Tuesday, January 31, 2017

فوكوياما : هل تتحمل الديموقراطية الأميركية رئاسة ترامب ؟

فوكوياما :  هل تتحمل الديموقراطية الأميركية رئاسة ترامب ؟
تساءل «فرانسيس فوكوياما»، وهو عالم وفيلسوف وأستاذ جامعي أمريكي، عما إذا كانت المؤسسات الأمريكية ستبقى قوية بما يكفي لمواجهة سياسات الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» خلال فترة ولايته، مشددًا على إيمان الشعب الأمريكي في نظامه السياسي، ولكنه في ذات الوقت أبدى مخاوفه من أن تطغى سياسات الفرد والسلطة المطلقة على قوانين الدولة.

وقال الاقتصادي والسياسي الأمريكي صاحب كتاب «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، والذي جادل فيه بأن انتشار الديمقراطيات الليبرالية والرأسمالية والسوق الحرة في أنحاء العالم قد يشير إلى نقطة النهاية للتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي للإنسان، قال في مقال نشرته مجلة «بوليتيكو» الأمريكية، إنه لن يعرقل أي مباردة للرئيس الأمريكي، مرجحًا ألا تنجح سياسات «ترامب»، ومؤكدًا على سياسة المحاسبة الناجعة التي يجب أن تجري كل أربع سنوات بحق الإجراءات التي اتخذها الحزب الحاكم.

الكاتب استهل المقال بقوله: «بصفتي مواطنًا أمريكيًّا، لقد روعني، مثل كثيرين آخرين، صعود ترامب. أجد أنه من الصعب أن أتصور أن شخصية مزاجية ستكون قائدة الديمقراطية الرائدة في العالم».
وأضاف: «من ناحية أخرى، كوني عالمًا سياسيًّا، أتطلع قدمًا لرئاسته باهتمام كبير، نظرًا لأنها ستكون اختبارًا رائعًا لمدى قوة المؤسسات الأمريكية. يعتقد الأمريكيون بعمق في شرعية نظامهم الدستوري، إلى حد كبير بسبب أن ضوابطه وتوازاناته تم تصميمها لتوفير ضمانات ضد الاستبداد، والتركيز المفرط للسلطة التنفيذية».

ولكن هذا النظام في نواحٍ كثيرة -بحسب الكاتب- لم يتم تحديه من قبل قائد متأهب لتقويض أعرافه وقواعده المعمول بها حاليًا. لذلك سنكون أمام تجربة طبيعية كبيرة، من شأنها أن تظهر ما إذا كانت الولايات المتحدة هي أمة القوانين، أم أمة الرجال.

الرئيس «ترامب» يختلف تقريبًا عن كل واحد من الرؤساء الـ43 الذين سبقوه في مجموعة متنوعة من الطرق المهمة. أظهرت حياته المهنية تصميمًا أحادي التفكير لتحقيق أقصى قدر من المصلحة الذاتية، والالتفاف على القواعد كلما وقفت في طريقه، على سبيل المثال عن طريق إجبار المقاولين على مقاضاته حتى يدفع ما يدين به إليهم. انتخب على أساس من حملة شعبية كلاسيكية، وحشد عاطفي إلى حد كبير لناخبي الطبقة العاملة، الذين يعتقدون -في كثير من الأحيان عن حق- أن النظام لا يعمل لصالحهم.

وقد هاجم «ترامب» النخبة بأكملها في واشنطن، بما في ذلك حزبه، بأنها جزء من عصابة فاسدة يأمل في أن يطيحها. كما انتهك بالفعل قواعد غير رسمية لا تعد ولا تحصى تتعلق باللياقة الرئاسية، بما في ذلك الكذب العلني والفاضح، وسعى إلى تقويض شرعية عدد من المؤسسات القائمة، من مجتمع الاستخبارات (الذي قارنه بالنازيين) للمجلس الاحتياطي الاتحادي إلى النظام الأمريكي للإدارة الانتخابية (الذي قال إنه مزور، حتى فاز).
المجتمع المدني :
الكاتب نقل عن «دارون أسيموغلو»، الخبير الاقتصادي المتخصص في شئون الدول الفاشلة، ما ذكره من أن الضوابط والتوازنات الأمريكية ليست قوية كما يعتقد الأمريكيون عادة: يخضع الكونجرس لسيطرة الحزب الجمهوري -حزب «ترامب»- وسوف ينفذ أوامره. يمكن أن يشهد القضاء تحولًا بفعل التعيينات الجديدة للمحكمة العليا، والقضاء الاتحادي. والتعيينات، التي يبلغ عددها 4000، السياسية الجديدة  في الإدارات البيروقراطية التنفيذية سوف تخضع إدارتها لإرادة الرئيس.

«أسيموغلو» قال أيضًا إن وسائل الإعلام، التي تنظر إلى نفسها على أنها سلطة رابعة لها الحق في مساءلة الرئيس، تتعرض لهجوم لا هوادة فيه من «ترامب» وأتباعه الذين يصفونهم بأنهم مروجو «أخبار زائفة».

يقول «أسيموغلو» إن المصدر الرئيسي للمقاومة الآن هو المجتمع المدني الذي يمكنه تعبئة الملايين من المواطنين العاديين للاحتجاج على سياسات وتجاوزات «ترامب»، مثل المسيرات التي جرت في واشنطن، والمدن في أنحاء البلاد في اليوم التالي للتنصيب.

اتفق الكاتب مع رؤية «أسيموغلو» التي تشير إلى أن المجتمع المدني هو رادع حاسم للسلطة الرئاسية، وأنه من الضروري بالنسبة لتيار اليسار أن يخرج من حالة الفزع الانتخابي، ويحشد لدعم السياسات التي يحبذها. وقال الكاتب إنه يعتقد أن النظام المؤسسي لأمريكا أقوى بكثير مما يُتصور.

وقال الكاتب: «قلت في كتابي الأخير إن النظام السياسي الأمريكي في الواقع لديه الكثير من الضوابط والتوازنات، وينبغي أن يتم تبسيطه للسماح بإجراء حكومي أكثر حسمًا. على الرغم من أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض يخلق مخاوف كبيرة حول الانتهاكات المحتملة للسلطة، إلا أنني ما زلت أعتقد أن موقفي السابق هو الصحيح، وأن ظهور صورة الرجل القوي الأمريكي هو في الواقع رد فعل لشلل سابق للنظام السياسي. مزيد من الشلل ليس هو الحل، على الرغم من النداءات واسعة النطاق لـ(المقاومة) في جبهة اليسار».
صعوبات أمام ترامب
توقع الكاتب أن تستمر العديد من الضوابط المؤسسية على السلطة في العمل أثناء رئاسة «ترامب». في حين يحتفي الجمهوريون بسيطرتهم على مجلسي الكونجرس والرئاسة، فإن هناك انقسامات أيديولوجية ضخمة داخل ائتلافهم. «ترامب» هو قومي شعبوي يؤمن بوجود حكومة قوية، وليس حكومة صغيرة محافظة، وهذا الصدع سيظهر بينما تتعامل الإدارة الجديدة مع قضايا مثل إنهاء برنامج الرعاية الصحية «أوباما كير» إلى تمويل مشاريع البنى التحتية.

وأوضح الكاتب أن «ترامب» يمكنه بالفعل تغيير الواقع والقضاء، أو الأكثر إثارة للقلق، أن يتجاهل ببساطة قرارات المحاكم، وأن يحاول نزع الشرعية عن هؤلاء القضاة الذين يقفون في طريقه. ولكن تغيير التوازن في المحاكم هو عملية بطيئة جدًّا، لن تظهر آثارها لعدة سنوات. المزيد من الهجمات العلنية على القضاء سينتج عنها رد فعل سلبي كبير، كما حدث عندما هاجم القاضي الاتحادي «جونزالو كورييل» خلال الحملة الانتخابية.

سيواجه «ترامب» صعوبات هائلة للسيطرة على السلطة التنفيذية. العديد من المعينين في إدارته، مثل «جيمس ماتيس»، و«ريكس تيلرسون» و«نيكي هالي»، أعربوا بالفعل عن وجهات نظر تختلف بشكل واضح مع وجهات نظر «ترامب». وحتى لو كانوا موالين له، سيتطلب الأمر قدرًا كبيرًا من المهارة والخبرة لإتقان البيروقراطية الأمريكية الهائلة.
صحيح أن الولايات المتحدة لديها عدد أكبر بكثير من التعيينات السياسية مما يوجد في الديمقراطيات الأخرى، لكن «ترامب» لم يأتِ إلى البيت الأبيض مع كادر كبير من أنصاره الذين يمكنه إدراجهم في البيروقراطية. لم يسبق له سوى إدارة الشركات العائلية الكبيرة، وليس لديه 4000 من الأقرباء المتاحين لتولي وظائف الحكومة الأمريكية. وكثير من مساعديه الجدد سيكونون جمهوريين وصوليين ليس لهم علاقة شخصية مع الرئيس.

وأخيرًا، هناك الفيدرالية الأمريكية. العاصمة واشنطن لا تسيطر على جدول الأعمال الذي يتعلق بمجموعة من القضايا. تقويض برنامج «أوباما كير» على المستوى الاتحادي سيثقل كاهل  الولايات، بما في ذلك الولايات التي يديرها المحافظون الجمهوريون. كاليفورنيا، حيث أعيش، تكاد تكون دولة مختلفة عن Trumpland، وستقنن قواعدها البيئية الخاصة بها بغض النظر عما يقوله الرئيس أو يفعله.

وأشار الكاتب إلى أنه وفي نهاية المطاف، فإن قدرة «ترامب» على اختراق القيود المؤسسية سوف تؤثر في السياسات، وعلى وجه الخصوص في الدعم الذي يحصل عليه من جمهوريين آخرين.

استراتيجية الرئيس الأمريكي باتت الآن واضحة: إنه يريد أن يستخدم «حركته» لترهيب كل من يقف في طريق أجندته السياسية. ويأمل في ترهيب وسائل الإعلام الرئيسية، والنيل منهم، وتقويض قدرتهم على محاسبته. إنه يحاول القيام بذلك، ومع ذلك، باستخدام قاعدة أساسية ليست أكثر من ربع إلى ثلث الناخبين الأمريكيين.
هناك بالفعل ما يكفي من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين قد يصطدمون مع الإدارة بشأن قضايا مثل روسيا، و«أوباما كير»، أو لحرمان حزبهم من الأغلبية. «ترامب» لم يقم بعمل كبير منذ الانتخابات لتخفيف شكوك أي شخص من خارج المجموعة الأساسية من أنصاره، كما تشير أرقام الاستطلاع إلى تراجع شعبيته بشكل مطرد.

وقال الكاتب مخاطبًا الرئيس الأمريكي: «تشويه صورة وسائل الإعلام في اليوم الثاني من إدارتك لا يبشر بالخير بالنسبة لقدرتك على استخدامها كمكبر صوت لإقناع أولئك الذين لا يقفون إلى جانبك».


Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: