"يسرائيل هَيوم"، 25/1/2017
إيال زيسر - باحث في معهد دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا
•إن محادثات السلام بين الأطراف المتقاتلة في سورية التي بدأت هذا الأسبوع في أستانا، عاصمة كازاخستان، لم تؤدّ بعد - وثمة شك في أنها ستؤدي في وقت قريب - إلى منعطف يقود إلى إنهاء الحرب الدموية الدائرة لدى جيراننا منذ قرابة ستة أعوام. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه المحادثات خطوة مهمة وفي الاتجاه الصحيح ولم يكن أحد يتخيل حدوثها قبل بضعة أشهر. وما يجري هو إنجاز دبلوماسي مهم يعود الفضل فيه إلى فلاديمير بوتين، رئيس روسيا والرجل القوي حالياً في الشرق الأوسط.
•الإنجاز الذي حققه بوتين يعلمنا إلى أيّ حد هي جوفاء وفارغة من المضمون الشعارات والكليشيهات التي يرددها كثيرون في إسرائيل والعالم بشأن أهمية العثور على "وسيط نزيه" يعمل من أجل تحقيق "سلام عادل" كشرط أساسي لتحقيق السلام في منطقتنا بين إسرائيل وجيرانها، وقبل كل شيء بين إسرائيل والفلسطينيين.
•في نهاية المطاف، فإن السلام الذي يدفع به بوتين قدماً في سورية ليس "سلاماً عادلاً"، بل هو سلام أقوياء، ويستند كله إلى القوة والمصالح. وفي ما عدا ذلك فإن بوتين أبعد ما يكون عن "الوسيط النزيه". الحقيقة أنه وسيط له مصالح اتخذ موقفاً واضحاً مؤيداً لأحد أطراف النزاع هو بشار الأسد، وتجند للقتال إلى جانبه. لكن على الرغم من ذلك، فقد نجح بوتين حيث فشل المجتمع الدولي المنافق الذي وعظ، باسم الأخلاق والعدالة، دفاعاً عن السكان المدنيين من دون أن يفعل شيئاً. وفي الواقع لو كانت الأمور مرتبطة بنيويورك (مقر الأمم المتحدة) وبواشنطن وبروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي) لكانت الحرب السورية ما تزال مستمرة بكل قوتها.
•المدهش أنه خلال السنة الأخيرة ضرب بوتين بقوة كبيرة معسكر المتمردين في سورية، وقتل الآلاف من عناصرهم ومن المؤيدين لهم. وأباد من دون رحمة قرى وبلدات وزرع الدمار والخراب مما أدى إلى فرار عشرات وربما مئات الآلاف من المدنيين من مؤيدي المتمردين أو من الذين وجدوا أنفسهم عالقين في مناطق المواجهات. وحالياً يزحف المتمردون من أجل تقبيل يد بوتين أو حذاءه.
•المدهش أكثر أنه خلال كل هذه الفترة كان لواشنطن وجود عسكري في كل أنحاء الشرق الأوسط - جنود، وطائرات وسفن حربية - يفوق بعشرات المرات الوجود العسكري الروسي في سورية. لقد أرسل الروس إلى الحرب في سورية بضع عشرات من الطائرات وأسطولاً صغيراً من السفن، وعلى الرغم من ذلك فإن مكانة الولايات المتحدة شهدت تدهوراً غير مسبوق ولا أحد يعيرها أيّة أهمية، كما أجاد في وصفها الرئيس الجديد دونالد ترامب. وفي موازاة ذلك، فإن فلاديمير بوتين يحترمونه في الشرق الأوسط ويقدرونه.
•لكن في الوجه الآخر من العملة فإن بوتين الوفي لنهجه ومصالحه لا "يقيم وزناً" لبشار الأسد، الذي من أجل الدفاع عنه أرسل طائرات وجنوداً روسيين إلى سورية. فهو حتى لم يكلف نفسه عناء دعوته لحضور "مؤتمر الكبار" في موسكو، الذي اتفق في الشهر الماضي مع تركيا والإيرانيين على خطة طريق تنهي القتال في سورية. وهو يستخدم بالنسبة شريكيه، إيران وتركيا، سياسة "فرق تسد" ويستغل العداء والتنافس بين الاثنين لمصلحته ومن أجل الدفع قدماً بمكانة روسيا.
•إن نجاحات بوتين في سورية - العسكرية والدبلوماسية - يجب أن تُدرس في إسرائيل وأن تستوعب. إن مفتاح النجاح في منطقتنا ليس الفصاحة والكلام المعسول والإطراء ومحاولة إرضاء السامعين، بل التمسك الصارم بالمصالح وإظهار القوة. والذي يريد الدفع قدماً بمفاوضات إسرائيلية - فلسطينية ويريد أيضاً تحقيق منعطف، يجب أن يأخذ هذه الأمور في حسابه.
•حسناً يفعل ترامب إذا أراد المضي نحو اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين ألا يستمع أولئك الذين يطالبونه بالابتعاد عن إسرائيل وبعدم تحقيق وعوده الانتخابية في نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، فإنه بذلك لن يحظى بقلوب العرب، ولن يدفع قدماً بالسلام والاستقرار في منطقتنا.
0 comments: