هل ضربت إسرائيل "الدرع الوقائي" الإيراني؟
الجمعة 04 تشرين الأول 2013، ناجي س. البستاني - مقالات النشرة

تضاربت الأنباء بشأن خبر مقتل الضابط المسؤول في الحرس الثوري الإيراني، مجتبى أحمدي، الذي يشغل منصب رئيس برنامج الحرب الإلكترونية، حيث أورد عدد من وسائل الإعلام الخبر بكونه عمليّة إغتيال، في حين نفت بعض المصادر الإيرانية الخبر برمّته، وذكرت مصادر إيرانية أخرى أنّ "مجتبى" قُتل في "حادث مروّع" داعية إلى انتظار انتهاء التحقيقات قبل إطلاق التكهّنات (1). فمن هو هذا الضابط، وما أهميّته، وهل يمكن أن يكون مستهدفاً من إسرائيل، كما تردّد؟
بداية، لا بد من التذكير أنّ المواجهة الإلكترونية والرقميّة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من جهة، وإيران وسوريا وغيرها من الجهات من جهة ثانية، آخذة بالإحتدام تدريجاً وتصاعدياً منذ سنوات عدّة. وقد دفع هذا الأمر إسرائيل إلى إصدار الأوامر بإنشاء "قبّة حديديّة رقميّة" للتصدّي للهجمات الإلكترونية، بموازاة "القبّة الحديديّة" المضادة للصواريخ. في المقابل، إتخذت قيادة الحرس الثوري الإيراني قراراً بإنشاء وحدة حرب إلكترونية، مهمّتها حماية المنشآت الإيرانية المتطوّرة تكنولوجياً، من "الهجمات عبر شبكة الإنترنت" (Cyber Attack).
ولعلّ أبرز الهجمات التي تعرّضت لها طهران، كان هجوم Stuxnet Virus الذي ضرب برنامج مصنع "ناتانز" لتخصيب اليورانيوم في إيران، والذي خرج إلى العلن في العام 2010، علماً أنّ بعض المصادر تتحدّث عن تاريخ أبكر لبدء الهجوم. يذكر أنّ هذا "الفيروس الخبيث" يضرب أجهزة الكومبيوتر، ويسمح للمهاجمين بخرق "كلمات السرّ والمرور"، وبتبديل "أوامر" عمل هذه الأجهزة، من دون علم مشغّليها الأصيلين. وقد إتهمت طهران خبراء كومبيوتر من كل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بالضلوع بالهجوم آنذاك. وفي آب 2011، ردّت إيران الضربة الإلكترونية الأميركية – الإسرائيلية المزدوجة، بهجوم إلكتروني ضخم طال شركة "ديغينوتار" المتخصّصة بالمصادقة على هويّات الإسرائيليّين رقمياً. وقد تضرّرت نتيجة لذلك مئات المواقع الإسرائيلية الأخرى المرتبطة بالشركة المذكورة، ومنها موقع جهاز "الموساد" على الشبكة المعلوماتيّة. والمثلان المذكوران أعلاه هما عيّنة من عشرات الهجمات المتبادلة والتي لا مجال لذكرها في هذا المقال.

وبموازاة الحرب الإلكترونية الشرسة بين إيران وإسرائيل، وحلفاء كلّ منهما، وقعت عمليّات إغتيال مشبوهة في إيران بدءاً من العام 2007، وكان آخرها في كانون الثاني 2012. وقد ذهب ضحيّة هذه الإغتيالات التي تمّت بالرصاص حيناً وبالمتفجرات حيناً آخر، خمسة من كبار علماء الطاقة النوويّة وقائد برنامج الصواريخ الباليستية في إيران. والخطر على المشروع النووي الإيراني، أكان عبر إغتيال العلماء أو عبر التعرّض إلكترونياً لبرامج عمل المنشآت، أعطى أهمية مضاعفة للضابط مجتبى أحمدي، الذي كُلّف تأسيس برنامج متكامل للحرب الإلكترونية، مهمّته منع الهجمات الخارجية والمبادرة إلى تنفيذ هجمات ضد الغير عند الضرورة. وحرص المسؤول الكبير في الحرس الثوري الإيراني المذكور، على تأسيس نظام حماية عبارة عن "درع وقائي إلكتروني" يمنع الإسرائيليّين وغيرهم، من التعرّض لكومبيوترات المنشآت الإيرانية الحسّاسة، على غرار الهجوم الذي إستهدف كومبيوترات مصنع تخصيب اليورانيوم. والهدف يتمثّل طبعاً، بمنع إسرائيل من عرقلة الجهود الإيرانية لاستكمال أبحاثها في المجال النووي. وقد نجح مجتبى أحمدي في تحصين إيران إلكترونياً بشكل كبير. وأكثر من ذلك، تمكن فريق عمله من إلحاق الضرر إلكترونياً بأكثر من موقع إسرائيلي وأميركي في الأشهر القليلة الماضية. وأهمّية موقع هذا الضابط، والإنجازات التي حقّقها في فترة زمنيّة قصيرة، يجعله حتماً هدفاً ثميناً لإسرائيل، لأنّ إغتياله يؤثّر حكماً على معنويات الفريق الذي يقوده، ويلحق ضرراً بالخطط الموضوعة من قبله، إن كان لحماية إيران أو لإلحاق الضرر بإسرائيل. وبالتالي، لا يمكن أن تتردّد هذه الأخيرة للحظة بالتخلّص من رأس "الدرع الوقائي" الإيراني، بمجرّد أن تسنح لها الفرصة.
وفي الخلاصة، إنّ صحّ خبر إغتيال مجتبى أحمدي أم لم يصحّ، الأكيد أنّ الحرب الإلكترونية بين إيران وإسرائيل، وحلفاء كلّ منهما، مستعرة، وهي مرشّحة للتصاعد أكثر فأكثر في المستقبل، نظراً للضرر الكبير الذي يمكن أن تلحقه، من دون إثباتات لتورّط مباشر للجهة المنفّذة للإعتداء الإلكتروني.
(1) تردّد إعلامياً أنّ مجتبي أحمدي وُجد مقتولاً برصاصتين في القلب، ومرمياً في منطقة حرجيّة قرب مدينة كَرَج، شمالي غربي طهران، بعد أن كان غادر منزله في طريقه إلى مقر عمله. ويتركّز التحقيق حالياً على مشتبهين قيل أنّهما كانا يستقّلان درّاجة نارية طاردت أحمدي.
0 comments: