تقرير "مدار"
الاستراتيجي 2005 المشهد الإسرائيلي في العام 2004
2005-03-15التاريخ
:
المؤلف: د. محمود
محارب، د.محمد أمارة، د. مصطفى كبها، د. حسام جريس، د. خولة أبوبكر، د.اسعد غانم/ تحرير
د. اسعد غانم .
تقرير “مدار” الاستراتيجي عمل عربي غير مسبوق، يتطلع
إلى تفحص الوضع الإسرائيلي من عدة جوانب، وعرضه على المهتمين العرب ليتسنى لهم الحصول
على صوره دقيقة ومحدَّثة للوضع في إسرائيل.
انجز عملية جمع المعلومات والتحليل مجموعة مختصين
من الأكاديميين الفلسطينيين المتابعين يومياً لما يحدث في إسرائيل والمتمكنين من اللغة
العبرية، حيث رصدوا ما حصل في إسرائيل مباشرة وليس من خلال وكلاء ترجمة.
يوفر التقرير مصدراً لمتابعة التطورات الحاصلة في
إسرائيل والمؤثرة بدورها على ما يحدث على مستوى المنطقة. تكمن أهمية التقرير في انه
يقدم سرداً مختصراً لما حصل في إسرائيل خلال العام المنصرم، بحيث يتسنى للمهتمين العرب
من سياسيين واعلاميين واكادميين، التعرف على الأحداث الرئيسية والسيرورة الموجهة، بالاضافة
إلى تحليل العوامل الرئيسية التي توجه الأحداث في إسرائيل، وهذا يجعل من التقرير أداة
عمل يومية لهؤلاء ولغيرهم.
يقدم التقرير شرحاً تفصيلياُ للتطورات التي حصلت
في إسرائيل خلال العام المنصرم في ستة مجالات رئيسية, كما هو معروض أدناه:
1 - السياسة الإسرائيلية تجاه الشعب العربي
الفلسطيني
كان العام 2004 عاماً مهماً ومفصلياً في جملة من
المسائل الخاصة بالقضية الفلسطينية. ففيه بلور
رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون "خطة فك الارتباط من جانب واحد". وفيه
أيضاً حصلت إسرائيل على إنجاز تاريخي، تمثل في "رسالة الضمانات" الأميركية
التي عبرت عن تغيير رسمي وخطير في السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، وخاصة
في قضايا الحدود والاستيطان واللاجئين. وفي هذا العام أيضاً توفي الرئيس الفلسطيني
ياسر عرفات، الذي قاد النضال الوطني الفلسطيني ما يربو على أربعة عقود، ووضع حركة التحرر
الوطني الفلسطيني على عتبة إنشاء الدولة الفلسطينية.
يتمحور التقرير الذي أعده د. محمود محارب، مدير
معهد الدراسات الإقليمية/ جامعة القدس, حول سياسة إسرائيل وممارساتها تجاه الشعب والأرض
الفلسطينية. عشية العام 2004 نظم شارون أفكاره ورؤيته ومن ثم عرض خطته رسمياً على الملأ
في خطابه في مؤتمر هرتسيليا، تلك الخطة التي باتت تعرف باسم "خطة فك الارتباط
من جانب واحد". علاوة على سعيه لتجميد خطة خارطة الطريق فإن جوهر الخطة يتمثل
في فكرة تفكيك الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي في قطاع غزة وتركيبهما وتعزيزهما في
أراضي الضفة الغربية.
وبمجرد تجاوب الإدارة الأميركية مع خطة شارون وشروعها
بالتفاوض معه حولها، أحرز شارون إنجازاً حقيقياً كان من الصعب تصوره قبل ذلك بعدة شهور.
وعلى أرضية دعم الولايات المتحدة لخطة شارون، نجحت إسرائيل إلى حد بعيد في تطوير العلاقة
مع كلٍ من مصر والأردن، في ظل محاولات شارون المستمرة قصر دور هاتين الدولتين على المجال
الأمني ووضعهما في دائرة الضغط السياسي على الفلسطينيين.
على صعيد العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية، فرغم
إبداء "مرونة" ما من شارون وحكومته نحو السلطة الفلسطينية بعد رحيل ياسر
عرفات، إلا أن هذا لن يكون تغييرا جذريا في سياسته. هذا التغيير الآني في التعامل جاء
للتجاوب مع الموقف الدولي والأميركي بان فرص التوصل إلى السلام ازدادت بعد رحيل عرفات.
فلا تستطيع إسرائيل الادعاء بعد اليوم بأنه لا يوجد شريك فلسطيني لعملية السلام، حيث
نرى التصريحات "المرنة" للقيادة الإسرائيلية، وإذا كان الموقف والتعامل مع
عرفات أصلا موقف من الشعب الفلسطيني، فإننا لا نتوقع تغييراً جذرياً يُذكر في السياسة
الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين ما دام شارون رئيسا للوزراء، وستستمر محاولة تنفيذ خطة
اخلاء قطاع غزة وتسويقها للعالم كدلالة على برنامج شارون السلامي في حين يستمر تعزيز
الاستيطان واستكمال بناء الجدار في الضفة الغربية.
2 - المشهد السياسي والحزبي
التقرير الذي أعده د. محمد أمارة من جامعة بار-ايلان
يرصد ويصف التغيرات والتطورات في الأحزاب والحركات الأساسية غير الممثلة في البرلمان،
الحكومة والوزارات، والأمور القضائية التي لها إسقاطات على المشهد السياسي، والحكم
المحلي. ويطرح التقرير ويحلل أيضا الأحداث المركزية في المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي.
كان لانتخابات 2003 انعكاسات كبيرة على المشهد السياسي
الإسرائيلي. فقد مُنيت القاعدة الأساسية لليسار
(العمل وميرتس) بهزيمة نكراء. كذلك نرى أن حزب "شينوي"، حزب "الوسط"
احتل موقعا متقدما على الخارطة السياسية متفوقا على غريمه الحزب الحريدي الشرقي،
"شاس". وبات اليمين يشكل مركز الثقل والدفع على الساحة السياسية.
بعد إقالة حزب شينوي، شُكلت حكومة جديدة في إسرائيل
وحازت على ثقة الكنيست في تاريخ 10/1/2005 . الحكومة الحالية مُشكلة من حزب الليكود،
حزب العمل وحزب "يهدوت هتوراه" الحريدي.عارض هذه الحكومة 13 عضو كنيست من
الليكود نفسه وامتنع عضو من يهدوت هتوراه عن التصويت. كذلك حظيت هذه الحكومة بثقة حزب
ياحد والأحزاب العربية. حزب العمل لم يحظ بوزارات لها زخمها السياسي، مثل الخارجية،
الدفاع أو المالية (أهم وزارة تسلمها هي وزارة الداخلية)، وعلى حد زعم حزب العمل فإنه
يعطي الأولوية لتسريع عملية الفصل عن غزة، لكن حقيقة الأمر أن وهن حزب العمل على الساحة
السياسية الإسرائيلية، وإظهار الاستطلاعات أن هذا الحزب لن يفوز بعدد كبير من المقاعد
يؤهله لإقامة ائتلاف، وبسبب الخلافات القيادية الداخلية الحادة، جعل حكومة الوحدة أفضل
خيار أمام الحزب.
الأحداث المركزية في المشهد الحزبي والسياسي لسنة
2004 هي: استمرار وهن معسكر اليسار؛ هيمنة الحزب الحاكم؛ التراجع في الديمقراطية وازدياد
العنصرية؛ سياسات الاغتيال والفصل.
في ظل المعطيات التي يتضمنها التقرير سيكون عمر أية حكومة قصيراً وستعقد
انتخابات مبكرة قبل موعدها المحدد في منتصف 2006. حتى لو جرت الانتخابات قريبا، يتوقع
المحللون السياسيون أن الخارطة الحزبية ستكون قريبة جدا مما هي عليه اليوم، وهذا أيضا
ما تؤكده جميع الاستطلاعات.
3 – المشهد الاستراتيجي والعسكري
بناءً على التقرير الذي أعده د. مصطفى كبها من الجامعة
المفتوحة في إسرائيل, كان العام 2004 ، من وجهة النظر العسكريّة والإستراتيجية، عاماً
مفصلياً وحاسماً في كل ما يتعلق بالوضع الإستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام ولإسرائيل
بشكل خاص. فبعد زوال الخطر الإستراتيجي العراقي (نتيجة الاحتلال الأميركي للعراق) وتضاؤل
الخطر الإستراتيجي السوري تبعاً لذلك، شعر مصممو السياسة الإسرائيلية بشيء ممن الارتياح.
فالوجود العسكري الأميركي في العراق منع ( وسيمنع في المستقبل الوشيك) تحالفاً إستراتيجياً
محتملاً معادياً لإسرائيل يضم سورية ولبنان (حزب الله) والعراق وإيران، بل إن هذا الاحتلال
سيضع كل طرف من هذه الأطراف تحت ضغط مستمر يمنعه من التفكير بأيّة مبادأة هجومية ضد
إسرائيل ويجعله في موقع دفاعي مفضلاً مبدأ السلامة على إمكانية ضمه إلى قائمة أهداف
"الحرب ضد الإرهاب" التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية.
هذه المستجدات جعلت الموقف الإسرائيلي من مفاوضات
محتملة مع سورية أمراً أكثر تصلباً ومبنياً على مبدأ "الأمن مقابل الأمن"،
بعد أن كان مبنياً قبل ذلك على مبدأ "الأرض مقابل السلام ". وهذا الأمر يعني
بشكل واضح وجليّ أن السلام مع باقي الدول العربية التي لم توقع اتفاقيات سلام أو تطبيع
مع إسرائيل لم يعد يشكل هدفاً إستراتيجياً تبدي إسرائيل استعداداً مبدئياً لتحقيقه
مقابل تنازلات إقليمية.
أما على صعيد التعامل مع الانتفاضة الفلسطينية التي
دخلت عامها الخامس، فقد نجح ربابنة السياسة الإسرائيلية، إلى حد كبير، بإقناع نظرائهم
في الولايات المتحدة أن حربهم ضد الفلسطينيين جزء من "الحرب العالمية على الإرهاب
"، الشيء الذي جعل الولايات المتحدة تتغاضى عن التجاوزات الإسرائيلية، فضلاً عن
تغاضيها عن استمرار بناء إسرائيل للجدار الفاصل رغم قرار المحكمة الدولية ورغم المعارضة
العالمية الواسعة لذلك.
4 - المشهد الاقتصادي
تم في التقرير الذي اعده د. حسام جريس من جامعة
بن غوريون في بئر السبع، من خلال فصوله المختلفة، تفصيل مميزات الاقتصاد الإسرائيلي
والتطورات المساعدة لفهم كل المستجدات الحاصلة خلال سنة 2004، وطرح المشاكل الاقتصادية
الجمة التي تعاني منها اسرائيل ابتداءً من كبر القطاع العام, والعجز الحكومي والدين
القومي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية مثل انتشار البطالة واتساعها لتصل إلى
حوالي 11%، وارتفاع نسبة العائلات الفقيرة حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود حوالي
1.5 مليون شخص من أصل 6.5 مليون يعيشون تحت خط الفقر، والأزمات الحاصلة في أسواق العمل
المتلخصة بعدم سيطرة الحكومة والمنظمات الاقتصادية الأخرى على مطالب العديد من الفئات
العمالية القوية وأيضا عدم نجاح محاولات دمج العديد من الإسرائيليين في أسواق العمل
لأسباب شتى، والخلل الواضح والتشويشات الكثيرة البارزة في عمل أجهزة الضرائب المباشرة
وغير المباشرة، والتي تعمل على زيادة الفوارق الاقتصادية واللامساواة بين الطبقات السكانية
المختلفة، والتغييرات البنيوية الكثيرة الحاصلة بفعل تأثر الاقتصاد بالعوامل الداخلية والخارجية، السياسية والأمنية...الخ.
وعلى إثر ذلك وضعت الأسس لتصميم خطة اقتصادية جديدة تخرج إسرائيل من المأزق الاقتصادي.
الخطة الاقتصادية شملت قسمين رئيسيين: الأول تنفيذ
تقليصات في ميزانية الدولة والعمل على تقليص العجز الحكومي إلى نسبة 2% من الناتج حتى
سنة 2008، بدلاً من 6% - 7% كما كان عليه عند نهاية سنة 2003، وهذا الأمر يعني إنجاعاً
بنيوياً طويل الأمد للقطاع العام وإدخال إصلاحات في عمل أجهزته. القسم الثاني من الخطة
يتعلق بخلق أجواء وظروف تمكن الاقتصاد الإسرائيلي من العودة إلى مسلك النمو الاقتصادي
طويل الأمد وزيادة النجاعة والاستقرار على المدى البعيد.
إذا أردنا أن نقيّم هذه الخطة لسنة 2004 نراها قد
حفزت انتعاش الاقتصاد، إذ كان نمو الناتج لسنة 2004 يفوق كل التوقعات ووصل إلى
4.2% بدلاً من 2.5% كما كان متوقعاً مع بداية السنة. مستوى المعيشة الفعلي للسكان في
إسرائيل ارتفع بنسبة 3.8% وهذا كله بخلاف الانخفاض الحاصل في الناتج وفي مستوى المعيشة
على مدى ثلاث أو أربع سنوات بدءاً من نهاية 1999 وانتهاء بنهاية سنة 2002 أو النصف
الثاني من 2003.
5 - المشهد الاجتماعي
حسب التقرير الذي أعدته د. خولة أبو بكر, توجه
1.2 مليون إنسان في إسرائيل عام 2004 لطلب المساعدة من مكاتب الرفاه. هذا العدد يفوق
العدد في العام السابق بـ 30 ألف مواطن. تدّعي مؤسسة نجمة داود الحمراء (موازية للصليب
الأحمر في إسرائيل) أن مواطنين يطلبون نقلهم للمستشفيات فقط بغرض الحصول على وجبات
طعام مضمونة. وقد زاد عدد طالبي المعونة عام 2004 من الجمعيات الخيرية بـ 45% عن العام
السابق.
كانت مظاهرات واعتصامات الاحتجاج التي قامت بها
النساء الوحيدات من أهم فعاليات الاحتجاج ضد سياسة نتنياهو الاقتصادية ومسه بموضوع
الرفاه.
انخفضت ميزانية التعليم بين سنوات 2001-2004 في
بند ملكات التعليم بنسبة 15% بالرغم من ارتفاع عدد الأولاد في الفترة نفسها بنسبة
7%. يعني هذا أنه طُلب من أولياء الأمور تمويل باقي الميزانية المطلوبة على حسابهم.
يؤدي هذا الوضع إلى زيادة الفجوة بين التعليم في المجتمع اليهودي والعربي وبين المدارس
الغنية والمدارس في المناطق الفقيرة، كما أدى ويؤدي التقليص في الملكات لإقالة معلمات
من جهاز التعليم.
أقيمت "لجنة دوفرات" لفحص مستوى التعليم
في إسرائيل، وتوصي اللجنة بإجراء تغييرات تنظيمية, وتوفير ميزانيات عن طريق إلغاء وحدات
إدارية. سوف تؤدي هذه التوصية إلى زيادة الفجوات في جهاز التعليم بسبب الفجوات الاقتصادية-الاجتماعية
الكبيرة جدا بين السلطات المحلية في المناطق المختلفة في إسرائيل. من التوصيات أيضا
أن تتحول المدارس للتوجه التنافسي وأن تدير نفسها بشكل ذاتي مستقل.
أغلقت إسرائيل الباب أمام العمال الفلسطينيين بعد
الانتفاضة الثانية واعتمدت كليا تقريبا على العمال الأجانب الذين تشغلهم في ظروف استغلال
تنافي القوانين الدولية وتمنع الخدمات الأساسية التي تضمن الرفاه لهم لأولادهم المولودين
داخل إسرائيل.
6 - الفلسطينيون في إسرائيل
يتعرض التقرير الذي اعده الدكتور اسعد غانم والأستاذ
امطانس شحادة، إلى أبرز تجليات الوضعية الخانقة للاقلية العربية في إسرائيل.
بلغ عدد السكان الفلسطينيين في إسرائيل (لا يشمل
ذلك القدس والجولان المحتلين) بداية العام 2004 مليوناً وثلاثة وثلاثين الفاً، ويشكلون
17% من سكان إسرائيل، البالغ عددهم قرابة
6650000 (دون السكان العرب في القدس الشرقية) [1][1][1]، موزعين على النحو التالي:
مسلمون 821 ألفاً؛ مسيحيون 100 ألف؛ ودروز 108 آلاف.
من ناحية المعطيات الاقتصادية والاجتماعية بلغت
نسبة العائلات العربية الموجودة تحت خط الفقر في العام 2004 اكثر من 50% من مجمل عائلات المجتمع العربي، وكان
60% من الأولاد العرب تحت خط الفقر(بينما كانت في العائلات اليهودية قرابة الـ 15%
). وتشكل العائلات العربية الموجودة تحت خط الفقر نسبة 30% من مجموع العائلات الفقيرة في إسرائيل، بينما
يشكل الأولاد العرب حوالي 50% من مجموع الأولاد دون خط الفقر.
التنظيم السياسي الحزبي للفلسطينيين في إسرائيل
عام 2004 يتجلى في صورة أحزاب وحركات ومنظمات تطوعية. ومن الجدير بالذكر ان واقع الاحزاب
العربية في إسرائيل عام 2004، تأثر، فيما تأثر، بالمتغيرات وتراكم التحولات السياسية
العامة الحاصلة في إسرائيل منذ اتفاقيات اوسلو في العام 1993، وبشكل خاص المتغيرات
والتحولات الداخلية في المجتمع العربي في إسرائيل، وبروز تيارات فكرية-حزبية جديدة.
فيما يتعلق بالتمييز ضد المواطنين العرب, يحاول
التقرير رصد أنماط التمييز التي يواجهها المواطنون العرب داخل إسرائيل، وتجلياتها في
العام 2004.
كل هذا يشير إلى عدة حقائق أساسية فيما يخص العلاقة
بين الأقلية الفلسطينية وإسرائيل:
1. هناك عدم ارتياح واضح وشامل في صفوف العرب في إسرائيل من السياسة الداخلية
والخارجية للدولة، وهي حالة تشمل معظم السكان الفلسطينيين في إسرائيل.
2. لا يوجد معنى حقيقي لمواطنة العرب في إسرائيل. فالخطاب حول "المواطنين"
في الحديث عن الفلسطينيين في إسرائيل، والذي تمت صياغته بشكل أساسي في الأكاديمية الإسرائيلية
وانتقل بعد ذلك إلى حلبتي السياسة والإعلام، إنما هو منطلق يهدف إلى ممارسة السلطة
والسيطرة وإلى الفصل بين العرب الفلسطينيين في إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية
وقطاع غزة، من هنا يمكن إدراك لماذا تم تطوير وترويج هذا الفهم-المنطلق-بالذات في أعقاب
الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران 1967. وباستثناء المشاركة في
الانتخابات، والتي تعتبر معانيها ودلالاتها العملية محدودة للغاية، فإن العرب في إسرائيل
لا يحصلون على أية حماية أو ضمان لحقوقهم الأساسية المنبثقة عن حقيقة كونهم مواطنين.
3. يوجد للفلسطينيين في إسرائيل حلفاء قلائل في المجتمع اليهودي. ففي الأزمات
تجد اليهود على اختلاف انتماءاتهم السياسية والأيديولوجية يقفون كمجموعة واحدة من أجل
شرح وتبرير سياسة الحكومة و"مؤازرتها".
4. علاوة على كل ذلك، يسود في إسرائيل نظام إثنوقراطي وليس ديمقراطيا، نظام
يستخدم كأداة في يد الأغلبية حتى في سبيل المس، بصورة منهجية، بالأقلية وحقوقها الأساسية.
تم نشر هذا الكتاب بدعم من الوكالة الكندية للتنمية
الدولية (CIDA).
تقرير "مدار"
الإستراتيجي 2006: المشهد الإسرائيلي في العام 2005
2006-04-18
المؤلف: عدد من الباحثين هم: أنطوان شلحت، ممدوح نوفل، د. مسعود
اغبارية، فادي نحاس، د. حسام جريس، د. خولة أبوبكر، د.اسعد غانم / تحرير: د. جوني منصور
يخلص تقرير مدار الاستراتيجي 2006 الصادر عن المركز
الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، إلى أن إسرائيل قد عمدت خلال عام 2005 إلى
مواصلة السعي للإجهاز على ما تبقى من العملية التفاوضية مع الجانب الفلسطيني بتكثيف
محاولة تهميشه حتى النهاية، وطرح مشاريع تسويات أحادية الجانب كالانسحاب من طرف واحد،
ثم البدء بطرح وترويج مشروع ترسيم الحدود النهائية والدائمة لإسرائيل من جانب واحد.
وتوقع معدو التقرير أن تركز إسرائيل في الفترة المقبلة
على مواصلة التعامل مع القضية الفلسطينية ومع الدول العربية من خلال فرض سياستها ورؤاها
بصورة أحادية دون تقديم أي تنازلات من طرفها، إضافة إلى محاولة نقل اهتمامات العالم
إلى ميادين صراعية أخرى غير ميدانها، مستفيدة من غياب الدور العربي الفاعل والمؤثر،
ومن الغطاء الذي يوفره دعم الإدارة الأمريكية، والصمت شبه المطبق من الاتحاد الأوروبي
عما يجري على الساحة الشرق أوسطية عامة.
ويرى التقرير الذي يقع في 6 فصول و232 صفحة، أن
المشهد الاسرائيلي الداخلي شهد مواصلة ظاهرة عدم الاستقرار السياسي وازدياد حدة الصراعات
الحزبية داخل الأحزاب والتيارات السياسية، ما أدّى إلى تأكيد انهيار الأحزاب الأيديولوجية
وبداية التحول إلى الأحزاب ذات القيادة الفردية أو سلطة الشخص، وحزب "كديما"
هو نموذج واضح لهذه الظاهرة.
من جهة أخرى كان وصول عمير بيريتس إلى قيادة حزب
العمل تغييرا ملحوظا في قيادة الأحزاب السياسية التقليدية التي كانت رازحة تحت قيادة
إشكنازية (اليهودية الغربية)، فتحولت إلى قيادة سفارادية (اليهودية الشرقية). أكد هذا
التغيير للمجتمع الاسرائيلي عامة أن الشرقيين بإمكانهم قيادة حزب وكذلك حكومة، وهم
ليسوا قيادة دينية فقط كحزب شاس(حزب المتدينين الشرقيين). هذا التحول زاد من مظاهر
الشرخ الطائفي في إسرائيل.
وطرح التقرير الخاص بالمشهد العسكري/الأمني عدة
قضايا برزت خلال العام 2005 وفي مقدمتها مواجهة إسرائيل وتفعيل ديبلوماسيتها في كل
ما له علاقة بالملف النووي الإيراني، والتعامل مع الملف السوري، وحزب الله والسعي الاسرائيلي
الحثيث والمتواصل من أجل وصولها إلى تحقيق تفوق عسكري في الشرق الأوسط كجزء من خطة
بناء مجال حيوي يضمن لإسرائيل تفوقها وتقدمها عسكريا وتكنولوجيا (خاصة التكنولوجيا
العسكرية) على الدول العربية المحيطة بها وأيضا على إيران وتركيا.
وما يُشغل فكر القيادة الإسرائيلية ضمان ضعف كافة
الدول العربية المحيطة بها، ومواصلة تسديد ضربات موجعة للفلسطينيين، وذلك لخلق أمر
واقع أن الأمن الاسرائيلي هو الأهم، وأن "الإرهاب" الفلسطيني ما زال يُلاحق
الإسرائيليين.
وحظي الجيش الاسرائيلي بقسط وافر من التطوير بدعم
من الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في مجالات حوسبة السلاح في ميادين عسكرية متنوعة،
إضافة إلى إدخال أسلحة متقدمة في وحدات الجيش الاسرائيلي تضاهي كل ما تمتلكه الجيوش
العربية.
وعلى صعيد المشهد الاقتصادي استمرت ظاهرة التناقضات
والتقلبات التي أدت إلى ظاهرة عدم الاستقرار الاقتصادي، وهذا ما يتلاءم مع عدم الاستقرار
السياسي أيضا.
أما التحول الذي تكرس في العام 2005 فكان بصورة
مركزية في البنية الاقتصادية نحو اقتصاد العولمة، هذا التحول كان احد الأسباب الرئيسية
في خلق مجتمع فقير داخل إسرائيل التي تميزت إلى فترة قريبة بكونها دولة رفاه اجتماعي،
وما كان لظاهرة العولمة إلا أن تخترق الاقتصاد الاسرائيلي . فسياسة حكومة شارون، بشخص
وزير ماليتها السابق نتنياهو، أفسحت المجال لنهج الخصخصة بوضع أصابعه القوية في المجال
الاقتصادي في إسرائيل.
وكان للسياسة المالية لإسرائيل في العام 2005 دور
بارز في تصفية دولة الرفاه الاجتماعي لصالح الاستثمار المالي المحلي والأجنبي الذي
تقوده فئة من الأغنياء. وكان للإصلاحات الضريبية التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية
دور في خلق مجتمعات فقيرة، بل مدقعة في الفقر، مقابل مجتمع ثري للغاية، ما وسّع الفجوات
الاقتصادية والاجتماعية بين الفئتين(الأغنياء والفقراء)، وجرّاء ذلك بدأت الطبقة المتوسطة
تغيب رويدا رويدا عن ميدان النشاط العام في إسرائيل.
وانعكست هذه التغييرات في ازدياد نسبة البطالة والإجرام
والفساد الإداري والسرقات والتمييز بين شرائح المجتمع الاسرائيلي. كل هذه وغيرها مثلت
سمة فارقة للحالة الاجتماعية في إسرائيل خلال العام 2005.
وتعمق خلال العام 2005 الشرخ بين إسرائيل كدولة
ومؤسسات وبين المواطنين الفلسطينيين فيها، نتيجة مواصلة سياسة التمييز وتهميش وإقصاء
المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، ومنعه بكافة الطرق من المشاركة الفاعلة في حياة الدولة،
مثل تولي مناصب إدارية رفيعة المستوى أو وظائف مفتاح مركزية في الجهاز الوظيفي في إسرائيل(
الإشارة هنا إلى وظائف تحمل سمة القرار). وتكشفت الأحوال عن جوهر هذا الشرخ مع ميل
الحكومات الإسرائيلية ومؤسساتها الرسمية إلى التشديد على إبراز يهودية الدولة وديمقراطيتها
في آن واحد معًا. هذه الازدواجية التي تسعى الحكومات الإسرائيلية إلى خلقها وتأكيد
وجودها ما هي إلا ازدواجية غير منطقية وتندرج في إطار الصراع السياسي والعسكري بين
إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية، وبناء عليه لم تحسن الحكومة الإسرائيلية من معاملتها
لمواطنيها الفلسطينيين، بل أنها صعّدت سياسة التمييز والفصل بين المجتمعين المكونين
لإسرائيل(بالرغم من أن إسرائيل تعرف ذاتها بأنها دولة الشعب اليهودي)، والكيل بمكيالين
في سبيل وضع اليد نهائيا على ما تبقى من أراضي الفلسطينيين العرب في إسرائيل.
تقرير "مدار"
الإستراتيجي 2007: المشهد الإسرائيلي في العام 2006
2007-04-28
المؤلف: عدد من الباحثين: د. مسعود اغبارية،
الاستاذ فادي نحاس، د. حسام جريس، د. ماري توتري، د. اسعد غانم والاستاذ امطانس شحادة.
تحرير: د. جوني منصور و د. مفيد قسّوم
يلخص تقرير "مدار" الإستراتيجي 2007،
أحداثاً مفصلية ساخنة شهدتها الساحة الإسرائيلية على امتداد العام 2006، تركت بصمات
واضحة جداً على الأجندات السياسية بكافة تفرعاتها الداخلية والخارجية، وعلى الأجندات
الأمنية والاقتصادية والاجتماعية أيضاً، تاركة الباب مشرعاً على تغييرات دراماتيكية
محتملة، خاصة على مستوى الحراك الحزبي الداخلي في إسرائيل، وبالتالي على الآفاق المحتملة
فيما يتعلق بفرص إحياء مفاوضات جدية مع الجانب الفلسطيني.
بدأ العام 2006 بفوز "حماس" في الإنتخابات
الفلسطينية، الذي اتخذته إسرائيل رافعة لمواصلة فرض الحل الأحادي الجانب، ومرّ بنتائج
الانتخابات الإسرائيلية، التي كرست "الأغلبية الجديدة" المتمركزة في الوسط،
ليبلغ ذروة جديدة في الحرب الفاشلة على لبنان، التي أسفرت، فيما أسفرت عنه، عن سحب
إيهود أولمرت لمشروعه الأحادي الجانب، الذي انتخب وشكل حكومته على أساسه، عن الطاولة.
يرصد التقرير، في ملخصه التنفيذي الموسّع، وفصوله
الخمسة، تفاصيل هذه الحرب ونتائجها المباشرة وتداعياتها الكثيرة، ويراقب النقاشات التي
أثارتها إسرائيلياً، تحت عناوين عريضة تتسع لتستوعب مواضيع: الردع الإسرائيلي، جاهزية
الجبهة الداخلية، المناعة الوطنية، النظرية الأمنية، الملفات الإقليمية (إيران وسورية
تحديداً)، وطبيعة الإنشباك مع الأجندات الأميركية في زمن أميركي مأزوم شرق أوسطياً
(معضلة العراق)، وانعكاسات ذلك كله على إسرائيل.
وقد صنفت التغييرات والأحداث في العام 2006، بمفردات
الإعلام الإسرائيلي، كهزات أرضية ما زالت آثارها الإرتدادية تتواصل حتى كتابة هذا التقرير،
على شكل أزمات واسعة داخل البنية الحزبية (كديما فقد مقومات وجوده، وحزب العمل بقيادة
بيرتس يعيش مأزقاً بالغ الصعوبة)، ويُسمع صوتها أيضاً في أروقة المؤسستين السياسية
والعسكرية، حيث أُطيح مؤقتاً برئيس هيئة الأركان العامة للجيش دان حالوتس، والجميع
وأولهم أولمرت في انتظار "هزّة" تقرير فينوغراد عن أسباب الفشل في الحرب
على لبنان.
على المستوى الفلسطيني يرصد التقرير التعاطي الإسرائيلي
مع نتائج الإنتخابات الفلسطينية، والإتكاء عليها لتكريس الأحادية وإقناع القوى الدولية
بها؛ العدوان على غزة، والتهرب من استحقاقات السلام، وفرض الحصار على الشعب الفلسطيني
وحكومته، والتعامل السلبي مع دعوات الرئيس الفلسطيني المستمرة للسلام.
على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي، تم تسديد ضربات
إضافية لـ "دولة الرفاه"، ورغم تحقيق نمو، إلا أن توزيعه ينسجم مع التركز
المتراكم للثروة في يد مجموعة عائلات وأثرياء (حوالي 20 عائلة)، وفي يد شريحة صغيرة
متعولمة، وفق تقارير إسرائيلية. هذا إلى جانب
تكهنات بأن تسدد الشرائح الضعيفة جزءاً كبيراً من فاتورة الحرب، كما بينته موازنة
2007.
على صعيد الفلسطينيين في إسرائيل، ارتفعت النبرة
العدائية تجاههم، وصارت تتخذ مزيداً من الشرعية، وتصل لدوائر سياسية جديدة، في حين
طوّر الفلسطينيون في إسرائيل ورقة تصور حول طبيعة وضعهم السياسي، ومستقبلهم في إسرائيل،
أثارت جدلاً أكاديمياً وإعلامياً وسياسياً متوتراً في الدوائر الإسرائيلية.
وشهد العام 2006، وفقاً للتقرير، ظواهر إجتماعية
تثير أسئلة كبيرة حول منظومة القيم الإسرائيلية، تمثلت بمقاضاة عدد كبير من الواقفين
في رأس الهرم السياسي، (بل والرأس تماماً – موشيه قصاب) في قضايا فساد أخلاقي وإداري
ومالي، وزيادة ثقل المشبوهين مالياً في الحياة الحزبية والعامة، الأمر الذي تتوج بنشاط
الثري الروسي غايداماك (المطلوب دولياً في قضايا مالية) وتلويحه بـ "شراء"
12 مقعداً في الكنيست.
تقرير معّّمق عن عام غني بالتحولات، يأمل
"مدار" بأن يسهم به في إثراء المعرفة بالشأن الإسرائيلي وتغيراته، بما يساعد
صنّاع القرار والسياسيين والإعلاميين وذوي الاهتمام.
تقرير "مدار"
الإستراتيجي 2008: المشهد الإسرائيلي في العام 2007
2008-06-11
المؤلف: تأليف عدد
من الباحثين - تحرير أنطوان شلحت و د. مفيد قسّوم
يعرض تقرير "مدار" لهذا العام، في إطار
تحليلي، المستجدات ذات الطابع الإستراتيجي في الواقع الإسرائيلي، خلال العام 2007،
في ستة محاور أساسية، هي: العلاقات الخارجية؛ المشهد السياسي والحزبي؛ المشهد الأمني
والعسكري؛ المشهد الاقتصادي؛ المشهد الاجتماعي؛ الفلسطينيون في إسرائيل. وقد ساهم في
إعداده مجموعة من الأكاديميين والمتخصصين في الشأن الإسرائيلي. وهو استمرار لتقارير
سنوية ثلاثة سابقة صدرت عن المركز، في هذا الحقل.
يؤكد التقرير، بادئ ذي بدء، أن إسرائيل ظلت واقعة
تحت تأثير نتائج حرب لبنان الثانية (صيف 2006). وقد انعكس تأثير ذلك، على مستوى المؤسسة
السياسية، في صراع البقاء الذي خاضه ولا يزال يخوضه رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، من
أجل الاحتفاظ بمنصبه وعدم سقوط الحكومة.
ويشير التقرير إلى أن العام 2007 كان عام محاسبة
النفس وإعادة الحسابات السياسية والأمنية- العسكرية. وجرت هذه العملية في ظل عمل لجنة
تقصّي وقائع حرب لبنان الثانية [لجنة فينوغراد].
ومع أن التقريرين، اللذين أصدرتهما هذه اللجنة-
الجزئي والنهائي- لم يؤديا، كما توقع البعض، إلى زلزال سياسي على مستوى "المسؤولية
الشخصية" [أولمرت]، إلا أنهما كشفا عن عيوب وتقصيرات سياسية وأمنية، وعن أن إسرائيل
لا يمكنها أن تتعايش مع واقع عدم تحقيق انتصار في أي حرب مقبلة، في حالة اندلاعها.
كما أسفرت إعادة الحسابات عن اعتماد خطة خماسية للجيش الإسرائيلي، "خطة تيفن
2012"، والتي بدأ العمل فيها في العام 2008.
أدى نشر نتائج لجنة فينوغراد إلى إشعال صراعات بين
القوى السياسية المختلفة. وطمح حزب كديما إلى المحافظة على استمرار حكمه من خلال إظهار
الوحدة وبذل مجهود خاص لمنع شرخ بين رئيس الحكومة ومن يعدها البعض الشخصية الثانية
في الحزب، وزيرة الخارجية تسيبي ليفني. كذلك شهد حزب العمل، الشريك الأكبر لكديما في
الحكومة، صراعات سياسية بسبب إخفاق عمير بيرتس رئيس الحزب السابق في تأدية وظيفته كوزير
دفاع.
لكن يبدو أن الأزمة الكبرى في حزب العمل انتهت بإجراء
انتخابات داخلية وفوز إيهود باراك على غريمه واختياره وزيرًا للدفاع. واستغل شريك كبير ومهم آخر في الائتلاف، حزب شاس،
ضعف رئيس الحكومة وصراعه من أجل البقاء في سبيل الحصول على تنازلات سياسية ومالية،
وخاصة بعد انسحاب حزب "إسرائيل بيتنا" [أفيغدور ليبرمان]، الذي سبق أن انضم
إلى الائتلاف ولم يبق فيه طويلاً. ويظهر أن شاس أملى شروطا على مضامين مفاوضات إسرائيل
مع الفلسطينيين، وهدد بالانسحاب في كل مرة أعلنت فيها الحكومة ومن يترأسها عن نيتهما
التفاوض على القضايا الجوهرية للصراع، خاصة القدس، المستوطنات واللاجئين.
من ناحية أخرى يؤكد التقرير أن أي تطرق إلى الساحة
السياسية الإسرائيلية في العام 2007 لا يمكن أن يتغاضى عن قضايا الفساد والجنس لشخصيات
مركزية في الحكم، والتي عصفت بالدولة وشكلت انعكاسا لطرق التصرف وللثقافة السياسية
الإسرائيلية. كما أن قضايا الفساد المالي المرتبطة برئيس الحكومة ووزير المالية السابق
عمقت الشكوك بالمؤسسات الرسمية والقائمين عليها، وأضعفت أولمرت وحكومته. وكانت لهذه
القضايا ، تبعات سياسية مباشرة. فهي مست بعلاقة السياسيين مع الجمهور، وأضرت بثقة هذا
الجمهور في النظام السياسي بشكل عام، وقد تؤدي إلى تغييرات في الحكومة وربما إلى الإطاحة
بها.
ويتوصل التقرير إلى بضعة استنتاجات لعل أبرزها استمرار
الجمود السياسي، الذي يسيطر على المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية، والذي يعود أساساً
لتمسك الحكومة الإسرائيلية بمواقفها المتصلبة إزاء قضايا الحلّ النهائي مع الجانب الفلسطيني،
ومواصلتها النشاطات الاستيطانية. بجانب تبعات مترتبات الحرب على لبنان وقضايا الفساد
التي حاصرت اولمرت. والتقدير أن إسرائيل ستواصل
محاولاتها الرامية إلى الاستفادة من حالة
الانقسام الفلسطيني على خلفية سيطرة "حماس" العسكرية على غزة، ومواصلة الحصار
والاجتياحات والاغتيالات.
ويشير التقرير إلى مواصلة إسرائيل تكثيف نشاطاتها
الاستيطانية في القدس والضفة الغربية لفرض رؤيتها للحل النهائي على الأرض. ومن غير
المستبعد أن تواصل إسرائيل ربط مواقفها من المفاوضات مع الفلسطينيين، ومن المسار السوري،
بموقفها من "التحدي الإيراني". ولا ينحصر "التحدّي الإيراني"،
بحسب قراءة إسرائيل، في مواجهة "المشروع النووي" فقط، ومحددات هذه المواجهة
التي ترتبت على تقرير الاستخبارات الأميركية الذي أشار إلى أن إيران لا تعمل، منذ العام
2003، على تطوير قدرات نووية عسكرية، وإنما في ما يترتب على اعتبارها إيران زعيمة
"محور الشرّ"، وفي أن أحد السبل لمواجهة هذا "المحور" هو إضعافه
من خلال ربط سورية بعجلة عملية التسوية الذي سيؤدي حتمًا إلى انفصالها عن إيران وحزب
الله و"حماس".
وعلى المستوى الاقتصادي من المتوقع أن تؤدي بضعة
مؤشرات سلبية إلى تآكل أهمية المؤشرات الإيجابية، مثلا: على الرغم من النمو الاقتصادي
بنسبة 3,5%، وارتفاع مستوى المعيشة، فإن هذا النمو لم يحسن الظروف الحياتية للطبقات
الضعيفة التي تعيش تحت خط الفقر، وخصوصًا بعد إعلان مؤسسة التأمين الوطني عن اتساع
ظواهر الفقر والبطالة بشكل ملموس، ليصبح عدد الفقراء في إسرائيل 7,1 مليون شخص من أصل
2,7 مليون نسمة يعيشون فيها مع نهاية العام 2007. وبناء على ذلك فإن الفقر يبقى واحدا
من أهم المشكلات التي تعاني منها شرائح كبيرة في المجتمع الإسرائيلي، وهو من أهم أسباب
ضعف التضامن الاجتماعي، وقد تكون له مضاعفات عميقة في المستقبل خاصة إذا تبين أن الفقر
يتم توارثه، وبسبب أهميته كعامل في ضعف قدرات هذه الشرائح على توظيف المال في التعليم
والصحة، في ضوء الخصخصة وانحسار دور الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية.
كما يتوقع استمرار سلسلة الإجراءات والممارسات الإسرائيلية
الرسمية والقانونية الرامية إلى ترسيخ الطابع اليهودي للدولة، والتي تحمل تبعات مباشرة
على وجود المواطنين الفلسطينيين وحقوقهم القومية والمدنية، وكذلك على قياداتهم السياسية،
بعد أن بلغت الحملة على هذه القيادات ذروة جديدة.
تقرير مدار الاستراتيجي 2009: المشهد الاسرائيلي في العام
2008
2009-05-07
المؤلف:
عدد من الباحثين: د. ايمن يوسف، أ. مهند مصطفى، أ. أنطوان شلحت، أ. فادي نحاس، د. حسام
جريس، أ. نبيل الصالح، أ. امطانس شحادة، تحرير د. هنيدة غانم
يستعرض تقرير مدار الاستراتيجي من خلال الرصد والتحليل
أهم الأحداث والمتغيرات التي شهدتها الساحة الإسرائيلية عام 2008، في ستة محاور أساسية:
محور العلاقات الخارجية الإسرائيلية، المحور السياسي، المحور الأمني والعسكري، المحور
الاقتصادي، المحور الاجتماعي ومحور الفلسطينيون في إسرائيل، إضافة إلى ملخص تنفيذي
أدرج في بداية التقرير. وقد اشرف على إعداد وكتابة التقرير مجموعة من الباحثين المختصين،
الذين اتبعوا في تحليلهم، قراءة موضوعية استشرافية للإحداث التي ميزت العام 2008.
يؤكد التقرير أن عام 2008 شهد مجموعة من الإحداث الدولية والمحلية المفصلية
التي من شأنها أن تؤثر جديا على وجهة إسرائيل وخياراتها المستقبلية ،أبرزها انتخاب
الرئيس الأمريكي باراك أوباما وألازمه الاقتصادية
العالمية إضافة إلى الحرب على غزة، والتي جاءت في ظل تعاظم وتيرة انزياح المجتمع الإسرائيلي
نحو اليمين واليمين الفاشي وإفلاس شبه تام لليسار الصهيوني بزعامة حزب العمل وميرتس،
وهو ما عبرت عنه نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.
ويشكل انتخاب أوباما وما يحمله من رؤى مختلفة للتعامل
مع القضايا الدولية، تحديا جديدا للسياسة الخارجية
الإسرائيلية في مواجهتها مع قضيتين أساسيتين هما الملف الفلسطيني والملف الإيراني النووي. ويرى التقرير أن إسرائيل تتوجس من الخيار الدبلوماسي
الأمريكي وأنها ماضية في تحضر خياراتها العسكرية ضد المشروع النووي الإيراني على أساس
افتراض فشل الحل الدبلوماسي الذي تنتهجه إدارة أوباما.
أما فيما يخص التعامل مع القضية الفلسطينية، فيرى
التقرير إن انخراط الإدارة الأمريكية بشكل فاعل في المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية،
على أساس خارطة الطريق وعملية انابوليس في ظل حكومة يمينية إسرائيلية متصلبة، سيفتح
عمليا باب الخلافات بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل، ومع ذلك لا يتوقع التقرير أن تصل
هذه الخلافات حد التصادم أو حد المس بالتحالف الاستراتيجي بينهما، بل من الممكن أن
تكون عبارة عن خلافات عينيه بقضايا ذات صلة ولن تتحول إلى تصادم شامل بين الإدارتين.
اقتصاديا بدأت الأزمة المالية العالمية تنعكس على
الاقتصاد الإسرائيلي، وعلى الرغم من انه ما زال من المبكر التكهن بحجم التأثير الذي
ستتركه، إلا انه وفقا لتقديرات أوساط اقتصادية كبيرة في وزارة المالية والهيئات البنكية
والصناعية فان إسرائيل مقبلة بسبب هذه الأزمة على فترة كساد اقتصادي كبير، قد يجر في
أعقابه تباطؤاً بالإنتاج الاستهلاكي، تجميدا للأجور وإقالات واسعة، مضاعفة دفع رسوم
البطالة، تخفيضاً للضرائب، الاقتطاع من الميزانيات الضرورية مثل الرفاه الاجتماعي والصحة
والتعليم، وانخفاض المشتريات وتفضيل شراء المنتجات الزهيدة الثمن، إضافة إلى انخفاض
أسعار الأسهم.
وشكلت الحرب على غزة حدثا مفصليا على الصعيد المحلي
الداخلي والإقليمي، جرى من خلالها تكريس المأزق الإستراتيجي العسكري الذي يتلخص بعدم
وجود إستراتيجية عسكرية واضحة للتعامل عسكريا مع المنظمات المسلحة غير النظامية. وقد
حاولت إسرائيل تلافي هذا المأزق من خلال تأكيداتها أن الهدف من حربها على غزة ليس القضاء
على حماس بل إعادة الاعتبار لقوة "الردع".تنطلق هذه المقولة من الاعتراف
الصريح بان الحرب لا تشن من اجل هزيمة العدو والانتصار عليه عسكريا بل في إخافة العدو
وإضعافه" وترجمت عمليا في الحرب على غزة من خلال انتهاج "سياسة الجموح بوصفها سياسة حربية " حيث
تظهر خلالها الدولة كمن فقدت السيطرة على نفسها وأطلقت العنان لذراعها العسكرية، الأمر
الذي يعني رفع سقف خسائر عدوها ودب الرعب فيه دون الالتفات إلى التقييدات الدولية القانونية
أو الأخذ بعين الاعتبار التمييز القانوني الدولي بين المسلحين والمدنيين, ويرى التقرير
انه قد يترتب عن هذا المأزق إسقاطات مستقبلية سيكون أهمها تصاعد دموية المواجهات المقبلة،
والتشديد على أن الردع الذي لم يرمم بالقوة سيرمم مستقبلا باستخدام مزيد من القوة،
يترافق مع تكريس حالة الانزياح إلى اليمين واليمين الفاشي.
تقرير "مدار"
الإستراتيجي 2010: المشهد الإسرائيلي في العام 2009
2010-03-30
المؤلف: مجموعة من الباحثين: انطوان شلحت،
د. ايمن يوسف، مهند مصطفى، د. أمل جمّال، د. حسام جريس، نبيل الصالح وامطانس شحادة،
تحرير د. هنيدة غانم
شهد عام 2009 مجموعة من الأحداث المفصلية التي بلورت
الواقع السياسي والدبلوماسي في إسرائيل، أهمها الحرب على غزة وما نتج عنها من إسقاطات
داخلية وإقليمية ودولية، وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة برئاسة بنيامين نتنياهو تدمج
بين الفكر النيوليبرالي والصهيونية المتجددة.
الحرب على غزة وإسقاطاتها: كان للحرب الإسرائيلية
على غزة مجموعة من النتائج التكتيكية الأمنية المباشرة والعسكرية والدولية غير المباشرة.
أمنيا- تثبيت الهدوء على الجبهة الجنوبية: تكتيكيا،
نجحت إسرائيل في نهاية الحرب على غزة في فرض حالة من الهدوء النسبي في جنوب إسرائيل،
كما استرجعت جزءا من ثقة مواطنيها بقدرة الجيش على إدارة الحرب، خاصة بعد حالة التضعضع
التي لحقت بهيبته خلال الحرب على لبنان،غير أن نجاحها هذا هو نجاح تكتيكي محدود، إذ
أنها لم تستطع تحقيق نصر استراتيجي من خلال تفكيك قدرات المقاومة الفلسطينية على إطلاق
الصواريخ، ما يعني هشاشة الهدوء وخطر تفجره المستقبلي.
عسكريا- تبني عقيدة الضاحية بوصفها إستراتيجيا عسكرية،
ويعني هذا عمليا تحويل عدم تناسب القوة، في مواجهة القوى غير النظامية بما في ذلك القدرة
على استهداف المدنيين وعلى تدمير البني التحتية بشكل مقصود ومدروس، إلى وسيلة الضغط
الأهم على المنظمات غير النظامية، وهو ما تعرضنا له بشكل مفصل في تقرير العام السابق
كما نتعرض له من زوايا جديدة في تقريرنا هذا في الفصل العسكري.
ومقابل هذه التغيرات التي كانت إلى حدّ بعيد متوقعة
ومحسوبة إسرائيليا، نتجت عن الحرب إسقاطات دولية وقانونية قد تتحول في حال تم استغلالها
(فلسطينيا وعربيا) بشكل جيد إلى خسارة إستراتيجية، من بينها اتساع حملة المناهضة الشعبية
لإسرائيل، ونشر تقرير غولدستون الذي شكل نقطة مفصلية، ليس بسبب إمكانات ترجمته عمليا
لملاحقة دولية قانونية للقيادات الإسرائيلية، وهو أمر مشكوك فيه في الوقت الراهن، بل
الأهم بإسهامه في دفع بعض التوجهات الدولية للضغط على الدولة الإسرائيلية وتعزيزها، وذلك في مستويين :
أولا: فتح نافذة باتجاه تعزيز حملات الملاحقة القانونية
التي يتم رفعها ضد القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية. ورغم انه من غير المرجح
أن تتمخض عن هذه الدعوات عن نتائج فعلية، إلا أن تكثيفها خاصة في دول غربية تعد حليفة
مثل بريطانيا واسبانيا، من الممكن أن يدفع باتجاه تعزيز الرأي العام الشعبي ضد الاحتلال
الإسرائيلي.
ثانيا: تزايد التخوف من عواقب استخدام القوة المفرطة
في الحروب المقبلة: رغم أننا لا نعتقد بان إسرائيل بصدد التنازل عن نظرية الردع المبنية
على عقيدة الضاحية، إلا أن المخاوف من ملاحقة قانونية مستقبلية، ناهيك عن تزايد المخاوف
من نزع الشرعية عن إسرائيل، قد تشكل كابحا معينا في وجه الاستخدام المفرط للقوة تجاه
المدنيين في المستقبل.
عودة النيوليبرالية والصهيونية المتجددة: تشكل عودة
بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم بمثابة عودة للفكر الاقتصادي النيوليبرالي والفكر القومي الصهيوني
المتجدد الذي يتأسس على إعادة إحياء الصهيونية الهرتسلية والبنغوريونية وتفسيرها. وتحمل
هذه العودة إسقاطات مهمة من المتوقع أن تؤثر على المشهد الإسرائيلي من جهة والفلسطيني
من جهة أخرى أهمها:
تحويل المشروع السياسي للحكومة إلى مشروع للحفاظ على يهودية الدولة: يشدد
بنيامين نتنياهو بالذات على مدى ارتباط فكره الصهيوني بفكر هرتسل من جهة وبن غوريون
من جهة أخرى، ويصر على أن لب صهيونية الآباء هو الحفاظ على يهودية الدولة، ما يعني
تصعيد المطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة وتحويله إلى جزء من الأجندة الدبلوماسية الدولية،
وتهويد ما يمكن تهويده، و تكثيف الاستيطان في القدس المحتلة مقابل تشديد التضييق على
سكانها العرب والتعامل معهم كما باقي الفلسطينيين
في إسرائيل، من منظور كونهم تهديدا ديمغرافيا يجب التغلب عليه.
سياسيا، استبعاد أي تنازل سياسي حقيقي تجاه الفلسطينيين:
يهيئ الحديث باسم القيم القومية الصهيونية، وأهمية الحفاظ على قيم اليهودية والتاريخ
اليهودي، جنبا إلى جنب مع الحديث ضرورة تشجيع الهجرة إلى إسرائيل والعمل على وضع خطط
لاستجلاب المهاجرين، يهيئ أفضل الظروف لوضع ضدين متناحرين فكريا ضمن سلة واحدة يحملها
نتنياهو، وتضم المهاجرين العلمانيين القوميين الروس بقيادة أفيغدور ليبرمان من جهة
والتيار الديني اليميني الشرقي الذي يمثله أيلي يشاي. ولكن هذا التحالف يشترك بموقفه
اليميني المتشدد وبرفضه للحلول السياسية المطروحة.
تشديد الخناق على الفلسطينيين في إسرائيل: تحمل عودة النيوليبرالية والصهيونية
المتجددة إسقاطات إستراتيجية على مستقبل الفلسطينيين
في إسرائيل، وتنطوي على تضييق متصاعد لحيز العمل السياسي والذين يعملون ضمنه. كما تحمل
برامج وإجراءات لقمع هويتهم القومية مقابل
تعزيز طابع الدولة اليهودي من خلال الاستمرار
في سن القوانين المناسبة من جهة، وصك المشاريع التي تضمن التفوق الديمغرافي والسياسي
اليهودي، ناهيك عن الاستمرار في تشجيع الهجرة إلى إسرائيل.
دبلوماسيا، تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة: استمرارا
لما كنا توقعناه في العام المنصرم من أن صعود
حكومة يمينية في إسرائيل في ظل صعود إدارة أوباما البراغماتية يهدد بتوتير العلاقة
بين البلدين من غير المس بالتحالفات الإستراتيجية، فإننا نرى أن هذا التوتر ما زال
مرشحا للتصعيد في ظل بقاء حكومة نتنياهو على نفس تركيبتها الائتلافية. وفيما تشكل الأزمة
التي ثارت حول إعلان إسرائيل بناء 1600 وحدة استيطانية في القدس الشرقية في أثناء زيارة
جو بايدن إلى إسرائيل نقطة الذروة في التوتر بين الحكومتين، فإنها تكشف أمرين من المفترض
أن يستمرا في التأثير على ديناميكية المجريات السياسية الداخلية والخارجية في ظل حكومة
نتنياهو وهما:
أولا: تعاظم ارتباط السياسة الخارجية في إسرائيل
بحيثيات العلاقات الداخلية ما يعني أن إسرائيل قد تقوم بممارسات تبدو خارجيا غير متوقعة وغير مفهومة بسبب سياسات
داخلية ضيقة وحسابات حزبية ومناورات ائتلافية تكتيكية.
وثانيا: عمق الهوة الفاصلة بين البرنامج الائتلافي
لحكومة نتنياهو وتشكيلتها الإيديولوجية الحزبية وبين ما يصدره نتنياهو من مواقف دبلوماسية
ناعمة، خاصة تلك الموجهة للإذن الأميركية. والتي تتحدث عن رغبته بسلام عادل وحقيقي،
وموافقته على صيغة معينة لحل الدولتين كما عبر عن ذلك في خطاب بار إيلان.
وان كان نتنياهو نجح للوهلة الأولى في المناورة بين الأمرين من خلال قرار تجميد الاستيطان المؤقت في الضفة باستثناء
القدس، فان نوعية ائتلافه ومستلزماته حولت مناورته هذه في ظل زيارة جو بايدن إلى إسرائيل
في الأسابيع الماضية إلى كرة مرتدة، بل من
الممكن أن تتحول إلى منفذ للإدارة الأميركية لإجبار إسرائيل على تجميد الاستيطان في
القدس الشرقية ،وبالتالي تسهيل العودة إلى المفاوضات، على أن حصول هذا الأمر سيكون
بمثابة دق مسمار في نعش حكومة اليمين في صيغتها الحالية،ومن هنا تصدر الدعوات وتبرز
توقعات باحتمال تغيير الصيغة الحكومية الحالية .
تقرير "مدار"
الإستراتيجي 2010: المشهد الإسرائيلي في العام 2009
2010-03-30
المؤلف: مجموعة
من الباحثين: انطوان شلحت، د. ايمن يوسف، مهند مصطفى، د. أمل جمّال، د. حسام جريس،
نبيل الصالح وامطانس شحادة، تحرير د. هنيدة غانم
شهد عام 2009 مجموعة من الأحداث المفصلية التي بلورت
الواقع السياسي والدبلوماسي في إسرائيل، أهمها الحرب على غزة وما نتج عنها من إسقاطات
داخلية وإقليمية ودولية، وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة برئاسة بنيامين نتنياهو تدمج
بين الفكر النيوليبرالي والصهيونية المتجددة.
الحرب على غزة وإسقاطاتها: كان للحرب الإسرائيلية
على غزة مجموعة من النتائج التكتيكية الأمنية المباشرة والعسكرية والدولية غير المباشرة.
أمنيا- تثبيت الهدوء على الجبهة الجنوبية: تكتيكيا،
نجحت إسرائيل في نهاية الحرب على غزة في فرض حالة من الهدوء النسبي في جنوب إسرائيل،
كما استرجعت جزءا من ثقة مواطنيها بقدرة الجيش على إدارة الحرب، خاصة بعد حالة التضعضع
التي لحقت بهيبته خلال الحرب على لبنان،غير أن نجاحها هذا هو نجاح تكتيكي محدود، إذ
أنها لم تستطع تحقيق نصر استراتيجي من خلال تفكيك قدرات المقاومة الفلسطينية على إطلاق
الصواريخ، ما يعني هشاشة الهدوء وخطر تفجره المستقبلي.
عسكريا- تبني عقيدة الضاحية بوصفها إستراتيجيا عسكرية،
ويعني هذا عمليا تحويل عدم تناسب القوة، في مواجهة القوى غير النظامية بما في ذلك القدرة
على استهداف المدنيين وعلى تدمير البني التحتية بشكل مقصود ومدروس، إلى وسيلة الضغط
الأهم على المنظمات غير النظامية، وهو ما تعرضنا له بشكل مفصل في تقرير العام السابق
كما نتعرض له من زوايا جديدة في تقريرنا هذا في الفصل العسكري.
ومقابل هذه التغيرات التي كانت إلى حدّ بعيد متوقعة
ومحسوبة إسرائيليا، نتجت عن الحرب إسقاطات دولية وقانونية قد تتحول في حال تم استغلالها
(فلسطينيا وعربيا) بشكل جيد إلى خسارة إستراتيجية، من بينها اتساع حملة المناهضة الشعبية
لإسرائيل، ونشر تقرير غولدستون الذي شكل نقطة مفصلية، ليس بسبب إمكانات ترجمته عمليا
لملاحقة دولية قانونية للقيادات الإسرائيلية، وهو أمر مشكوك فيه في الوقت الراهن، بل
الأهم بإسهامه في دفع بعض التوجهات الدولية للضغط على الدولة الإسرائيلية وتعزيزها، وذلك في مستويين :
أولا: فتح نافذة باتجاه تعزيز حملات الملاحقة القانونية
التي يتم رفعها ضد القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية. ورغم انه من غير المرجح
أن تتمخض عن هذه الدعوات عن نتائج فعلية، إلا أن تكثيفها خاصة في دول غربية تعد حليفة
مثل بريطانيا واسبانيا، من الممكن أن يدفع باتجاه تعزيز الرأي العام الشعبي ضد الاحتلال
الإسرائيلي.
ثانيا: تزايد التخوف من عواقب استخدام القوة المفرطة
في الحروب المقبلة: رغم أننا لا نعتقد بان إسرائيل بصدد التنازل عن نظرية الردع المبنية
على عقيدة الضاحية، إلا أن المخاوف من ملاحقة قانونية مستقبلية، ناهيك عن تزايد المخاوف
من نزع الشرعية عن إسرائيل، قد تشكل كابحا معينا في وجه الاستخدام المفرط للقوة تجاه
المدنيين في المستقبل.
عودة النيوليبرالية والصهيونية المتجددة: تشكل عودة
بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم بمثابة عودة
للفكر الاقتصادي النيوليبرالي والفكر القومي
الصهيوني المتجدد الذي يتأسس على إعادة إحياء الصهيونية الهرتسلية والبنغوريونية وتفسيرها.
وتحمل هذه العودة إسقاطات مهمة من المتوقع أن تؤثر على المشهد الإسرائيلي من جهة والفلسطيني
من جهة أخرى أهمها:
تحويل المشروع السياسي للحكومة إلى مشروع للحفاظ على يهودية الدولة: يشدد
بنيامين نتنياهو بالذات على مدى ارتباط فكره الصهيوني بفكر هرتسل من جهة وبن غوريون
من جهة أخرى، ويصر على أن لب صهيونية الآباء هو الحفاظ على يهودية الدولة، ما يعني
تصعيد المطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة وتحويله إلى جزء من الأجندة الدبلوماسية الدولية،
وتهويد ما يمكن تهويده، و تكثيف الاستيطان في القدس المحتلة مقابل تشديد التضييق على
سكانها العرب والتعامل معهم كما باقي الفلسطينيين
في إسرائيل، من منظور كونهم تهديدا ديمغرافيا يجب التغلب عليه.
سياسيا، استبعاد أي تنازل سياسي حقيقي تجاه الفلسطينيين:
يهيئ الحديث باسم القيم القومية الصهيونية، وأهمية الحفاظ على قيم اليهودية والتاريخ
اليهودي، جنبا إلى جنب مع الحديث ضرورة تشجيع الهجرة إلى إسرائيل والعمل على وضع خطط
لاستجلاب المهاجرين، يهيئ أفضل الظروف لوضع ضدين متناحرين فكريا ضمن سلة واحدة يحملها
نتنياهو، وتضم المهاجرين العلمانيين القوميين الروس بقيادة أفيغدور ليبرمان من جهة
والتيار الديني اليميني الشرقي الذي يمثله أيلي يشاي. ولكن هذا التحالف يشترك بموقفه
اليميني المتشدد وبرفضه للحلول السياسية المطروحة.
تشديد الخناق على الفلسطينيين في إسرائيل: تحمل عودة النيوليبرالية والصهيونية
المتجددة إسقاطات إستراتيجية على مستقبل الفلسطينيين
في إسرائيل، وتنطوي على تضييق متصاعد لحيز العمل السياسي والذين يعملون ضمنه. كما تحمل
برامج وإجراءات لقمع هويتهم القومية مقابل
تعزيز طابع الدولة اليهودي من خلال الاستمرار
في سن القوانين المناسبة من جهة، وصك المشاريع التي تضمن التفوق الديمغرافي والسياسي
اليهودي، ناهيك عن الاستمرار في تشجيع الهجرة إلى إسرائيل.
دبلوماسيا، تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة: استمرارا
لما كنا توقعناه في العام المنصرم من أن صعود
حكومة يمينية في إسرائيل في ظل صعود إدارة أوباما البراغماتية يهدد بتوتير العلاقة
بين البلدين من غير المس بالتحالفات الإستراتيجية، فإننا نرى أن هذا التوتر ما زال
مرشحا للتصعيد في ظل بقاء حكومة نتنياهو على نفس تركيبتها الائتلافية. وفيما تشكل الأزمة
التي ثارت حول إعلان إسرائيل بناء 1600 وحدة استيطانية في القدس الشرقية في أثناء زيارة
جو بايدن إلى إسرائيل نقطة الذروة في التوتر بين الحكومتين، فإنها تكشف أمرين من المفترض
أن يستمرا في التأثير على ديناميكية المجريات السياسية الداخلية والخارجية في ظل حكومة
نتنياهو وهما:
أولا: تعاظم ارتباط السياسة الخارجية في إسرائيل
بحيثيات العلاقات الداخلية ما يعني أن إسرائيل قد تقوم بممارسات تبدو خارجيا غير متوقعة وغير مفهومة بسبب سياسات
داخلية ضيقة وحسابات حزبية ومناورات ائتلافية تكتيكية.
وثانيا: عمق الهوة الفاصلة بين البرنامج الائتلافي
لحكومة نتنياهو وتشكيلتها الإيديولوجية الحزبية وبين ما يصدره نتنياهو من مواقف دبلوماسية
ناعمة، خاصة تلك الموجهة للإذن الأميركية. والتي تتحدث عن رغبته بسلام عادل وحقيقي،
وموافقته على صيغة معينة لحل الدولتين كما عبر عن ذلك في خطاب بار إيلان.
وان كان نتنياهو نجح للوهلة الأولى في المناورة بين الأمرين من خلال قرار تجميد الاستيطان المؤقت في الضفة باستثناء
القدس، فان نوعية ائتلافه ومستلزماته حولت مناورته هذه في ظل زيارة جو بايدن إلى إسرائيل
في الأسابيع الماضية إلى كرة مرتدة، بل من
الممكن أن تتحول إلى منفذ للإدارة الأميركية لإجبار إسرائيل على تجميد الاستيطان في
القدس الشرقية ،وبالتالي تسهيل العودة إلى المفاوضات، على أن حصول هذا الأمر سيكون
بمثابة دق مسمار في نعش حكومة اليمين في صيغتها الحالية،ومن هنا تصدر الدعوات وتبرز
توقعات باحتمال تغيير الصيغة الحكومية الحالية .
تقرير "مدار" الإستراتيجي 2011: المشهد الإسرائيلي
في العام 2010
2011-03-27
المؤلف:
مجموعة من الباحثين: د. عاطف ابوسيف، مهند مصطفى، انطوان شلحت، د. امل جمّال، فادي
نحاس، د. حسام جريس، نبيل الصالح، امطانس شحاده، تحرير د. هنيدة غانم
المشهد الإسرائيلي 2010
تلخيص
يرصد تقرير مدار الاستراتيجي لهذا العام أهم المستجدات والتطورات التي شهدتها الساحة الإسرائيلية
في العام 2010، كما يستشرف تطور الأمور ووجهتها
في الفترة المقبلة. ويتعرض التقرير بالتفصيل للتطورات التي شهدتها الساحة الإسرائيلية
في سبعة محاور أساسية هي: محور المفاوضات، محور العلاقات الخارجية ، المحور السياسي،
المحور الأمني والعسكري، المحور الاقتصادي، المحور الاجتماعي ومحور الفلسطينيين في
إسرائيل، بالإضافة إلى ملخص التقرير التنفيذي.
وكما جرت عليه العادة في السنوات السابقة، أشرف على إعداد التقرير وكتابته مجموعة من
الباحثين المختصين، الذين اتبعوا، في تحليلهم، قراءة موضوعية استشرافية لشتى الأحداث
التي ميزت العام 2010، وقد حاول الباحثون تجنب
الغوص في السرد التقريري للأحداث لصالح التركيز
المتغيرات ذات الطابع الاستراتيجي.
بلغ تعداد سكان إسرائيل نهاية 2010 وبحسب دائرة
الإحصاء المركزية الإسرائيلية حوالي 7,695 نسمة، منهم 5,802 من اليهود ويشكلون 75.4% من التعداد السكاني
العام و42% من يهود العالم، فيما وصل تعداد السكان العرب إلى 1,573 ويشكلون 20.4 % من السكان [1]، إضافة إلى 320 ألف نسمة صنفوا كآخرين ويشكلون 4.2 % من السكان
.وقد سجل العام 2010 نموا سكانيا بمعدل 1.9 % مقارنة ب1.8 % العام 2009 ويسجل المستوطنون
والمتزمتون أعلى نسبة للنمو السكاني بين اليهود حيث وصل معدل نمو السكان الاستيطاني
في الضفة الغربية منتصف 2009 إلى 5.3 % ثم ارتفع إلى 5.9% في 2010 ، فيما ينتمي ثلث
الأطفال الذين ولدوا عام 2010 لعائلات يهودية متزمتة (حريدية). تؤثر معطيات النمو وتباينها
داخل الفئات اليهودية، استراتيجياً على بنية المجتمع الإسرائيلي المستقبلية وشكله وتحوله
إلى مجتمع أكثر تدينا وتزمتا، وهو ما يمكن أن نلمسه من العلاقة الاطرادية بين درجة
التدين والجيل، إذ يعتبر اليوم 14% [2] من الشباب الذين تتراوح أجيالهم بين 20 عاما
و 29 عاما أنفسهم متدينين متزمتين (حريديم) مقابل 2% فقط من أبناء 65 عاما وما فوق،
وان أضفنا إلى هذا أن ما يقل فقط بقليل عن نصف تلاميذ الصفوف الأولى من اليهود يتعلمون
في مدارس التيار الديني (الحريدية والدينية القومية) سنرى أن المجتمع الإسرائيلي يتحول
بخطى ثابتة نحو مجتمع أكثر تزمتا وتدينا وهو ما يعني أيضا أكثر تشددا اتجاه العرب والصراع.
إذ تشير الدراسات والاستطلاعات إلى وجود علاقة طردية بين درجة التدين والموقف من العرب،
وبحسب استطلاع مؤشر الديمقراطية" الأخير
للعام 2010 والذي يصدره "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" تبين أنه كلما ارتفعت
درجة التدين لدى الجمهور اليهودي، ترتفع أيضا المعارضة لمساواة الحقوق بين اليهود والعرب:
إذ إن 35.5% من العلمانيين فقط يعارضون مساواة الحقوق بين العرب واليهود، مقابل 51
بالمائة من التقليديين، و65 بالمائة من المتدينين، و72 بالمائة من المتدينين الحريديم
(المتشددين). يشار هنا أن هذا التغيير ينعكس على تشكيلة مؤسسات القوة في الدولة وبنيتها،
سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم عسكرية، وفي هذا السياق تشير المعطيات الجديدة التي
نشرت في أيلول 2010 إلى ارتفاع نسبة الضباط الذين يلبسون القبعة الدينية في الجيش الإسرائيلي
وأن عدد خريجي دورة ضباط القوات الجوية قفز من 2.5% عام 1990 إلى 31.4% عام 2007 أي
أكثر بـ 12 مرة خلال 17 عاما فقط.
على المستوى الاقتصادي بلغت ميزانية إسرائيل للعام 2010 حوالي 325 مليار شيكل (86 مليار دولار) فيما ستبلغ الميزانية
العامة للعامين المقبلين 714 مليار شيكل (حوالي
200 مليار دولار) منها 348 مليار شيكل لعام 2011 والباقي لعام 2012.
وقد سجل عام 2010 انخفاضا في نسبة البطالة التي
تراجعت إلى 6.7% بعد أن كانت بنسبة 7.9% عند
نهاية 2009، بالمقابل ارتفع معدل الأجر الفعلي للفرد بنسبة 3.6 % بعد تآكله بنسبة
2.4% عام 2009 ، وارتفع معدل الأجر للأجير الواحد إلى 8340 شيكلا (2330 دولارا) بعد
أن كان 7,463 شيكلا في نهاية العام 2009. فيما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد
106.4 ألف شيكل، أي ما يعادل 29.7 ألف دولار.
مميزات سياسة الحكومة الإسرائيلية عام 2010
يمكن الادعاء أن سياسات نتنياهو تشكلت من خلال تقاطع أربعة عوامل مركزية:
•
التعويل الكامل على القوة العسكرية : ما
يعني الإيمان الراسخ أن القوة العسكرية وقوة الردع هي أهم مرتكز للسياسة الإسرائيلية
يعول عليها للدفاع والردع والأهم تحقيق الأهداف السياسية ناهيك عن ترسخ الإيمان بأن
ما لم يتحقق بالقوة سيتحقق فقط بمزيد من القوة.
• هيمنة السياسة الداخلية على السياسة الخارجية- فلسطينيا يعني هذا ربط
استحقاقات الملف الفلسطيني ليس فقط بالحسابات القومية الإستراتيجية، بل بالحسابات التكتيكية
الائتلافية والفئوية.
•
انزياح ثابت ومستمر في تركيبة المجتمع من
مجتمع علماني إلى مجتمع متدين ويميني وتحول مستمر للحريدية الشرقية التي تمثلها شاس
نحو صهيونية يمينية، ويعني هذا التغير ان ما كان ممكنا سياسيا يصير أكثر صعوبة مع مرور
الوقت .
•
غياب رؤية إسرائيلية موحدة لكيفية حل الصراع تغيب عن السياسة الإسرائيلية رؤية إستراتيجية لحل
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يعبر عنها بالتغيرات المطردة للمواقف من الصراع بحسب الأحزاب
المختلفة والتغيرات الدائمة في تركيبة النخبة الحاكمة، وعلى الرغم من الادعاء ان لا
فرق عمليا بين توجهات ما يسمى اليمين الصهيوني واليسار الصهيوني، فان الاختلافات حتى
في التكتيك وأدوات إدارة الصراع الدبلوماسية تعطي تأثيرا دوليا وإقليميا متباينا على
مكانة إسرائيل ككل.
الأحداث المفصلية
تقاطعت في
نهاية 2010 وبداية 2011 مجموعة من الأحداث
المفصلية الداخلية والإقليمية والدولية في لحظة معينة كان بدا فيها الجمود السياسي
والتعنت الإسرائيلي يتسيدان المشهد وهو ما قد يجبر إسرائيل إما على العمل جديا على
إنهاء الصراع وهو ما يعني تقديم عرض جديد لم تقدمه حتى الآن أو تعميق عزلتها والانزلاق
نحو مستقبل مجهول يحمل ملامح كثيرة من حالة دولة الأبارتهايد في عقد السبعينيات والثمانينيات .
1. بوادر ظهور "الشرق الأوسط الجديد" : يشكل هذا أكثر الأحداث
أهمية على الإطلاق وهو ناتج عن تقاطع عاملين
مركزيين هما:
i. الثورات العربية وتقف على رأسها بالطبع الثورة المصرية التي تتعدى أهميتها
الإطاحة بنظام حسني مبارك الذي اعتبر إسرائيليا نظاماً صديقاً ومتعاوناً إلى حدّ بعيد،
مبدئيا على الأقل يفتح هذا التغيير الدراماتيكي شباكا لعودة مصر للعب دور أكبر كقوة
إقليمية في المنطقة حيث يتوقع ان تتناغم مواقفها وتحالفاتها وخياراتها السياسية مع
نبض الشارع المصري الذي اسمتد النظام الجديد
شرعيته منه، وهو ذات الشارع الذي يرفع منذ الآن مطالب بتغيير اتفاقات مع إسرائيل
اعتبرها غير عادلة كاتفاقية تصدير الغاز، وذلك على الرغم من أن المجلس العسكري الأعلى أعلن أن مصر
ستحترم اتفاقياتها الدولية بما في ذلك اتفاقية كامب ديفيد، إلا انه من غير المتوقع
أن تعود العلاقة الثنائية بين البلدين إلى سابق عهدها.
ii. أفول الحلف العسكري الإسرائيلي التركي مقابل انزياح تركيا أكثر باتجاه
حلف سورية-إيران وان كان الحديث عن حلف تركي إيراني سوري ما زال مبكرا ، إلا أن هذا
الانزياح يعني عمليا خسارة إسرائيل لأحد أهم أصدقائها في المنطقة، خاصة أن هذا الأفول
يتقاطع مع تغيير آخر مهم هو عودة سورية بصورة أو بأخرى إلى لبنان وذلك من خلال نجاح
حلفائها في تيار 8 آذار بقيادة حزب الله بشق صفوف تيار 14 آذار أولا وإسقاط حكومة الحريري
ثانيا، وهو ما يعني عمليا إعادة تموضع التحالف السوري الإيراني من جديد في الساحة اللبنانية وتزايد نفوذ سورية في الحيز اللبناني وبترتيبات
تحالفاته الإقليمية بما يتواءم والرؤية الإيرانية السورية بعيدا عن الإرادة الأميركية
والإسرائيلية.
2. تعاظم عزلة إسرائيل الدولية [3] وتزايد عمليات نزع الشرعية عنها: أدى
الجمود السياسي في عملية السلام إلى جانب مواقف حكومة نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور
ليبرمان المتصلبة تجاه الفلسطينيين وما رافقه من رفض تجديد تجميد الاستيطان إلى تزايد
عزلة إسرائيل الدولية عام [4]2010 التي ترافقت مع ارتفاع حدّة النقد الأوربي لنتنياهو، وهو ما عبرت
عنه كاترين اشتون بمحادثة مع نتنياهو عندما قالت له "يجب أن تفهم: أنتم تخسرون
أكبر أصدقائكم في أوروبا" [5]. وبالتوازي مع النقد المتعاظم على الحكومة الإسرائيلية
من قبل حكومات أوروبية حليفة تتزايد في إسرائيل التقارير التي تتحدث عن استمرار نزع
الشرعية عن إسرائيل وتدهور صورتها في العالم، وأشار استطلاع نفذته وزارة الدعاية والشتات
بين الإسرائيليين عشية إطلاق حملة لتحسين صورة إسرائيل في العالم ان 90% من المستطلعين
الإسرائيليين وافقوا أن إسرائيل تواجه مشكلة جدية وجدية جدا في ما يخص صورتها، ووافق
80% على ان إسرائيل تظهر في الخارج بمظهر الدولة العنيفة. [6] وتتقاطع هذه الأجوبة
مع كل مع نتائج استطلاع عالمي تقوم به سنويا هيئة الإذاعة البريطانية [7] حيث اتضح
انه ينظر إلى إسرائيل كدولة ذات تأثير عالمي سلبي، حيث أدرجت إسرائيل في المكان الرابع
قبل الأخير وسبقتها في السلبية إيران، كوريا الشمالية والباكستان، وقد سبق أن نشر معهد
ريئوت الإسرائيلي للتخطيط الاستراتيجي ورقة موقف في 2010 اعتبر فيها ان إسرائيل تواجه
حملة غير مسبوقة من أجل نزع شرعيها، واعتبر الأمر بمثابة تهديد استراتيجي يأتي بعد
تهديد النووي الإيراني. [8]
3. إسرائيل أكثر تدينا وأكثر يمينية: كما قلنا سابقا يشهد المجتمع الإسرائيلي
تحولا داخليا بنيويا، حيث يتحول نحو مجتمع أكثر تدينا، وبالتالي أكثر يمينية وهو ما
يتم التعبير عنه من خلال التزايد المطرد في
نسبة المتدينين من مجمل السكان ومن نمو نسبتهم في مؤسسات الدولة الفاعلة، في المقابل
يزداد أكثر وأكثر التشديد على الطابع اليهودي وعلى طبيعة الدولة اليهودية، وهو ما يمكن
رصده من خلال تزايد وتيرة التشريعات المطروحة في الكنيست،مقابل حملات الملاحقة التي
تشنها أطراف يمينية على منظمات حقوق إنسان يهودية وعربية ومنظمات مجتمعية يسارية مثل
منظمة صندوق إسرائيل الجديد، إضافة إلى شن
حملة مكارثية على دوائر علم الاجتماع وعلى علماء الاجتماع النقديين في إسرائيل والتحريض
عليهم، وكل هذا يأتي في ظل تزايد حملات تشديد الخناق على العرب . وقد نشر مركز عدالة- المركز القانوني
لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل- تقريراً يرصد قائمة تضم عشرين قانوناً مركزياً جديداً
ومشاريع قوانين مطروحة للبحث خلال العام 2010 "تميز جميعها ضد الأقلية الفلسطينية
في إسرائيل وتهدد حقوقهم كمواطني الدولة، وتنتهك في بعض الحالات حقوق السكان الفلسطينيين
في المناطق المحتلة"، مع العلم أن هذه
القائمة لا ترصد كما يشير معدوها "جميع
التشريعات التمييزية و/أو العنصرية المطروحة حالياً في الكنيست، فإنها تُعدّد مشاريع
قوانين تتمتع بقسط كبير من الفرص لنجاح تشريعها وتحولها إلى قوانين و/أو أن تحمل ضرراً
جسيماً بحقوق الفلسطينيين، في حال تشريعها".
[9] وبالمقابل تتزايد قوة أفيغدور ليبرمان في السياسة الداخلية ويرى اليوم كثيرون،
بمن في ذلك بعض كبار المسؤولين في حزب الليكود الحاكم، أن وزير الخارجية ورئيس حزب
"إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان أصبح بمثابة "رئيس
الحكومة الفعلي" في إسرائيل عقب انشقاق باراك. وعلى الرغم من أن ليبرمان هو علماني وبعيد كل البعد عن التدين، إلا أن أفكاره اليمينية المتشددة
والمتطرفة تجاه العرب تهيمن على خطابه وتتقاطع بقوة مع الأفكار اليمينية للمتدينين،
سواء أكانوا من التيار المتزمت الذي تمثله شاس أم من التيار الصهيوني الاستيطاني، بل
إن هذا التقاطع يتحول عمليا إلى مساحة للتلاحم بينهم، الأمر الذي يتغذى من الشراكة
المفرطة في المواقف ة اليمينية لإنجاح شراكة غريبة بل مستحيلة في مجتمعات أخرى على
أساس تخفيف حدة الاختلاف والتباين في المواقف
الدينية.
إسرائيل والتغيرات، أدوات المواجهة
يمكن رصد مجموعة من الأدوات تستخدمها أو يتوقع أن
تستخدمها إسرائيل في سبيل مواجهة التطورات المتلاحقة في المنطقة:
1. التهيؤ عسكريا لسيناريو المواجهة: ويعني هذا افتراض سيناريو المواجهة
بوصفه إمكانية حقيقية تتطلب التهيؤ التام من الناحية اللوجستية والعسكرية، وبالذات
التهيؤ للأخطار الأمنية المحتملة من الاتجاه
المصري ولكن ليس حصرا، وعلى الرغم من أن هذه الإخطار سترتبط بالضرورة بتطورات إقليمية
وبشكل التعاقدات الدولية التي ستتطور ناهيك عن شكل الأنظمة التي ستبرز، فان إسرائيل
تفترض الأسوأ وتتهيأ له وهو ما يمكن لمسه بداية
بإضافة 700 مليون دولار لميزانية الأمن والدفاع بعد أن كانت مقرة وذلك في أعقاب ثورة
25 يناير، ومن ثم ما طرحه لاحقا وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في 8 آذار
2011 خلال مقابلة صحافية عن نية إسرائيل التوجه
إلى أميركا بطلب زيادة المساعدات العسكرية
إلى 20 مليار دولار، وذلك كي تتمكن إسرائيل من تهيئة نفسها عسكريا للمخاطر التي
قد تنجم عن الثورات العربية. [10]
2. الترويج لفكرة "إسرائيل حليف مستقر وحيد لأميركا في الشرق الأوسط":
على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية حاولت أن تتمالك نفسها وان تمتنع عن الإدلاء بتصريحات حول الأمر، إلا أنها أيضا حاولت
أن تستغل الحدث وعلى لسان نتنياهو للترويج
بانها الحليف الثابت والمستقر الوحيد لأميركا في الشرق الأوسط، يخفي هذا الادعاء
أمرين مترابطين، أولا اعتبار عدم الاستقرار الإقليمي عاملا ثابتا والتعامل مع الاستقرار
بوصفه عاملا متحولا وبالتالي التهيؤ لأخطار دائمة مستقبلية، ما يعني إبقاء إسرائيل
على أهبة الاستعداد العسكري لمواجهة أي مستجدات تطرأ لأن قوتها العسكرية هي ضمانتها
الوحيدة التي تواجه بها محيطها المتخبط. من المهم أن نشير هنا إلى أنه حتى في حال وصول
رئيس مصري "معتدل" من وجهة نظر إسرائيل إلى السلطة، فان هذا لن يغير من توجهها
هذا
3. السعي إلى إيجاد تحالفات دولية جديدة : خسرت إسرائيل عام 1979 حلفها الاستراتيجي
مع إيران الشاه، وفي 2010 خسرت حلفها الاستراتيجي مع تركيا، ويبدو أنها أيضا في طريق
خسارة صداقتها مع النظام في مصر، بمعنى آخر انهارت خارطة التحالفات الاسرائيلة في المنطقة،
وبدأت إسرائيل في السعي نحو تأسيس تحالفات
جديدة بديلة تعوض خسارتها الإستراتيجية، وبحسب المعلومات التي نشرتها الصحافة الإسرائيلية
فقد بدأت إسرائيل تطوير شراكة عسكرية واستخباراتية جديدة مع اليونان وبلغاريا ودول
أخرى في البلقان مثل اكرانيا ومقدونيا. [11]
0 comments: