ماذا وراء عودة التصعيد الغربي ضد دمشق؟
خميس 13 كانون الأول 2012،حسين عطوي - "الثبات"
شهدت الأزمة في سورية في الأيام الماضية، تطورات أمنية وسياسية تؤشر إلى دخولها في مرحلة جديدة تضعها أمام احتمالات أن تشهد مزيداً من التصعيد الأمني والعسكري على ضوء ارتفاع منسوب التوتير الغربي، أو أن تتجه نحو ولوج طريق الحل السياسي، بعدما تبين لواشنطن استحالة إسقاط النظام الوطني المقاوم في سورية، وتزايد مؤشرات إخفاق الحرب الإرهابية التي تخوضها بالواسطة.
فعلى المستوى الأمني والعسكري، سجلت التطورات نجاح الجيش العربي السوري في تحقيق المزيد من الإنجازات الميدانية في مدينة حلب، من خلال سيطرته على دوار "الليرمون" الشمالي، الذي كان يتم منه إدخال السلاح والمسلحين، والبدء بتطهير بستان الباشا، وفي محافظة ريف دمشق، عبر إحباط مخطط الجماعات الإرهابية لإحداث اختراق ميداني في العاصمة، كانت تراهن عليه لإيصال رسائل إلى الخارج بأن حكم الرئيس الأسد بدأ يفقد السيطرة، وبالتالي التأثير على معنويات الجيش وأدائه، ومحاولة إحداث انقسام في صفوفه.
وتجلى ذلك في تمكن الجيش من توجيه ضربات قاصمة لمجموعات المسلحين في ريف دمشق، خصوصاً في منطقة داريا، حيث أفادت مصادر مطلعة لـ"الثبات"، أن ما يفوق الثلاثة آلاف مسلح لقوا مصرعهم في المدينة، وتم اكتشاف نفق بطول 1300م يصل داريا بمعضمية الشام، في داخله كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة تكفي لقتال طويل، الأمر الذي توقف المراقبون العسكريون عند أهميته، من زاويتين:
الأولى: النجاح في توجيه ضربة لأهم مرتكز أمني وعسكري للجماعات المسلحة في ريف دمشق، يماثل في أهميته حي بابا عمرو في حمص، الذي كان بمنزلة مركز القيادة والقاعدة الأساسية للمسلحين في حمص، وشكّل سقوطه نقطة تحوّل في المواجهة مع الجماعات المسلحة.
الثانية: دليل جديد على أن التحضير للحرب على سورية قد بدأ منذ سنوات، أي فور الهزيمة الصهيونية في عدوان تموز عام 2006، وإعلان المسؤولين الصهاينة أن الصواريخ التي أطلقتها المقاومة على العمق الصهيوني هي من صنع سوري، لأن حفر هذا النفق، وبهذا الطول، يحتاج إلى سنوات عديدة.
ولوحظ أنه في أعقاب هذه التطورات الميدانية، عمدت الدول الغربية وتركيا إلى القيام بخطوات تصعيدية ضد سورية تمثلت في:
ـ موافقة حلف الناتو على نشر صورايخ باتريوت على الحدود التركية - السورية.
ـ عودة واشنطن وحلفائها إلى إطلاق تصريحات تحذر سورية من استخدام الأسلحة الكيميائية.
ـ حديث وسائل الإعلام عن أن هذا التصعيد يندرج في سياق الاستعداد لشن هجوم بري للسيطرة على الأسلحة الكيميائية.
لكن السؤال: هل هذا التصعيد في المواقف الغربية يندرج فعلاً في سياق التمهيد لشن الحرب، أم أن الأمر يأتي في إطار التهويل ومحاولة إرهاب سورية، ورفع معنويات المسلحين؟
من الواضح أن احتمال الحرب، على الرغم من صعوبة نفيه بالمطلق، إلا أن كل المعطيات تؤشر إلى أن حلف "الناتو" ليس مستعداً للدخول في حرب برية لأسباب عديدة، أهمها أزماته الاقتصادية والمالية، وفشل حروبه في العراق وأفغانستان، وإدراكه أن سورية ليست ضعيفة ولقمة سائغة، والحرب معها ستكون مكلفة جداً له، عدا أنها ستقود إلى حرب شاملة في المنطقة.
في المقابل، فإن إقدام طائرات الناتو على توجيه ضربة عسكرية لسلاح الجو السوري، لتوفير مظلة حماية جوية للجماعات المسلحة، سيدفع سورية إلى قصف القواعد التي انطلقت منها الطائرات، ما يؤدي إلى حرب شاملة، الأمر الذي يشكل عاملاً لاجماً للناتو، الذي حرص أمينه العام راسموسن على نفي أي نية لديه بعمل عسكري ضد سورية.
لهذا، فإن المرجّح أن يكون التصعيد الغربي جاء قبيل إقلاع مسار المفاوضات بين واشنطن وموسكو، والذي ظهرت مؤشراته في لقاء وزيري خارجية البلدين؛ هيلاري كلينتون وسيرغي لافروف، بحضور الإبراهيمي، الذي أكد على اتفاق جنيف بهدف تحقيق أمرين أساسيين:
الأول: الشد من عضد المجموعات المسلحة ورفع معنوياتها، ودفعها إلى مواصلة حربها لإضعاف سورية، وعدم الشعور باليأس والإحباط نتيجة الإخفاقات التي منيت بها مؤخراً، لتبقى واشنطن قادرة على استخدامها كورقة في المفاوضات.
الثاني: إرهاب القيادة السورية لدفعها إلى تليين مواقفها والقبول بصيغة للحل السياسي تنتقص من السيادة السورية، وتشرع الأبواب أمام التدخل الخارجي بشؤونها، لتحقق واشنطن بذلك ما عجزت عنه بالقوة.
غير أن مثل هذه المناورة الغربية ليس لها حظ في النجاح، مادامت الجماعات المسلحة فشلت في تحقيق أي نجاحات على الأرض، ومادامت الدولة السورية لم تضعف، وتحافظ على عناصر قدرتها وقوتها (تماسك الجيش، الوحدة الوطنية، صلابة موقف قيادتها)، والتي مكنتها من الصمود وإحباط أهداف المخطط التآمري
0 comments: