Tuesday, December 17, 2013

القوة العسكرية: هل يمكن للولايات المتحدة استخدامها على الوجه الأمثل؟

القوة العسكرية: هل يمكن للولايات المتحدة استخدامها على الوجه الأمثل؟

 
بوسطن غلوب
8 كانون الأول/ديسمبر 2013
تواجه الولايات المتحدة لحظات تحول فارقة حيث إن الأحداث الراهنة أصبحت تثير الشكوك والتساؤلات حول قدرتها على تنفيذ عمليات قتالية بشكل عام، حتى تلك المحدودة والمبررة. وقد اتضح هذا جلياً في الصيف الماضي عندما ترددت الولايات المتحدة في شن ضربات محدودة ضد سوريا وهو الأمر الذي كان خطأً جسيماً وربما تاريخياً حتى لو تم التخلص من الأسلحة الكيميائية السورية من قبل الأمم المتحدة و"منظمة حظر الأسلحة الكيميائية". وإذا لم تستطع الولايات المتحدة استخدام القوة المسلحة على الوجه الأمثل، فإنها بذلك ستواصل ارتكاب خطأين قاتلين بالنسبة للأمن الدولي ألا وهما: الخوض في معارك مكلفة وحروب اختيارية عديمة الجدوى لتغيير الأنظمة؛ ورفض استخدام القوة المسلحة المحدودة حتى لو كان ذلك ضرورياً.
وفي عالم ليس فيه نظام أمن جماعي فعال، تعتبر الولايات المتحدة بمثابة الوسيط النهائي في حفظ النظام والسلم العالمي. وكما أكد الرئيس أوباما في خطابه في أوسلو عام 2009: "لقد ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية في حفظ الأمن العالمي لأكثر من ستة عقود وذلك بدماء مواطنينا". بيد أنه يتعين أن تكون هذه العمليات العسكرية مبررة وأن تتفادى المخاطر الجسيمة لكي تحافظ على الدعم الشعبي.
وعلى مدار السبعين عاماً الماضية، اتسم سجل الولايات المتحدة في هذا الشأن بالتباين الشديد. فقد انخرطت القوات الأمريكية في 24 صراعاً على الأقل ابتداء من الحروب الكبرى مثل الحرب الكورية إلى الصراعات القصيرة مثل كوسوفو. وقد تكللت معظمها بالنجاح، باستثناء سبعة منها (أفغانستان والعراق وفيتنام وكوريا والصومال وبيروت عام 1983، وانقاذ الرهائن في طهران). وشملت تلك الحروب السبعة أربعة من حروب الولايات المتحدة الكبرى الخمسة التي خاضتها منذ عام 1945 (فيتنام وكوريا وأفغانستان والعراق)، حيث شكلت حوالي 98 في المائة من الضحايا القتالية منذ الحرب العالمية الثانية، وأُنفقت فيها واشنطن تريليونات الدولارات من الأموال الأمريكية وعوقب جراءها قادة سياسيون ابتداء من هاري ترومان إلى الحزب الجمهوري في عام 2006. ويبقى السؤال، لماذا وصلت واشنطن إلى مثل هذه النتائج؟
لقد كانت جميعها محاولات لتحويل أقاليم من كونها "غير صديقة أو متنازع عليها" إلى "صديقة"، وذلك من خلال نشر قوات برية. وقوبل كل منها بمقاومة عنيفة من الداخل والخارج. وشملت جميعها باستثناء كوريا الشمالية حركات تمرد، مما تسبب في ظهور مشاكل مستعصية أمام بناء دولها. وبالنظر إلى أن كل منها كانت "حرباً اختيارية" بالنسبة لأمريكا ولم تكن أساسية للحفاظ على أمنها، فقد تهاوى الدعم الشعبي الأمريكي لها في نهاية المطاف.
لذلك لماذا تكرر واشنطن نفس الخطأ في "تغيير الأنظمة"؟ يفترض مفهومها القائم على بناء نظام دولي ليبرالي تقوده الولايات المتحدة أنه ينبغي على جميع الدول أن تكون ديمقراطية ليبرالية. فإذا لم تتبنى هذه البلدان نظام الحكم هذا بإرادتها، فقد يستهوي واشنطن في بعض الأحيان دفعها للسير في هذا الاتجاه بقوة السلاح الأمريكي.
وعلاوة على ذلك، واجهت الولايات المتحدة - من صدام حسين في العراق إلى كوريا الشمالية - أنظمة دنيئة انتهكت قيمها الراسخة وطلبت مها بعد ذلك التدخل. بيد أنه يتعين على واشنطن تجنب هذه الإغراءات حتى يتم الوفاء بمعايير "عقيدة باول" -- فلا تزال هناك مصالح جوهرية مؤثرة؛ وهناك مهمة واضحة يمكن النجاح فيها؛ وهناك أيضاً دعم شعبي؛ وليس هناك بديل عن العمل غير العسكري.
هناك تهديد ثاني ينبع من هذه الحروب الاختيارية؛ فعندما تسير في المسار الخاطئ تتجه الولايات المتحدة إلى صراعات أخرى وتميل إلى تجنب أي عمل عسكري أياً كان، بغض النظر عما إذا كان حيوياً بالنسبة لمصالحها أو كان محدوداً للغاية فيما يتعلق بالأخطار الناجمة عنه وحجم القوات التي تم التعهد بمشاركتها.
ومع ذلك، فإن العمليات العسكرية المحدودة وقليلة المخاطر تكون عادة ضرورية للحفاظ على الأمن الدولي وعليه قامت واشنطن بالعشرات من هذه العمليات من بينها البوسنة، والصراع مع إيران في 1987 - 1988، وكوبا في 1963، وغرينادا، وليبيا، وبرلين من عام 1947 وصولاً إلى الستينيات.
كما أن قدرة واشنطن على وضع هذه اللبنات الأساسية للأمن العالمي تكون معرضة للخطر عندما تخلط - في ضوء الفزع من أن تسير هذه الحروب الاختيارية في المسار الخاطئ - بينها وبين التدخلات الضرورية والمحدودة، مثلما رأت بعد حرب فيتنام فضلاً عما تراه الآن. وقد عارض الكونغرس الأمريكي مراراً وتكراراً القيام تقريباً بأي عمل عسكري في السبعينيات والثمانينيات، وكان قريباً من أن يرفض بأغلبية أعضائه السماح بحرب الخليج في عام 1991. حتى أن الرئيس أوباما شجع ذلك في بعض الأحيان. ففي حزيران/يونيو، صرح قائلاً "من السهل جداً الانزلاق أكثر وأكثر في مزيد من الالتزامات [في سوريا]".
ولكن ما هو أسوأ من ذلك أنه في ضوء توجه الرئيس الأمريكي إلى الكونغرس بشأن المسألة السورية في الوقت الذي أنه حتى "قانون صلاحيات الحرب" لا ينص على إجراء تصويت فوري في الكونغرس، أشار الرئيس إلى أن الضربة المتوقعة قد صعدت إلى فئة الحروب الاختيارية الكبرى التي تتطلب دعماً من الكونغرس ومن الشعب الأمريكي كما هو الحال بالنسبة للحرب مع العراق في 1991 و 2002. بيد أنه عند طرح قرارات بشأن القيام بعمل عسكري محدود على الشعب الأمريكي والكونغرس، فإن كليهما يخشى عادة من أن يتضمن القرار شن حرب كبرى ومن المحتمل أن يصوتا عليه بلا.
ولم يحدث هذا فقط في المسألة السورية، بل حدث أيضاً في أوائل عام 1998 عندما سعت إدارة كلينتون إلى كسب دعم شعبي لتوجيه ضربة ضد العراق. ومع ذلك تعلم كلينتون من فشله في القيام بعمل عسكري، وفي خلال عام واحد وجه ضربة على العراق وساعد في إنهاء برامج صدام الخاصة بأسلحة الدمار الشامل وحرر كوسوفو وكلاهما دون وقوع ضحايا قتالية مباشرة ودون توجيه طلب إلى الكونغرس. واليوم يغذي إخفاق الولايات المتحدة في التصرف بقوة في سوريا وأماكن أخرى حالة الفوضى الموجودة في المنطقة. فهل سيتعلم الرئيس أوباما من درس كلينتون؟

السفير جيمس إيف. جيفري هو زميل زائر مميز في زمالة فيليب سولوندز في معهد واشنطن.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: