سوريا انتصرت وليس: "ستنتصر"
إنّنا لا نفعل أكثر من أنّنا نكتب تاريخ مستقبل سوريا، فأما ماضيها فهو في اللاّوعي التّاريخي لكل إنسان متحضّر وفيّ لأصول الاجتماع الثقافي. انتصارات سوريا اليوم لا تدهشنا لأنّنا آمنّا بهذا المصير الجميل. ففي كلّ المحطّات التي عانت فيها سوريا من العدوان كان اليقين ينصبّ فوق رؤوسنا لا يسمح بطروء أدنى أحاسيس الرّيبة..يقينا شامخا وهو يطلّ على الشّام كجبل قاسيون الصامت الحزين والشاهد على كلّ الانتصارات. سوريا انتصرت هكذا تحدّثنا بصيغة الماضي..لأنّ مقدّمات الانتصار ظهرت ملامحها قبل سنوات وما تبقّى هي رتوش وتدارك لتمزّقات جيوب موصولة بإرادات إقليمية ودولية قرّرت خوض حرب الاستنزاف بالوكالة. غير أنّ الأمور بلغت أوجها، حين ظهرت ملامح الانتصار وبدا التدخل الأمريكي والصهيوني مباشرة في فترات مختلفة، هذا إنّما يؤكّد على أنّ الحرب بالوكالة لم تعد عنوانا مناسبا. لكن قراءة مشاهد الانتصار تعطينا فكرة عن طبيعة اللعبة الإقليمية والدّولية.
الانتصار السوري درس تاريخي لجبهة التّبعية والملّة الرّجعية باعتباره انتصار على مخطّط إمبريالي يتجاوز المحاور الإقليمية الصغيرة. حاربت سوريا في البداية من دون حلفاء ثم سرعان ما التحق بها أصدقاؤها ليشكّلوا حلفا ممانعا متجانسا. كان لخصوم سوريا حلف كما كان لسوريا حلف لأنّ المعركة هي بين جبهتين ومشروعين. ولقد تأكّد أنّ سوريا كانت صائبة في اختياراتها، لأنّها لم تراهن على الرجعية رهانا استراتيجيا. أظهر انتصار دير الزّور وفكّ الحصار عن المطار قدرة الجيش العربي السوري وحلفائه على اختراق حصون الإرهاب والعدوان. فعلى الرغم من التشويش الذي قامت به قوى ما سمّي بالتحالف الأمريكي سواء في الميدان أو على صعيد التلويح بالعقوبات، فإنّ بلوغ مطار دير الزور هو فتح استراتيجي له دلالته الكبيرة إذا استحضرنا أنّ المعارك دارت في بيئة استراتيجية حسّاسة. هذه الحرب بالمعنى الصّريح تشرف عليها أمريكا وإسرائيل، والباقي إمّا محاور سياسية وإمّا أدوات انتفخت بالتمكين الإقليمي والدّولي. وفي هذا السّياق شكّل ظهور الحاج أبو مصطفى القائد الميداني للمقاومة في دير الزور رسالة واضحة أيضا تؤكّد على المصير المشترك لخطّ الممانعة وبأنّ المقاومة التي هي عنوان المواجهة مع إسرائيل توجد حيث يجب ان تكون جنبا إلى جنب مع الجيش العربي السوري الذي هو في نهاية المطاف جيش مقاوم. وهنا تنهار كل الدروس المغالطة التي انهالت على المقاومة حين اتخذت القرار الصائب بالدخول إلى سوريا وفق تنسيق محكم مع القيادة السورية، أولئك الذين يجزّؤون بين المشكلة السورية والقضية الفلسطينية أو المواجهة مع إسرائيل، الخطاب البائس الذي تبنّاه حتى بعض المحسوبين على القرب، وهم بذلك كرّسوا العدوان على سوريا باعتبار أنّ منشأ الأزمة داخلي بينما منشؤها هو العدوان الخارجي. تأخّر خبراء الخرائط الملوّنة وانتصرت المقاومة التي هي ملّة واحدة كما أنّ الرجعية وجبهة التّبعية هي ملّة واحدة. الجواب على سؤال: لماذا دخلت المقاومة إلى القصير جوابه في انتصارات حلب والجرود والقلمون ودير الزور.
خلال سنوات من المواجهة تمزّقت خرائط ومخططات كما أنّ الكثير من المحللين إمّا هربوا إلى الوراء أو هربوا إلى الأمام وكثيرون تراجعوا من دون اعتراف بالخطأ وأصبحوا في طليعة المبشّرين بانتصار سوريا عسى أن يخفوا تاريخا من السخرية البليدة بسوريا. وعلى كلّ حال، فإنّ لظهور القائد الميداني للمقاومة بدير الزور نوعا من لعبة الكاش كاش بين إسرائيل والمقاومة. فما تحدثت عنه إيديعوت أحرانوت من أنّ إسرائيل كانت على علم بذهاب السيد حسن نصر الله إلى دمشق، هو جواب للرأي العام الإسرائيلي الذي لم يعد يثق بقيادته، لأنّ الأمر هنا لا يتعلّق بانتقال مجاملة بل هو حضور ومتابعة وانغماس في معركة تحدّي، وبأنّ الحرب الخفية بين إسرائيل والمقاومة في سوريا لها قصّة طويلة ومعقّدة. هذا يؤكّد أنّ قادة المقاومة يقومون بواجبهم ويحضرون في الميدان وينسّقون وهم مستعدون لخوض معارك شرف قصوى ضدّ أي عدوان إسرائيلي من شأن سوريا أن تتعرّض له هذه المرة للتشويش على انتصارها الذي يعتبر أمرا غير مقبول من كيان الاحتلال.
اليوم باتت اللعبة مكشوفة، وأدواتها معروفة، وصناع قراراتها معروفين، وحتى تحقيق الترويض الكامل للرأي العام الإقليمي والدولي بأنّ سوريا انتصرت وبأنّ الأسد هو جزء لا يتجزّأ من مصير المنطقة، وبأنّ ركاما من المخطّطات البديلة انهار أمام الصمود الأسطوري لحلف المقاومة، فإنّ المنطقة مقبلة على مرحلة استراتيجية انتقالية. الحقيقة الوحيدة اليقينية في هذا التّحوّل هو أنّ الانتصار في سوريا هو حقيقة استراتيجية لها أصول وآثار وليست مسألة إنشاء أو بلاغة حربية...
ادريس هاني:10/9/2017
سوريا انتصرت وليس: "ستنتصر"
Tags:
إدريس هاني ..كاتب ومحلل
0 comments: