"هآرتس"، 21/4/2022
عاموس هرئيل - محلل عسكري
- في هذه الأيام التي تركز فيها المؤسسة الأمنية على موجة "الإرهاب" الفلسطينية الجديدة، تبدو حدود لبنان هادئة كمشهد طبيعي. طبعاً، هذا هو موسم النزهات في شمال البلد، لكن يجب ألّا نخطىء فيما يتعلق بجدول الأعمال العسكري الحقيقي. نقل القوات إلى المناطق [المحتلة] هو نتيجة ضغط محدد - فقدان الجمهور الشعور بالأمان جرّاء الهجمات. الأجواء السائدة في الجيش الإسرائيلي لم تتغير منذ أكثر من عقد: يتحدثون عن إيران ويستعدون للحرب في لبنان، وفي النهاية، يقاتلون مرة كل بضعة أعوام في قطاع غزة.
- في الأسبوع المقبل، سيتغير الضابط المسؤول عن قطاع الحدود. إنه قائد الفرقة 91 (فرقة الخليل) العميد شلومي بيندر، الذي تولى منصبه مدة عامين و8 أشهر. هذه الفترة كانت متوترة في ساحة عسكرية حساسة جداً. لكن على الرغم من الحوادث المتفرقة التي أدت إلى فترات طويلة من حالة التأهب، فإن بيندر يأمل بإنهاء مهمته، مثل أغلبية الذين سبقوه، من دون حدوث تحوُّل حاد في المشهد. تحديداً، حرب لبنان الثانية التي جرت في صيف 2006، والتي كان أداء الجيش والمستوى السياسي فيها مخيباً ومقلقاً، هي التي أدت إلى فترة هدوء غير مسبوق، من حيث مدته. يبدو أن الحروق المتبادلة التي لحقت بإسرائيل وحزب الله خلقت بعدها توازُن ردع لا يزال صامداً حتى الآن. الكل يُكثر من التهديدات، لكن الأغلبية تسير على رؤوس أصابعها. في هذه الأيام، وحتى إشعار آخر (وهذا يمكن أن يحدث في أي لحظة)، يبدو الجليل المنطقة الأكثر أماناً في البلد.
- ... قبل تولّي بيندر منصبه، وقعت في كانون الأول/ديسمبر حادثة مركزية دراماتيكية في الشمال، عملية "الدرع الشمالي"، التي كشف الجيش في إطارها ستة أنفاق حفرها حزب الله من تحت الحدود إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، تحضيراً لهجوم مباغت مستقبلاً. بعدها، في كل صيف من الأعوام الثلاثة الماضية، حدثت فترات طويلة من التوتر الذي فرض، أحياناً، إبقاء كل القوات في حالة تأهُّب قصوى لأسابيع طويلة. نجم التوتر عن محاولات حزب الله الانتقام لمقتل عناصره في هجمات على سورية نُسبت إلى إسرائيل (ومرة واحدة للرد على هجوم جوي استهدف بيروت). الهجمات الإسرائيلية كانت موجهة في الأساس ضد محاولات تهريب السلاح والتمركز العسكري الإيراني في سورية. وحاول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وضع قواعد لعبة جديدة. ففي حادثة شديدة الخطورة في أيلول/سبتمبر 2019، أطلق الحزب صواريخ مضادة للدبابات على سيارة إسعاف عسكرية بالقرب من الحدود اللبنانية. الصواريخ أخطأت إصابة الهدف بأمتار قليلة، وهذا ما وفّر على الطرفين اشتباكاً كبيراً.
- حدث هذا كله، بينما لبنان غارق في أزمة اقتصادية حادة نتيجة التعثر الاقتصادي وصعوبة تأمين الحاجات الأساسية لمواطنيه، مثل الكهرباء والدواء، وحتى الغذاء. بيندر على ثقة بأن إصرار حزب الله على التشاجر مع إسرائيل في هذه الأوقات أضرّ بتأييد الموطنين اللبنانيين له. يقول: "أعتقد أن أغلبية الناس لم تعد تتأثر بمحاولات حزب الله تقديم نفسه كدرع للبنان. لقد تلقت هذه السردية ضربة. حزب الله لم يعد يحتفظ بالإجماع، حتى وسط الشيعة، هناك معارضة داخلية له. هناك العديد من الأشخاص الذين يرغبون في الحرية ويتحفظون عن الأصولية. الدليل على ذلك قتل الحزب معارضين له من أبناء طائفته عندما ينتقدونه علناً...
- وفقاً لكلام بيندر، "خلال الأزمة، عمل حزب الله على ترسيخ موطئ قدم لإيران. ففي الوقت الذي يحتاج المواطن العادي إلى الطعام والوقود، فإن المواد الغذائية ومحطات الوقود الممولة من إيران تساعد الطائفة الشيعية. السيطرة الإيرانية تؤثر في لبنان مثل ضفدع يُطبخ على نار هادئة. عندما فُرضت العقوبات الدولية على إيران، تأثرت مساعدتها للحزب، لكنها لم تتوقف. الجندي في الجيش اللبناني يقبض أقل بكثير من ناشط في حزب الله. الجنرال اللبناني يقبض 500 دولار في الشهر، مثلما يقبض عنصر من حزب الله. التأثير الإيراني خطِر لأنه يجعلهم أكثر جرأة على اللعب بالنار في مواجهتنا.
- "هل الدولة تتفكك؟ تحديداتهم تختلف عن تحديداتنا. مستوى الأداء منخفض، التزود بالكهرباء يصعد وينخفض، هناك اقتصاد السوق السوداء". في الشهر المقبل ستجري الانتخابات البرلمانية في لبنان، لكن في تقدير بيندر "لن يتغير الكثير. حزب الله يسيطر جيداً على ما يحدث من وراء الكواليس. هو الذي يُدخل ويُخرج مَن يشاء من الساحة السياسية، وفي النهاية سينجح في تحقيق التوازن الذي يسعى له. عندما يطالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بإصلاحات، يدّعي الحزب بأنها تحدث، لكنه غارق في نظام فاسد ولا يمكن تغيير ذلك. الحزب هو كيان سياسي بصورة لا تقل عن كونه كياناً عسكرياً، ولديه مصالح اقتصادية في الدولة. نصر الله سيفعل كل ما في وسعه لوقف أي تأثير غربي معتدل في لبنان".
- ... التغيير الأساسي الذي طرأ على الحدود في الأعوام الأخيرة يتعلق بوصول عناصر الرضوان، قوة النخبة في حزب الله، وانتشارها في الجنوب اللبناني، بعد سنوات راكمت فيها خبرة في الحرب الأهلية في سورية. ويتابع بيندر: "لديهم وسائل لم تكن موجودة في سنة 2006، وعلى رأسها خطة وقدرة هجومية في داخل أراضينا. لقد زادوا منظومة النار الموجهة نحو الجبهة الداخلية، وحسّنوا قدراتهم الدفاعية في مواجهة مناورات الجيش الإسرائيلي. رئيس الأركان يعتبرهم جيش "إرهاب". ومن السمات البارزة لانتقال الحزب من حرب عصابات إلى جيش هو تطوير تشكيلات هجومية واسعة النطاق، وليست محدودة أو دفاعية فقط. وهذا ليس سيئاً بالضرورة بالنسبة إلينا. فكلما تحول حزب الله، أكثر فأكثر، إلى جيش وأوجد أنماطاً ثابتة، كلما كان يقدم أهدافاً لهجماتنا".
- في نهاية الحرب الأخيرة في لبنان، كان الجيش الإسرائيلي يميل إلى تعظيم القدرات القتالية لحزب الله، في الأساس الروح القتالية لعناصره. يقترح بيندر عدم التضخيم "في نظري هم بعيدون عن القدرة التي لدينا. هم يعرفون كيف يتحركون بغطاء استخباراتي ونيران ووسائل أُخرى، كما فعلوا عندما قاتلوا إلى جانب الروس والإيرانيين في الحرب السورية. لكن هذه المعركة أقل تعقيداً من المعركة معنا. التهديد الأساسي بالنسبة إلينا منذ أعوام كثيرة هو حزب الله. نحن نخطط ونتدرب ونفكر في ذلك. لدينا قدرة أقوى على الربط بين الاستخبارات والنيران والمناورة البرية"...
دروس حرب أوكرانيا
- الحرب الأوكرانية التي يتابعها الجيش الإسرائيلي عن كثب ويستخلص الدروس المهنية منها، تؤكد مرة أُخرى كم هو صعب على الجيش احتلال مناطق كثيفة السكان. فمنذ أكثر من شهر، لا يزال الروس يلاقون صعوبة في احتلال مدينة ماريوبول الواقعة جنوب - شرق البلد [أعلن الروس اليوم استكمال احتلال ماريوبول]، على الرغم من العملية الضخمة بالمقاتلين والسلاح. والمفارقة أن الدمار الهائل في المدينة يساعد، إلى حد ما، القوة المُدافعة عن المدينة"...
- الفارق الواضح بين إسرائيل وروسيا يعود إلى قدرة الأخيرة على مواصلة القتال شهراً ونصف الشهر، على الرغم من الاحتجاج الدولي العارم والإدانات والعقوبات. في حروب إسرائيل، الساعة الدولية تدق أسرع وتضغط أكثر. يعتقد بيندر أنه إذا نشبت حرب في الشمال، فإن الدمار الذي ستتسبب به قذائف وصواريخ حزب الله سيمنح الجيش الإسرائيلي هامشاً من الوقت كي يتحرك، وستعطي عملياته شرعية داخلية قوية.
- ... طوال أعوام، أخطأت إسرائيل عندما صورت أعداءها، ليس فقط كمتطرفين طافحين بالكراهية والأيديولوجيا الدينية إزاءها، بل أيضاً بأنهم غير عقلانيين. سادت هذه المقاربة إزاء حزب الله وإيران، وجرى الاعتماد عليها حتى حيال القرارات التي اتخذها زعيم "حماس" في غزة يحيى السنوار. يقول بيندر إن نصر الله "عقلاني، لكنه ليس عقلانياً، بالضرورة، كما نرى نحن ذلك. هل هو عاقل ومتزن في اتخاذ قراراته؟ في رأيي، نعم. السؤال هو هل يمكن أن يؤدي هذا إلى القرارات التي ننتظرها - الجواب هو لا دائماً. لدي صعوبة معرفية معينة عندما أحاول أن أفهمه: أنا إسرائيلي ولست شيعياً - لبنانياً".
0 comments: