Saturday, December 22, 2012





الفضاء الذي منحته "الدول المتحالفة" لها في السابق حلت بدلاً منها "دول متذبذبة" تضيق حرية تحركها



أفاد العقيد الإحتياطي في الجيش الصهيوني، والخبير العسكري المعروف، "رون تيره" أنّ "المحيط الاستراتيجي" لـ"إسرائيل" يختلف اختلافاً جوهرياً عما كان موجوداً قبل بضع سنوات، وقد تحتاج لاستعمال قوة عسكرية تختلف خصائصها عما كان في الماضي، لأنّ أحد الموضوعات المركزية التي تقتضي تفكيراً مختلفاً حقيقة أن المنظومة الإستراتيجية متعددة الأطراف آخذة بالتشكل في الآونة الأخيرة.



وأضاف "تيره" أنّ الجزئية الأكثر تأثيراً وتأثراً بتوجه "إسرائيل" نحو حرب عسكرية في المنطقة تتعلق بما باتت تسمى "الدول المتذبذبة"، وهي: تركيا ومصر والأردن، اللواتي كن شريكات لها، وأسهمن إسهاماً كبيراً في حرية عملها الاستراتيجي، لكنها اليوم تشهد تحولات مهمة، وبسبب أهميتها الكبيرة لـ"إسرائيل"، هناك حاجة للبحث فيها قبل البحث في شأن أعدائها، على النحو التالي:



- أولاً: كان الجيش التركي اللاعب الرئيس في سياسة تركيا، ورأى "إسرائيل" طوال سنين كثيرة شريكة لمواجهة القومية العربية، وروسيا، وسوريا والعراق وإيران، وتم التعبير عن هذا التوجه بتنسيق عسكري واستخباري وثيق، وأعطى الدعم السياسي من قوة إقليمية مسلمة لـ"إسرائيل" حرية عمل ناجعة.



وبعد انتخابات 2002، نضج تحول في السياسة التركية، وبدأ مسار تنحية تدريجية للجيش عن مراكز القوة في الدولة مع جعله أقل علمانية، بفعل ما أحدثه "طيب اردوغان"، رئيس الوزراء، من تغيير في سياسته نحو الولايات المتحدة وأوروبا و"إسرائيل"، وأظهرت حرب لبنان الثانية نُذر احتكاك بينهما، وأعطته عملية "الرصاص المصبوب" فرصة المبادرة لأزمة، وأفضت القافلة البحرية لغزة لمقاطعة عميقة.



وهناك نقطة احتكاك لا تحظى باهتمام كامل وهي حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، فقد تم تقسيمها بين "إسرائيل" وقبرص اليونانية التي لا تعترف تركيا بها.



الأملاك العسكرية



وأوضح قائلاً: تركيا ليست عدوة "إسرائيل"، ولا ينبغي معاملتها كذلك، لكن سياستها المتشكلة تعاني من عدة آثار:



1- تركيا لم تعد شريكة "إسرائيل" في توازن قوى إقليمي، بالعكس، فهي تطمح لتضييق خطواتها، وتطلب إحداث أزمات معها.



2- تركيا تعمق دخولها السياسي والدبلوماسي للعالم العربي، وتريد ان تجعل نفسها راعية إقليمية.



3- تركيا تزيد في وجودها المادي في الساحة، ويشمل ذلك وجود أملاك عسكرية.



تزيد هذه التطورات مجتمعة في احتمال الاحتكاك بين الدولتين، وتصبح جزء من جملة التقديرات السياسية والإستراتيجية والعملياتية لـ"إسرائيل"، ورغم أنها لن تسعى لتدهور مع دولة عضو في حلف الناتو، لكن قد توجد ظروف تزيد في خطر التدهور، كأن يخرج الجيش لمعركة واسعة في غزة أو لبنان، أو ساحة محاذية، وتحاول تركيا تحقيق سعيها لزعامة إقليمية بواسطة دعم حليفات عربيات!



- ثانياً: مصر الدولة العربية الأهم، في العقود الأولى بعد اتفاق السلام بين الدولتين وجد واقع استراتيجي ثنائي، حيث تمتعت "إسرائيل" بحرية عمل محسنة لأنها تعلم أن الحدود معها سلمية، وحتى في حرب لبنان الأولى والانتفاضة الأولى، تحررت من خشية فتح جبهة أخرى في الجنوب.



رغم أن مصر بقيت عدواً سياسياً، وعملت على مواجهة "إسرائيل" في موضوعات مختلفة كمنع نشر السلاح الذري، وحرف الهجرة من الاتحاد السوفييتي للولايات المتحدة، وفي القضايا السياسية الإقليمية وفي نوادٍ دبلوماسية دولية.



أكثر من ذلك، فقد تحولت مصر في العقد الماضي بالتدريج لتصبح شريكة "إسرائيل" الإستراتيجية في مواجهة إيران وفروعها في العالم العربي، مما وسع من حريتها وعززها من جهة إستراتيجية، وتم التعبير عن ذلك تعبيرا واضحا بالتأييد المتبادل الإقليمي والدولي الذي منحته مصر لها في حربي لبنان وغزة الماضيتين.



ويضيف" تيره": في شباط 2011 حدث تحول آخر هو الأسوأ هذه المرة، حينما نُحي مبارك، وسارت مصر في طريق يقوي الحركات الإسلامية على حساب المؤسسة العسكرية القديمة، وبقي السؤال: أين تتجه مصر؟ لأن التطورات الداخلية فيها لها عدة تأثيرات:



1- كلما قويت منزلة الحركات الإسلامية تضعضعت مكانة مصر باعتبارها حليفة قوية لـ"إسرائيل" في مواجهة أعداء مشتركين، ولا يجوز ان نفترض ان تدعم مصر في المستقبل عمليات عسكرية لها كما فعلت في السنين الأخيرة.



2- خروج "إسرائيل" في عملية عسكرية واسعة في غزة مثلا قد يكون عاملا مبلورا في السياسة المصرية الداخلية، يقوي التيارات المعارضة للسلام معها.



3- حماس لها علاقات تاريخية وشخصية عميقة بالإخوان المسلمين في مصر، وهما حركتان شقيقتان بقدر كبير، وهناك توجه داخلها بإضعاف صلتها بإيران، واستبداله بمصر، وكل ذلك يحد بالطبع من حرية عمل "إسرائيل".



استثمار حماس



- ثالثاً: توجد بين "إسرائيل" والأسرة المالكة الأردنية منذ سنين علاقات تكافل، وهي تعاني ضعفا عميقا لأنها تسيطر على أكثرية فلسطينية، فيما يقع البلد على مفترق طرق بين قوى أقوى منه هي سوريا ومصر والعراق، ولذلك منحته "إسرائيل" مظلة حماية، ووجدت فيه شريكاً في صعيدين مهمين:



1- أصبحت المملكة خالية من القوى المعادية، ومُنع الاستعمال المعادي لأرضها وحدودها الطويلة مع "إسرائيل"، ما يعني أن عمقها الاستراتيجي يمتد إلى شرقي الأردن.



2- شراكة صهيونية أردنية متعلقة باحتواء المطامح القومية للفلسطينيين، وحرفها لمسارات تقلل تهديدهما، لذلك لم يكن اتفاق السلام بينهما سوى إعلان رمزي بواقع استراتيجي كان موجودا أصلا مدة عقود.



وأضاف: "البيت الهاشمي" يواجه اليوم تهديدات معقدة تأتي من عدة اتجاهات ومستقبله غامض، على النحو التالي:



- الغليان الداخلي في الأردن الذي بلغ مرحلة أصبحت تُسمع فيها علنا أصوات تتحدى شرعية الملك.



- القبائل البدوية، الدعامة الرئيسة للأسرة المالكة، وأخذت تشارك في الغليان الموجه على الملك.



- انسحاب الولايات المتحدة من العراق أخلى مكانا لتأثير إيران فيه، ووصلت لباب الأردن الخلفي، وهي مسألة وقت فقط حتى تبدأ بالتدخل في شؤونه.



- البيت الهاشمي فقد الدعم الذي كان مبارك يمنحه له، ويُشك في ان يدعمه الإخوان المسلمون في مصر بمواجهة غليان إسلامي.



- إذا انهارت سوريا، أو تغيرت، فلا يمكن ان نعلم ماذا سيكون تأثير ذلك في الأردن.



وكل ذلك يعني أنه إذا سقطت الأسرة المالكة لسبب ما، فستخسر "إسرائيل" ذخراً مهما أسهم إسهاماً كبيراً في أمنها وقوتها الاستراتيجيين، لأن أطول حدود لها قد تغير طبيعتها، ومن هنا أخذت حرية عملها تضيق فيما يتعلق بالأردن.



ويختم "تيره" تقديره المتشائم بالقول: كلما تضاءلت حرية عمل "إسرائيل"، اتسعت حرية عمل أعدائها في الإقليم المحيط بها، وهو ما قد نشهده في مواجهات عسكرية مفترضة في لبنان أو غزة، وسواهما من جبهات ساخنة.



معهد دراسات الأمن القومي الصهيوني



ترجمة: مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية



الترجمات العبرية، العدد 2689، 19/12/12

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: