوذين في العالم. النهج الجديد لا يتناقض مع المسيرة السلمية. بل العكس. هو السبيل الوحيد الذي ندفع فيه الطرف الاخر الى أن يفهمنا ويحترمنا. بينما نتوقف نحن عن أن نكون متفاجئين كل مرة من جديد.
معاريف
0 comments: