
Thu, 08/22/2013 -
بقلم: د. رؤوبين باركو
خلاصة تصور السياسة التطبيقية في الشرق الاوسط يعبر عنها المثل العربي: "اللي بتجوز إمي هو عمي". وهذا تصور سياسي واقعي يُسلم بحقائق غير لذيذة كما في هذا المثل الذي يتحدث عن رجل اجنبي له علاقة حميمة بالأم. هذا الفهم لقوانين الشرق الاوسط غير موجود لدى الساسة الغربيين، وهو يفضي أكثر من مرة الى عدم معرفة قادة الغرب بأخطاء قاتلة في كل ما يتعلق بتدخلهم في الصراعات والازمات في منطقتنا، وبخطوات محرجة حقاً أحياناً.
ويُعوّض تعويضاً ما عن هذا النقص، بنجاح جزئي وبغير قليل من الضرر احيانا، تلون ونفاق الساسة الاوروبيين والأميركيين، الذي لا حدود له وهم الذين يدّعون بنجاح محدود الظهور بمظهر المستشرقين بأسلوب "لورنس العرب". وتُستقبل بادرة الخير هذه التي لا إحكام فيها بقدر ما من سخرية العرب الذين يدركون ان الحديث يدور عن جهد لإرضائهم، لكن يوجد في هذا النفاق الظاهر شيء من التملق في نظر أكثر الساسة الساخرين والمحنكين والدُهاة – اليهود والعرب – في الشرق الاوسط الغارق في المؤامرات.
يمكن أن نذكر من الأمثلة على هذا التلون الضحل صورة اعلان الاتحاد الاوروبي في الآونة الاخيرة بأن "حزب الله" منظمة ارهابية. وفي الوقت ذاته وصدورا عن مصالح مقرونة بالأساس بالخوف من جموع المسلمين الارهابيين في الداخل، دفع الاتحاد الاوروبي مهراً للمسلمين وأعلن مقاطعة منتوجات المستوطنات في "يهودا" و"السامرة". وهناك مثال آخر على النفاق والتلون والاخلاق المزدوجة وهو معاملة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، التلاعبية والمهددة والمشحونة بالمنشطات لاسرائيل التي قد تتعرض كما قال لمقاطعات اخرى اذا لم تقبل مبادرته، وذلك في وقت مُقارب بصورة مريبة جدا من خطوات المقاطعة التي أعلنها الاتحاد الاوروبي للمستوطنات.
إن الولايات المتحدة، وهي القوة العظمى التي هرّبت في جُبن سفراءها من المنطقة وقوّت الارهاب الاسلامي بذلك حينما سمعت نبأ هرب معتقلي "القاعدة" من السجون في العراق والانذار بعملية تقوم بها المنظمة في اليمن – تطلب الآن من اسرائيل تنازلات وانسحابات تُعرّض مواطنيها للخطر، والنساء والأولاد الذين يتعرضون في كل يوم لانذارات أخطر بأضعاف من تلك التي أصدرتها الاستخبارات الأميركية في اليمن.
وتُظهر الولايات المتحدة مثالا على الاخلاق المزدوجة حينما تطلب من اسرائيل ان تُفرج عن سجناء امنيين قتلة باسم تفاوض هاذٍ لا أمل منه مع أبو مازن، في حين تُصر على عدم الافراج عن معتقلي غوانتنامو ولا عن بولارد وهو سجين يهودي لم يقتل أحدا ولم يُعرض للخطر قط أي مواطن أميركي.
في حين لا يقترب حل الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني من قمة سُلم أولويات الكوارث والمواجهات العسكرية في الشرق الاوسط، تُصر الولايات المتحدة على حصر العناية فيه لسبب ما، أي على البحث عن قطعة النقد المفقودة تحت المصباح الاسرائيلي الذي هو المكان المضاء الوحيد في الشرق الاوسط.
إن حقيقة أن الولايات المتحدة واوروبا لا تحركان ساكنا في مواجهة مذابح جماعية في العالم ولا سيما في الشرق الاوسط، تناقض منطقي. ويقف الغرب عاجزا متنحيا في مواجهة تسلح ايران بالطاقة الذرية ووقاحة كوريا الشمالية الذرية وتحدي الحرب الباردة من روسيا التي تزيد قوتها في سورية واماكن اخرى، ولا يُحرك ساكنا.
أمام الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر خاصة – أجل هو انقلاب عسكري – يثور انطباع بأن الحديث لا يدور عن نفاق فقط. فلو تلخص رد الغرب بالنفاق والاخلاق المزدوجة والجُبن أو باظهار السذاجة المريبة نحو الاسلام كما يفعل اوباما لقلنا "معلش". لكن نفاق الغرب وتقديرات العقوبات الكاذبة والتي لا أساس لها تثير القلق من أن الحديث يدور عن مجرد عدم فهم. وقد قام الفريق السيسي آخر الأمر وقضى على "الإخوان المسلمين" في مصر وسيناء التي هي مصدر مركزي للارهاب الاسلامي العالمي وهو يحقق بذلك حلم الغرب اللذيذ. ويقول المثل العربي: "المبلول ما بخاف من المطر". وليس للسيسي خيار سوى أن ينتصر مع المساعدة الغربية أو بغيرها. فيحسن أن يستثمر الغرب فيه الآن وأن يُنهي سريعا "التمثيلية الديمقراطية" البائسة التي لا تنطلي على أحد.
المصدر:
إسرائيل اليوم
0 comments: