Sunday, November 18, 2012


لحرب على غزة في زمن التحولات العربية

الكاتب  
تأتى الحرب الثانية على غزة بعد أربعة سنوات من الحرب ألأولى في سياقات داخلية وإقليمية ودولية مغايرة تماما للحرب ألأولى مما سيترتب على هذه الحرب تداعيات سياسية أكبر من الحرب نفسها ،فهذه الحرب تسبق الإنتخابات الإسرائيلية المبكرة والتي ستجعل من نتيجتها عامل حسم بالنسبة لحزبى الليكود بزعامة نتانياهو وحزب بيتنا بزعامة ليبرمان وهما يريدان أن تكون هذه الحرب ثمنا لفوزهما ، وتأتى هذه لحرب والفلسطينيون ما زالوا في حالة إنقسام ، ومتجهون نحو خيار الأمم المتحدة وطلب العضوية غير الكاملة من الأمم المتحدة للدولة الفلسطينية والتى سشيكل الإعتراف بها بداية مرحلة سياسية جديدة من الصراع ، وتأتى هذه الحرب بعد إنتهاء الإنتخابات ألأمريكية وفوز الرئيس أوباما لولاية ثانية ، وعلاقته بنتانياهو وحكومته فيها قدر كبير من التوتر وعدم المصداقية ، ولذلك تريد أمريكا تغيرا في الحكومة الإسرائيلية ، واحد الطرق لذلك هى غزة . والأهم أن هذه الحرب تأتى في زمن التحولات وثورات الربيع العربى ، وفوز الإخوان المسلمين بالحكم والسلطة وخصوصا في مصر ، فاصبحوا أصحاب قرار سياسى ، وهم دائما يؤكدون على عدم الإعتراف بإسرائيل ، ودعم القضية الفلسطينية ، ومناصرة الشعب الفلسطينى في غزة المحاصرة ، وهنا تلعب مصر دورا هاما ومباشرا ومؤثرا بحكم علاقاتها العقيدية والسياسية بحركة حماس الحركة التي تحكم في غزة ، ولذا هذه الحرب هى إختبار حقيقى لكل هذه الدول لتثبت مصداقية ما تقول ، وتترجم شعاراتها وأقوالها إلى أفعال حقيقية ، وفى الوقت ذاته هذه الحرب قد تبعث على القلق والتخوف لدى الدول العربية الأخرى بأن تكون دافعا لحالة من عدم الإستقرار والفوضى السياسية ، وزيادة إحتمال التدخلات الخارجية ، بإمتدادها لتصبح حربا إقليمية إذا ما إستمرت فترة أطول . وستشكل هذه الحرب تهديدا مباشرا للمصالح ألأمريكية وألأوروبية ، فهى تأتى في زمن ليس فقط سقوط أنظمة حكم عربية مؤثرة ، وإستبدالها بإسلامية ، ولكن في سياق زيادة دور الشعوب العربية و، وزيادة دور المواطن العربى ، وفى زمن إلى حد كبير إستعادة القضية الفلسطينية قدرا من الأولوية لدى المواطن الربى ، وهذا تتخوف منه الدول العربية كلها.هذه السياقات هى التي قد تفسر لنا الأهداف الحقيقية من وراء هذه الحرب ، فلا يمكن إختزال مثل هذه الحرب فقط في وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية كما تقول إسرائيل ، ولا يمكن إختزالها في مسألة الإنتخابات الإسرائيلية ، ولكنها أهداف ترتبط بالسياقات التي تتم فيها ، فهى حرب ضد كل الخيارات الفلسطينية وخصوصا خيار التوجه للأمم المتحدة ، وضربه بتصوير الفلسطينيين أنهم بعيدين كل البعد عن دولة تريد السلام ، وأنهم يريدون الحرب ، وايضا ضرب المقاومة ووضع حد لها ، وسلبها قدرتها على الردع.وهى رسالة للدول العربية ألأخرى وخصوصا دول التحول العربى ، وقياس قدرتها علي الرد والفعل ، مستغلة إنشغالها بقضاياها الداخلية ، ورغبتها في تثبيت حكمها وسلطتها ولو علي حساب القضية الفلسطينية ، ولا شك أن لهذه الحرب أهدافا تتعلق بقياس الموقف الأمريكى وإلتزامه بالتحالف مع إسرائيل ، ورغبة نتانياهو إستعادة التحالف والعلاقات مع الرئيس الأمريكى أوباما . وفى سياق هذه ألأهداف فهى حرب لها إمتدادات إقليمية ودولية ، وهذا هو التخوف والقلق من إمتدادها ، وإطالتها أكثر من الوقت الذي يمكن أن تتحمله المنطقة . وهذا ما يفسرلنا التحركات السريعة والخجولة بعض الشى لفرض تهدئة . وبالمقابل فإن هذه الحرب قد فرضت أهدافا أوسع واشمل بالنسبة للمقاومة الفلسطينية ، وخصوصا حركة حماس التي قد نجحت في الخروج من الحرب الأولى أقوى من ذى قبل ، ونجحت بعدها في أن تصبح فاعلا مهما في المنظومة السياسية الفلسطينية والعربية ، ولذا هى تسعى من هذه الحرب إلى تحقيق مكاسب سياسية وديبلوماسية تحصل بها على الإعتراف والشرعية الإقليمية والدولية ، وهذا قد يفسر لنا لجؤ الحركة إلى إستخدام الصواريخ بعيدة المدى وتوجييها نحو تل أبيب والقدس لأول مرة منذ أكثر من عشرين عاما فقط لترسل رسالة أنها قادرة على الردع ،وهذا بهدف تحسين شروطها السياسية في أى تهدئة مقبلة ، تحسن من خلالها أيضا دورها كفاعل رئيس ومهم في زمن التحولات العربية ، وهذا الوضع قد يطيل من مرحلة الردع ، وقد يدفع المقاومة إلى إستخدام كل ما لديها من قدرات قتالية ، وقد يدفع إسرائيل إلى مزيد من التصعيد ،ن وقد تذهب إلى حرب برية تفرض فيها شروطها ، هى حرب من جانب إسرائيل ليس بهدف العودة لغزة ، وليست حربا  من جانب المقاومة وحماس لهزيمة إسرائيل ، هى حرب لتحقيق أهدافا سياسية ، وتثبيت وجود وفاعلية سياسية أكثر من ذى قبل . وهذا يدفعنا للتساؤل عن التداعيات والنتائج السياسية على الوضع الإسرائيلى والفلسطينى والعربى والدولى . وهو موضوع مقالتنا القادمة .
دكتور ناجى صادق شراب \ أستاذ العلوم السياسية \غزة
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: