Saturday, January 4, 2014

حزب الله واغتيال الوزير شطح: ’حقيقة اجتماعية’

حزب الله واغتيال الوزير شطح: ’حقيقة اجتماعية’

29/12/2013

نشر المقال على موقع العهد الإخباري, 28\12\2013

بحسب أحد الإتجاهات الفلسفية المعاصرة, “التصورات هي الواقع”, أو على قول آخر “التصورات هي تُسع أعشار الواقع” وهذا يعني بالمجمل عدم وجود “واقع موضوعي”,  ما تقبله شريحة من المجتمع  بإعتباره واقعاً يتحول الى “حقيقة إجتماعية”. إذاً “الواقع يبنى إجتماعياً” بشكل تفاعلي متبادل بين الأفراد, وليس محتوماً أو محدداً بحسب طبيعة الأشياء. هذه القاعدة تسري على الثقافة, على المعنى, على الشرعية, وعلى صورة ووعي الآخر, وسواها من الظواهر الإجتماعية, السياسية وغير السياسية. إلا أن هذا “التواصل المتبادل” التفاعلي بين الأفراد لا يحصل بصورة متساوية وتلقائية, بل أيضاً يعكس موازين قوى داخلية, أي هناك قوى متنوعة متنافسة تستعمل موارد وإستراتيجيات لتتمكن من تحويل “تصوراتها وتفسيراتها الخاصة” الى “رأي عام”. الخطاب الإعلامي- السياسي هو القالب الذي يحوي الرسائل المراد توجيهها من خلال وسائل الإعلام المتعددة, وكل هذا يكون ضمن إستراتيجية محددة من “التواصل المتبادل”.
من هنا, ليس مهماً لأنصار هذه المدرسة, إن كان حزب الله مسؤولاً عن إغتيالات قيادات من قوى 14 آذار, المهم هل أصبحت هذه التهمة “حقيقة إجتماعية” عند شريحة محددة, أم لا. إن إقتنع جمهور قوى 14 آذار, وبعض الجمهور العربي, بأن حزب الله هو “ميليشيا إغتيالات ومنظمة إرهابية وإجرامية”, فمن ناحية سياسية, لا يعود مهماً أبداً إن كان ذلك صحيحاً أم لا. منذ العام 2005, أي لحظة القرار بالإنتقال لمواجهة حزب الله من خلال الإنقسامات الداخلية, وبدء تدعيم “جدار الكراهية المذهبي” لعزل إيران وحلفائها, جرى تدرج دقيق في بناء “بنية تحتية إدراكية” عند جمهور “العرب السنة”, تكون خصبة لقبول أي تهمة تلصق بحزب الله, حتى لو كانت المسؤولية عن غرق مركب أندونيسي يقل العشرات من “فقراء عكار” الفارين من “نعيم” تيار المستقبل. لذلك مهما بدا خطاب السعودية وأدواتها في المنطقة تجاه حزب الله سطحياً وبسيطاً للوهلة الأولى, ولكنه يلقى آذاناً صاغية عند شرائح إجتماعية جرى “التلاعب” بمنطقها وحسها السليم.
من اللحظة الأولى لإغتيال الوزير محمد شطح, لم يجد هؤلاء حرجاً بالإتهام المباشر لحزب الله, لا داعي لأي جهد أو دليل أو حتى التذاكي بحجج مبتكرة, حزب الله قتل محمد شطح, هذه “حقيقة إجتماعية” عند بيئة 14 آذار. عبد الرحمن الراشد, بدوره في صحيفة الشرق الأوسط كتب أنه “أمس، اغتال حزب الله شخصية مدنية مسالمة أخرى…. وكل الذين قتلهم حزب الله منذ اغتياله رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري من فريق سياسي واحد منافس له…” ويختم ” لا أحد يشك أبدا أن حزب الله هو من قتل الدكتور شطح”, بالمناسبة ولإكمال السياق, لا أحد يشك أبداً أن المملكة السعودية هي طلعية الإعتدال في الشرق.
قد يحاجج البعض بأن كلا الفريقين يعملان بأسلوب متشابه, مع إفتراض صحة ذلك جدلاً, ولكن لا مجال أبداً للمقارنة بين المقدرات والإستراتيجيات الإعلامية لكلا الفريقين. من المحطات الثلاث الأولى في لبنان, لا سيما على صعيد الأخبار والبرامج السياسية, إثنتين محسوبة على قوى 14 آذار, فيما الثالثة لا يمكن إحتسابها على قوى 8 آذار. من باب المقارنة, تمهل سماحة السيد حسن نصر الله شهوراً بعد التفجير الأرهابي الأول في الضاحية, وبعد صدور تقارير رسمية عن المجموعات المتورطة, قبل ان يوجه إتهاماً مباشراً للمخابرات السعودية في سياق عرض تسلسلي منهجي وإستدلالي.
مصطلحات فريق 14 آذار تعج بالرموز والدلالات, “نحب الحياة”, “القمصان السود”, “الشادور”, “ولاية الفقيه”, “الفلاحة وشك الدخان”, “الروافض, الفرس, المجوس”, “العمائم السود”, “الكابتاغون”, “القتلة, التطرف”, “ميليشيا حزب الله”, “7 أيار”, “فائض القوة”, “الفارون من المحكمة الدولية”, “محمود الحايك, بدرالدين, عياش”, “سامر حنا”, “التهريب”, “لا يستعمون لغناء فيروز”, “وكيل إيران”, “دعم النظام العلوي”, “التمدد الشيعي”, وغيرها الكثير. مصطلحات, بسيطة, سهلة الحفظ, مباشرة, بارزة, إستفزازية ومقلقة, تكررها من دون كلل وملل عشرات الصحف والمواقع الإلكترونية والفضائيات والإذاعات والألسن الفصيحة. إعادة إنتاج حزب الله إجتماعياً في مجتمعات محددة كانت المهمة الأقدس لواشنطن وحلفائها منذ العام 2005, وكله في سبيل هدف “جليل” عبر عنه الراشد في خاتمة مقاله المذكور: ”مع هذا في النهاية، لن يصح إلا الصحيح، سيتذكر العالم هذا الحزب بجرائمه، لا بمزاعم بطولاته من مواجهة إسرائيل، وتحرير ما احتل من لبنان”. البطولات الحقيقة في مواجهة إسرائيل من إختصاص أمراء آل سعود وحلفائهم في لبنان والمنطقة, تلك أيضاً “بديهة وحقيقة إجتماعية” أخرى قد تتكرس يوماً ما في عقول منهكة مسكينة.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: