Thursday, March 6, 2014

كيف نتعامل مع برنامج طهران النووي؟

كيف نتعامل مع برنامج طهران النووي؟

Thu, 03/06/2014 -

بقلم: أفنر غولوب

تميز الاسبوع الاخير بثلاثة احداث هامة: بداية المحادثات في فيينا بين ايران والقوى العظمى على الاتفاق النهائي بالنسبة للبرنامج النووي الايراني، نشر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي قضى بان ايران تنفذ التزاماتها حسب الاتفاق المرحلي، وزيارة مغطاة اعلاميا في اسرائيل لرئيسة الفريق الامريكي المفاوض الى المحادثات مع ايران، وندي شيرمان. وتستدعي جملة الاحداث هذه من أصحاب القرار في اسرائيل العودة الى فحص المسألتين المركزيتين المتعلقتين بالسياسة تجاه البرنامج النووي الايراني: 1. هل لا يزال نظام العقوبات الدولي ناجعا بقدر ما تعتبر القيادة الايرانية برنامجها النووي تهديدا على بقائها؟ 2. هل في غياب الاستعداد الايراني لتنازلات هامة عن عناصر مركزية في برنامجها النووي، ستكون الولايات المتحدة مستعدة لتشدد الضغط على طهران؟ يشير فحص هاتين المسألتين في ضوء التطورات الاخيرة الى أجوبة اشكالية والى الحاجة الى التأكد من أن زيارة رئيس الوزراء نتنياهو الى واشنطن ستساعد في بلورة سياسة صحيحة لتغيير الالية الخطيرة الناشئة.

يخيل لي أن الغرب لم يقنع بعد الزعيم الاعلى خامينئي بان عليه أن يختار بين الحفاظ على استقرار النظام وبين الحفاظ على القدرات الايرانية في المجال النووي. فالاتفاق المرحلي الذي وقع بين ايران والقوى العظمى ودخل حيز التنفيذ في 20 كانون الثاني 2014 يعتبر في نظر طهران انجازا استراتيجيا. وخلافا للنظرة الغربية، فان هدف المفاوضات لدى ايران كان الاعتراف الدولي بقدرة التخصيب الذاتي. وكان التسهيل في العقوبات هدفا ثانويا. ويعترف الاتفاق المرحلي بانه في اطار صفقة نهائية ستكون لايران قدرة تخصيب ذاتية، خلافا لقرارات مجلس الامن في الامم المتحدة. وقد تمثل هذا الاعتراف الدولي في التصريحات العلنية والواضحة للسيدة شيرمان في البلاد.

ويسمح الاعتراف الدولي بتشخيص حدود الخلاف داخل النظام الايراني. فمن جهة توجد القوى المحافظة، بقيادة رجال دين مركزيين وكبار من الحرس الثوري ممن يعارضون كل اتفاق مع الغرب وكل حل وسط في المجال النووي. ومن جهة اخرى، القوى الاكثر براغماتية، بقيادة الرئيس روحاني، والمستعدة لحلول وسط تكتيكية ومقيدة للبرنامج النووي الايراني، من أجل رفع العقوبات التي تمس بالاقتصاد الايراني، شريطة ان تكون هذه التنازلات رمزية ولا تمس بشكل ذي مغزى بالقدرات النووية الايرانية. مثال على ذلك هو الموافقة الايرانية على التعطيل والاستبدال لمخزون المادة المخصبة لمستوى متوسط (20 في المئة) ‘العنزة’ التي ادخلها رئيس الوزراء الاسرائيلي الى جانب زيادة مخزون المادة المخصبة الى مستوى منخفض (3.5 في المئة) واستمرار منظومة تنمية اجهزة الطرد المركزي المتطورة القدرات الاهم لتثبيت مكانة ايران كدولة حافة نووية. ولا تحظى الاصوات المستعدة للتفكيك الجدي للبرنامج النووي بصدى كبير، لا في وسائل الاعلام الايرانية ولا في المداولات في اوساط قادة النظام.

حتى الان يبدو أن الزعيم الاعلى خامينئي ينجح في التوازن بين القوى من خلال دعم الفريق المفاوض مع الغرب من جهة، والاعراب عن عدم الثقة بالاستعداد الامريكي للوصول الى حلول وسط الى جانب التوبيخات، الاستماعات والتحقيقات مع اعضاء الفريق، بالمقابل، ويشدد خامينئي على القدرة الايرانية للوقوف في وجه العقوبات الدولية.

من المهم التشديد على أن قسما لا بأس به من العوامل التي تؤدي الى الوضع الاقتصادي السيء في ايران ينبع من الادارة الفاشلة للرئيس السابق احمدي نجاد. ويعمل الرئيس روحاني على اصلاح قسم كبير من نقاط الخلل لدى سلفه، ويخلق توقعات ايجابية بمستقبل الاقتصاد الايراني، تجد تعبيرها في الاشهر الاخيرة في ارتفاع قيمة الريال، قيمة الاسعار في البورصة الايرانية وانخفاض في معدل التضخم المالي المتوقع. الى جانب استمرار التغيير في الادارة الاقتصادية، استغل الايرانيون فترة المفاوضات مع الغرب لتجاوز وتعطيل منظومة العقوبات من خلال تصعيد التجارة مع قوى عظمى كالصين، روسيا، الهند وتركيا. والمنشورات التي لم تتأكد عن اتفاق تجاري بين روسيا وايران بقيمة 20 مليار دولار والاعلان عن وضع خطة لتشجيع الاستثمارات الاجنبية هي مؤشرات اولية على المساعي الايرانية المرتقبة. حتى الان، ينجح الرئيس الايراني في تنفيذ وعده في حملته الانتخابية في أنه يجب مواصلة دوران أجهزة الطرد المركزي ولكن على أن تتواصل ايضا بالدوران عجلات الاقتصاد الايراني.

فهل يمكن لهذا الميل أن يستمر؟ اذا نجح الايرانيون في اذابة منظومة العقوبات، فان ميل التحسن الاقتصادي الى جانب الحفاظ على القدرات النووية الايرانية سيستمر. ولكن في واشنطن ايضا يفهمون بان تحدي الحفاظ على العقوبات سيكون عاملا حاسما في القدرة الامريكية على تحقيق انجازات في المفاوضات مع ايران، وتبذل جهود جمة للابقاء على نظام العقوبات وردع الشركات التجارية والدول الاخرى من تقويضها. وجاء اعلان وزارة المالية الامريكية في شباط 2014 بمعاقبة 32 مصلحة تجارية وشخصيات خرقوا العقوبات لتأكيد التصميم الامريكي. وستكون ‘المعركة على العقوبات’ الساحة المركزية بين الولايات المتحدة وايران في العام 2014.

ولكن حتى لو انتصرت الولايات المتحدة في هذه الساحة، توجد علامة استفهام كبيرة هل في غياب موافقة ايرانية على تفكيك قدراتها النووية حتى نهاية فترة المفاوضات، سيشدد الرئيس الامريكي الضغط على القيادة الايرانية، حتى تكون ايران على مسافة بضعة اشهر من القنبلة. ورغم أن هذا ليس واقعا مثاليا من ناحية واشنطن، فانه لا يزال يناسب التزام الرئيس في الا تصبح ايران عمليا ذات سلاح نووي. وهو كفيل بان يكون افضل من ناحيته من بديل استخدام القوة، الذي تعرب الادارة الحالية عن امتناعها العلني عنه، ومن التشديد الكبير لمنظومة العقوبات الامر الذي يجعل الحفاظ عليها تحديا أكثر تعقيدا.

في هذ الوضع من المعقول إذن ان تتركز المساعي الدبلوماسية على وضع صيغة ابداعية تجمد البرنامج النووي الايراني بل وربما تفكك جزءا من قدراتها، ولكنها تبقي العناصر الهامة تحت رقابة دولية أو ‘في حالة جمود’.

مثل هذه الصيغة يمكنها أن تتضمن العناصر التالية او قسما منها: تحويل مفاعل المياه الثقيلة في اراك الى مفاعل مياه خفيفة غير ناجعة لاغراض عسكرية؛ وقف التخصيب الى مستوى 20 في المئة بشكل دائم؛ الابقاء على حرية البحث والتطوير الايرانية، ولكن تحت الرقابة؛ الموافقة على عدم تفعيل كل اجهزة الطرد المركزي المركبة في مواقع التخصيب الايرانية، ولكن ابقاءها في مكانها؛ والموافقة على الرقابة الوثيقة على كل البرنامج النووي الايراني. مثل هذا الاتفاق سيبقي القدرات الايرانية ولن يمس دراماتيكيا بقدرتها على تطوير سلاح نووي، اذا ما اختارت ذلك وبزمن قصير من أشهر معدودة. رغم ذلك، فان هذا الاتفاق سيوفر ما يكفي من التنازلات الرمزية للطرفين، الولايات المتحدة وايران، بحيث يتمكنا من الايفاء بالتزاماتهما الرئاسة ومنع المواجهة.

اللقاء بين رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس اوباما هو فرصة لتنسيق استراتيجية الدولتين حيال ايران واقناع الرئيس بالتمسك بسياسة تطيل زمن الاختراق الايراني نحو القنبلة الى 2 أو 3 سنوات. ومن اجل دعم مساعي حفظ العقوبات، على اسرائيل والولايات المتحدة ان تكثفا الجهود الاستخبارية المشتركة لفرض العقوبات على ايران والمواجهة الناجعة مع اولئك الذين يسعون الى الالتفاف عليها. ومن أجل ترجمة هذا الضغط الاقتصادي الى انجاز في المفاوضات مع ايران فان اسرائيل مطالبة بان تعرض على واشنطن ‘جزرات’ في مسائل أمنية وسياسية اخرى، كي لا تتنازل وتطلب من الايرانيين ان يوافقوا على خطة التخصيب الذاتية، ولكن تحت رقابة وثيقة للغاية وفي اطار ضيق جدا من عدد اجهزة الطرد المركزي ومخزون المادة المخصبة الى 3.5 في المئة.

ان اسرائيل ملزمة بان تتأكد من الا توافق الولايات المتحدة على حفظ بنية تحتية يمكنها أن تستخدم لاغراض عسكرية في اياد ايرانية، حتى لو وجدت في حالة تجميد أو تحت الرقابة. كما أن على القيادة في اسرائيل أن تبلور مطالب لتقييد القدرات الايرانية التي لا تتعلق بدائرة الوقود، ولكنه حرجة بالنسبة للقدرة الايرانية على تحويل برنامجهم الى اغراض عسكرية: مثلا تقييد برنامج الصواريخ الايراني واستيضاح معنى النشاط الذي عثرت عليه مؤخرا الوكالة الدولية للطاقة الذرية في موقع في بارتشين (حيث حسب الشبهات يجري نشاط يتعلق بالمدى العسكري للبرنامج النووي الايرانية). هذه المسائل لم تندرج في المفاوضات على الاتفاق المرحلي، وحسب وزير الخارجية الايراني لا توجد ايضا في مركز جدول اعمال المحادثات على الاتفاق النهائي. وأخيرا، فان اسرائيل والولايات المتحدة ملزمتان بالتنسيق بينهما لرد الفعل في حالة الرفض الايراني للموافقة على التنازلات في اطار فترة المفاوضات. هذا هو الوقت ‘للمرونة الابداعية’ الاسرائيلية كرد على استراتيجية ‘المرونة البطولية’ الايرانية.

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: