أسئلة ثقيلة حول تفاصيل الصفقة السرية مع بنك الصين
بقلم: ناحوم برنياع وشمعون شيفر
‘تكشف وثيقة قضائية قُدمت أمس الى المحكمة الفيدرالية في نيويورك لأول مرة عن وجود وحدة سرية من الموساد و’الشاباك’ ومجلس الامن القومي لاحباط تحويل اموال من الخارج الى منظمات ارهاب فلسطينية. وقد أُنشئت الوحدة في 2002 وكانت تابعة لرئيس الوزراء ولرئيس الموساد آنذاك، مئير دغان.
‘جندت الوحدة عائلات ثكلى بسبب عمليات ارهابية لأجل رفع دعاوى قضائية على بنوك ومؤسسات مالية اخرى مكّنت من تحويل الاموال. وقد ترأسها مسؤولان كبيران سابقان هما عوزي شعياه وشلومو متلون. وزودت حكومة اسرائيل العائلات بمعلومات استخبارية وصلت اليها ووعدت بارسال مسؤولين كبار من قبلها للشهادة في المحاكم واتخذ القرار في حالات استُجيب فيها توجه الموساد الى حكومات اجنبية بالرفض.
قُدمت الوثيقة الى المحكمة في اطار الدعوى القضائية لعائلة وولتس التي قتل ابنها دانييل في العملية التفجيرية في تل ابيب في 2006، ورُفعت على بنك الصين وهو من أكبر البنوك في العالم. إن رئيس الوزراء نتنياهو وقراراته يؤديان دورا مركزيا في الوثيقة الجديدة.
‘
شحنة حقائب ظهر
‘
تم الحديث عن مشاركة البنك الصيني في اموال الارهاب بتوسع في تقارير صحفية سابقة في ‘يديعوت احرونوت’. وبحسب الوثيقة الجديدة تبين لجهاز الاستخبارات في اسرائيل في 2005 أن الجهاد الاسلامي وحماس تحصلان على ملايين الدولارات من عائلة رجال اعمال فلسطينية تعمل في غوانتشاو في جنوب الصين، وتم تبييض الاموال بمساعدة حسابات بنكية في بنك الصين ووصلت الى غزة على صورة سلع حُول ثمنها الى الأذرع العسكرية للمنظمات الارهابية. وكانت مصادر المال من سوريا وايران. وقد استعمل فرعان من عائلة شرفا الفلسطينية واحدا في الصين وواحدا في غزة، تلك الشبكة.
‘حاولت حكومة اسرائيل في فرص أكثر من أن تحصى أن تعترض تحويل المبالغ المبيضة’، تقول الوثيقة القضائية. ‘في ايلول 2007 مثلا أوقفت مصلحة الجمارك الاسرائيلية شحنة حقائب ظهر وملابس كانت متوجهة الى غزة وكان يفترض أن يبلغ ثمنها الى حماس والجهاد’.
وتقول الوثيقة إنه بعد أن تبين أن تحويل المال عن طريق البنك الصيني مستمر، استقر رأي دغان بموافقة رئيس الوزراء شارون على أن يرسل الى الصين عددا من كبار مسؤولي جهاز الاستخبارات لاقناع السلطات الصينية باغلاق حسابات البنك. وفي تلك الفترة كان بنك الصين في ملكية كاملة لحكومة الصين. وقد زاروا الصين بين 2005 الى 2007 عدة مرات والتقوا موظفي البنك الرسمي الصيني، ووزارة أمن الجمهور وموظفين حكوميين آخرين لم يُعرفوا وظائفهم. وأجرى نائب وزير المالية الامريكي ستيورت ليفي لقاءات مستقلة مع مسؤولين صينيين كبار في بحث للموضوعات نفسها (كُشف عن تفاصيل لقاءات ليفي في وثائق ‘ويكيليكس′).
يُذكر في الوثيقة للمحكمة في نيويورك اربعة مسؤولين اسرائيليين كبار شاركوا في الوفود الى الصين وهم: شعياه ومتلون ورئيس مجلس الامن القومي داني أرديتي ول. الذي ما زال اسمه الكامل سرا.
وفشلت المحادثات الدبلوماسية فقد ‘أبلغ الممثلون الصينيون الوفد أن بنك الصين استقر رأيه على عدم اغلاق الحسابات’، كما جاء في الوثيقة.‘
‘ وعظ فرقة الانشاد الكنسية‘
بازاء الرفض استقر رأي اسرائيل على التحول الى استراتيجية اخرى، تقول الوثيقة. ‘توجه الموساد وديوان رئيس الوزراء الى ضحايا ارهاب أو الى محاميهم لتمكينهم من رفع دعاوى قضائية. ووعدت اسرائيل بتقديم المعلومات والشهادات المطلوبة’.
وفي حال وولتس كان التوجه الى جمعية ‘شورات هدين’ برئاسة المحامية نتسانا برشان لايتنر. وعثرت المحامية برشان لايتنر على عائلة وولتس. وبعد وقت اختارت العائلة أن تتحول الى مكتب محاماة آخر امريكي. ‘لمنع وضع يُثار فيه عبثا آمال ضحايا ارهاب يُجندون بصفة مُدعين، ولضمان ألا تُرفض الدعاوى التي ستُرفع على بنك الصين، طلب محامو ‘شورات هدين’ من حكومة اسرائيل ألا تزود بمعلومات محددة وتصريحات مختومة فقط بل أن تقدم شاهدا مفوضا ايضا يحضر الى المحكمة ويشهد على اللقاءات مع أصحاب البنك. وبذل شعياه ول. الوعد بعد أن حصلا على موافقة دغان. وعلى هذا الأساس رفعت عائلة وولتس الدعوى القضائية’.
‘أجل، قدمت حكومة اسرائيل الى العائلة والى محاميها معلومات استخبارية كاملة عن اموال الارهاب من الصين. وأُرسل الى المحكمة ايضا مذكرة بتوقيع شلومو متلون فصل فيها آثام بنك’ الصين. ‘تزعم اسرائيل اليوم أن تلك المعلومات سرية وأن الشهادة عليها ستضر بالامن القومي’، تقول الوثيقة.
‘في كانون الثاني 2011 ترك دغان رئاسة الموساد. وتزعم الوثيقة أنه ‘في تشرين الاول 2011 بدأت جهات حكومية تسأل اسئلة عن التزام الموافقة لعوزي شعياه أن يشهد في نيويورك. واتصلت الاسئلة الرئيسة بمعلومات اخرى على الصين كانت عند اسرائيل ولم تُسلم حتى ذلك الحين’.
وفي تلك المدة كلها تلقت العائلة وعودا من ديوان رئيس الوزراء ومن السفارة الاسرائيلية في واشنطن بأن كل شيء على ما يرام ولا يوجد تغيير في السياسة. وحصلت رئيسة لجنة الخارجية في مجلس النواب الامريكي، اليانا روس لايتمن على وعد مشابه.
‘وفي تلك الاثناء اضطرت المحكمة بنك الصين الى الكشف عن وثائق داخلية صادقت على حقيقة أن اسرائيل أجرت مفاوضة مع البنك وأن الصين طلبت الى اسرائيل في اثناء المحاكمة أن تنكر الاتصالات التي كانت.
في 20 آذار من هذه السنة أرسل شعياه رسالة برأي من الجهات المفوضة في اسرائيل، تحدد اطار شهادته. وفي اللحظة التي عرف فيها الصينيون أمر الرسالة بدأوا اجراءا دراماتيا.
‘بعد ارسال الرسالة بأيام اتصل موظفون من حكومة الصين بسفير اسرائيل في الصين، متان فلنائي، وهددوه بأنه اذا شهد شعياه فستلغي حكومة الصين دعوة رئيس الحكومة نتنياهو وزوجته وابنيه الى زيارة الصين، وأبلغ فلنائي نتنياهو ذلك فورا. ‘واستقر رأي نتنياهو في السر لاتمام الزيارة على ابلاغ حكومة الصين أنه لن يوافق لشعياه أو أي موظف اسرائيلي آخر، في الحاضر أو في الماضي، أن يشهد في نيويورك، وفي 6 أيار خرج نتنياهو وحاشية كبيرة لزيارة دامت خمسة ايام اشتملت على لقاءات وسياحة’.
تقول الوثيقة إنه بعد اشهر اعداد أبلغت الحكومة شعياه أنها تزن من جديد الوعد الذي أعطته للعائلة بأن تُمكّنه من الشهادة. واذا كانوا قد أتاحوا له قبل ذلك وثائق له لتطرية ذاكرته فقد منعوه الآن من الوصول اليها. وفي اللقاء في شهر أيار بيّن شعياه للوالد يكوتئيل وولتس أنه ‘يوجد ضغط ثقيل أخذ يشتد من حكومة الصين على حكومة اسرائيل لمنع شهادته’.
في حزيران تحدث رئيس مجلس الامن القومي آنذاك يعقوب عميدرور الى يكوتئيل وولتس. ويكشف تسجيل المحادثة عن الشرك الذي وقع نتنياهو فيه. ‘اعترف عميدرور في الحديث بأن بنك الصين كان مشتركا في اعمال قبيحة. وبرغم ذلك لن تكون شهادة على الاعمال بخلاف الوعود التي أعطتها الحكومة.
وعبر وولتس عن مفاجأة وخيبة أمل من تغير توجه حكومة اسرائيل وخضوعها للضغط الصيني. ولم ينكر عميدرور أن نتنياهو خضع في الواقع للضغط الصيني لكنه أعطى تفسيرا آخر وهو أن هدف الدعوى القضائية كان استخراج وعد من البنك الصيني بأن يغير سياسته وأُحرز هذا الهدف.
‘ ‘حينما قال وولتس ‘لا يمكن ألا يواجه الصينيون نتائج افعالهم فقد كانوا مشتركين في قتل ابني’، اختار عميدرور أن يجيب باللغة الانجليزية قائلا: أنت يا سيد وولتس تقنع المقتنعين (كان التعبير بالانجليزية: ‘أنت تعظ فرقة الانشاد الكنسية’). وقال وولتس إنه اذا لم يُعاقَب البنك الصيني فسيكون ذلك ضوءا أخضر لبنوك اخرى في العالم للتعاون مع الارهاب. وكرر اللواء عميدرور مرة اخرى التعبير نفسه: أنت تقنع المقتنعين’.
” وتقول الوثيقة إن حكومة اسرائيل اختارت بعد ذلك، والى اليوم، تكتيك التسويف. وخلافا للواقع لم تتحدث الوثائق التي كُتبت عن قرار بل عن فحص للموضوع دون تحديد وقت. وكانت تلك لغة الرسالة ايضا التي أرسلها كبار موظفي وزارة القضاء في البلاد الى المحكمة.
ترمي الوثيقة الى غايتين، الاولى اقناع المحكمة برفض طلب البنك الصيني الغاء المحاكمة لأن الشاهد الرئيس لن يأتي للشهادة؛ والغاية الثانية رفض الزعم الاسرائيلي حصانة الشاهد والمعلومات لاسباب الامن القومي.
‘ الاسئلة الثقيلة‘
” يجب أن تثير العقدة الصينية اسئلة ثقيلة لا في نيويورك فقط حيث تتم المحاكمة أو في فلوريدا وهي مكان سكن عائلة وولتس، أو في واشنطن وهي العاصمة التي تحمل في الأساس عبء المكافحة العالمية للارهاب، بل يجب أن تثير اسئلة هنا ايضا في اسرائيل.
‘ حتى لو وافقت حكومة الصين على فتح صفحة جديدة في شأن الارهاب عقب الدعوى القضائية في نيويورك، فان حقيقة أن حكومة اسرائيل جندت عائلة ثكلى وتركتها وحدها في المقدمة تثير القشعريرة. فليس هذا هو التراث الذي يفخر به جهاز الامن في اسرائيل. وليس الحديث فقط عن عائلة واحدة بل عن عشرات العائلات التي رفعت دعاوى قضائية في نيويورك على أساس دعوى عائلة وولتس. إن الخضوع للضغط الصيني يُشكك في الطريقة كلها لأنه لا داعي لتجنيد عائلات واستعمال محامين وشغل محاكم اجنبية اذا لم تكن الحكومة قادرة على الوفاء بوعودها.
‘ وثم سؤال آخر يتعلق بنتنياهو وبالصلة بين زيارته العائلية للصين والقرار الذي اتُخذ في ديوان رئيس الوزراء قُبيل الزيارة. إن نتنياهو يرى نفسه مرشدا اخلاقيا وسياسيا في المكافحة العالمية للارهاب. ولا مثيل له في خطبه المؤثرة المنددة بالارهاب، ولا مثيل له في وعوده بمكافحة الارهاب بلا هوادة. لكنه خسر هذا الادعاء بطريقة علاجه هو والعاملين معه للعقدة الصينية.‘
يديعوت أحرنوت
0 comments: