ما هو الإحتمال الوحيد للتدخّل العسكري الأميركي في سوريا؟
الأربعاء 30 كانون الثاني 2013، ناجي س. البستاني - مقالات النشرة

منذ بضعة أيّام كشف الرئيس الأميركي باراك أوباما أنّه يعمل جاهداً على تقييم خيار التدخّل العسكري الأميركي في سوريا، وما إذا كان من شأن هكذا قرار أن يساعد على حل النزاع أم أن يفاقم الأمور. فماذا كانت النتيجة، وما هو قراره النهائي؟
بداية لا بد من الإشارة إلى أنّ الرئيس أوباما لم يعقد في الأيام القليلة الماضية إجتماعاً محدداً أو سلسلة إجتماعات لتقييم الموقف، كما فُهم من كلامه، حيث أنّ مسألة التدخّل الأميركي والغربي في سوريا، هي محط دراسة ومتابعة منذ بداية الأزمة قبل نحو 22 شهراً حتى اليوم. لكن موقفه العلني الأخير جاء بعد تكاثر الإنتقادات ضد الدول الغربيّة عموماً، وضد الإدارة الأميركية تحديداً، نتيجة رفض التدخّل العسكري في سوريا حتى إشعار آخر، على الرغم من الخسائر البشرية والمادية الهائلة والمفتوحة، في حين أنّ مسائل أقل خطورة إستدعت تدخّلاً عسكرياً مباشراً، كما حصل أخيراً من قبل القوات الفرنسية إزاء أزمة مالي. وأراد الرئيس الأميركي بكلامه التشديد على أنّ الملف السوري هو موضوع متابعة، وعلى أنّ خيار التدخّل العسكري الأميركي يبقى قائماً ومحط دراسة مستفيضة.
وحتى اليوم، القسم الأكبر من فريق عمل الرئيس أوباما يعارض فكرة التدخّل العسكري الأميركي في سوريا للأسباب التالية:
أولاً: ضرب سوريا ليس مشابهاً لضرب العراق أو ليبيا، نتيجة الدعم الإقليمي والدولي الذي تلقاه دمشق، الأمر الذي قد يدفع إلى دخول أكثر من فريق على خط النزاع، وبالتالي إلى إنفجار الوضع في المنطقة ككل، من دون معرفة كيفيّة تطوّر الأمور.
ثانياً: قلب موازين القوى سريعاً في سوريا، من دون تهيئة سلطة ميدانية بديلة لتعبئة الفراغ الأمني، ستجعل من سوريا أرضاً سائبة، ما سيعرّض أمن إسرائيل والمنطقة ككل لمخاطر جسيمة، وسيُعرّض المصالح الأميركية إقليمياً لضربات قاسية تفوق بأشواط تلك التي تعرّضت لها في بنغازي في ليبيا وحتى في العراق.

ثالثاً: لا حسم لموضوع ما بعد مرحلة الرئيس بشّار الأسد، وبالتالي، حتى في حال نجاح أي تدخّل عسكري ميداني في سوريا وقلب موازين القوى، لا خطة جاهزة بعد للجهة التي ستستلم السلطة، ولا وضوح للعلاقات المرتقبة بين سوريا الغد، وكل من أميركا والغرب.
رابعاً: الجيش الأميركي يعمل حالياً على إقفال ملفّ التدخّل العسكري في أفغانستان، بعد طيّ هذا الملف في العراق، وبالتالي لا رغبة لديه بفتح ملف تدخّل جديد حالياً، خاصة إذا كان شائكاً كالملف السوري.
خامساً: أظهرت إستطلاعات الرأي الحديثة أنّ نحو 70 % من الشعب الأميركي يرفض التدخّل العسكري الأميركي في سوريا، تحت أي ذريعة.
وبالتالي، حتى اليوم، لا يوجد قرار أميركي أو حتى غربي بالتدخّل العسكري الميداني في سوريا، والرئيس أوباما مقتنع بالتبريرات المعطاة لذلك. لكن هذا التدخّل يصبح ممكناً في حالة إستثنائية واحدة تتمثّل بإستخدام أي سلاح غير تقليدي من قبل الجيش النظامي السوري ضد معارضيه، أو خروج هذا السلاح عن السيطرة، مع ما يعني ذلك من إحتمال وقوعه بأيدي أي قوى أمر واقع على الأرض. وقد وضعت الإدارة الأميركية خطّة تدخّل سريعة تقضي بتحريك وحدات جويّة وقوى إنزال جوّي تنتشر أساساً في الشرق الأوسط، والخليج العربي، وذلك لتأمين السرعة المطلوبة إزاء هذه الحالة الحسّاسة. فمن غير الممكن حشد وتجميع قوى من الولايات المتحدة ونقلها إلى المنطقة، عندما تكون صواريخ تحمل رؤوساً غير تقليدية قيد الإستخدام، لأنّ أي تأخير يعني فشل أهداف خطة السيطرة الأميركية على هذه الأسلحة. وتقضي الخطة الأميركية الجاهزة للتنفيذ، بشنّ غارات جويّة سريعة وخاطفة على مراكز تخزين الصواريخ البعيدة المدى، وعلى منصّات إطلاقها غير المخبّأة جيّداً، وذلك من طائرات تنطلق من حاملات طائرات ومن قواعد غير بعيدة عن الأراضي السورية. وفي حال دعت الحاجة، يمكن أن تلي هذه الغارات، عمليّات إنزال محدودة الحجم والإنتشار في مناطق معيّنة ومحدّدة مسبقاً، وذلك للسيطرة على ما قد تفشل الغارات الجويّة في تدميره. يُذكر أنّ خطة التدخّل المحتمل، لا تقتصر على القوّات الأميركية، بل تشمل دولاً غربيّة أخرى، خاصة بريطانيا، من دون إستبعاد الإستعانة بدعم لوجستي من دول إقليمية حليفة، مثل تركيا وإسرائيل. ولا بد من الإشارة أيضاً، إلى أنّ نشر صواريخ "باتريوت" الإعتراضية في إسرائيل وفي تركيا أخيراً، يدخل في سياق الخطة الأميركية الموضوعة للتدخّل ضد أي أسلحة غير تقليدية في سوريا، وذلك في إطار توفير الحماية إلى حلفاء أميركا في المنطقة، إلى حين نزع خطر الصواريخ.
في الخلاصة، لا نيّة أميركيّة أو غربيّة بالتدخّل العسكري في سوريا حتى اليوم، للأسباب المذكورة أعلاه. أما الحالة الإستثنائية الوحيدة التي ستفتح باب التدخّل على مصراعيه، فهي واضحة ومحدّدة جيّداً، ومختلف الأطراف يدركون خطورتها. وبالتالي من المُستبعد الوصول إلى هذه المرحلة، إلا إذا بلغ التهوّر في التصرّف الميداني من قبل الأطراف المتنازعة في سوريا، مرحلة "عليّ وعلى أعدائي يا ربّ!". في المقابل، تُوجد نظريّة أخرى تقول إنّ الإدارة الأميركية قد تكون تحضّر ملفّاً مشابهاً للملفّ الذي أعدّته للعراق قبل غزوه، أي أنها بدأت تتحدّث عن أسلحة سورية كيميائية من دون إثبات، كما سبق لها أن تحدّثت عن أسلحة دمار شامل عراقية من دون إثبات أيضاً، تمهيداً لعمل عسكري ما في سوريا! لكن هذه قصّة أخرى، وللبحث تتمّة...
0 comments: