Friday, February 14, 2014

صحافة اليوم 14-2-2014

صحافة اليوم 14-2-2014

مقاطعة اسرائيل تهديد مبالغ فيه

بقلم: البروفيسور افرايم عنبار

اسرائيل اليوم –13/2/2014

يُحذر وزير الخارجية الامريكي جون كيري من أنه اذا لم يتم التوقيع على اتفاق اطار مع الفلسطينيين فستواجه اسرائيل مقاطعة اقتصادية. وتؤجج هذه التحذيرات حملة المقاطعات (المسماة بي.دي.إس) التي يقوم بها أعداء اسرائيل. وهي الى ذلك تُحدث الانطباع المخطيء وهو أن المقاطعة تهديد كبير وإن كان له نجاح ضئيل حتى الآن.

استطاعت اسرائيل أن تُكيف نفسها مع الاقتصاد العالمي في عصر العولمة، فالتصدير الاسرائيلي يُستقبل بالمباركة في أكثر الدول، والحديث عن منتوجات منافسة من جهة النوع والسعر. ونجحت اسرائيل في دخول اسواق كثيرة حتى إن دولا عربية تستورد منتوجات من انتاجنا. وتوجد كذلك منتوجات اسرائيلية ذات مزايا خاصة لا يمكن التخلي عنها، وتوجد مركبات من انتاج صناعة الهاي تيك الاسرائيلية هي جزء أساسي من المنظومات الجوهرية لمصنوعات عالمية كثيرة.

هذا الى أنه فشلت في الماضي محاولات دبلوماسية امريكية كثيرة للاتيان بسلام الى الشرق الاوسط، لكنها لم تسبب ضررا كبيرا لاسرائيل في الساحة الدولية برغم أن اسرائيل كانت ترى احيانا مسؤولة عن عدم النجاح. فالصلة بين الجهود الدبلوماسية الامريكية وبين وضع الاقتصاد الاسرائيلي ضعيفة اذا.

إن الفحص عن الساحة الدولية يُبين أن ليس من المحتمل أن تكون حملة بي.دي.إس أنجع. ففي امريكا مثلا التي هي وجهة التصدير الاسرائيلي الرئيسة، ليس للمقاطعة مع منتوجاتنا احتمالات نجاح لأن تأييد الرأي العام الامريكي لاسرائيل في العشرين سنة الاخيرة متواصل يقف على اكثر من 60 بالمئة. هذا الى أنه تم اتخاذ خطوات تشريعية في الولايات المتحدة لمنع المقاطعة مع منتوجات أو مؤسسات اسرائيلية، بل عبرت الادارة الحالية التي ناكفت اسرائيل اكثر من مرة بحزم عن معارضتها الشديدة لحملة المقاطعات.

صحيح أنه يوجد في عدد من دول غرب اوروبا التي هي وجهات مهمة للتصدير الاسرائيلي، ميل معاد لاسرائيل واضح ولذلك ينبغي ألا ننفي تماما امكانية المقاطعة مع منتوجات اسرائيلية؛ لكن ينبغي أن نتذكر أن الدول الاوروبية في ازمة اقتصادية أخذت تضعف. بل إنه بقيت في اوروبا كذلك جيوب دعم لاسرائيل وأعلن الاتحاد الاوروبي نفسه أنه ليست عنده ألبتة نية الانضمام الى المقاطعات. أما المنتوجات الاسرائيلية التي تصنع وراء الخط الاخضر فهي قضية اخرى، لكن جزءً صغيرا فقط من النشاط الاقتصادي في اسرائيل يأتي من المستوطنات.

إن التصدير الاسرائيلي ينتقل بالتدريج وإن يكن ذلك بايقاع بطيء جدا، الى اسواق آسيا. ففي الاسواق الكبيرة كالصين والهند نسبة زيادة عالية وليس هذا فقط بل إنه لا توجد في هاتين الدولتين ايضا رواسب معاداة سامية تاريخية. وينبغي أن نتذكر ايضا أن اسرائيل ترى في آسيا دولة ناجحة وقدوة – حتى في دول وسط القارة التي هي مسلمة في الأساس.

في مقابل ذلك حدث انخفاض لقوة العالم العربي السياسية وهو الذي يعتبر الحليف الطبيعي للفلسطينيين، والازمة سياسية واجتماعية واقتصادية. وتواجه مصر وهي أكبر الدول العربية وأهمها تحديات كبيرة في الداخل وتعمل مع اسرائيل متعاونة معها على مواجهة الاسلام المتطرف. والسعودية يقلقها الشأن الايراني أكثر من القضية الفلسطينية وكذلك ايضا أكثر العالم السني. وإن حقيقة أن الولايات المتحدة متجهة الى الاستقلال في مجال الطاقة تضعف هي ايضا القوة العربية. فاذا كانت اسرائيل قد تغلبت على مقاطعة العالم العربي حينما كان أقوى، فانه يصعب أن نفرض أن تفضي محاولات حركة بي.دي.إس الى نتائج مختلفة اليوم.

إن تهديد المقاطعة مبالغ فيه، بيد أن وزير الخارجية الامريكي يكرر ادعاءات اليسار الاسرائيلي التي تقول إن اتفاقا مع الفلسطينيين هو الطريق الوحيد للخلاص من العزلة الدولية. هذا الى أنه يوجد ايضا اشخاص لا مسؤولية عندهم من اليسار الاسرائيلي يدعون الى الضغط على اسرائيل بعد أن أدركوا أنهم لن ينجحوا في تغيير سياستها. ومن حسن الحظ أن اسرائيل ليست معزولة وأن أكثر العالم لا يرى الفلسطينيين عاملا مهما بقدر كاف لتسويغ الاضرار بعلاقات طيبة باسرائيل.

عرض الندب والظهور بمظهر الضحية في الكنيست

حطم الارقام القياسية للسخافة والعار

بقلم: يوسي فيرتر

هآرتس –13/2/2014

إن عرض الندب والظهور بمظهر الضحية الذي شوهد أمس (الاربعاء) في الكنيست زمن خطبة رئيس البرلمان الاوروبي حطم الارقام القياسية للسخافة والعار في مجلسنا النيابي الذي برهن مرة اخرى على أنه لا يساويه في صغره أي تحقير وإهانة. إن السياسي الالماني الكبير مارتن شولتس المعروف بأنه مناصر لاسرائيل يعارض المقاطعة بقوة، تجرأ على أن يقتبس في خطبته من كلام شباب فلسطينيين احتجوا على مسامعه على التمييز في تقسيم حصص الماء بين المستوطنات والقرى في مناطق الضفة الغربية. وهي معطيات ظهرت في الماضي في تقرير البنك الدولي مثلا. "لم أفحص"، قال وسأل في أسى: "أصحيح ما قالوه"؟.

في تلك اللحظة هُدر دم المتكلم. وثار غضب اعضاء الكنيست من البيت اليهودي الذي هو كتلة حزبية مهمة في الائتلاف الحكومي، القادرون على أن يهضموا فقط اطراءات وكلاما آسرا من نوع ما قال رئيس حكومة كندا ستيفن هاربر. فقد وقف عضو الكنيست موتي يوغاف في مشهد فكاهي غطى على المشاهد الكوميدية المشهورة في قاعة الكنيست وأعطى الرئيس درسا في الكتاب المقدس والتاريخ الحديث قائلا: "إن الرب أعطى ارض اسرائيل لشعب اسرائيل"، صرخ يوغاف وحينما رأى أن عدسات التصوير موجهة اليه تمهل لحظة وأضاف قائلا: "إن الشعب الالماني يؤيد من يحرض على إبادة اليهود"!.

وبدأت صديقته أوريت ستروك تجري في قاعة الكنيست جريا محموما وتحث اعضاء كتلتها الحزبية على الخروج من القاعة، ومن لم يطعها وبخته بحركات عصبية من يديها. وقال أحد اعضاء الكنيست لها في همس: "نسيَت أن اليهودي لا يطرد اليهودي".

خرج الجميع بالطبع وفيهم رئيس الحزب نفتالي بينيت الذي علا المنصة بعد ذلك وهاجم شولتس. إن وزير الاقتصاد الذي يكثر من السفر في العالم قائما باعمال وزارته ليدفع باقتصاد اسرائيل الى الأمام ويسافر الى اوروبا بالطبع ايضا، نسي مرة اخرى أنه وزير كبير في حكومة تُلزمه بمعايير وقواعد سلوك أساسية. وحينما طغى عليه غضبه عاد ليصبح عضوا متحمسا في حركة شباب. اضطر قبل اسبوعين فقط الى الاعتذار من إهانة شخصية وجهها الى نتنياهو. فمن المثير أن نعلم ماذا سيقول في المستقبل لنظرائه الاوروبيين حينما يسألون عن معنى سلوكه الصبياني المُهين في جلسة الكنيست.

لم ينته بذلك عرض الندب والبكاء والعويل أمس في الكنيست. فقد رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفضا باتا السؤال الذي صدر عن شولتس. وزعم أن الارقام الحقيقية "أقل كثيرا"، لكنه لم يقل ما هي. وشعرت وزيرة الثقافة والرياضة ليمور لفنات (الليكود) هي ايضا بحاجة مُلحة الى جلد البرلماني الكبير فعلت منصة الخطباء وقالت ما يلي: "أعطيناه التكريم كله لكن حينما يقول كذبا فظا، وباللغة الالمانية ايضا، فلا عجب من أن يغضب اعضاء كنيست ووزراء".

لم تذكر لفنات ما هي اللغة التي تكون مستعدة لأن تهضم الاكاذيب الفظة بها. وفضلت أن تنسى أن المساعدة الاقتصادية والامنية التي تمنحنا إياها المانيا، وهي صديقة كبيرة لاسرائيل، منذ عشرات السنين تُعطى "بالالمانية" ايضا. سيصل الى اسرائيل في الاسبوع القادم وفد وزراء من المانيا برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل. وينبغي أن نفرض أنها ايضا ستخطب في الكنيست، وباللغة الالمانية ايضا. فربما يحسن بها أن تبدأ التدرب على لغتها الانجليزية أو أفضل من ذلك أن تتدرب على العبرية كي تتخلص من غضب لفنات.

لكن حبة الكرز في القشدة كانت بلا شك خطبة الوزير أوري اورباخ من البيت اليهودي ايضا. "إن جيل آباء الوزير الذي تحدث هنا"، وجه اورباخ كلامه الى رئيس البرلمان الاوروبي، "الذي ولد في سنة 1955 – لا أعلم السيرة الذاتية الشخصية لعائلته – وجيل عدد من اعضاء الكنيست العرب وآبائكم وعدد منكم كانت مشتركة في أصعب السنوات كي لا يوجد الشعب اليهودي هناك ولا يوجد هنا".

إن اورباخ الذي بنى حياته المهنية على فكاهات سخيفة في برنامج راديو، يعتبر واحدا من المعتدلين في البيت اليهودي الذي هو المفدال في الماضي. فلا عجب من أن يجد قدماء البيت أنفسهم مشتاقين الى ساسة من نوع زبولون اورليف وشاؤول يهلوم واسحق ليفي، ولن نذكر سلفيهما زبولون هامر ويوسف بورغ.

رسالة الى منسق الاعمال في المناطق

بقلم: شلومو غازيت

لواء متقاعد رئيس شعبة الاستخبارات الاسبق

هآرتس –13/2/2014

قبل نحو 47 سنة عُينت منسقا للاعمال في المناطق. كنت الاول في المنصب. وقضيت في هذا المنصب قرابة سبع سنوات، باحساس كبير من الرضى. رأيت نفسي كمن له مهامة مركزية واحدة – الحرص على احتياجات السكان المحليين، السكان الذين قطعوا عن منظومة الحكم السابقة لهم.

وآتي هنا في مقاطع من ارشاد قدمه وزير الدفاع موشيه ديان في 1969 للضابط الذي كان يوشك على تولي منصب قائد منطقة خانيونس في القطاع:

"عليكَ أن تتذكر أمرين: علينا أن نقيم ادارة جيدة، نقية ودون فائض من البيروقراطية، وأنت الذي تمثل سكان خانيونس عندنا وليس العكس. عليك أن تفهم بان اسرائيل ليست "ميتة" عليهم. ليس لها رأس للانشغال بهم وليس لديها ايضا المال لوضعه تحت تصرفهم من مقدراتها... ولكننا حكومتهم. ومن هنا واجبنا – واجبك وواجبي – ان نكافح من أجلهم ضد حكومتنا، هنا في القدس. علينا ان نكافح من اجل ان نحقق لهم كل ما يلزمهم. من أجل النجاح في المنصب يجب أن يكون لديك "قلب" لكل هذا. اذا لم يكن لديك قلب، فليس لك ما تبدأ به منصبك.

مهام اخرى – ستضطر الى ان تكافح ضد الجيش الاسرائيلي. يوجد دوما صدام مع المصلحة الامنية... فمن في الجيش الاسرائيلي يهمه؟ انت يجب ان يهمك! الاول الملزم بان يقف بالمرصاد هو أنت بنفسك. آلتنا ستدوسهم اذا لم تقف انت كل الوقت بالمرصاد. ومحظور علينا أن نسمح لهذا بان يحصل".

أيها اللواء يوآف مردخاي، لقد تسلمت هذه الايام منصب منسق الاعمال في المناطق. وأعرف – الظروف تغيرت منذ 1967، شطبت من مسؤوليتك هضبة الجولان، شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة. وفي يهودا والسامرة ايضا انت لم تعد تتحمل المسؤولية عن السكان الفلسطينيين في مناطق أ و ب. في واقع الامر – بقي في مسؤوليتك فقط السكان في المنطقة ج. وهؤلاء سكان بحجم صغير وضعفاء، وبالذات لهذا السبب يحتاجون الى حمايتك. انت فقط يمكنك ويجب ان تحرص على احتياجاتهم. نعم، تماما كما قال ديان في 1969، أنت الملزم بان تمثل هؤلاء السكان امام حكومة اسرائيل، انت الملزم بان تكافح من أجلهم ضد القرارات الحكومية، ضد قادة الجيش الاسرائيلي، ونعم، أعرف بان هذا ليس بسيطا، ضد المستوطنين الذين يريدون طرد السكان العرب وتورثهم.

قررت أن أكتب هذه الرسالة اليك بعد أن قرأت عن هدم الخيام والاكواخ للغرب الذين في غور الاردن، وبالذات – بعد ان قرأت عن قرار الصليب الاحمر الكف عن تزويد الجاليات الفلسطينية هناك بخيام الطوارىء، لان الادارة المدنية تمنع نقلها او تهدمها. رجاء قف للحظة واقرأ مرة اخرى أقوال ديان لقائد المنطقة. للسكان العرب في المنطقة ج لا يوجد اب. أنت الاب الوحيد الذي لهم حسب القانون – انت، ليس جدعون ليفي ولا عميرة هاس. أعرف، حياتك ليست سهلة اليوم. وزير الدفاع وحكومة اسرائيل لن يقولا لك ما قاله وزير الدفاع في حينه. ولكن بالذات لهذا السبب لا مفر امامك. هذا واجبك وهذا في مجال مسؤوليتك. دافع عن السكان الذين في نطاق سيطرتك، وقاتل من أجلهم.

انت أيضا الملزم المرة تلو الاخرى بان تذكر الحكومة التي في القدس ما يقول وما يلزم به القانون الدولي في موضوع السكان الذين في المنطقة تحت سيطرتنا.

دغان يتكلم: ديمقراطية محدودة الضمان

بقلم: د. غابي افيطال

اسرائيل اليوم –13/2/2014

اعتاد مئير دغان، رئيس الموساد السابق، أن يعرض مذهبه فوق منصات مختلفة. إن الحديث احيانا عن لقاءات "مغلقة"، كما حدث هذا الاسبوع في يوم الاثنين في تل ابيب في منتدى يسمى "الصالون الدولي لتل ابيب". وتناول دغان موضوعات مختلفة تتعلق بأمن دولة اسرائيل في القريب وفي الأمد البعيد ايضا، بيد أن تحليل كلامه يظهر صورة معوجة تحول اطار محاضرته من غرفة محاضرات في 150 انسانا الى تعري أمام 150 دولة في العالم.

أكد دغان أنه عمل بصورة ممتازة مع شارون واولمرت. وقال: "لا أتذكر أنني اقترحت شيئا ما لم يقبله". أي أن دغان يطلب ملاءمة كاملة بين آراء رئيس الموساد وآراء رئيس الوزراء. إنه يؤكد في الحقيقة أن علاقات العمل بنتنياهو رئيس الوزراء كانت جيدة جدا لكنه لم يقبل كل وجهات نظره. فما هي وجهات النظر؟ هي أن نتنياهو جعل القضية الذرية مشكلة اسرائيلية في حين أن هذه القضية تُصدع رأس دول الخليج أكثر من أن تكون تهديدا وجوديا لاسرائيل.

يوجد هنا في الحقيقة تجديد ما فيه القول الواضح إن وجود قنبلة ذرية في ايران سيفضي الى تأثير حاسم في دول الخليج لكن في اتجاه يعاكس قصد دغان. فدول الخليج قد تقع في يد ايران ومن هنا يقوى طلب أنه ينبغي منع حصولها على القدرة الذرية بكل ثمن.

لنعد لحظة الى قضية مشابهة جدا واجهت متخذي القرارات. في أواخر سنة 1980 تمت محاولة عسكرية غير ناجحة من ايران للهجوم على المفاعل الذري في العراق. ولم تنجح محاولات دبلوماسية فتقرر في اسرائيل قصف المفاعل. واليكم قائمة المعارضين: وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء ورئيس الموساد ورئيس أمان ورئيس لجنة الطاقة الذرية وشمعون بيرس. ومع كل ذلك بت رئيس الوزراء القرار كما هي العادة في دولة ديمقراطية. ويخيل إلي أن رسالة بيرس الى بيغن عقب تسريب نبأ وجود استعدادات للهجوم التي جاء فيها قوله "سنكون كالعرارة في السهب"، كانت في الحقيقة محاولة مشابهة لمنع الهجوم بتلاعب "ديمقراطي" كما يحاول دغان أن يفعل.

يخطيء مئير دغان فهم بنية السلطة. إن تحول دغان من قمة هرم عسكري واضح إذ كان جنرالا في هيئة القيادة العامة الى الحياة المدنية الحرة اجتاز مباديء الديمقراطية التي تحدد صلاحيات رئيس الوزراء وسائر المؤسسات. إن المسؤولية العامة ملقاة على رئيس الوزراء. وفي حال دغان فان هوية رئيس الوزراء أهم من المباديء الديمقراطية.

كيف يمكن أن نفسر هذا التحول الحاد جدا؟ إن كلام دغان في شؤون اخرى يُبين ذلك في الحقيقة، فدغان يتناول مسألة الضرورة الامنية لغور الاردن. فلو أن عرض دولة اسرائيل من غير الغور كان أكبر بخمسة اضعاف أو أكثر وكان سفح الجبل، أي جبال السامرة على الأقل، في يد اسرائيل لأمكن أن نقول إن ميزة الغور تقل شيئا ما. بيد أن دغان جهد في أن يُذكرنا بأن حق العودة والاماكن المقدسة فقط هي العائق أمام انسحاب كامل من سفح الجبل والغور، ولماذا الاصرار على اعتراف فلسطيني بدولة اليهود؟.

ها نحن أولاء أغلقنا دائرة النظرية الامنية لرئيس الموساد السابق دغان. وهي التخلي المطلق عن أملاك استراتيجية والاعتماد على قوة من القوى العظمى في تهاوٍ. وهي في الجانب المدني ترى أن الديمقراطية ممتازة اذا كانت في جانبك.

خط فيض الماء

بقلم: بن – درور يميني

معاريف –13/2/2014

اذا كنا نرغب في أن نعرف الى اين بلغت صناعة الاكاذيب يجدر بنا أن نقرأ بعناية الاجزاء المثيرة للغيظ في خطاب رئيس البرلمان الاوروبي مارتين شولتس في الكنيست أمس. المشوق هو أن الحديث يدور عن شخص ايجابي. خطابه كان نزيها. وهو لا ينتمي الى الاعداء. يرغب في ازدهار ورفاه دولة اسرائيل. ويتألم لما فعله النازيون باليهود. وهو ينتمي الى معارضي المقاطعة على اسرائيل. وقد كرر مواقفه هذه المرة تلو الاخرى.

وهنا الامر. حتى أناس طيبون مثل شولتس يقعون في الفخ. ولان الاتحاد الاوروبي، بعظمته، يقدم تمويلا لسلسلة من الهيئات التي ترفع المواد لذات الاتحاد، والاستنتاج منها واحد: اسرائيل تنفذ مسا لا يتوقف بحقوق الانسان، في افضل الاحوال، او جرائم خطيرة، في الاحوال الاقل.

شولتس لا يمكنه ولا يحق له ان يتجاهل التقارير التي يدفع الاتحاد الاوروبي المال من اجل انتاجها. وهو لا يعرف، او يرفض ان يعرف، بان هذه الهيئات تتشكل بشكل عام من رجال يسار متطرفين، هم في واقع الامر يمين فلسطيني قومي يعارضون مجرد وجود دولة اسرائيل. وهم يفعلون كل شيء، بما في ذلك الاخطاء، التلاعبات والاكاذيب، ليقولوا ان اسرائيل تمس بشكل خطير بالفلسطينيين. منظمة NGO كشفت النقاب عن حقيقة أنه في موضوع المياه فقط يوجد ائتلاف من المنظمات EWASH تحصل على مئات الاف اليورهات في السنة. لنأخذ، مثلا، موضوع المياه. وبالفعل ها هي الحقائق: عندما بدأت السيطرة الاسرائيلية على المناطق، في 1967، كانت أربع بلدات فقط من اصل 700 مربوطة بالمياه. وحسنت الادارة المدنية البنى التحتية. وارتفع الاستهلاك للمياه الى ما هو اكثر بكثير من النمو السكاني. ويبحث الموضوع بشكل دقيق ومفصل في اطار اتفاقات اوسلو. والطرفان موقعان. في العام 2004 كانت ترتبط بشبكة المياه 643 بلدة من اصل 708. يسكن فيها 97 في المئة من السكان الفلسطينيين.

بقدر ما يدور الحديث عن المياه الصالحة، في العام 1967 استهلك الفلسطينيون 93 متر مكعب في السنة للفرد. مقابل 503 متر مكعب استهلكه الاسرائيليون. حتى 2006 ارتفع الفلسطينيون الى 129 والاسرائيليون انخفضوا الى 170 (توجد معطيات مختلفة بالنسبة لاستهلاك المياه للفرد لدى الفلسطينيين عقب الخلاف بين الديمغرافيين على العدد الحقيقي للفلسطينيين في المناطق). يستهلك الاسرائيليون اكثر بكثير، ولكنهم تركوا المياه الصالحة اكثر فأكثر للفلسطينيين وازداد الاستهلاك الاسرائيلي بفضل منشآت التحلية.

وبهذا المفهوم، فان المقارنات التي تعرضها منظمات مختلفة هي تضليل واسع. وذلك ايضا لانه برعاية اسرائيل طرأ تحسن دراماتيكي في البنى التحتية الى جانب ارتفاع في استهلاك المياه في اوساط الفلسطينيين وكذلك لان المقارنة بين اسرائيل والفلسطينيين هي كالمقارنة بين الاستهلاك في بلجيكيا والاستهلاك في مصر. ولا بد ان هناك فوارق، ولكن هذه لا تنبع من ان اسرائيل تستغل المياه الصالحة. فالوضع معاكس تماما.

في كل الاحوال، اسرائيل تلتزم بكل شروط الاتفاق المرحلي بل وحتى ما يتجاوز الاتفاق. والمشاكل الموجودة، بقدر ما هي موجودة، تنبع من الاداء العليل للسلطة ومن حفريات المياه التي تنفذ خلافا للاتفاق. ولكن التقارير التي تنقلها بعض المنظمات تشوه المعطيات. وهذا التشويه هو مجال اختصاصها.

هكذا ايضا بالنسبة للحصار على غزة. هنا شولتس كان يفترض ان يعرف المادة على نحو افضل بكثير. وذلك لانه عندما انتخبت حماس في الانتخابات الحرة الاخيرة في السلطة الفلسطينية، كانت الرباعية، التي الاتحاد الاوروبي هو واحد من اربعة عناصرها، اضافة الى روسيا، الولايات المتحدة والامم المتحدة – هي التي وضعت الشروط على حماس لغرض مواصلة نقل الاموال.

وتضمنت هذه الشروط وقف العنف والاعتراف بالاتفاقات القائمة. ولكن حماس ليس فقط وجهت الاصبع الوسطى نحو الرباعية بل نفذت انقلابا عنيفا في قطاع غزة وصعدت ارهاب الصواريخ ضد السكان المدنيين. اذن ما الذي يريده الاتحاد بالضبط؟ ان تتصرف اسرائيل بشكل مختلف تماما عن الرباعية؟ هل ينبغي لاسرائيل أن تثيب حماس والجهاد حسب الصواريخ؟

هنا ايضا، بالطبع، تدخل الى العمل "منظمات حقوق الانسان" التي يمولها الاتحاد. وهي تعرض معاناة الفلسطينيين وجرائم الاسرائيليين الذين يرفضون نقل الاسمنت المعروفة مسبقا وجهة استخدامه بالضبط. تماما ليس على ما يرام. وليس واضحا اذا كان يوجد حصار مبرر في العالم، ولكن اذا كان يوجد مثل هذا الامر، فان الحصار ضد حكم لاسامي، يستغل القوة التي لديه فقط كي ينمي الكراهية والتحريض ويصعد الارهاب – فانه الاكثر تبريرا على وجه الارض. شولتس ليس عدوا. فقد ضلل وأخطأ. وبدلا من الهجوم عليه كان ينبغي استغلال الفرصة لايقافه عند اخطائه. ولا يزال الوقت ليس متأخرا. فلدى الكنيست ووزارة الخارجية السبيل لان تعرض على الضيف المحترم المعطيات الحقيقية. وهذه هي الفرصة لمطالبة الاتحاد الاوروبي بوقف التمويل للجهات التي ما كانت لتحظى بتمويل مشابه لو كانت تعمل في اوروبا. وهيئات تحمل اسم "حقوق الانسان" هي جزء من حملة التشهير التي تعارض التسوية السلمية القائمة على اساس الدولتين للشعبين. في هذه الامور توجد لدى اسرائيل حجج ممتازة. حان الوقت لقولها، وحان الوقت ايضا لمعرفة كيف وباي شكل تقال.

حرب المياة

بقلم: يوعز هندل

يديعوت –13/2/2014

إن الماء في الشرق الاوسط يُحدث الحروب والسلام. فالماء يمكن أن يشفي وأن يُبرد، والماء يمكن أن يثير النفوس ايضا. وقد تعلم رئيس البرلمان الاوروبي ذلك أمس على جلده. "كل شيء بسبب مسمار صغير"، تقول الأغنية. وكان كل شيء بسبب خطأ كبير في حالة شولتس.

جاء شولتس الى الكنيست مع نوايا طيبة وجهل مُضر. وإن ادعاءه منع الماء عن الفلسطينيين محرج وهو مثال على صعوبة وضع اسرائيل مع الاوروبيين. ليس الامر أمر النقض بل الخلط بين حقائق وادعاءات ايديولوجية. في 1995 وقع على اتفاق الماء مع الفلسطينيين. ويمكن أن نقول بصورة فظة إنهم أخذوا الجانب الشرقي من حوض الجبل (المياه الجوفية)، وأخذت اسرائيل الجانب الغربي. والتزمت اسرائيل بأن تُمد الفلسطينيين بـ 31 مليون متر مكعب كل سنة بسعر الكلفة، والتزم الفلسطينيون بأن يسحبوا الماء بحسب الاتفاق. وفهم المشاركون في اوسلو أن الماء مهم للطرفين فحرصوا على كتابة حروف صغيرة بيد أن الحروف الصغيرة لم تحرص معهم فلم يصمد الاتفاق فأصبحت اسرائيل تمد الفلسطينيين منذ كان التوقيع على الاتفاق بـ 56 مليون متر مكعب كل سنة، أي بضعفي ما تم الاتفاق عليه تقريبا. ويأتي الجزء المركزي من منطقة السهل الساحلي. فهو ماء للفلسطينيين بلا خط اخضر وبلا مزاعم احتلال.

وقام الفلسطينيون من جهتهم بعدة اعمال حفر في منطقة الهروديون (حيث يوجد ماء جوفي وفير)، لكنهم فشلوا لأنه يصعب اخراج ماء من الارض بصورة مستقلة وأسهل من ذلك الاعتماد على سلطة المياه الاسرائيلية، فطلبوا زيادة فأعطت اسرائيل. وبدل أن يخرجوا ماءً في الجنوب حفروا بصورة غير قانونية 200 بئر في شمال السامرة. والذي يُحفر في مكان ما يؤثر في مكان آخر، وتضاءل الماء الموفور في غور الينابيع بالقرب من بيسان.

إن الماء ذريعة مريحة وهو حق أساسي للانسان. وقد انشأت منظمات يسار متطرفة مع منظمات فلسطينية منظومة كاملة من الادعاءات الكاذبة.

بعد أن اتهمت اسرائيل بالفصل العنصري والتطهير العرقي وقتل شعب، ظهرت ادعاءات سرقة الماء. فكان لرئيس البرلمان الاوروبي من يعتمد عليه لكن الواقع عكس ذلك. زعم شولتس في خطبته أن الفلسطيني يحصل على 17 لترا في اليوم قياسا بالاسرائيلي الذي يتمتع بـ 70 لترا، بيد أن معطيات رسمية عن السلطة الفلسطينية تذكر أن الحديث عن 103 لترات كل يوم. إن دولة اسرائيل هي التي ربطت 95 بالمئة من مناطق السلطة الفلسطينية بشبكة إمداد منظمة للماء – وهذه نسبة أعلى من أكثر الدول في العالم. فالبنى التحتية من انتاج اسرائيل والماء من انتاج اسرائيل وتتجه الادعاءات علينا ايضا. إن شولتس يرى نفسه مؤيدا لاسرائيل والجبل معه في السياسة في يهودا والسامرة مشروع لكن عدم معرفته بالحقائق يثير علامات سؤال.

الوقت المناسب لاختيار المعارك

بقلم: افرايم هليفي

افتتاحية

يديعوت –13/2/2014

قرار منظمة ايباك عدم الضغط على الكونغرس الامريكي لتشريع قانون عقوبات آخر ضد ايران في الوقت الذي تتفاوض فيه الادارة الامريكية مع طهران هو بلا ريب اهون الشرور. ففي نهاية المطاف، فان الضرر في صورة المنظمة اقل بما لا يقاس من حجم الضرر الذي كان سيلحق بها لو فشلت الخطوة على عتبة مجلس الشيوخ كما كان متوقعا. وفي القدس أيضا كان هناك من تنفس الصعداء: فقبل شهر من المؤتمر السنوي لايباك، والذي سيشارك فيه رئيس الوزراء، لعله كان من الافضل الامتناع عن مواجهة صاخبة اخرى مع الامريكيين، ولا سيما عندما تقترب الاتصالات مع الفلسطينيين بقيادة وزير الخارجية جون كيري من مرحلة حرجة.

وعليه، فلعل هذا هو الوقت لاجراء ميزان للاستراتيجية الاسرائيلية في المسألة الايرانية في كل ما يتعلق بالزاوية الامريكية. في خريف العام الماضي بلغت الجهود الاسرائيلية للتأثير على سياسة الادارة ذروتها: فقد القى رئيس الوزراء نتنياهو خطابا في الجمعية العمومية للامم المتحدة، في تل الكابيتول هجم المندوبون الاسرائيليون الكبار على أروقة مجلس النواب وكبار رجالات السفارة الاسرائيلية عملوا على مدار الساعة كي يثبتوا بان السياسة التي سيتخذها الرئيس اوباما مغلوطة بحجوم تاريخية. وأجرى الوزراء الاسرائيليون الشباب والسريعون المقابلات الصحفية في كل وسائل الاعلام، بمواظبة وبتوسع، ونقلوا الى مؤيديهم في البلاد بان الرسائل تنقل بنجاح. كانت هذه ساعتهم الجميلة. في نظرة الى الوراء، ابدوا دورا بائسا في الفشل الذريع.

لقد كان التقدير الواعي يؤدي في مرحلة مبكرة جدا الى الاستنتاج بانه لم يكن امل حقيقي في ان يحقق هذا الجهد الهائل هدفه: فمؤيدون هامون في مجلس الشيوخ بدأوا في حينه يغيرون رأيهم ويستجيبون لطلب الرئيس اعطاء فرصة لمسار المفاوضات. وكان صحيحا في هذه المرحلة تقليص الاضرار، تخفيض حدة النبرات والانتقال الى طريقة عمل الحوار الهادىء والمباشر.

أولا وقبل كل شيء كان من دور السفارة ان تحذر من خطر الهزيمة المقتربة والكفاح في سبيل تغيير انماط السلوك. ومثلما قال اسحق رابين، الذي تولى منصب السفير الاسرائيلي في الولايات المتحدة: مثلما هكذا في السياسة الخارجية يجب استثمار التفكير في اختيار المعارك. والان، يبدو ان اسرائيل فهمت بان التكتيك الذي اتبعته لاحباط اقتراب ايران من السلاح النووي لم يحقق هدفه. فقد عرف الايرانيون كيف يستغلوه جيدا على المستوى الاعلامي، وحققوا انجازات في العاصمة الامريكية. ولم تكن معظم انجازاتهم واجبة الواقع – قسم كبير منها كان مثابة هدف ذاتي سجله الاسرائيليون على أنفسهم.

ولكن السلوك في الخريف الماضي اثار تحدي الادارة الامريكية على المستوى الشخصي ايضا. فالانتقاد ضد وزير الخارجية كيري ايقظه للقيام بنشاط مضاد، وضمن امور اخرى استنتجوا في الولايات المتحدة بان ما هو مسموح لاسرائيل مسموح لهم ايضا – وبدأوا يعملون في الساحة الاسرائيلية الداخلية بنجاح لا بأس به. ووجهت الرسائل العامية والحادة اساسا الى الجمهور الغفير في اسرائيل وحظيت بآذان صاغية: فلا حاجة للامريكيين بان يبعثوا بوزرائهم الى اروقة الكنيست. فلديهم وسائل اكثر نجاعة واقل صخبا.

في ضوء النتائج القاسية للمواجهات الداخلية مع الولايات المتحدة يجب تصميم استراتيجية ناجعة قبيل المراحل التالية من الاوديسة الايرانية. ويبدو أن نتنياهو ايضا يتصرف بشكل مختلف في الاسابيع الاخيرة: فهو لا يمكنه بل ولا ينبغي له ان يحكم على نفسه بالصمت المطبق، ولكن اقواله يتم اختيارها بعناية اشد وباتت تعكس بقدر اكبر مما في الماضي الرسمية المنضبطة. واضافة الى ذلك، فان تجربة الاشهر الاخيرة اثبتت بانه كلما كانت صرخات النجدة الصادرة عن اسرائيل اكثر صخبا تكون الهزيمة اشد. اسرائيل لا تخرج كاسبة من النزال العلني مع طهران – فعندما تتحدى الايرانيين، فانهم يستغلون الوضع لجمع النقاط على حسابنا.

كلما احسنا في اختيار معاركنا، كلما استثمرنا اكثر في الفعل السياسي الجدي والذكي، هكذا تزداد الفرص في ان ننتصر في الجوهر. هذا هو الاساس.

الدولة اليهودية ليست كلاما فارغا

بقلم: آري شبيط

هآرتس –13/2/2014

يعتقد مئير دغان أن طلب الاعتراف بأن اسرائيل دولة يهودية كلام فارغ، لكن هذا الطلب ليس كلاما فارغا – فهو أكثر الطلبات طبيعية وعدلا مما يمكن أن يخطر بالبال. وينبغي أن نشد على يدي بنيامين نتنياهو وتسيبي لفني اللذين يعرضانه في مقدمة برنامج العمل السياسي، لاربعة اسباب مختلفة.

السبب الاول هو أن الصراع الاسرائيلي الفلسطيني لم يبدأ في 1967 ولا يدور على الاحتلال وعلى المستوطنات، بل هو صراع قومي ديني حضاري اجتماعي عميق يقوم العمى في أساسه. فقد كانت الصهيونية ترفض منذ عشرات السنين أن ترى الشعب الفلسطيني، وكانت ترفض الاعتراف بأن من حقه أن ينشيء دولة فلسطينية. والى اليوم ترفض الحركة القومية الفلسطينية أن ترى الشعب اليهودي وأن تعترف بأن من حقه أن ينشيء دولة يهودية. إن العمى المزدوج المستمر هو الذي أشعل حرب مئة السنة بيننا وبينهم. ولهذا يجب علينا كي ننهي هذه الحرب أن نعترف بقوميتهم ودولتهم وعليهم أن يعترفوا بقوميتنا ودولتنا. فكما لا يمكن سلام من غير دولة فلسطينية، لا يمكن سلام من غير دولة يهودية.

والسبب الثاني أن أكبر انجاز لاتفاقات اوسلو كان أنها أفضت بالاسرائيليين الى الاعتراف بحقيقة أنه يوجد في البلاد شعب فلسطيني ذو حقوق مشروعة، وكان أكبر انجاز لقمة السلام في كامب ديفيد أن اعترفت اسرائيل بالحاجة الى انشاء دولة فلسطينية. وكانت النتيجة المراكمة لاوسلو وكامب ديفيد تحولا اسرائيليا لأن الشعب الذي يسكن في صهيون رأى آخر الامر أنه يوجد شعب آخر في البلاد واعترف بأنه يستحق دولة اخرى تعبر عن حقه في تقرير المصير. ولما كان الامر كذلك فلا سبب يدعو الى ألا يفتح الشعب الذي يسكن في فلسطين عينيه آخر الامر ليرى أنه يوجد شعب آخر في البلاد يستحق دولة اخرى تعبر عن حقه في تقرير المصير. فالتبادلية ليست خطيئة والتكافؤ ليس جريمة حرب. ومن الواجب الاخلاقي على من يؤمن بأن الاسرائيليين والفلسطينيين متساوون أن يطلب من الفلسطينيين ما طلبه من الاسرائيليين بالضبط.

والسبب الثالث أن الفلسطينيين لن يرجعوا عن طلب العودة، فقد كانت صدمة النكبة هي الصدمة المؤسسة لهم، وكانت تجربة اللاجئين هي تجربتهم التشكيلية، ولا يوجد زعيم فلسطيني يعلن أن الفلسطينيين لن يعودوا أبدا الى المدن والقرى التي فقدوها في 1948، واذا وجد حل ما لمشكلة اللاجئين فسيكون حلا سطحيا غير جوهري. لكن لأنه لا يمكن أن يُطلب الى الفلسطينيين أن يقلبوا جلودهم ويُبدلوا هويتهم فمن الواجب أن يُطلب اليهم أن يعترفوا بأن الشعب اليهودي هو شعب إبن هذه البلاد لم يأت الى هنا من المريخ. ومن الواجب أن يُطلب اليهم الاعتراف بأن للشعب اليهودي تاريخا خاصا ومأساة خاصة وعدلا خاصا. ويجب على الفلسطينيين أن يعترفوا بأن اليهود ليسوا مستعمرين بل هم جيران شرعيون. ولن يوجد سلام اذا لم يعرف الاولاد الذين ينشأون في مخيم الدهيشة أن الدولة التي وراء الحدود دولة يهودية مشروعة لشعب يهودي حقيقي قُضي بأن يُعايشوهم. والذي يتخلى عن الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية هو الذي يتخلى عن السلام.

والسبب الرابع هو أن اتفاق السلام الاسرائيلي الفلسطيني هو بقدر كبير اتفاق من طرف واحد تعطي اسرائيل فيه ويأخذ الفلسطينيون، وفقط الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية سيجعل الاتفاق المأمول اتفاقا ذا طرفين. ففي الوقت الذي ستنقل فيه اسرائيل الى جيرانها أملاكا حقيقية واراضي وحقوق سيادة سيعطيها الفلسطينيون الهدية الوحيدة التي يستطيعون إعطاءها وهي الشرعية.

إن مئير دغان اسرائيلي عظيم الفضل وسيرته الذاتية هي سيرة بطولية بـ "فضل القوة". لكن السلام لا يُصنع بالقوة بل بقوة الحق. وبغير اعتراف صريح من الفلسطينيين باسمنا وهويتنا وحقنا لن يكون سلام.

استفتاء شعبي على ماذا؟

بقلم: تل شنايدر

معاريف –13/2/2014

رئيس الائتلاف، النائب يريف لفين من الليكود، افاد أمس بان لجنة الاستفتاء الشعبي برئاسته صادقت على "مشروع القانون الاساس: الاستفتاء الشعبي" للقراءة الثانية والثالثة. ولفين الذي يدفع منذ بضع سنوات نحو تشريع قانون اساس كهذا، لم يخفِ أبدا الايديولوجيا التي تقف خلف مشروع القانون: الحفاظ على وحدة الشعب وتراص الجمهور خلف كل قرار يتخذ في المستقبل"، مثلما كتب أمس في البيان الذي اضاف اليه بانه "مقتنع بان الشعب لن يسمح بتسليم اجزاء من الوطن".

هدف لفين واضح: استفتاء شعبي كي تكون النتيجة كما يريد لفين (وليس بالذات الشعب) وهي عدم التنازل عن أي جزء من الارض التي يعيش عليها الاسرائيليون. ما لا يشرحه لفين في هذه المرحلة هو انه لا معنى كبير للقانون الاساس الاستفتاء الشعبي، وذلك لانه حسب صيغته – التنازل عن اجزاء من الوطن هو تنازل عن اجزاء تعود الى الوطن. معظم المناطق التي موضع الحديث، تلك التي يراد عليها استفتاء الشعب – لا تعود الى اسرائيل. لا تعود لها. الاراضي المحتلة، هكذا حسب قوانين دولة اسرائيل، ليست اسرائيل. ولا يمكن استفتاء الشعب اذا كان سيتنازل عن شيء ليس له. وهكذا هو الحال، مفاهيم اساسية في احكام الانتماء.

يمكن التفكير في ذلك خطوة واحدة الى الامام: من اجل اجراء استفتاء شعبي على الاراضي المحتلة، يجب ضمها أولا. ضمها فقط للحظة قصيرة، ذات اللحظة التي تسمح للخروج في حملة واجراء استفتاء شعبي على شيء يعود لاسرائيل وليس استفتاء شعبيا كما هو مقترح اليوم والذي هو على شيء لا يعود لاسرائيل. فهل تعقدتم؟ بالفعل، كونه فقط في يوم الاحد من هذا الاسبوع رفضت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع مشروع النائبة ميري ريغف، وهي ايضا من الليكود، بان يضم في القانون اراضي المستوطنات وطرق الوصول اليها.

من اجل التصديق بان النائب لفين لا يضيع زمن مواطني اسرائيل هباء ينبغي القول: القانوني الاساس للفين سينطبق على هضبة الجولان (التي ليست موضع مفاوضات هذه الايام) وكذا على شرقي القدس، التي ضمت في القانون وهي تحت سيادة اسرائيلية. مكانة شرقي القدس منصوص عليها ومقيدة على أي حال في القانون الاساس القدس. صحيح أنه ليس في هذا القانون طلب استفتاء شعبي من اجل التنازل عن السيادة في شرقي القدس، ولكن في القانون الاساس تفرض قيود متشددة على العاصمة. إذن ما الذي تبقى تحت هذا القانون؟ تبادل الاراضي اذا ما وعندما سيتم. حجم الاراضي المخصصة للتبادل يبلغ نحو 2 في المئة، وربما 4، وقد يكون 6 – هذا يتعلق بمن تسأل وفي أي فترة. ولتأكيد النقطة: الاسرائيليون لا يمكنهم اليوم ان يصوتوا في تبادل الاراضي على المستوطنات (التي ليست في سيادة اسرائيل) بل فقط على التنازل عن تلك المجالات السيادية الاسرائيلية الفارغة من الناس ومن الزراعة ويفترض ان تكون جزء من فلسطين المستقبلية. فهل هذا حقا سبب مناسب لاجراء الاستفتاء الشعبي؟

الحقيقة، يجب ان تقال. كل التشريعات المتناثرة والمتشتتة، بما فيها هذا القانون الاساس جاءت لهدف واحد فقط: افشال فرص السلام. قيد هنا على تبادل الاراضي وكابح آخر على شرقي القدس، المحظورة على أي حال. تحفظ وتوقف، تقليص، احباط واغلاق. اكبر قدر ممكن من الاقفال كي لا يكون ممكنا القيام باي خطوة.

اتفاق يُنذر بكارثة

بقلم: جدعون ليفي

هآرتس –13/2/2014

اذا فشلت جهود جون كيري فستحدث كارثة؛ واذا نجح فستحدث كارثة أكبر. إن الفشل قد ينذر بما يسميه المحلل توماس فريدمان "انتفاضة بروكسل"، وهي الانتفاضة الثالثة، وهي في هذه المرة عقوبات ومقاطعات دولية مع اسرائيل. وسيدفع الفشل الفلسطينيين نحو الامم المتحدة وربما يدفع الولايات المتحدة ايضا الى اسقاط مظلة الفيتو الآلية العمياء من فوق اسرائيل. والفشل قد يشعل مرة اخرى نار انتفاضة في المناطق.

لكن النجاح ينذر بسوء أكبر. فكيري ليس وسيطا نزيها والولايات المتحدة لا يمكن أن تكون كذلك حتى في عهد براك اوباما، لمزيد الخيبة (والدهشة). إن حليفة مطلقة لطرف واحد لا يمكن أبدا أن تكون وسيطة نزيهة بين الطرفين لا في عالم الاعمال ولا في الدبلوماسية. والحليفة التي لا تستغل التعلق المطلق بالدولة التي ترعاها بها لتدفع قدما باتفاق عادل لا يمكن أن تقود الى انجازات حقيقية تحل المشكلات المصيرية. إن اسم اللعبة الآن هو استغلال ضعف السلطة الفلسطينية. فحينما يناضل العالم العربي أنظمة حكمه والعالم الغربي تعب من الصراع الذي لا نهاية له، أصبح الفلسطينيون يقفون وحدهم في مواجهة مصيرهم. وتحاول امريكا أن تُركعهم وتجعلهم يستسلمون، فاذا نجحت فسيكون ذلك بكاءً لأجيال طويلة.

ليس الحديث فقط عن عدم عدل بل عن عدم قدرة على البقاء. اذا نجح كيري في جهوده ووقع الفلسطينيون على كتاب استسلام فسيبقى 80 بالمئة (!) من المستوطنين في مواقعهم؛ ولن تُقسم القدس في الحقيقة أو لن تُقسم الى درجة أن تُجعل عاصمتين؛ وسيبقى غور الاردن مع اسرائيل مستأجرا أو مستعارا؛ وستكون الدولة الفلسطينية الوهمية منزوعة السلاح؛ وستبقى غزة محاصرة وسجينة ومنسية؛ وستبقى حماس التي تمثل نحوا من نصف أبناء الشعب الفلسطيني مقطوعا معها ومنبوذة؛ وسيُعترف بأن اسرائيل دولة يهودية كاملة الحِّل بتوقيع السلطة الفلسطينية؛ وسيُنفى حق العودة الى الأبد عن كل الجالين واللاجئين الفلسطينيين مهما كانوا؛ وستُستجاب مطالب "الترتيبات الامنية" كلها، لاسرائيل وحدها بالطبع. أما الفلسطينيون الذين قتل منهم منذ 2000 نحو من 7 آلاف قتيل فليست عندهم أية مشكلة امنية وحياتهم وسلامهم مضمونان محفوظان جيدا.

فماذا سيحدث آنذاك؟ هل سيبقى هذا الحل وقتا طويلا؟ وهل سيطأطيء ملايين الفلسيطينيين رؤوسهم استسلاما ويعودون في فرح الى حياتهم العادية الى جانب 80 بالمئة من جيرانهم غير المدعوين الشرهين الى العقارات والمسيحانية والسلب الذين يسكن عدد منهم في اراضيهم الخاصة؟ وهل سيحتفلون باستقلالهم في أزقة شعفاط عاصمتهم الأبدية الجديدة؟ وهل سينسى اللاجئون في المخيمات والجالون في اماكن الغربة حلمهم؟ وهل ستضع حماس سلاحها؟ وكل ذلك لأن كيري ضغط فاستسلم محمود عباس؟.

لن يحدث كل ذلك أبدا، بالطبع. فكيري يعرض استسلاما وقد يضطر عباس الى التوقيع عليه. وينظر اوباما الى الآن فيما يجري من بعد آمن لئلا يلصق الفشل به. لكن الفشل مضمون وإن أُحرز "النجاح" ايضا. بل إنه يوجد احتمال (ضعيف) لأن تنفذ الاتفاقات. فماذا سيكون آنذاك؟ بعد ذلك بزمن قصير (أو طويل) سيتمرد الفلسطينيون مرة اخرى تمردا لا يقل عدلا عما كان. ولن يقبل اللاجئون الذين لم تُحل مشكلتهم، والفلاحون الذين لم تُعد اراضيهم، وحماس التي بقيت مقصاة، وحركات اليسار، لن يقبلوا الاتفاق ولا يمكن أن يقبلوه. وحينها سيتحقق شوق اكثر الاسرائيليين المأمول لأنهم سيستطيعون مرة اخرى أن يقولوا على رؤوس الاشهاد: هل ترون؟ نحن تنازلنا وتنازلنا وهم خانوا؛ ونحن أعطينا وأعطينا، وعادوا الى الارهاب. إنهم حيوانات يفعلون كما فعلوا بعد الانفصال. وسيبتعد أكثر احتمال حل حقيقي ربما الى الأبد هذه المرة حقا.

التقيت فريدمان الذي كان عائدا من محادثاته في القدس ورام الله في الاسبوع الماضي صدفة في المطار. وقال المحلل إنه انطبع في نفسه أن شيئا ما يحدث تحت السطح أكثر مما يبدو في الظاهر، فامتلأ قلبي بخوف كبير.

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: