كسب تأييد الجمهور
جيروزاليم ريبورت
6 آذار/مارس 2013
أثارت رحلة الرئيس أوباما القادمة إلى الشرق الأوسط توقعات وتكهنات بشأن حرصه على القيام بتلك الزيارة في هذا الوقت. فمن جانب، سيكون 2013 هو العام الذي سيود فيه أوباما ترجمة رصيده السياسي الذي اكتسب زخماً مؤخراً إلى إنجازات تشريعية داخلية مستحقة -- لا سيما في مجالات الهجرة والسيطرة على الأسلحة وعدم المساواة في الدخل والتغير المناخي.
إن مستشارو أوباما ربما يقولون له إن أمامه ما تبقى من فترة ولايته الثانية حتى 2016 للتركيز على السياسة الخارجية وأنه إذا لم يحقق إنجازات داخلية في عام 2013 وهو لا يزال يتمتع برصيد سياسي متجدد، فسوف يكون رئيساً أكثر ضعفاً في مجال السياسة الخارجية خلال سنواته الأخيرة. لذا فإن نصيحتهم قد تكون أنه في هذه الأثناء ينبغي عليه التركيز على الأجندة الداخلية وترك الكثير من مسائل السياسة الخارجية إلى وزير الخارجية جون كيري.
لكن هناك قضية للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط لا يمكن إرجاؤها إلى ما بعد 2013، ألا وهي: إيران ومسألة تحقيق انفراجه دبلوماسية أو انهيار المحادثات. فإذا انهارت المحادثات، فإن السؤال المباشر سيكون كيف سيؤثر هذا على سياسة أوباما لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. هل ستشن الولايات المتحدة هجوماً؟ أم هل ستكون إسرائيل هي التي ستبادر بشن ذلك الهجوم؟ وهذه الأسئلة الهامة ستمثل اختباراً لعلاقة أوباما برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في عام 2013 بطريقة لم تختبرها أية قضية أخرى منذ أن بدأت علاقتهما العاصفة في عام 2009.
وفي هذا السياق، فإن التواصل مع الجمهور الإسرائيلي أثناء زيارته من شأنه أن يساعد أوباما في تعاملاته مع حكومة نتنياهو أثناء هذه السنة الحاسمة. لقد لاحظت إدارة أوباما أنه عندما يتعلق الأمر بالقرارات الكبرى، فإن نتنياهو يهتم كثيراً للرأي العام الداخلي. فلقد استرشد نتنياهو باستطلاعات الرأي حول صفقة استبدال سجناء «حماس» بجلعاد شاليط ومضى قدماً في تنفيذها على الرغم من معارضته لهذه الخطوة؛ كما أنه رضخ لمعارضة جمهوره لتقديم اعتذار محدود لتركيا في أعقاب حادث المركب "مافي مرمرة"، رغم دعوة قطاع عريض من المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين وغيرهم لتقديم اعتذار من أجل تحسين العلاقات مع أنقرة.
وإيجازاً، وفي ضوء قوة الرأي العام، فإن إقناع الرأي العام الإسرائيلي بالتزام أوباما تجاه أمن إسرائيل سوف يساعده كثيراً في التعامل مع نتنياهو في القضية الإيرانية.
وفي حين أن القضية الإيرانية قد تكون أكثر إلحاحاً، إلا أن أوباما يستطيع أن يستغل زيارته لإقناع الجمهورين الإسرائيلي والفلسطيني بعدم التخلي عن الأمل لتحقيق السلام وحل الدولتين. ويعلم كبار إدارة أوباما جيداً أن استطلاعات الرأي الإسرائيلية والفلسطينية تشير إلى وجود دعم شامل للتوصل إلى حل الدولتين، لكن كل جانب يرى أن الآخر غير ملتزم به ومن ثم فهو لن يتحقق.
وفي حين يوجد وعي في واشنطن بأن مسألة السلام لم تكن مُحفزاً لحملة الانتخابات الإسرائيلية، إلا أن التصويت لصالح لبيد [زعيم حزب "ييش عتيد" (يوجد مستقبل)] يشير على ما يبدو إلى أن الإسرائيليين يرون التقدم في القضية الفلسطينية تذكرة عبور إلى علاقات اقتصادية طبيعية أكبر حجماً مع تجنب العزلة ونزع الشرعية المتزايدتين.
ويعلم أوباما أن الرئيس بيل كلينتون كان أستاذ التواصل مع الجمهور عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط. فقد كان متفرداً بين الزعماء الأمريكيين بفضل قدرته على إقناع الإسرائيليين بأنه مؤيد للإسرائيليين وإقناع الفلسطينيين بأنه مؤيد للفلسطينيين، ولم يكن هناك تعارض بين قدرته على إظهار تعاطف حقيقي لكلا الجانبين. ويأمل أوباما أن يحذو حذوه.
وفي الواقع أنه من الممكن كسب الرأي العام بدون الاستخدام الصريح للجمهور لتسجيل نقاط ضد القيادة الحالية -- لكن كقوة بنَّاءة للمضي قدماً. ويميل الإسرائيليون إلى الرغبة في رؤية الرؤساء الأمريكيين باعتبارهم يتطابقون مع إسرائيل على عدة مستويات، بإدراك هؤلاء الرؤساء ارتباط البلاد التاريخي بالأرض وتطلعاتها لتحقيق السلام فضلاً عن احتياجاتها الأمنية والاقتصادية، وكذلك حقيقة أن الشرق الأوسط ليس سويسرا حالياً ولذا فإن إسرائيل بحاجة إلى علاقات قوية مع الولايات المتحدة.
بيد أن الرأي العام الآن بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد أصابه التعب والإجهاد، فضلاً عن التشكك والتشاؤم المطلق بشأن نوايا الطرف الآخر. وفي حال استمرار التوجهات السلبية، فإن التقدم التدريجي الذي قد يحاول وزير الخارجية كيري تحقيقه خلال 2013 -- مع تدخل أوباما بطريقة أكثر قوة في موعد لاحق -- قد يكون صعباً إلى درجة كبيرة للغاية.
والواقع أن حث الجمهورَيْن على عدم التخلي عن حل الدولتين يعد مبادرة سياسية أكثر إلحاحاً وعاجلية من كونها محددة، لا سيما وأن إدارة أوباما لا تعلم حتى الآن نوع التحالف التي سيتشكل في إسرائيل، إلى جانب عدم علمها باللاعبين الرئيسيين الذين سيظهرون على الساحة الإسرائيلية. ولذا، من غير المرجح أن يخرج أوباما بخطة دبلوماسية تفصيلية في هذا التوقيت. يستطيع كيري دائماً أن يطرح المزيد من الأفكار الجوهرية خلال الأشهر القادمة عندما يكون الرأي العام في كلا الجانبين متقبلاً لتلك الأفكار، وهو ما يرجوه الجميع.
وفي غضون ذلك، يستطيع أوباما أن يقترح سبلاً لتعزيز الرأي العام المواتي. على سبيل المثال، تمتلك إسرائيل سبلاً عديدة لكي تبعث للفلسطينيين مؤشرات على رغبتها في الحد من سيطرتها على الضفة الغربية حتى وإن كان التوصل إلى اتفاق شامل غير محتمل في أي وقت قريب. كما يستطيع الفلسطينيون إرسال مؤشرات لهذا الغرض أيضاً. ويستطيع عباس أن يعلن بأن الإسرائيليين وكذلك الفلسطينيين لديهم روابط تاريخية مستمرة بالأرض.
كما يستطيع أوباما أن يحث على تبادل رسائل سياسية متزامنة، وتحديداً التصريحات المتسقة من القادة حول الأسباب التي تجعل السلام يخدم مصالحهما القومية وأنه ليس تنازلاً للطرف الآخر. وهذا يعني بالنسبة لإسرائيل التصريح بأن السلام سيمكنها من أن تصبح دولة قومية يهودية وأن تظل دولة ديمقراطية. وبالنسبة للفلسطينيين، فإنه يعني التصريح بأن استمرار الأزمة يرجح أن يؤدي إلى التطرف، وهو ما قد يدمر هدف فلسطين كمجتمع معاصر يتمتع باقتصاد حديث. إن الرسائل على مستوى القيادة تصنع الفارق.
ومن بين الرسائل المفيدة الأخرى من زيارة أوباما التأكيد على أن الشعب الذي يؤيد التعايش لن يتعرض للعقاب. ويجب أن يكون هذا واضحاً وضوح الشمس بالنسبة للجمهور الفلسطيني. والواقع أن هناك شائعات بأن أوباما قد يعلن بأن الولايات المتحدة ستقوم بتسليم المعونات المُعلقة إلى الفلسطينيين، مثلما استأنفت إسرائيل تحويل الإيرادات. يجب أن تجد الولايات المتحدة طريقة واضحة لبيان أنها تقدم المساعدات تقديراً منها للطفرات الكبيرة التي حققها رئيس الوزراء سلام فياض في مجالات الحوكمة الشفافة والتنمية الاقتصادية. يشار هنا إلى أن الولايات المتحدة حجبت معوناتها بسبب توجه عباس إلى الأمم المتحدة، مما عمق الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية. غير أن الفلسطينيين تظاهروا ضد فياض وليس ضد عباس بسبب عدم استلامهم رواتبهم في الموعد، كما تراجعت شعبية رئيس الوزراء.
لقد حرصت الولايات المتحدة على التصرف بحذر مع فياض منذ مدة، إيماناً منها بأن التفاعل القوي معه قد يعمل على عزل عباس. غير أنه قد اتضح أن فياض يلقى كل اللوم نتيجة أفعال عباس. وقد حان الوقت لكي يحظى ببعض الإشادة في أعين الشعب الفلسطيني أيضاً. ولا يستطيع المرء أن يفترض أن الوضع الراهن سوف يستمر وأن السلطة الفلسطينية سوف تظل قائمة في الضفة الغربية. إذ الواقع يقول إن السلطة الفلسطينية قد تنهار بدون المساعدات المنتظمة. وتُظهر استطلاعات الرأي تزايد اتجاهات دعم العنف الفلسطيني ضد الإسرائيليين، رغم المعارضة العلانية الصريحة من عباس وفياض. ولا يستطيع المرء أن يتكهن بموعد اندلاع انتفاضة ثالثة. لكن ينبغي وضع التوترات الحالية في الاعتبار والسعي إلى التخفيف من حدتها.
ولا شك أن التواصل مع الجمهورين ينبغي أن يكون حقيقياً، مع إظهار الالتزام الأمريكي بمستقبل الشعبين. وهذا النهج قد يؤثر أيضاً على الأهداف السياسية الأوسع نطاقاً، مع تعزيز علاقات أوباما مع نتنياهو وعباس وفياض.
وفي الواقع أنه عندما توجه أحد الصحفيين مؤخراً إلى الرئيس أوباما طالباً منه توضيح أسباب حديثه للجمهور عندما يتعلق الأمر بأزمة الميزانية الفيدرالية القائمة، أجاب أوباما بأن أحد الدروس التي تعلمها من فترة ولايته الأولى أنه يحتاج إلى جعل الرأي العام يقف إلى جانبه. ويبدو الآن أن الرئيس يدرك أن الحلول لا تظهر فجأة. وإنما يجب وضع الأسس الجماهيرية لأية سياسة من أجل منحها فرصة جيدة للنجاح.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.
0 comments: