أضواء على حرب الأدمغة بين "الشاباك" وفيلق القدس الايراني
تل أبيب: قصة التغطية التي استخدمها علي منصوري (58 عاما) الذي أطلقت عليه اسرائيل وصف "الجاسوس الايراني" والذي أعلنت اسرائيل عن اعتقاله، كانت مثالية، لقد كان منصوري رجل الاعمال يملك جواز سفر أوروبي، وسجل أمني نظيف. ولكن وسائل الاعلام الاسرائيلي حرصت على الترويج أن جهاز المخابرات الاسرائيلية "الشاباك" كان متيقظ وتمكن من تشخيص الجاسوس وهدفه المتمثل بإنشاء قاعدة "ارهاب ايراني في اسرائيل".
وتشير الانباء عن اعتقال "الجاسوس الإيراني" الى محاولة اضافية، لـ"فيلق القدس" في حرس الثورة الايرانية لإيصال أذرعه الاخطبوطية الى داخل اسرائيل بواسطة جاسوس ينتحل صفة رجل أعمال، ويشار الى أن مصدر استخباري اسرائيلي كشف أن المحاولات الاولى لفيلق القدس لزرع رجال داخل اسرائيل كانت في مطلع التسعينات من القرن الماضي، ولم يستبعد خبراء في مجال التجسس في اسرائيل أن تكون ايران نجحت بالفعل بزرع جواسيس لم يتم اكتشافهم حتى الان داخل اسرائيل.
ووصف الصحفي الاسرائيلي امير بخبوط، نجاح "الشاباك" باعتقال الجاسوس الايراني بالضربة القاسية التي تعرض لها فيلق القدس الذين استثمر الكثير من الموارد والتدريب لتأهيل هذه الجاسوس.
واعترف عدد من المتخصصين بالشؤون الاستخبارية الاسرائيلية أن فيلق القدس يحظى بتقدير اجهزة الاستخبارات العالمية لقدراته على تأهيل "نشطاء الارهاب والجواسيس".
ومن أجل بناء "قاعدة الارهاب والتجسس الايرانية في تل أبيب" وقع الاختيار بحسب بخبوطـ، على رجل أعمال ليس لامعاً حتى لا يلفت الانتباه، وتم بناء قصة تغطية وخضع للتدريب عدة أعوام قبل أن يتم منحه الضوء الأخضر للسفر الى اسرائيل من أجل بدء العمل، وتم تأهيل هذه الجاسوس من اجل الصمود في حال خضع للتحقيق.
ناقوس الخطر قُرع في مقر قيادة جهاز المخابرات الاسرائيلية "الشاباك" بحسب المزاعم الاسرائيلية بمجرد وصول "الجاسوس الايراني" ولكن ذلك لم يكن كافياً لاعتقاله وإخضاعه للتحقيق لأنه يحمل جنسية دولة أوروبية، وعلى ضوء ذلك، عمل جهاز "الشاباك" على مدار الساعة في مراقبة "الجاسوس الايراني" وجمع المعلومات عنه، وتم الاستعانة بجهاز المخابرات الخارجية الاسرائيلية "الموساد" الذي جمع معلومات في بلجيكا وإيران عن الجاسوس الايراني.
ورغم أن قصة التغطية التي قصها "الجاسوس الايراني" كانت في غاية الاتقان، تمكن "الشاباك" بالاعتماد على معلومات حصل عليها "الموساد" من الجزم أن منصوري ما هو إلا جاسوس يعمل لصالح فيلق القدس، في تلك اللحظة انتقل التحقيق من مرحلة التحقيق الخفي الى اعتقال منصوري وإخضاعه للتحقيق في منشأة تابعة لـ"الشاباك". وبعد ذلك تم اطلاق السفارة البلجيكية في تل ابيب بأمر القضية.
وبعد اعتقال منصوري بدأت مرحلة جديدة من حرب الادمغة. "الجاسوس الايراني" بدأ باستخدام كل ما تعلمه من اساليب مقاومة التحقيق، وأصر على أنه رجل أعمال مستقيم جاء للاستثمار في اسرائيل، ولم ينجح منصوري بإقناع كبار محققي "الشاباك" بقصة التغطية التي يحفظها عن ظهر قلب.
وفي هذه المرحلة ينصب جهد "الشاباك" ليس فقط على الكشف عن نويا "الجاسوس الايراني" التي اتضح بعضها ولكن الحصول على كل التفاصيل لبناء الصورة بشكل كامل، ولا يستبعد "الشاباك" أن منصوري يحاول خداعهم حتى الآن، وتنصب جهود "الشاباك" أيضا حول معرفة هل توجد الآن في اسرائيل خلايا نائمة تابعة لفيلق القدس أم لا.
وزعمت اذاعة جيش الاحتلال أن التحقيق مع منصوري كشف أن هدفه هو اقامة "قاعدة ارهاب تابعة لحرس الثورة الايرانية في اسرائيل". والواجهة التجارية التي كان يعكف الجاسوس على اقامتها كانت تهدف الى تسهيل استقبال نشطاء آخرين من حرس الثورة وفيلق القدس الايراني.
وخلصت بعض التقديرات الاسرائيلية الى هدف من وراء اقامة الواجهة التجارية من قبل "الجاسوس الايراني" هي اقامة بنية تحتية لاستيعاب مقاتلين ووسائل قتالية لتنفيذ هجمات ضد اهدف اسرائيلية منتقاة.
وبحسب خبراء الاستخبارات الاسرائيلية فإن "الجاسوس الايراني" زار اسرائيل ثلاثة مرات، وأنشأ فيها شركة، ووقع عقود عمل مع شركة من تل ابيب.
واعتبر المحلل يؤآف ليمور، وصف قضية "الجاسوس" بعملية التجسس المتفوقة التي راعت فيها ايران أسس تشغيل الجواسيس التي تنص عليها كتب أجهزة المخابرات العالمية والمتقدمة، وجاءت عملية تجنيد الجاسوس بطريقة محترفة حيث تم اختياره بناء على الجنسية البلجيكية التي يمتلكها وتم بناء قصة تغطية قابلة للتصديق بفتح شركة للجاسوس في بلجيكا وإقامة موقع الالكتروني للشركة، وحساب على فيس بوك، والعثور على رجال اعمال اسرائيليين وابرام صفقات تجارية معهم بمجال تجارة زجاج النوافذ.
واعتبر ليمور، أن هذا الجاسوس الايراني محترف بخلاف "جامعي المعلومات" الاخرين الذين سبقت وأن اعتقلتهم اسرائيل بالسابق، حيث خضع للتدريب اكثر من عام وتخصص في اساليب جمع المعلومات خصوصا باستخدام التصوير. وقصة التغطية التي استخدمها الجاسوس كانت قابلة للتصديق، وحرص الجاسوس على الحفاظ على السرية خصوصا خلال تواصله مع مشغليه الايرانيين واستخدم جواز سفره الايراني للسفر لايران وجواز سفره البلجيكي لزيارة دول أوروبا واسرائيل.
ولفت ليمور أن الجاسوس الايراني منصوري زار اسرائيل مرتبين قبل أن يتم اعتقاله، وتساءل عن احتمال وجود ثغرة امنية تمثلت بعد تشخيص الجاسوس في الزيارتين السابقتين أم أن عدم اعتقاله كان عن قصد لكي يتم جمع ادلة تدينه عند اعتقاله وحتى يتم تحديد الجهة التي يعمل لصالحها، ويستدرك ليمور بالقول أن توقيت الاعلان عن اعتقال منصوري ليس بالمصادفة خصوصا أن تم اعتقاله في الحادي عشر من ستبمر، ذكرى هجمات القاعدة على برج التجارة وتم الاعلان عن عملية الاعتقال بعد خطاب الرئيس الايراني حسن روحاني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وبعد الاتصال الهاتف الذي اجراه مع الرئيس الاميركي باراك اوباما، وقبل أن يلقى رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو خطابه امام المتحدة الذي سيوجه من خلال اتهامات الى ايران برعاية الارهاب.
0 comments: