Friday, December 4, 2020

السياسة العربية في إسرائيل وبوادر "تفكير في مسار جديد"


 معهد هرتسليا للسياسات والاستراتيجيا"، 30/11/2020


السياسة العربية في إسرائيل وبوادر "تفكير في مسار جديد"




ميخائيل ميلشتاين - محلل سياسي
شهدت المنظومة السياسية العربية في إسرائيل في الأسابيع الأخيرة عاصفة قوية، تسربت إلى حد بعيد (وبصورة غير عادية) أيضاً إلى الجمهور اليهودي في الدولة. في مركز هذه العاصفة تعزيز العلاقات بين الليكود وبين حركة راعم - القائمة العربية الموحدة التي تمثل الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية في الكنيست برئاسة عضو الكنيست منصور عباس. يزعم عباس أنه بواسطة هذه العلاقة نجح في تمديد سريان مفعول الخطة 922 لتطوير المجتمع العربي سنة إضافية، وفي تعميق التزام الحكومة معالجة ملف الجريمة والعنف، المطروح على رأس جدول أعمال المجتمع العربي في إسرائيل.
ترفق حركة راعم خطواتها بخطاب ثوري إلى حد بعيد مفاده أنها تسعى إلى حل عملي وفوري لمشكلات الجمهور العربي، ومن أجل هذه الغاية هي مستعدة لتحطيم المسلمات القديمة، وبما في ذلك التعاون مع كتلة اليمين، التي عموماً تتجنب إقامة علاقة مع القائمة المشتركة وتتخذ أحياناً مواقف إقصائية إزاء الجمهور العربي. يرفق عباس خطواته بكلام يقول إنه ليس يمينياً ولا يسارياً، وليس موجوداً سلفاً في جيب أي معسكر سياسي. وهو يدعي أنه مستعد للتخلي عن "ثقافة الشعارات والخطابات" التي تميز السياسة العربية في البلد، وذلك من أجل تغيير "فوري ومباشر" يريده الجمهور العربي. وبحسب عباس فإنه بذلك يحطم سياسة الهويات التقليدية، ليصبح لاعباً مهماً مطلوباً وفي الأساس مؤثراً.
يهاجم عباس بعنف من قبل أعضاء القائمة المشتركة بحجة أنه يتسبب بالانقسام ويخدم بذلك أهدافاً سياسية لرئيس الحكومة نتنياهو. في المقابل، هو يحظى بتأييد من قبل كثيرين وسط الجمهور العربي الذي يرون في خطواته رداً مبتكراً وواعداً للمشكلات الأساسية الصعبة التي يعانيها المواطنون العرب. في هذا السياق تجدر الإشارة إلى استطلاع للرأي نُشر في الأيام الأخيرة من قبل معهد Statnet برئاسة يوسف مكلاده يظهر أن حوالي 64% من الجمهور العربي يؤيد الخط الذي يدفع به عباس منصور قدماً.
الخطوات الأخيرة لراعم ليست "مناورات سياسية" تستند إلى مصالح ضيقة وقصيرة الأمد. بل هي تعكس نقاشاً حاداً وعميقاً يدور في المجتمع العربي في السنوات الأخيرة، في مركزه الاعتراف بأن القائمة المشتركة تلاقي صعوبة في تحقيق الأمال التي علقت عليها لتعميق التأثير والاندماج وأنها وصلت فعلياً إلى طريق مسدود. وهذا الأمر ناجم إلى حد بعيد من المقاربة الأساسية للزعماء السياسيين العرب التي تقول إن في استطاعتهم إمساك الحبل من طرفيه: من جهة الحصول على اعتراف وقبول من جانب الجمهور اليهودي وزيادة تأثير الجمهور العربي، ومن جهة ثانية وضع الموضوع الفلسطيني في مركز اهتماماتهم، والدعوة إلى إحداث تغيير عميق في طابع إسرائيل. كما ثبت في العامين الأخيرين فإن هذه مهمة صعبة إلى حد أنها مستحيلة التحقيق.
القوة الانتخابية للجمهور العربي تعاظمت بصورة غير مسبوقة في العامين الأخيرين (15 عضو كنيست في الانتخابات الأخيرة)، لكن الإنجاز لم يثمر عن تأثير أكبر في اتخاذ القرارات، ولم يساهم في حل المشكلات الأساسية للجمهور العربي. الجمهور العربي نتيجة شعوره بالإحباط الذي حشد أعداداً كبيرة من أجل زيادة القوة الانتخابية للقائمة المشتركة، يتقلص في استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة التي توقعت خسارة القائمة حوالي 3-4 مقاعد في الانتخابات المقبلة.
إزاء هذا الوضع الصعب تتوجه الحركة الإسلامية إلى براغماتية أكثر في السياسة العربية في إسرائيل اليوم. قد يبدو الأمر مفاجئاً لأنها كيان ذو طابع محافظ وتقليدي. هذه المرونة الخاصة مغروسة في جذور راعم التي تعتبر نفسها ممثلة لتيار "الإخوان المسلمين". منذ تأسيس حركة الإخوان المسلمين قبل نحو مائة عام يمتاز هذا التيار في مجمل الساحات التي ينشط فيها بقدرة على التكيف وبمرونة أتاحتا له الصمود طوال الوقت.
مؤسس الحركة الإسلامية في إسرائيل ووالدها الروحي الشيخ عبد الله نمر درويش، هو الذي زرع فيها هذه الروح البراغماتية الخاصة. صاغ درويش طريق الحركة على أساس الحوار الديني المتشعب الدائر في العقود الأخيرة في العالم الإسلامي بشأن كيفية تعامل الأقليات الإسلامية مع مجتمعاتها في الدول غير الإسلامية، وفي الأساس في الغرب.
صورة راعم مضللة إلى حد كبير. من الناحية السياسية هي تتماهي مع الأهداف التي تؤيدها كل الأحزاب العربية، سواء فيما يتعلق بتحسين وضع المواطنين العرب، أو الموقف من الموضوع الفلسطيني. لكن من الناحية الاجتماعية والثقافية توجد فجوة عميقة بين راعم وسائر الأحزاب الأعضاء في القائمة المشتركة، ومن ناحية أُخرى هناك تقارب بينها وبين الأحزاب اليهودية الدينية. تجلى هذا الأمر بوضوح لدى الحديث عن حقوق المثليين، وهو موضوع تعارضة الحركة الإسلامية معارضة شديدة. يثير هذا الأمر عاصفة في المجتمع العربي يترافق مع توتر بين الحركة الإسلامية وسائر القوى في الجمهور العربي، خصوصاً في حزب حداش، الذي يسعى إلى تشجيع توجهات ليبرالية على المستوى الاجتماعي.
عشية احتمال مضي إسرائيل نحو انتخابات أُخرى، يبدو أن الساحة السياسية العربية تشهد اضطراباً عميقاً من ناحية اتجاهين مركزيين: من جهة، كما أسلفنا، تقف راعم التي تمثل توجهاً جديداً وتنطوي على خطر تفكيك القائمة المشتركة؛ ومن الجهة الثانية تتطور مبادرات لاقامة أحزاب يهودية - عربية جديدة، تشكل تحدياً للقائمة المشتركة وتريد هي أيضاً أن تمثل طريقة جديدة تتيح حلاً عملياً لضائقات المجتمع العربي.

يجب على الجمهور اليهودي أن يفهم التغير الدراماتيكي الذي يجري في المجتمع العربي في إسرائيل، ومن المستحسن أن يكون على دراية عميقة بالفوارق السياسية والفكرية في داخله. وكما في حالة التطبيع مع الدول العربية المقصود تغيرات ممنوع تفسيرها ضمن سياق ضيق يتصل بتأييد نتنياهو أو معارضته، ومن المعقول أن تبقى هذه التغيرات بعد ذهاب نتنياهو. علاوة على ذلك، المطلوب من الجمهور اليهودي تمكين المواطنين العرب من تحقيق تأثير في المجال السياسي، في الأساس من خلال دمجهم في الأحزاب اليهودية الكبيرة (هدف فشل كثيرون في تحقيقه في السنوات الأخيرة) وفتح أبواب الحكومة والائتلاف أمام قوى عربية تكون معنية بذلك. مسار كهذا يمكن أن يبشر ببداية مرحلة جديدة في منظومة العلاقات المعقدة بين الدولة ومواطنيها العرب

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: