Friday, March 28, 2014

التحديات الاستراتيجية - الأمنية لإسرائيل *

ملحق خاص / دراسة

التحديات الاستراتيجية - الأمنية لإسرائيل *

أودي ديكل وشلومو بروم ويورام شفايتزر**

مدخل

عند فحص الميزان الاستراتيجي لإسرائيل، يتبين أن هناك عناصر إيجابية ملحوظة إلى جانب تهديدات مستجدة متنامية تنبئ بتحديات صعبة قادمة. وتشير الاتجاهات الإقليمية في السنوات الأخيرة إلى إضعاف عنصر الدولة الفاعل، وتالياً إلى تراجع التهديد العسكري التقليدي. وفي المقابل، يبرز تهديد هجين لا متناظر ومتشعب، مصدره عناصر جهادية إسلامية متطرفة. فالمجموعات الإسلامية المتشددة التي ركبت موجة التغيير وانحلال الهيكليات السياسية والاجتماعية (وإن كانت العناصر الليبرالية الشبابية هي التي أطلقت وقادت مبادرة التغيير في البداية)، مستفيدةً من صعود نفوذ الحركات الإسلامية، أعلنت الحرب على النظام القديم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وعززت هذه المجموعات تأثيرها عبر استخدام قدرتها على تخريب آليات الحكم وإقلاق الحياة اليومية في المنطقة برغم عجزها عن بناء أطر وظيفية جديدة تلبي حاجات الناس.

يتناول هذا المقال ميزان الوضع الأمني لإسرائيل من منظور استراتيجي، ويعتبر أن الميزان الحالي إيجابي عموماً. والمقال يستعرض كذلك بالتفصيل التحديات الأمنية الماثلة أمام إسرائيل وأفضل السبل لمواجهتها، ولا سيما من خلال كبح الاتجاهات السلبية والاستفادة من الفرص الهادفة إلى ترسيخ وتعزيز الجوانب الاستراتيجية الإيجابية. ويستند التحليل إلى مقاربة متعددة الاختصاصات المعرفية، قائمة على تفحص التفاعل (interface) بين مختلف التحديات من منظور رؤية متكاملة للأبعاد السياسية، والدبلوماسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والإنسانية، والعسكرية، والقانونية، وذات الصلة بوسائل الإعلام.

ميزان استراتيجي إيجابي في اللحظة الحالية

يتصدّر الجوانب الإيجابية الرئيسية في ميزان الأمن الاستراتيجي لإسرائيل، ضعف التهديدات التقليدية على الجبهات الشمالية، والشمالية الشرقية، نتيجة استنزاف الجيش النظامي السوري بفعل الحرب الأهلية الطويلة الأمد، وحفاظ إسرائيل على ردع ذي صدقية في مواجهة حزب الله في لبنان وحركة حماس في قطاع غزة. وتضاف هذه الإيجابيات إلى تلاشي التهديد الذي مثّله الجيش العراقي في العقود السابقة. فقد أوجد التصميم الدولي على تفكيك ترسانة نظام الأسد من الأسلحة الكيميائية، الفرصة لحرمان الجيش السوري من أهم قدراته غير التقليدية. وكان للأزمة الاقتصادية في إيران الناجمة عن العقوبات المفروضة عليها، تأثير سلبي على المحور الراديكالي بقيادة إيران في منطقة االشرق الأوسط- مما أفضى إلى الاتفاق المرحلي بين طهران ومجموعة الخمسة زائد واحد الذي جرى التوصل إليه في جنيف في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 – والذي من المبكر تحديد مفاعيله. كما تراجعت مكانة حزب الله في لبنان من جراء دعمه نظام الأسد وانخراطه الفاعل في الحرب الأهلية السورية. أما بالنسبة لحركة حماس التي ضعفت غداة سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فقد ابتعدت عن المعسكر الراديكالي من خلال رفضها دعم نظام الأسد. ومع ذلك، يواصل هذا المحور كفاحه من أجل الحفاظ على العناصر الأساسية لقوته ونفوذه في المنطقة.

وعلى خلفية اضطراب منطقة الشرق الأوسط، تمكنت إسرائيل من إبقاء مسافة بينها وبين النقاط البؤرية للأحداث والنزاعات الإقليمية، فتموضعت بوصفها جزيرة من الاستقرار بينما يواجه لاعبون إقليميون عديدون فيه تحديات داخلية وخارجية شائكة. وفي غضون ذلك، حافظت إسرائيل على ردعها الفعال من خلال عدة مبادرات من بينها شنّ عمليات مدروسة وحكيمة، منفّذة بتوقيع منخفض ومن دون جعجعة، ضد نقل أسلحة استراتيجية – مضادات جوية، وقاذفات صاروخية وصواريخ دقيقة بعيدة المدى- من سورية إلى لبنان، ومن السودان إلى حماس والفصائل الجهادية في قطاع غزة.

إن استعادة سيطرة المؤسسة العسكرية على النظام السياسي في مصر وإزاحة جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم أوقفتا – أقله في الوقت الحالي- صعود الإسلام السياسي في مصر، ومن المنظور الموسّع، في منطقة الشرق الأوسط بأسرها. هنا أيضاً، كُبحت، بالنسبة لإسرائيل، المخاطر الكامنة . ومن جانبها، حرصت إسرائيل على المحافظة على علاقاتها الخاصة بالمؤسسة العسكرية المصرية حتى إبان حكم الإخوان المسلمين الذي دام عاماً واحداً. كما تستمر في دعم فاعلية القوات العسكرية في مكافحة تهريب الأسلحة من شبه جزيرة سيناء إلى قطاع غزة، وفي مكافحة البنى الإرهابية الجهادية في سيناء.

وبعد أن أضحت الحرب الأهلية الدموية في عامها الثالث، تواصل سورية التفجّر داخلياً برغم إحراز النظام بعض التقدم في قدرته على محاربة الثوار. وفي الواقع، تتقاسم القوات الموالية للأسد ومجموعات المعارضة المتعددة والعاملة بلا تنسيق، السيطرةَ على الأرض. وقد تسببت الأزمة في سورية بمشكلة إنسانية حادة في كل من تركيا، والأردن، ولبنان، بسبب تدفق اللاجئين السوريين إلى هذه الدول. ويجلب تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان بالذات خطر التصعيد، لأن هناك إمكانية حقيقية لزعزعة استقراره الداخلي.

أما في الأردن، فقد أمكن الحفاظ على استقرار الحكم وكبح نفوذ جماعة الإخوان المسلمين. واستطاع الأردن وإن بصعوبة متزايدة، احتواء التحديات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن موجات النازحين من سورية؛ لكن قدرته على الاحتمال محدودة من دون مساعدات خارجية. كما جرى الحفاظ على العلاقات السلمية بين الأردن وإسرائيل. فالحرب الأهلية الدائرة في سورية ونتائجها الإقليمية الخطيرة، بالإضافة إلى الشعور السائد في الأردن بأن الولايات المتحدة الأميركية لن تقف إلى جانب المملكة إبان الأزمات (على ضوء التجارب السابقة في مصر وسورية – الفشل الأميركي في استخدام القوة، وتفضيل عقد اتفاق حول تفكيك الأسلحة الكيميائية على حساب المعارضة العلمانية السورية - والاتفاق الذي جرى التوصل إليه مع إيران)، كل ذلك يؤكد بقوة للأردن وإسرائيل مدى جوهرية علاقاتهما الثنائية.

وهناك بقعة ضوء إضافية، على الأقل في الوقت الحالي، متمثلة في استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، بعد أربع سنوات من الجمود. فمن شأن هذه المفاوضات إذا لم تنته بأزمة وبإلقاء تبعاتها على إسرائيل، أن تعزّز مكانة إسرائيل الدولية والإقليمية، على الأقل من خلال تخفيف الضغوط عليها وتهيئة الأرض للتعاون المستقبلي مع الدول العربية المعتدلة – ولو من خلال قنوات سرية. وبخاصة، فإن هناك فرصة إذا استُغِلّت استغلالاً مناسباً، ستساعد في إحداث تغيير جوهري في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، حتى لو لم يجرِ التوصل إلى اتفاق دائم.

أما حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، فهي في مأزق عميق بفعل سلسلة من الرهانات الاستراتيجية الخاطئة. وتشمل هذه الأخطاء ابتعاد الحركة عن المحور الراديكالي؛ وانحياز حركة حماس الطبيعي إلى نظام جماعة الإخوان المسلمين في مصر نظراً لانتمائهما العقائدي؛ ورفضها الصلح والوحدة على الساحة الفلسطينية. وحرم سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر حركةَ حماس من الدعم السياسي، في الوقت الذي أفقدها الركود الاقتصادي والجمود السياسي في قطاع غزة دعمَ سكان القطاع. ونظراً إلى ضعف الحركة على الصعيد السياسي وافتقارها إلى الدعم على الصعيد الإقليمي، وخاصة على ضوء استئناف الحوار بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، سيصعب على حركة حماس استعادة مكانتها في الساحتين الإقليمية والقومية. وفي حال استئناف جهود المصالحة في الساحة الفلسطينية بقيادة حركة فتح، ستجد حركة حماس نفسها في موقع الدونية النسبية.

علامات مقلقة من منظور مستقبلي

برنامج إيران النووي: إن الاتفاق المرحلي الموقع بين إيران ومجموعة ال 5+1، يرسم مسار الطريق إلى التسوية الدائمة مع إيران انطلاقاً من الفرضية التي شدد عليها الرئيس الأميركي باراك أوباما وهي أن الاتفاق الدبلوماسي والاقتصادي وحده، يمكنه إقناع إيران بالتخلي عن سعيها لامتلاك أسلحة نووية. فالاتفاق المرحلي لا يلغي قدرات التخصيب النووي ومنظومات الأسلحة التي تمتلكها إيران؛ وهو في أحسن الأحوال يجمّد الوضع الحالي ويطوي قليلاً إلى الوراء القدرات القائمة. وفي الوقت ذاته، أدرك الإيرانيون منذ مدة أن العالم يقيس تقدم برنامجهم النووي من خلال قياس زمن الاختراق، أي المدة الزمنية المطلوبة للحصول على القدر الكافي من اليورانيوم المخصَّب لصنع القنبلة النووية. ولذلك، اعتمدوا حرمان الوكالات الدولية من إمكانية العثور على "دليل دامغ لا يقبل الشك" من خلال بناء قدرات "جانبية"، أي ترسيخ وتوسيع البنى التحتية للبرنامج النووي والوفرة (redundancy) ولا سيما من خلال زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي وتطوير نوعيتها، وزيادة عدد المواقع المرتبطة بالبرنامج النووي وتعزيز حمايتها، ومن خلال تطوير مسار إنتاج البلوتونيوم في مفاعل أراك. ونجحت إيران بالتالي في تقصير المدة اللازمة لتحقيق الاختراق نحو إنتاج قنبلة نووية إلى بضعة أشهر. ويسمح الاتفاق المرحلي لإيران بالاحتفاظ بهذه القدرات وكذلك بالوصول إلى وضع دولة على عتبة القنبلة النووية. واختارت إيران على الأقل حالياً، طريق التقارب (rapprochement) في سبيل تحقيقِ تخفيف كبير للعقوبات الاقتصادية، وتهدئة الاحتجاجات الداخلية. لكن الطريق المؤدي إلى اتفاقٍ دائمٍ يزيل التهديد النووي الإيراني في المستقبل المنظور ويلبي المصلحة الأمنية لإسرائيل، طويلٌ وكثيرُ المطبات، ومن غير المؤكد على الإطلاق إمكانية التوصل إلى هكذا اتفاق.

صعود اللاعبين الخارجين على سلطة الدولة (non-state actors): تَعزّز حضور اللاعبين الخارجين على سلطة الدولة في موازاة ضعف دور أجهزة الدولة الممسكة بزمام الحكم. وأصبحت هذه الجهات أقوى عسكرياً وبإمكانها إلحاق الأذى الأمني والسياسي. وأكسبتها قدراتها المتنوعة على تعطيل المسارات السياسية وإقلاق الحياة المدنية الروتينية، وإلحاق الضرر بالبنى التحتية لقب "المفسدين العدائيين" (spoilers). وتواجه البلدان ذات الحكومات المركزية الضعيفة صعوبة كبيرة في احتواء نشاط اللاعبين غير الحكوميين العدائيين والمتطرفين.

إن الأخطار الناجمة عن التطورات في سورية حادة بنوع خاص، فالحرب الأهلية الدائرة تهدد بجعل سورية نموذجاً إقليمياً للدولة الفاشلة التي تعاني اختلالاً وظيفياً، على الطراز الأفغاني أو الصومالي، مع احتمال تفككها وفقدان الهوية القومية؛ أضف إلى ذلك خطر وصول النزاع إلى لبنان. فقد أصبحت سورية قاعدة لنشاط الجهاد العالمي ضد نظام الأسد ومؤيديه، وتحديداً حزب الله والحرس الثوري الإيراني اللذين يقاتلان إلى جانب النظام. أما الفصائل الجهادية الرئيسية الناشطة في هذه الساحة فهي تنظيم "جبهة النصرة لأهل الشام" وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) تُعاوِنُهما جماعاتٌ سلفية جهادية تهاجم أهدافاً لحزب الله وإيران على الأرض اللبنانية. بل إن انزلاق النزاع إلى الدول المجاورة لسورية يهدد بإحداث مسارات تفكك موازية، وبإنشاء كيانات مذهبية، وتغيير معالم الحدود، وبحصول تحالفات جديدة. وهناك تهديد إضافي ناجم عن القتال الشرس في شبه جزيرة سيناء بين منظمات الجهاد العالمي بقيادة "جماعة أكناف بيت المقدس" والحكومة وقوات الأمن المصرية. فهذه العناصر الجهادية ناشطة ضد أهداف حكومية في الداخل المصري أيضاً، وقد تكون تحظى بدعم بعض مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين الذين خاب أملهم من إسقاط حكومة محمد مرسي.

وحتى الآن لم تنشط عموماً منظمات الجهاد العالمي العاملة في سورية ولبنان ضد إسرائيل (باستثناء حادثة إطلاق صواريخ معزولة في آب/ أغسطس 2013)، لكن شُنّت عدة هجمات ضد إسرائيل انطلاقاً من شبه جزيرة سيناء بما في ذلك إطلاق صاروخ على مدينة إيلات. وبالإجمال، فإن سيطرة قوات خارجة على الدولة ولا سيما عناصر الجهاد العالمي، على مناطق محاذية لحدود إسرائيل حيث لا سيطرة فعالة للحكومة المركزية، تشكل تحدياً أمنياً متنامياً لإسرائيل وتهدد بتعطيل الحياة اليومية – ليس فقط في المناطق الحدودية، بل في عمق البلاد أيضاً- وبانجرار إسرائيل إلى مواجهات عابرة للحدود. وفي سيناريوات خطيرة بنوع خاص، قد تضطر إسرائيل إلى شن عمليات لاستئصال التهديد داخل مناطق مأهولة خارج حدودها، وإن كانت مقيَّدة بمسؤوليتها تجاه السكان المدنيين وبضرورة خفض الأضرار الجانبية إلى الحد الأدنى. وإحدى النتائج المحتملة هي تدهور العلاقات مع الحكومات العربية بما فيها تلك الموقعة على اتفاقيات سلام مع إسرائيل. وأبعد من ذلك، هناك صعوبة لدى محاربة قوات غير حكومية، في تحديد مكان المراكز الاستراتيجية للعدو، وفي إحراز نصر واضح وحاسم يضع حداً للنزاع ويُفعّل آليات لترسيخ الاستقرار من أجل ضمان التهدئة المطوّلة.

العلاقات مع الفلسطينيين: في موازاة المفاوضات مع الفلسطينيين الهادفة للتوصل إلى اتفاق، من الضروري الاستعداد لمواجهة الأزمة إذا تبين أنه لا يمكن ردم الفجوات بين الجانبين، مما يفضي إلى توقف المسار السياسي، ما بدوره سيؤدي إلى استئناف النزاع في الضفة الغربية وقطاع غزة. أضف إلى ذلك خطر تراجع قدرة السلطة الفلسطينية على تطبيق القانون والنظام، وإدارة الاقتصاد وممارسة الحكم بفعالية. وسيترك فقدان السيطرة والقدرة على السيطرة على آليات الحكم من قبل السلطة الفلسطينية، إسرائيل، من دون شريك في التنسيق الأمني وفي التنسيق الاقتصادي في الساحة الفلسطينية – فضلاً عن الأعباء الأمنية والاقتصادية التي قد تترتب على ذلك.

الضعف الظاهر للولايات المتحدة: إن الردع الإسرائيلي- سواءً في مداه أو في قدرته على التأثير- عرضة للتأثّر بالتصوّر السائد بشأن الضعف الظاهري للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. فنتيجة سنوات من الحملات المنهكة في أفغانستان والعراق، غدت الولايات المتحدة كارهة للتدخل العسكري وتفضل "القيادة من الخلف". وتقضي مقاربة الرئيس أوباما مثلما تجلّت في سياسة الإدارة الأميركية تجاه إيران وطريقة معالجة حادثة استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، باجتناب استخدام القوة بقدر الإمكان. فهاتان الحالتان تعززان القناعة الإقليمية بأنه في ساعة الامتحان لن تقف الولايات المتحدة إلى جانب حلفائها بسهولة كما فعلت في الماضي، وبأنه استناداً للحالة السورية يفتقد الخيار العسكري الأميركي ضد إيران إلى الصدقية.

نزع الشرعية عن إسرائيل: هناك مصدر آخر للقلق في إسرائيل متمثل في مساعي نزع الشرعية عنها [حملة المقاطعة BDS]، في المحافل الدولية والإقليمية، وتحديداً على خلفية عدم إحراز أي تقدم في المسار السياسي الإسرائيلي – الفلسطيني، واستمرار البناء في المستوطنات في الضفة الغربية، إذ لا يكفي استئناف المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين لمقاومة هذا الاتجاه ما لم تظهر إشارات ملموسة حول اختراق يؤدي إلى تسوية قابلة للتنفيذ. وهناك شعور متنام بأن المجتمع الدولي ولا سيما البلدان الغربية التي تعي محدوديّة تأثيرها في تطورات منطقة الشرق الأوسط، يتمسك بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني كقضية رئيسية يؤدي حلّها إلى تسهيل حلول المشكلات الأخرى في المنطقة. وبرغم هشاشة هذه الحجة، فعلى إسرائيل أن تأخذ في الحسبان الصعوبات السياسية والدبلوماسية التي ستواجهها إذا فشلت المفاوضات مع الفلسطينيين، وخصوصاً إذا أدت التطورات إلى نزاع عنيف. أضف إلى ذلك المعارضة الدولية لاستخدام القوة وصورة إسرائيل السلبية كدولة تستخدم القوة بطريقة غير متناسبة.

الأهداف الاستراتيجية الأمنية

إن التهديدات والفرص التي تواجهها إسرائيل هي التي تحدد أهدافها السياسية والأمنية ومجالات التركيز المفضلة، في سعيها لكبح الاتجاهات السلبية وتنمية التطورات الإيجابية.

التحدي الإيراني: الهدف الأولي لإسرائيل هو جعل إيران مجبرة على التوصل مع القوى الكبرى إلى اتفاق يضمن إطالة المدة اللازمة لتحقيق اختراق نحو امتلاك قدرات نووية. وهذا يستتبع الجمع بين المفاوضات والإجراءات السياسية، والضغط الاقتصادي والحوافز المالية، مع إبقاء الخيار العسكري ذي الصدقية مطروحاً بقوة- ليس فقط من قبل إسرائيل وإنما أيضاً من قبل الولايات المتحدة. فعلى إسرائيل أن تركز على محاولة التأثير في محتوى الاتفاق بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من جهة وإيران من جهة أخرى، وعلى لجم قدرة إيران على خداع الغرب. وفي الوقت نفسه، على إسرائيل أن تطلب من الولايات المتحدة تحديداً، مواصلة نظام العقوبات دون تهاون ما لم تنفذ إيران الاتفاق المرحلي وما دامت إيران تضع عقبات أمام التوصل إلى تسوية دائمة. وعلى إسرائيل التأكد من جهوزية خيارها العسكري إذا دعت الحاجة إليه.

المحور الراديكالي في منطقة الشرق الأوسط: وهناك هدف آخر يقضي بإضعاف المحور الراديكالي والسعي لتقويضه. ويخدم تغيير النظام في دمشق هذا الهدف لأنه يستأصل نفوذ إيران وحزب الله في سورية برغم المخاطر الجديدة التي قد تنشأ. لكن قدرة إسرائيل على تشجيع تحقيق هذا الهدف البعيد المنال محدودة بحكم الخلافات في وجهات النظر بين القوى الكبرى، وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا، حول العمل المطلوب الذي من شأنه تعزيز استقرار سورية، وبحكم المخاوف من تفكّك سورية إلى كيانات وكانتونات إثنية ومذهبية (وإلقاء تبعة هذا التفكك على الغرب)، وكذلك التخوف من تحوّلها معقلاً لتنظيم القاعدة ولسواه من منظمات الجهاد الإسلامي. وعلى إسرائيل أن تقرّر ما إذا كان تحقيق هذا الهدف مجدياً من منظورها، حتى أمام خطر ظهور دولة فاشلة ومقسَّمة تستخدم قاعدة عملانية للمجموعات الجهادية على حدودها الشمالية. وفي الوقت ذاته من الضروري المساعدة على تطبيق الاتفاق الدولي حول تفكيك ترسانة سورية من الأسلحة الكيميائية. فإذا بقي نظام الأسد، على إسرائيل أن تواصل عملياتها العسكرية في سورية بما يستهدف تدمير الأسلحة الاستراتيجية لمنع نقلها إلى حزب الله في لبنان أو وقوعها بيد العناصر الجهادية في سورية نفسها. وفي كافة الأحوال، يمكن توقّع فترة طويلة من عدم الاستقرار في سورية، مما يشكل تحدياً لأمن إسرائيل وخاصة في المناطق الحدودية بين إسرائيل وسورية، وكذلك أيضاً على طول حدود إسرائيل مع الأردن ولبنان من جراء انتشار محتمل للأزمة إلى الأردن ولبنان بما قد يؤدي إلى صدمات داخلية.

ضمان أمن الحدود: هناك حاجة ماسة مستجدة لترسيخ الأمن على طول الحدود مع سورية ولبنان وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، وحتى مع الأردن. والغاية من ذلك منع التسلل والإرهاب ضد إسرائيل، ومنع تهريب الأسلحة إلى مناطق السلطة الفلسطينية وقطاع غزة. وبغية ضمان أمن الحدود، من الضروري تطوير منظومات الدفاع الحدودية وتدعيم الردع الذي يشمل العمليات السرية، في إطار تكاملي متواصل بين هذه المنظومات.(1) وفي هذا السياق، من الجوهري الحفاظ على التنسيق الأمني مع الجيشين المصري والأردني، وتعزيز التواصل المباشر بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ومثيلاتها في البلدان العربية وحتى في لبنان، لغرض اجتناب التصعيد غير القابل للسيطرة عقب هجمات إرهابية لمنظمات الجهاد العالمي أو حزب الله أو عناصر متطرفة أخرى. ثم إن اشتداد قوة منظمات الجهاد العالمي بما فيها تنظيم القاعدة، واستحكامها قرب الحدود الإسرائيلية، يتطلب تطوير قدرات استخباراتية وعملانية هجومية ودفاعية وإقامة تنسيق إقليمي واسع، بما في ذلك التنسيق مع المجموعات والقوى المحلية، ورافعات للتأثير متعددة المجالات في سبيل إضعاف قدرة المجموعات المعادية على إلحاق الأذى.

العملية السياسية الإسرائيلية - الفلسطينية: علاوة على المزايا الإيجابية لهذه العملية في الساحة الإسرائيلية - الفلسطينية، فإن من شأن إحراز تقدم في العملية السياسية أن يحسّن فرص إسرائيل في تشجيع التطبيع وتوثيق التعاون الأمني مع دول الجوار. وبمستطاع إسرائيل تحقيق ذلك من خلال التقدم في ثلاثة محاور متوازية: مفاوضات للتوصل إلى تسوية دائمة؛ ترتيبات انتقالية مبنية على مبدأ "ينبغي تنفيذ ما اتفق عليه" قبل تحقيق الاتفاق الدائم نظراً للصعوبات في ملء الفجوات حول القضايا الأساسية؛ وإجراءات [إسرائيلية] مستقلة سواءً منسّقة أو من دون تنسيق، من أجل تكريس واقع دولتين لشعبين. والهدف الجوهري من التقدم على المحاور الثلاثة هو تشكيل بيئة داعمة للعملية السياسية، بالتوازي مع ترسيخ حكومة فلسطينية مستقرة ومسؤولة تعمل بفاعلية وتشجع النمو الاقتصادي. كما أن التقدم على المحاور الثلاثة مشروط بالتهدئة الأمنية والاستقرار استناداً إلى النشاط العملاني المثابر للجيش الإسرائيلي وللأجهزة الأمنية وهو الأمر الأساسي من أجل تدمير البنى التحتية الإرهابية، بالتضافر مع إنعاش الاقتصاد الفلسطيني وتحسين الظروف المعيشية للسكان، والتعاون الوثيق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

تقييد حركة حماس: هناك هدف آخر متصل بالساحة الفلسطينية، وتالياً بعلاقات إسرائيل بدول الجوار وتحديداً مصر، يتمثل في الحدّ من الأذى المحتمل الذي قد تسبّبه حركة حماس. ويسع إسرائيل استغلال ضعف حركة حماس للتوصل إلى تفاهمات على قاعدة التهدئة الأمنية في مقابل التنمية الاقتصادية والتسهيلات على المعابر الحدودية مع قطاع غزة. كما يسعها في هذا السياق أن تشدّد على أن حركة حماس هي السلطة الحاكمة في قطاع غزة، وهي مسؤولة بالتالي عن منع النشاط الإرهابي ضد إسرائيل من قبل الفصائل الأخرى الناشطة هناك، فإذا استمرت الحركة في الضعف وتنامت معارضة سكان قطاع غزة لها، قد تلوح فرصة لتشكيل ائتلاف مع مصر ودول عربية معتدلة بهدف زيادة الضغط على حركة حماس وتخييرها بين خسارة السلطة أو القبول بتهدئة طويلة الأمد، بما في ذلك التعاون والصلح مع السلطة الفلسطينية. وفي سبيل تخفيف مخاطر التهديد الأمني المتوقع من جراء الارتباط اللوجستي والعملاني القائم بين النشطاء الجهاديين في كل من قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، ينبغي لإسرائيل أن تطالب، بالتنسيق مع مصر، بتحميل حركة حماس مسؤولية النشاط الإرهابي لمنظمات الجهاد العالمي الذي منشؤه قطاع غزة حتى لو تم تنفيذه انطلاقاً من شبه جزيرة سيناء.

التنسيق والتعاون في مجال السياسة الحكومية: إن إسرائيل والدول العربية والغرب يجابهون لاعبين خارجين على سلطة الدولة في حلبات نشاط دينامية على امتداد عدة قارات، ويتعذّر بالتالي تركيز النزاع على منطقة معادية واضحة المعالم. وإحدى الصيغ المقترحة لتطوير القدرة على التصدي لهذه المنظمات هو تعزيز التنسيق السياسي والأمني (الاستخباراتي، والعسكري، والدبلوماسي، والاقتصادي، والتواصلي، والإنساني، إلخ) بين إسرائيل والدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة، ثم بين إسرائيل والدول العربية البراغماتية. وينبغي التأسيس لعلاقات تعاون جديدة فضلاً عن ترسيخ التنسيق القائم مع بلدان منطقة الشرق الأوسط – مصر، الأردن، العربية السعودية، والإمارات الخليجية، وكذلك مع تركيا – من أجل العمل المشترك الهادف إلى منع تهريب أسلحة عبر الحدود وتسلل إرهابيين. ويسهّل هذا التنسيق مكافحةَ النشاط المعادي وهو في مرحلتي التخطيط والتنظيم، وليس فقط في المراحل العملانية. وأبعد من التنسيق الأمني، يمكن تشجيع مشروعات اقتصادية مشتركة في أسواق جديدة داخل منطقة الشرق الأوسط بما فيها مشاريع الطاقة والمياه، كمنطلق للتوصل إلى تفاهمات سياسية واستراتيجية.

إن إمكانية تطوير العلاقات مع الدول العربية مرتبطة بالضرورة بالتغييرات في الهرم الاجتماعي لبلدان منطقة الشرق الأوسط. ولشباب الطبقة الوسطى الساعين إلى التغيير تأثير كبير في الأجندة السياسية، وفي ميزان القوى بين مختلف شرائح المجتمع، وفي سلوك النخبة الحاكمة. فمن السهل للقوى الاجتماعية الجديدة تحدي الأعراف والأطر القائمة، لكنهم يجدون صعوبة في تشكيل تنظيمات سياسية فاعلة وتحالفات سياسية، وفي إعادة تصميم هيكلية الدولة وآليات عملها، بشكل يلبّي حاجات عموم الناس. وفي سبيل توطيد الأمن والاستقرار في المنطقة، ينبغي القيام بمحاولة إشراك مختلف المجموعات المدنية الفاعلة في حوار حول مسائل تتصل بهندسة شكل الحكم الجيّد وبالنمو الاقتصادي وبالأمن. ويمكن أن تشكل الشبكات الاجتماعية مساحة حوار وتقييم وفهم للمزاج العام في البلدان العربية، فمن شأن المقاربة المباشرة عبر الشبكات الاجتماعية، والتواصل مع المؤثرين في صناعة الرأي العام والشخصيات المعروفة على صفحاتها، أن تساعد في بناء الثقة وتوفير أرضية للتواصل الذي يمكن أن يثمر نتائج إيجابية على المدى البعيد.

تعتمد إسرائيل على المساعدة العسكرية والسياسية الأميركية، وتشكل العلاقات مع الولايات المتحدة عنصراً هاماً في صورة الردع الإسرائيلي على الصعيد الإقليمي. فعلى إسرائيل بالتالي أن تواصل التعاون مع مختلف أسلحة المؤسسة العسكرية الأميركية من خلال أخذ مصالح الولايات المتحدة العالمية والشرق أوسطية بالحسبان، لكن من دون المساس بحرية عمل إسرائيل في كل ما يتعلق بحق الدفاع عن النفس.

الأهداف الأمنية والسياسية المتوخاة (استخدام القوة الخشنة بالتكامل مع وسائل أخرى)

حدّد إيهود باراك عندما كان وزيراً للدفاع، عدداً من المبادئ الأساسية من أجل حلّ شامل لمواجهة للتحديات التي تواجهها إسرائيل في مجال الدفاع، وهي تتضمن التالي:(2) التأكيد على حق الدفاع عن النفس، أي أن تتحمّل إسرائيل وحدها مسؤولية اتخاذ القرارات المتعلقة بأمنها ومصيرها، وتعزيز قدراتها الدفاعية الذاتية. حقاً، إن تحقيق هذه الأهداف السياسية والأمنية هو الذي ينبغي أن يوجّه جميع مساعي إسرائيل. غير أن مفهوم إسرائيل لاستخدام القوة لا يزال محدوداً إذ يركز أكثر على تحقيق النتائج العسكرية- إحراز النصر، الحسم، الردع - وأقل على النتائج السياسية والاقتصادية وعلى البنى التحتية والمسارات التي تخدم مصالح إسرائيل في الساحتين الإقليمية والدولية.

وأحد العناصر الأساسية في السعي الفعال لتحقيق الأهداف التي تحددها الحكومة هو المشروعية، سواءً المحلية أي التي يمنحها المجتمع المدني، أو الدولية. وفي سبيل الحصول على المشروعية، من المهم الاعتراف بأن القوة ليست أكثر من إحدى الوسائل المتاحة لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية. وبالفعل، فإن تحديد نتائج النزاع لا يتوقف على انتصار قوة ما في ساحة القتال حصراً، فعلى وجه الخصوص عندما تكون هناك تحديات إضافية شائكة، يتعذّر تحقيق حسم عسكري واضح. ولذلك، فإن مشروعية استخدام القوة العسكرية بطريقة متناسبة، وبناء السردية الإسرائيلية حولها، والاعتراف الدولي بهذه السردية، جميعها أمور أساسية. فينبغي بالتالي اللجوء إلى الخيار العسكري فقط عندما تستنفد جميع الجهود غير العسكرية: السياسية، والقانونية، والاقتصادية، والإنسانية، بالإضافة إلى توجيه الرسائل الاستراتيجية القوية والجهود الإعلامية.

إن استراتيجية بناء المشروعية تتطلب فهم التحديات الخاصة والنتائج المحتملة للأفعال، وتعريف المشكلة الاستراتيجية، واستنباط الوسيلة الاستخباراتية - العملانية التي تشكل الحل الأمثل لمجابهة نشاط الخصم. وينبغي تدريب وإعداد القوات العسكرية لتنفيذ مهمات عسكرية قصيرة الأمد وموجّهة تستهدف تحقيق حسم واضح في الاشتباكات على المستوى التكتيكي، واجتناب الأوضاع التي يستحيل فيها الحسم، لأن تراكم عمليات الحسم التكتيكي ينال من قدرة الخصم ورغبته في مواصلة القتال ومن تمكنه من حشد تأييد السكان لأفعاله.

إن الاستخدام النموذجي للقوة العسكرية يفترض التحكم بشدة الصراع وبمراحل التصعيد مع السعي إلى تقصير مدة الحملة العسكرية وتقليص الضرر على الجبهة الداخلية والعودة السريعة إلى سير الحياة العادية. ويتوقف نطاق العمل العسكري على الإجراءات السياسية والإنسانية المتّخذة في موازاة العمليات العسكرية. وينبغي الحد من الأضرار الجانبية، وتقليل الاحتكاك بالسكان المدنيين في منطقة الخصم إلى الحد الأدنى.

ولأن إسرائيل تواجه لاعبين خارجين على سلطة الدولة ومنظمات الجهاد العالمي ولديها قدرة محدودة على التأثير في أجنداتهم، فمن المهم تعزيز عناصر الردع ضدهم، وإضعاف هؤلاء اللاعبين من خلال سلسلة من العمليات السرية المباغتة التي تنال من إمكاناتهم وقدراتهم التنظيمية. وهذا يتوافق مع مفهوم الحملة العسكرية المتدنية المستوى والمستمرة، الفاصلة بين العمليات الكبيرة التي تستهدف تعطيل وقطع مسار بناء القدرات، ومنع تزوّد العناصر المتمردة بأسلحة يمكن أن تعدّل ميزان القوى وأن تنال من التفوق العسكري الإسرائيلي وسائر المزايا النسبية، مع الحدّ من النتائج غبر المرغوب فيها لهذه العمليات واجتناب التصعيد غير الخاضع للتحكم بما قد يؤدي إلى نزاع بالغ الشدة. وفي سبيل تثبيت التهدئة الأمنية المطوّلة مع مواصلة تعزيز الردع، هناك أداة مهمة متمثلة في نظام الأمن المستقر المبني على ترتيبات أو تفاهمات معقودة مع الخصم في أعقاب استخدام القوة.

الانعكاسات على بناء القوة العسكرية

أمام التراجع المستمر لحصة ميزانية الدفاع من الناتج المحلي الإجمالي ومن الموازنة العامة للدولة، ينبغي العمل على تطبيق توصيات لجنة بروديت.* فقد أوصت اللجنة بإعداد ميزانية متعددة السنوات للمؤسسة العسكرية بناءً على تخطيط متعدد السنوات لاحتياجات المؤسسة، كما أوصت بزيادة ميزانية الدفاع بناء على معايير واضحة. إن الموارد المحدودة والمقيّدات وعدم اليقين المتنامي، كل ذلك يفرض على الحكومة وضع أولويات واضحة للإنفاق الأمني من خلال تقويم مساهمة كل من الحلول الأمنية - العسكرية المقترحة للرد على التحديات المهمة.

وعلى إسرائيل أن تركز بالتحديد على المجالات التالية:

1.المحافظة على قدرات الجيش الإسرائيلي الهجومية، وعلى قدرته على الإنجاز السريع للأهداف التي تحدّدها القيادة السياسية في حال حصول تدهور في الوضع الأمني أو تصعيد، وبنوع خاص تجاه قطاع غزة ولبنان، والمحافظة على قدرته على التكيف السريع والتعامل مع التهديدات اللامتناظرة من مصادر إضافية؛

2.تعزيز عناصر حماية الجبهة الداخلية من خلال مواصلة تطوير منظومات الإنذار والاعتراض الصاروخي، والطائرات من دون طيار، والقدرات السبرانية، وتعزيز حماية الحدود من خلال بناء سياج أمني متطور مدعّم بقدرة استخبارات ورصد ذكية تغطّي الجانب الآخر من الحدود؛

3.المحافظة على قدرة الجيش الإسرائيلي على تحويل جهوده بإنذار قصير المدة من جبهة إلى أخرى بسرعة، اعتماداً على مرونة سلاح الجو والقدرات الاستخباراتية؛

4.توطيد الردع من خلال بناء قدرات عملانية بعيدة المدى تمكّن الجيش من ضرب قوة الخصم وبناه التحتية في عمق أرض الخصم، مع الحفاظ على المباغتة والتعتيم على مسؤوليتها عن العملية (low signature)؛

5.تعزيز النشاط الاستخباراتي العملاني ولا سيما جمع البيانات ومعالجتها، وهي تسمح بتضافرها مع قدرات الهجوم وقوة النيران الدقيقة، بالاستفادة الكاملة من قدرات الجيش الإسرائيلي العملانية؛

6.تكثيف استخدام وسائل القتال غير المأهولة (الطائرات من دون طيار والأنظمة الأرضية) التي تسمح بالتوغّل في أرض الخصم وتوجيه ضربات دقيقة ضد الأهداف المعادية مع تقليل الخسائر البشرية في صفوف الجيش الإسرائيلي؛

7.تطوير أسلحة أقل فتكاً بهدف تقليص الأضرار الجانبية والإصابات عموماً، وبنوع خاص في صفوف المدنيين غير المتورطين ولا سيما في سيناريوات العصيان المدني.

إن المساعدة العسكرية الأميركية وتعاون إسرائيل الاستراتيجي مع الولايات المتحدة يشكلان عنصرين مركزيين في بناء قدرات الجيش الإسرائيلي وفي الحفاظ على تفوقه النوعي في مواجهة مجموعة من التحديات العسكرية واللامتناظرة. فمن الحيوي بالنسبة إلى إسرائيل أن تلتزم بتفاهماتها مع الإدارة الأميركية وتواصل تطوير التعاون مع القوات المسلحة الأميركية والقدرات العسكرية المشتركة.

خلاصة

إن مرتكزات إسرائيل الأمنية مبنية على التالي:

1.إدامة وترسيخ معاهدات السلام مع كل من مصر والأردن، والسعي للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين تفتح نافذة الفرص لترتيبات واتفاقات وتفاهمات أمنية إقليمية مع الدول العربية؛

2.الردع الإسرائيلي المستند إلى قدرات إسرائيل العسكرية الهجومية والدفاعية الفريدة وإلى المرونة والتكيف السريع مع الأوضاع المستجدة، مع الجهوزية والتصميم على استخدام القوة- في العلن أو في الخفاء- إذا دعت الحاجة؛

3.ميزات إسرائيل النوعية والتكنولوجية في المجالين المدني والعسكري؛

4.حصانة المجتمع المدني في إسرائيل، متضافرة مع تعزيز الدفاع الاستراتيجي وحماية الجبهة الداخلية، وصون الاستمرارية العملانية للأنظمة، والنمو الاقتصادي، وسير الحياة اليومية.

ومن أجل التعامل مع التحديات الأمنية الماثلة أمام إسرائيل، يتعين على الحكومة الإسرائيلية بلورة سياسة غايتها توحيد الجهود في ثلاثة مجالات. في المجال الأمني: على إسرائيل مواصلة الاعتماد على قدراتها الأساسية المستقلة وعلى حقها في الدفاع عن النفس عبر تعزيز الردع، وترسيخ القدرات الدفاعية، وتنفيذ مهمات عسكرية ضد التهديدات الملموسة المباشرة. وفي المجال الدولي: على إسرائيل تمتين علاقاتها المميّزة مع الولايات المتحدة حليفة إسرائيل الرئيسية في الدبلوماسية والأمن والاقتصاد. وفي الوقت ذاته ينبغي بذل جهود لتحييد ضغوط حملة نزع الشرعية عن إسرائيل جزئياً من خلال مسعى صادق لإحراز تقدم نحو تسوية مع الفلسطينيين مع اجتناب وقائع جديدة على الأرض ما دامت العملية السياسية الجدية جارية. وبالإضافة إلى ذلك، على إسرائيل دعم جهود المجتمع الدولي للتوصل إلى تسوية مع طهران تبعد إيران بالقدر الكافي عن امتلاك قدرات إنتاج قنبلة نووية، كما عليها أن تجري حواراً علنياً مع المجتمع الدولي حول تشكيلة من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وحول المسائل الخلافية أيضاً. وأخيراً، في المجال الإقليمي: على ضوء الأحداث والتطورات في منطقة الشرق الأوسط، توجد فرصة لتطوير شراكات مع البلدان العربية، ومع المجتمعات والمجموعات والقطاعات التي تلعب دوراً حيوياً في إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط، فلإسرائيل مزايا فريدة في التكنولوجيا وفيما يتعلق بالمياه وحتى في الطاقة، بما هو كفيل بتوسيع دائرة علاقاتها في المنطقة. وفي حالات كثيرة، يشكل التقدم نحو ترتيبات مع الفلسطينيين شرطاً مسبقاً لاستغلال هذه الفرصة.

إن طبيعة التحديات المتنامية في المحيط الاستراتيجي لإسرائيل مع قواعد اللعبة المقبولة في المجال الدولي، يتطلبان من إسرائيل اعتماد مقاربة متعددة الاختصاصات (multidisciplinary) تدمج الأبعاد (dimensions) الدبلوماسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والقانونية وذات الصلة بوسائل الإعلام. وينبغي أن تُجرى تقييمات الحالة مع أخذ مراكز القوة والنفوذ في الحسبان ولا سيما غير العسكرية منها، أي تلك التي تعكس الأفكار والتطلعات الثقافية والقيمية والمعيارية. ومتى كان استخدام القوة ضرورياً، فإن فاعليته الكاملة تتطلب معالجة الجوانب المتصلة بمشروعية استخدام تلك القوة، قبل استخدامها وأثناءه وفي أعقابه.

إن من شأن التفكير المتعدد الاختصاصات وإن كان تطبيقه أو بلورته غير بسيطين، أن يساعد إسرائيل في تشجيع الحوار والتفاهمات مع الحلفاء ودول الجوار، وفي استخدام إنجازاتها العسكرية رافعة لجني مكاسب سياسية، وتأسيس قواعد لعبة مقبولة، ترافقاً مع نُظُم أمن مستقرة في محيطها.


* المصدر: "تقييم استراتيجي لإسرائيل 2013-2014"، كانون الثاني/يناير 2014، إعداد شلومو بروم وعنات كورتس، منشورات معهد دراسات الأمن القومي- جامعة تل أبيب؛ http://www.inss.org.il

** ثلاثة باحثين كبار في معهد دراسات الأمن القومي.

- ترجمته عن الإنكليزية يولا البطل.

(1) إشارة إلى العمليات السرية والاستخبارية الخفيّة، التي تنفذ عادة دون إظهار المسؤولية عنها، والتي تنفذ بين جولات النزاع المسلح التي تتصاعد إلى نزاعات عسكرية واسعة النطاق.

(2) خطاب لإيهود باراك عندما كان وزيراً للدفاع أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي في 19/3/2012

* شُكلت لجنة بروديت في تشرين الثاني/نوفمبر 2006 بعد انتهاء الحرب الثانية على لبنان لدراسة أسباب سوء أداء الجيش الإسرائيلي خلال الحرب. وجاء في خلاصة تقرير اللجنة الصادر في أيار/مايو 2007: "إن قوات الدفاع الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية بمجملها تعاني أزمة متعددة الأبعاد: ميزانية، وإدارية، وتنظيمية، وثقافية، واستراتيجية". وأوصت اللجنة بتطوير الكفاءة، وملاءمة الميزانية لبرامج الجيش الإسرائيلي والتهديدات، وباعتماد ميزانية متعددة السنوات (خمسية على الأقل)، وبزيادة الميزانية بنحو 2,5% في السنة، وبإدخال الرقابة الخارجية على ميزانية الدفاع، وبزيادة الشفافية. أنظر: Shmuel Even, “The Brodet Commission: The IDF is undergoing a Multidimensional Crisis”, INSS Insight No. 22, June 20,2007; www.inss.org.il/index.aspx?id=4538&articleid=1414 (المترجمة).

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: