كيف تستعيد إسرائيل "الشاحبة" حلم هرتسل؟
بقلم: آري شبيط
لم يكن التراجع عن تمثيل اسرائيل في جنازة نلسون مانديلا عارضا. فقد كان مانديلا في ربع القرن الاخير أبرز رمز للعالم الذي نريد أن نعيش فيه، وأصبح في الـ 25 سنة الاخيرة أيقونة عالمية للمساواة والسلام والحرية والنُبل. لكن اسرائيل في ربع القرن الاخير غدت أكثر تنكرا للعالم الذي نريد أن نعيش فيه.
ففي الـ 25 سنة الاخيرة تراجعت اسرائيل بصورة مقلقة عن الالتزام بالمساواة والسلام والحرية والنُبل. ولهذا ليس من المفاجئ أنها فقدت الحساسية المطلوبة لفهم مبلغ أهمية جنازة مانديلا. إن اسرائيل شحب لونها بعد أن تركت قليلا من المستوطنين وقليلا من القوميين وقليلا من الحريديين يصبغونها بألوان قاتمة. وقد اختارت بدل أن تكون في مقدمة القوى المتقدمة في العالم، اختارت حفلات شاي العالم، ففقدت الرغبة والقدرة على أن تكون ملائمة لمانديلا.
لم تكن الصهيونية التاريخية كذلك، ولم تسلك هذا السلوك. فالحركة القومية اليهودية في أساسها هي حركة التحرير الأكثر عدلا في العالم. فهي لم تكن ترمي لتحرير شعب فقط بل الى انقاذ شعب. ولما كان الامر كذلك فقد حرص هرتسل دائما على تأييد التقدم، وكذلك فعل من جاءوا بعده ايضا. وفعلت حركة العمل ذلك بتبنيها قيم الاشتراكية، وفعلت الحركة التصحيحية ذلك بتبني الليبرالية. وأقام اليسار الصهيوني واليمين الصهيوني تراث هرتسل بأن حرصا على أن تكون الحركة التي انشأها تلتزم بالمساواة والسلام والحرية والنُبل. فلا شك في أن دافيد بن غوريون لو كان حيا لما تخلى عن جنازة مانديلا، وما كان زئيف جابوتنسكي ليفعل ذلك، وما كانا ليوافقا على ألا تُمثل اسرائيل فوق قمة العالم الاخلاقية.
إنها قمة حيوية. إن اسرائيل لا تتعرض لخطر عسكري تقليدي، فلا يوجد من يهدد طائراتها. بيد أن الخطر الذي تتعرض له هو فقدان الشرعية. ويمكن أن يفضي الى ذلك تغيير صورة الدولة اليهودية الديمقراطية بحيث لا تستطيع أن تستعمل الطائرات التي تملكها. ولهذا فان الحاجة الى الارتفاع مرة اخرى الى الذروة الاخلاقية المسيطرة ليست قيمية فقط بل استراتيجية ايضا.
توجد حاجة امنية من الطراز الاول الى أن تكون اسرائيل دولة مستنيرة وأن تُرى كذلك. فالظلام خطير، وهو يهدد قدرة اسرائيل على حماية نفسها والحفاظ على نفسها. وهكذا فان الواقعة المحرجة، هذا الاسبوع، يجب أن تكون اشارة تحذير، فلا يجوز لاسرائيل أن تكون في المكان الذي وصلت اليه. ولا يجوز أن يُترك المستوطنون والقوميون والحريديون يُسودون وجوهنا. ونحن نحتاج للبقاء في شرق اوسط صعب الى تأييد الغرب، ولهذا يجب أن نكون جزءا لا ينفصل عن الغرب. وعلينا كي يكون لنا مستقبل أن نجدد الشراكة مع يهود العالم التقدميين وأن نحقق القيم التي يؤمنون بها.
إن واجبنا أن نجعل اسرائيل الدولة الاخلاقية التي كانت تريدها لنفسها. ولا يجوز لنا أن نعمل لمصلحة من يريدون دفعنا بغير وجه حق الى ركن العالم المظلم.
اذا لم نكن تقدميين وعادلين وليبراليين، فلن نكون موجودين. واذا لم نعمل فوراً لتغيير وضعنا في العالم فسنعرض للخطر كل ما بُني هنا. ولن تستطيع البقاء سوى اسرائيل التقدمية التي يراها الآخرون تقدمية.
لهذا الاستنتاج المطلوب آثار عملية مباشرة، فلا يمكن أن نُرى في العالم رافضي سلام. فعلينا أن ندفع قدما بمبادرة سلام تكون درعا اخلاقية لنا، وعلينا أن نثبت للعالم أننا لسنا دولة دينية ولسنا دولة احتلال وأن قلوبنا غير قاسية.
يجب على اسرائيل لاقامة حلم هرتسل أن تعود لتكون ذات وجه هرتسلي. وعليها أن تجد مكانها في الصف الاول بين الذين يحدون على مانديلا والدافعين بقيمه الى الأمام.
هآرتس
0 comments: