المرصد السياسي 2083
مساعدة قوات الأمن في الشرق الأوسط: مناهج جديدة لمرحلة جديدة
3 حزيران/يونيو 2013
يؤكد "الربيع العربي" بما يتخلله من أحداث على أن القوات المسلحة هي أكثر المؤسسات استيعاباً لما تمر به بلدان الصحوة العربية بل وأكثرها استدامةً وتحملاً في خضم الفوضى السياسية المتأججة، كما من الضروري والحتمي أن تبقى العلاقات بين القوات المسلحة في هذه البلدان قوية أبية وجديرة بالثقة. وفي الوقت الذي تضاءلت فيه جهود المساعدة الدولية، تستطيع الولايات المتحدة تحقيق العديد من أهداف مساعدة قوات الأمن بأقل التكاليف وبطابع غير رسمي عبر إتاحة المزيد من فرص التعليم العسكري المهني (PME) وتوسيع نطاق برامج تبادل الضباط إلى جانب دمج وحدات الدول الشريكة في التمارين والتدريبات على الأراضي الأمريكية.
التعليم العسكري المهني
يوفر برنامج "التعليم والتدريب العسكري الدولي" (IMET) التابع لوزارة الخارجية الأمريكية العديد من الفرص للطلاب الوافدين من الدول الحليفة والصديقة، بما في ذلك الدورات التدريبية قصيرة الأجل لتدريب الطلاب العسكريين وضباط الصف فضلاً عن الدورات التدريبية التي تدوم لعامٍ واحدٍ والتي تقدمها "الكلية الحربية" و"كلية القيادة والأركان الأمريكية" بفرع الخدمة. وقد شارك أكثر من نصف مليون طالب أجنبي في برامج التعليم العسكري المهني الأمريكي منذ عام 1950، كما يحضر ما يقرب من 200 طالب من أكثر من 125 دولة دورات تدريبية لعامٍ واحدٍ في أمريكا سنوياً. ويُعد برنامج التعليم العسكري المهني وسيلة ممتازة لتعريف الأفراد من الدول الشريكة على برامج التدريب العسكري الأمريكي. كما يساعد هذا البرنامج أيضاً على إبراز الأهمية التي يوليها الجيش الأمريكي لحقوق الإنسان وسيادة القانون وكذلك السيطرة المدنية على القوات المسلحة.
وربما يُعد إرسال الدول الشريكة قادة بارزين إلى الدورات التدريبية العسكرية الأمريكية الأمر الأكثر أهميةً. وقد تولى ثلاثة وعشرون من خريجي "الكلية الحربية للجيش الأمريكي" منصب رئيس الدولة في بلادهم. وبالإضافة إلى ذلك، حصل ما يقرب من نصف كبار الضباط الذين تلقوا تعليمهم في "كلية الحرب البحرية" على رتبة العلم، كما تنقل أكثر من 200 ضابطاً (حوالي 10 في المائة) بين الرتب ووصلوا في النهاية إلى قيادة القوات البحرية لبلادهم. وفي "كلية القيادة والأركان الأمريكية"، حصل أكثر من نصف الخريجين الأجانب على رتبة العلم، كما يشغل معظمهم مناصب مؤثرة جداً في جيوش بلادهم. وحيث يتقلد الخريجون الأمريكيون والأجانب مناصب ذات أهمية بالغة، فقد نجحت هذه العلاقات في تعزيز سبل التواصل والتنسيق الفعال بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك.
المشاركة الشرق أوسطية
تُعد الأردن والبحرين خير مثال على حلفاء رئيسيين شارك رؤساؤهم في دورات تدريبية عسكرية أمريكية. فالعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني قد حضر "مدرسة الدراسات البحرية العليا"، كما تخرج ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة من "كلية القيادة والأركان الأمريكية". كما حضر العديد من كبار الضباط العسكريين الأردنيين والبحرينيين دورات تدريبية أمريكية أيضاً من خلال برنامج "التعليم والتدريب العسكري الدولي"، وهم يتمتعون الآن بعلاقات شخصية ومهنية مع عدد لا يحصى من كبار الضباط الأمريكيين العاملين في "القيادة المركزية الأمريكية" و"القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية" و"القيادة المركزية لقوات الجيش الأمريكي".
وبالمثل، نظراً لمشاركة مصر الثابتة في دورات برنامج "التعليم والتدريب العسكري الدولي"على مر السنين، فقد شارك غالبية قادتها العسكريين الحاليين في دورات تدريبية أمريكية في مرحلة ما من حياتهم المهنية. وفي مستهل ثورة 2011، استغل المسؤولون الأمريكيون علاقاتهم مع هؤلاء الضباط للحصول على تقارير مفصلة عن الأوضاع والإحاطة بالأحداث الجارية. وفي غضون ذلك، كان سلوك الجيش المصري عموماً أثناء الثورة أكثر مسؤولية ومهنية عما كان يعتقده الكثيرون، وإن كان ليس مثالياً.
إنشاء معهد إقليمي
في الوقت الراهن، يتعذر على برنامج "التعليم والتدريب العسكري الدولي" قبول جميع الطلاب الذين ترغب الحكومات الشريكة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إرسالهم، ويرجع ذلك أساساً إلى قيود توافر الأماكن والعدد المحدود للطلاب الناطقين بالإنجليزية. وفي السنة المالية 2011، استضافت الولايات المتحدة 1801 طالباً أوروبياً في أماكن برنامج التعليم العسكري المهني، ولكن لم يحضر سوى 994 طالباً فقط من الشرق الأدنى. وعلى الرغم من أن معظم الجيوش الأوروبية وقوات حلف شمال الأطلسي يملكون معاهد برنامج التعليم العسكري المهني الخاصة بهم، إلا أن العديد من الشركاء في الشرق الأوسط لا يملكون مثل هذه المعاهد، كما أنهم سيرحبون بكل تأكيد إذا جاءتهم الفرصة لتدريب المزيد من قادتهم الواعدين في الولايات المتحدة.
ويتلخص أحد الحلول في إنشاء معهد تدريبي مخصص للمنطقة. على سبيل المثال، من الممكن أن يدعم "معهد الشرق الأدنى للتعاون الأمني" (NEISC) أولويات "القيادة المركزية الأمريكية" -- وبدرجة أقل -- "القيادة الأمريكية في افريقيا" "أفريكوم"، وكذلك "مكتب وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى". وستيستكمل "معهد الشرق الأدنى للتعاون الأمني" الجهود التي يضطلع بها "مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية" (NESA) التابع لـ "جامعة الدفاع الوطني"، والذي يركز على القضايا الاستراتيجية وإنماء سبل الحوار مع العاملين في الأمن القومي على المستوى التنفيذي من المنطقة، والعديد منهم حضروا دورات برنامج "التعليم والتدريب العسكري الدولي". وما بين "معهد الشرق الأدنى للتعاون الأمني" و"مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية"، تملك الولايات المتحدة العديد من الأماكن الجاهزة لتثقيف ضباط الدول الشريكة والتأثير فيهم طوال حياتهم المهنية، بدءً من طالب عسكري وحتى لواء.
وفيما يتعلق بعروض الدورات التدريبية، من الممكن أن يتضمن "معهد الشرق الأدنى للتعاون الأمني" مجموعة من البرامج على النحو التالي:
· دورات تدريبية قصيرة الأجل للطلاب العسكريين وضباط الصف تركز على التدريب التكتيكي للوحدات الصغيرة
· برنامج تأهيل ضباط الصف
· دورة معادلة لدورة الضباط بدرجة نقيب
· برنامج قيادة تقدمه "كلية القيادة والأركان الأمريكية"، يستهدف من هم برتبة رائد ومقدم ويتمتعون بإمكانات عالية
وسوف يتم تعريف الطلاب على مزايا السيطرة المدنية والقيم العسكرية المهنية وخدمة البلاد وحقوق الإنسان بالإضافة إلى القدرات العسكرية التقليدية. وللتغلب على حاجز اللغة، يمكن تقديم إرشادات "معهد الشرق الأدنى للتعاون الأمني" ومواد الدورة التدريبية باللغة العربية، الأمر الذي يُمكّن الولايات المتحدة من تدريب وتثقيف عدد أكبر من القادة الصاعدين في المنطقة يزيد عما يسمح به برنامج "التعليم والتدريب العسكري الدولي" حالياً.
ويرى عدد من المراقبين دون أدنى شك أن التكلفة تمثل حاجزاً أمام زيادة فرص التعليم العسكري المهني، إلا أن التمويل الذي تتطلبه مثل هذه البرامج يُعد ضئيلاً نسبياً. على سبيل المثال، تبلغ تكلفة التشغيل السنوي لـ "معهد نصف الكرة الغربي للتعاون الأمني" (WHINSEC) - الذي يقدم التعليم العسكري المهني للدول الشريكة في أمريكا الوسطى والجنوبية - ما يقرب من 12 مليون دولار. وستكون احتياجات "معهد الشرق الأدنى للتعاون الأمني" أصغر حجماً من حيث التكلفة، حيث تبلغ التقديرات المتحفظة لنفقات التشغيل السنوي أقل من 10 ملايين دولار.
مناورات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة
تهدف المناورات العسكرية متعددة الجنسيات إلى تعزيز التعاون وتقوية العلاقات وتعزيز الشراكات كما تعكس على نحو أفضل عصراً سوف تكتسب فيه جميع العمليات العسكرية المرتقبة مكوناً متعدد الجنسيات. كما أن فرص التدريب المشترك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محدودة، لكن هناك العديد من الطرق التي تسمح بشمل دول شريكة في فعاليات التدريب في الولايات المتحدة، خاصة في مراكز التدريب على القتال في فورت ايروين بولاية كاليفورنيا وفورت بولك بولاية لويزيانا.
على سبيل المثال، يستطيع "مركز التدريب الوطني" (NTC) في فورت ايروين دمج إحدى شركات تصنيع الدبابات العراقية بكل سهولة في التناوبات التي يقوم بها "فريق اللواء القتالي المدرع". كما تم تجهيز الفرقة الميكانيكية التاسعة للجيش العراقي بدبابات من طراز M1 ويمكنها الاستفادة بشدة من استخدام أسطول دبابات التدريب M1 المتوفرة في "مركز التدريب الوطني". ويمكن للغويين العرب في الجيش الأمريكي تسهيل عملية التواصل والتنسيق الأساسي مع الوحدة العراقية الزائرة، ومن شأن فرصة العمل مع أحد جيوش الدول الشريكة أن تعزز بشدة من الخبرة التدريبية للموظفين الأمريكيين. كما ستدخل العلاقات التكتيكية طور التعزيز، والذي بدوره سيكون له صدى في أوساط القيادات العليا في كل من الجيشين. وسيلقى المشاركون العراقيون تدريبهم في أفضل أماكن التدريب على الأسلحة المشتركة في العالم، كما سيرون بأم أعينهم فوائد التدريبات والتمارين القاسية والواقعية ضد خصم افتراضي يتمتع بقدرات مذهلة.
وبالمثل، يمكن أن يشمل "مركز التدريب المشترك على التأهب" (JRTC) في فورت بولك على وحدات من دول شريكة مثل سرايا مشاة أردنية في مناوباتها الخاصة بـ "فرق اللواء القتالي" الإقليمية. إن دعوة الأفراد الأردنيين لحضور الدورات التدريبية الكائنة في الولايات المتحدة من شأنها أن تفتح الباب حتى أمام تدريبات ودورات تدريبية أكثر تعاوناً في الأردن.
وتتوافر أيضاً خيارات لقوات أقل عدداً. فيمكن لقيادة القوات البرية المصرية إجراء محاكاة ثنائية بكل سهولة أو إجراء تدريب داخل مقر القيادة مع "القيادة المركزية لقوات الجيش الأمريكي" أو وحدات مكونة من قيادات عسكرية إقليمية في الولايات المتحدة. وبالنظر إلى الأوضاع الراهنة في مصر نجد أن قدرة "القيادة المركزية الأمريكية" على إجراء مناورة "النجم الساطع" التقليدية محدودة للغاية.
التبادلات الموسعة
يمثل تبادل ضباط الأركان مع جيوش دول المنطقة أهمية خاصة بالنسبة للجيش الأمريكي حيث إن ما يقرب من 90 في المائة من القوة العسكرية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متمثلة في القوات البرية. وعلى الرغم من أن الجيش الأمريكي يضطلع في الوقت الراهن بمهمة دمج الضباط الذين يتم تبادلهم من الدول الشريكة، إلا أنه يقوم بذلك على مستوى الفرقة أو مستويات أعلى، وينحدر الضباط المعنيون بشكل عام من دول حلف شمال الأطلسي (على سبيل المثال، بريطانيا، كندا) أو أستراليا. ومن خلال إضافة الضباط الذين يتم تبادلهم من الدول المحددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمكن للوحدات والمقرات الأمريكية المسؤولة عن تلك المناطق أن تعزز إلى حد كبير من استيعابها لما يجري في المنطقة وتعزيز سبل التعاون في المستقبل.
ومن الواضح أن مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأدنى ستظل جوهرية من الناحية الاستراتيجية في المستقبل القريب. ومن خلال صقل مهارات معظم القادة الواعدين عن طريق التدريب العسكري المهني في الولايات المتحدة، وزيادة برامج تبادل الضباط ودمج الوحدات الأجنبية في الدورات التدريبية الكائنة في الولايات المتحدة، يمكن لواشنطن كسب نفوذ طويل الأمد مع جيوش الدول الشريكة في جميع أنحاء المنطقة وبأقل التكاليف.
العقيد براين وينسكي (الجيش الأمريكي) هو زميل عسكري زائر في معهد واشنطن.
0 comments: