جردة حساب "يعلون"
بقلم: ناحوم برنياع
‘المُهانة على التوالي’، هكذا يسمي بوغي يعلون واحد من شركائه في مائدة الحكومة. إن استعمال لغة التأنيث غير عرضي: فهو لم يتم صدورا عن احتساب لذوق عضو الكنيست ميراف ميخائيلي اللغوي بل بالعكس للاشارة الى حساسية زائدة في تصريحات وزير الدفاع، وهذه صفة ينسبها الوزير دنان الى النساء لسبب ما.
يُهان يعلون ويُهين. إن الكلام الذي ذكره شمعون شيفر هذا الاسبوع على لسانه لم يكن نتيجة غضب لحظي أو حيلة سياسية بل عبر تعبيرا دقيقا عما يفكر فيه ويشعر به. هذا هو بوغي: فاذا كان المستقيم هو عكس الوغد فان بوغي هو أكثر الناس استقامة، واذا كان المستقيم عكس المعوج فعندنا مشكلة.
تغيرت نظرته الى حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني في اثناء تسعينيات القرن الماضي. وفي 1995 عُين رئيسا لـ ‘أمان’. وقد اجتمعت على طاولته في كل يوم أدلة على المساعدة السرية التي بذلها عرفات لخلايا الارهاب. وكان عرفات كعادته منذ كان يلعب في جميع الملاعب بصورة متوازية ويرقص في جميع العمليات التفجيرية. واعتقد يعلون أنه يجب على اسرائيل أن توجه الى عرفات انذارا فاما أن تفصل نفسك عن الارهاب وإما أن تطير. وقال له رابين ليس الآن. فلينتخب عرفات أولا بمقتضى القانون في انتخابات عامة رئيسا للسلطة الفلسطينية وحينها نعزله عن الارهاب. وبعد قتل رابين جاء بيرس بطلب مشابه ففضل بيرس الانتظار. وعرض بيرس الانذار على عرفات في ربيع 1996 فقط بعد أن أغرقت موجة ارهاب حماس البلاد. فأمر عرفات باصطياد رجال حماس والقضاء عليهم لكن ذلك كان عند بيرس متأخرا جدا فخسر في الانتخابات.
كان ذلك متأخرا جدا ايضا بالنسبة ليعلون، فقد فقد ثقته باتفاق مع الفلسطينيين. وفقد ثقته ايضا بالمسؤولين عنه. إن كلامه المقتبس عن جون كيري هو اطراء اذا ما قيس بما اعتاد أن يقوله في تلك الفترة عن شمعون بيرس.
وهكذا غرق مرشد حركة الشباب العاملين والدارس من كريات حاييم والاسطبلي من كيبوتس غروفيت، والضابط الذي تظاهرت زوجته وابنته من اجل ‘سلام الآن’، غرق في نواة اليمين الصلبة. ليس يعلون شارون، فان عدم ثقته بالعرب لم يأت من أسفل، من شجارات مع فتيان القرية المجاورة، بل من أعلى، من تقارير الاستخبارات. وهو مثل كثير من التائبين أكثر تمسكا بدينه من اولئك الذين رضعوا العداوة من حليب أمهاتهم.
حينما كان رئيس ‘أمان’ ونائب رئيس هيئة الاركان ورئيس هيئة الاركان عرف أن يتلو عن ظهر قلب اسماء جميع اصحاب الكنى الذين كانوا مشاركين يوما ما في الارهاب، واسماء المستعملين والقادة والمساعدين والمنتحرين. إن ما تشتمل عليه ذاكرته مدهش. لكن لا يجوز أن نُبلبل فالذاكرة الممتازة لا تضمن مرونة فكرية ورؤية شاملة. لا يوجد مثل يعلون في فهم مساويء الفلسطينيين وربما ايضا في وصف نقاط ضعف الامريكيين الذين يؤمنون بحلول عجيبة للصراع. فيعلون يعلم ما الذي يفعله الصراع بهم. لكنه لا يعلم ويرفض أن يعلم ماذا يفعل استمرار الصراع وسيفعل بدولة اسرائيل. فهو يكشف عن عوراتهم لكنه يغمض عينيه عن رؤية عورتنا.
‘ما الذي حدث لبوغي؟’، سألني هذا الاسبوع واحد من زملائه في الماضي في هيئة القيادة العامة. ‘ما الذي حدث لبوغي؟’ كرر سؤالي واحد من معارفه الامريكيين. لا أعتقد أنه حدث له شيء، فوزير دفاعنا يكثر من الشكوى، وقد شكا وسيشكو الى أن ينبعث دخان.
إفساد شديد
تلقت الادارة الامريكية كلام يعلون بصورة شديدة. فطلب سفير الولايات المتحدة دان شبيرو في صباح يوم الاثنين أن يعتذر يعلون ويتراجع عما قال ايضا. ويتصل الاعتذار بالاسلوب لأنه ليس من المقبول أن يوصف وزير خارجية دولة حليفة بأنه ‘مسيحاني’ و’موسوس′ وارساله للحصول على جائزة نوبل وأن يدعنا وشأننا. ويتصل الندم بالجوهر: فقد دفن يعلون التفاوض كله وفيه الاقتراح الامني الذي عرضه الامريكيون. وتوقعوا أن ينكر كلامه.
ورفض يعلون التكمش. فقد نشر بعد الظهر اعلانا قصيرا جدا لم يوجد فيه لا اعتذار ولا ندم فغضب الامريكيون غضبا شديدا، فقرأت متحدثة وزارة الخارجية اعلان توبيخ شديد اللهجة جدا، وتابعها على ذلك متحدث البيت الابيض. وانضم نتنياهو الى الضغط وفي الليل أصدر يعلون اعلانا آخر اشتمل على اعتذار. أو على نصف اعتذار كما قال الامريكيون، وهذا غير كاف. وعلى حسب تجربة الماضي تنتظر يعلون في واشنطن فترة غير سهلة لأنه توجد مئة طريقة للتنكيل بوزير دفاع لا تريد ادارة امريكية الخير له. ويتصل بعضها بالعناية بالطلبات التي يضعها جهاز الامن في اسرائيل كل يوم على طاولة الامريكيين.
توقع الامريكيون أن يفعل نتنياهو شيئا ما وبينوا لنتنياهو قائلين: ‘يوجد هنا مع الاهانة إفساد شديد للتفاوض. إن يعلون عضو في حزبك ونتوقع أن تُخضعه للطاعة’.
واكتفى نتنياهو بتحفظ باشارة خفية من اسلوب يعلون لا من مضمونه. فهو لم يشأ أن يبدو في نظر اعضاء حزبه أنه استسلم لاملاء امريكي.
وهم في واشنطن يدركون أن للقضية جانبا سياسيا. ‘هذه حيلة سياسية لامعة’، بين وزير من الليكود لأحد معارفه من الادارة الامريكية. ‘ظهر يعلون مثل بطل مستعد أن يواجه امريكا من اجل امن اسرائيل، وسيكون ذلك في مصلحته في الانتخابات التمهيدية’.
إن من يفكر بهذه الطريقة غير قادر على التفريق بين وزير دفاع دولة اسرائيل وميري ريغف، فقد أصبحت اللعبة السياسية في الليكود هزلية بهذا القدر.
وحذر وزير آخر من حزب آخر من أن كلام يعلون نبوءة تحقق نفسها، فيعلون يقنع الرأي العام بأنه لا فائدة من اتفاق ويعارض بعد ذلك الاتفاق بحجة أن الرأي العام لا يقبله. وسأله وزير قائلا اذا كان التفاوض لا فائدة منه وهو من الفضول ومضر فلماذا يستمر يعلون في الجلوس في جميع النقاشات؟ فليقم ولينصرف.
وقال نفس الوزير ايضا: من حسن الحظ أن الكلام نشر بعد أن أقلع نائب الرئيس بايدن من هنا، ففي كل مرة يزور البلاد فيها توجه ضربة اليه بخطة بناء أو باهانات. ولو وجد هذه المرة لما ضبط نفسه بل كان سيسدد الينا ضربة.
باعث قوي فوق هاوية
إن المشكلة هي أن كلام يعلون كان فيه قدر كبير من الصدق، وهم في واشنطن وفي القدس ورام الله يدركون ذلك لأنه لا يوجد تفاوض. كان واضحا من البداية أن هاوية تفغر فاها بين الطرفين ولا يمكن عقد جسر فوقها بباعث قوي من وزير خارجية امريكي. فلا يوجد حافز ولا توجد مصلحة ولا توجد ثقة ولا يوجد ضغط. والامر لن يمر باللين.
أعلن كيري في مؤتمر صحفي في الكويت بأنه سيستمر على جهوده بلا كلل. وهو سيستغل الكلام الذي قاله يعلون عنه كي يزيد الثقة به في الدول العربية. وفي هذه الاثناء يعمل فريقه في تفاصيل الورقة التي ستعرض على أنها اتفاق اطار. ويتضاءل محتوى الورقة من يوم الى آخر ويؤجل الأجل المسمى من اسبوع الى آخر. والروح المعنوية غير عالية. ويوجد في داخل الفريق اصوات تقول حسبُنا. فقد أُهنا بما فيه الكفاية وحان الوقت لاغلاق ‘البسطة’. فليتفضل الفلسطينيون وليتجهوا الى مؤسسات الامم المتحدة فستعطيهم الامم المتحدة دولة في الورق وتعطي اسرائيل المحاكمات والمقاطعات وربما
رأس المابايي
يقول رافي ايتان: ‘يسأل كثيرون ماذا كان سيفعل اريك شارون لو كان حيا اليوم. وأنا أعلم ماذا كان سيفعل’.
إن ايتان ابن السابعة والثمانين، وهو من كبار مسؤولي الموساد في الماضي ومستشار شؤون الارهاب في الماضي ووزير في الماضي، كان أحد أقرب الاشخاص الى شارون. فليس هو صديقا بأثر رجعي وليس هو مُجلا أعمى بل هو شريك ورجل سر. كان ايتان معه في أكثر مناصبه إما بالقرب منه وإما تحت إمرته. ويقول: ‘كنا شخصين نهج تفكيرنا متشابه’. وسألته: أي نهج، فقال ايتان: ‘كلانا مابايي’.
‘في سبعينيات القرن الماضي كان الاعتقاد أن ارض اسرائيل كلها لنا وأن سكانها الفلسطينيين سيكتفون بحكم ذاتي. وفي هذه الحال يجب الاستيطان في كل مكان كي لا يوجد فصل، ولهذا تبنى اريك الاستيطان في المناطق، وكان هنا ايضا تقدير سياسي.
‘صنعت حرب لبنان التغيير عندي، وصنعته عنده رويدا رويدا. فقد بدأنا بعدها ندرك أنه يجب احداث فصل في يهودا والسامرة ايضا.
‘في آب 1988 اعلن الملك حسين أنه يتخلى عن المسؤولية عن الضفة الغربية. ونشأ فراغ. كان رئيس الوزراء هو اسحق شمير. وقد عرفته معرفة حميمة بسبب العمل المشترك في الموساد، فهاتفته في بيته في ذلك المساء وقلت لزوجته شولاميت، أنا قادم. وأتذكر الى اليوم طعم العجة التي قدمتها لنا’.
وغضن وجهه، فهو لا يتذكر طعم العجة ذكرا حسنا.
لكن اللقاء كان ناجحا. ‘قلت انه توجد هنا فرصة غير عادية للجمع بين خطتي يغئال الون ويسرائيل غليلي. تبقى لنا صحراء يهودا وغور الاردن وسيطرة على سفح الجبل ونخرج من جميع المناطق الفلسطينية المأهولة.
‘وحينها قال شمير: يجب الفحص عما يعتقده الامريكيون. إن سام لويس (سفير الولايات المتحدة آنذاك) سيزورنا هنا، وهو صديق شارون فليتحدث شارون اليه.
‘ويجب أن نسأل رابين عن رأيه’.
كانت الحكومة حكومة وحدة وكان رابين وزير دفاع وكان حليف شمير على وزير الخارجية بيرس.
‘هاتفت شارون مباشرة فأخذ على عاتقه أن يتحدث الى لويس، وأن أتحدث أنا الى رابين. وفي الصباح كمنت لرابين عند درج وزارة الدفاع فوعدني رابين بالتأييد’.
عاد شارون مع انباء طيبة من لويس، فالامريكيون ستصعب عليهم المعارضة لأن في الضفة فراغا. وقال شمير إنه سيفكر في ذلك.
‘بعد بضعة ايام عدنا الى شمير فقال فكرت في ذلك وخلصت الى استنتاج وهو لماذا يكون لنا جزء من الضفة فقط؟ لماذا لا تكون كلها؟ فقلت له اذا أردت كل شيء فستنتهي الى لا شيء’.
الانفصال 2
يزعم ايتان أن الاجراء من طرف واحد في الضفة كان هو الحل الذي سعى اليه شارون حينما كان رئيس وزراء. وأطلعني على مذكرتين كتبهما إثر لقاءين مع شارون في كانون الثاني وأيار 2004. تحدث شارون في اللقاء الاول في جملة ما تحدث عنه عن عدم ثقته بالفلسطينيين. ‘استغرقت ادارة بوش زمنا لتدرك أنه لا أمل في اتفاقات مستقرة مع الفلسطينيين’، قال شارون. ‘فانهم لن يعرفوا ضبط أنفسهم’.
اشتملت خطة انفصال شارون على كل قطاع غزة وأجزاء واسعة من يهودا والسامرة.
قال شارون: ‘إن الشارع عابر السامرة، مثلا من اريئيل الى الشرق سننقله الى اتجاه معاليه لبونه وعاليه وشيلا وعوفرا. وسيمكننا ذلك من التمسك بسفح الجبل’.
فلاحظ ايتان قائلا: ‘لكن هذا يعني أن تفوح وربما مغداليم ايضا ستنقلان الى اماكن اخرى’.
فقال شارون: ‘يبدو أنك على حق. لكنني لن أتخلى عن الغور’.
وتم اللقاء الثاني في ذروة النضال عن الانفصال من غزة. ‘أنا مصمم على تنفيذ الخطة’، قال شارون. ‘اذا لم يكن مناص فسآخذ حزب الله أو شاس أو كليهما. وتحدثت الى تومي لبيد عن شاس فقال لبيد كيف سأظهر في التلفاز؟ فقلت له إنه يجب لأجل هدف قومي أن تعرف كيف تتنازل عن اشياء حتى عن فصل الدين عن الدولة’.
تحدثا بعد ذلك عن مواصلة الانفصال في الضفة. ‘ذكر اريك ثلاثة امكانات’، كتب ايتان. ‘الاول تنفيذ القانون الاسرائيلي في المنطقة التي ستحدد كما هي الحال في هضبة الجولان؛ والثاني الضم. ولا يمكن فعل هذا دون موافقة امريكية لن تعطى كما يبدو؛ والثالث اعلان مناطق امنية. وقال انه لن يقوم بأي اجراء رسمي قبل الانتخابات في امريكا’.
من السهل أن نتخيل هذين الرأسين الأشيبين وهما خريجا حرب الاستقلال ينحنيان معا فوق خريطة يبحثان عن مسار لشارع عيلي الى عاليه، وعن جسر الى شيلا وعن نفق يربط كريات اربع بالجيب اليهودي في الخليل. فالذي لا يجوز عرضا يجوز الى أعلى والذي لا يجوز بالموافقة يجوز بالقوة.
وصعب عليهما أن يُسلما بحقيقة أن العصر الذي كان يقدس إقرار الحقائق على الارض قد زال ولن يعود.
إن ايتان على يقين من أنه لولا أن شارون دخل المستشفى في كانون الثاني 2006 لنفذ في بضعة اشهر مسار تفاوض عابثا يعلن بعده انفصالا كبيرا في الضفة. ‘تحدثنا عن بيت إيل هل نخليها أم لا، وقال اريك انها عظم في حنجرة رام الله فسنخليها. وتحدثنا عن بسغوت وبيت حغاي. فقال شارون يجب اخلاؤهما كما أخلينا غنيم وكديم وحومش’.
قلت لرافي ايتان: نتنياهو ايضا لا يقدس المستوطنات جميعا. فما الفرق بينه وبين شارون؟
‘كان اريك مستعدا للسير على شفا الهاوية’، قال. ‘أما نتنياهو فلا. انه يدرك أننا لا نستطيع السيطرة على رام الله أو جنين لكنه غير مستعد للمخاطرة’.
وسألته: ما الفرق بين نتنياهو وشمير.
فابتسم ايتان وقال: ‘حينما كانوا يحذرون شمير قائلين اذا فعلت كذا وكذا فلن تكون رئيس وزراء، لم يكن يخاف بل كان يقول: لقد أصبحت رئيس وزراء’.”
يديعوت أحرنوت
0 comments: