Wednesday, January 30, 2013


لإنكفاء الأميركي وخلط الأوراق في الأزمة السورية

الأربعاء 30 كانون الثاني 2013،    عبد الهادي محفوظ* - مقالات النشرة
يزداد الوضع تعقيدا في منطقة الشرق الأوسط وتتغير الأولويات تبعا لمفاجآت الأحداث ومتغيراتها. فإذا كان الموضوع السوري إلى فترة قريبة هو في الواجهة فإن ما اتفق على تسميته بدول "الربيع العربي" تدخل من جديد في سياق من الفوضى وتثير قلق الذين رأوا فيها مدخلا لإحداث تغيير ديمقراطي ما هو إلا سراب في ظل ثنائية "الإخوان المسلمين" والحركات "السلفية" وتربص "القاعدة". والتجربة المصرية هي أفضل مثال حيث يصعب تعايش الإتجاهات العلمانية والمدنية ونموذج الدولة الذي تحاول بناءه حركة "الإخوان المسلمين". وتونس في هذا المجال ليست أفضل حالا حيث سياسة إلغاء الآخر هي قاعدة العلاقة للحركات السلفية والمتطرفة. كما أن غياب الإستقرار في ليبيا وتمكّـن "القاعدة" منها واستيلائها على أسلحة متطورة لا يوحي بتاتا بأن حسابات الغرب الأميركي والأوروبي كانت في مكانها.. حيث أن هذه الأسلحة وجدت طريقها إلى مالي. وهذا إن دلَّ على شيء فعلى كون "القاعدة" انخرطت في "الربيع العربي" لحساباتها الخاصة وليس لبناء الدولة الديمقراطية... وهكذا تتورط فرنسا عسكريا في مالي تحت عنوان مواجهة "الإرهاب الإسلامي" فيما هي تدعم المعارضة الإسلامية والمسلحة في سوريا. وهذا المنطق الفرنسي فيه الكثير من التناقض. أما تفسيره فهو شبكة المصالح الفرنسية. فمالي تشكّـل عنصر إغراء لفرنسا بحكم كونها تملك احتياطيا هاما من النفط والغاز إضافة إلى اليورانيوم كما أنها موقع قدم أساسي باتجاه الداخل الأفريقي والمغاربي. إذا، تستخدم فرنسا ظاهرة الإسلام السياسي لتبرير تدخلها العسكري فيما في سوريا تدعم الإسلام السياسي تحت عنوان تحقيق الديمقراطية. وأما الهدف الفعلي فهو تثبيت النفوذ الفرنسي في لبنان الذي يبدو أنه يمتلك ثروة نفطية وغازية هامة وكذلك التوهّم في امتلاك نفوذ ما في سوريا التي تخرج ضعيفة من الأزمة مجرّدة من اوراق قوتها الإقليمية وفق ما تراه باريس.
لا شك أن تركيا وقطر والسعودية وفرنسا دول تدخلت بشكل واضح في الأزمة السورية بينما آثرت الولايات المتحدة أن تتحرك بحذر من الخطوط الخلفية آخذة في الإعتبار محاذير تطورات هذه الأزمة وإمكانية انتشارها على امتداد المنطقة وما يشيع ذلك من فوضى وغياب استقرار وتمدّد التنظيمات الأصولية المتطرفة وعلى رأسها "القاعدة" التي عرفت كيف تستفيد من مناخات "الربيع العربي" لتغرس وجودا ثابتا في النسيج الإجتماعي المفكك. ومن هنا كانت الرهانات الأميركية مختلفة عن رهانات فرنسا وتركيا وقطر والسعودية. فالحذر الأميركي قابله تهور تركي وفرنسي وخليجي واستنتاجات مبكرة وخاطئة حول سقوط سريع للنظام السوري.
لقد أصبح من الواضح أن هناك استحالات تؤكدها التطورات في سوريا. أولا لا سقوط عسكري للنظام حيث أثبتت المؤسسة العسكرية تماسكها وأنها عصب سوريا الذي يمسك بوحدتها وديمومتها. وثانيا استحالة التدخل العسكري الخارجي لأن الحرب الباردة المستترة في سوريا ستتحول إلى حرب حارة ودولية. وثالثا استحالة الحل العسكري. ورابعا سقوط نظرية تنحي الرئيس بشار الأسد. وخامسا استحالة اطمئنان الولايات المتحدة الأميركية للقاعدة وجبهة النصرة ما يفترض إعادة نظر أوروبية وخليجية من "المكوّنات الإسلامية" للمعارضة السورية وما يستتبع ذلك من قيود على التمويل وعلى التسليح. والمفارقة هنا أنه في الوقت الذي تعزز فيه القاعدة ومثيلاتها حضورها في العمل المسلح يتهمّش دور المكوّنات القومية والعلمانية في المعارضة ما يزيد في غلبة الخلافات الداخلية وغياب الرؤية السياسية الواضحة.
ليس من قبيل الصدفة أن يُعرب عدد من رموز المعارضة السورية في أعقاب مؤتمر باريس عن حالة إحباط. فلقد لمس هؤلاء انكفاءً أوروبيا وخليجيا عن التزامات مؤتمر مراكش سواء بالنسبة لتسليح المعارضة أو لتمويلها. وحجة الإنكفاء هي الخشية من أن تقع الأسلحة في يد القاعدة وجبهة النصرة والتنظيمات الإسلامية. وهذه الحجة لم تكن مقنعة لرموز المعارضة السورية المحبطين الذين يعتقدون أن انكفاء الغرب الأميركي والأوروبي والأتراك والخليجيين عن تزويد المعارضة بالسلاح النوعي هو الذي سيدفع باتجاه التطرف الإسلامي وفقدان المعارضة التي يقودها "الائتلاف" لزمام الأمور. وأيا يكن الأمر فإن الموقف الأميركي الثابت في الإعتراض على "جبهة النصرة" وعلى الحذر من التنظيمات الإسلامية على اختلافها يشكّـل استعصاءً لا يمكن للمعارضة السورية وحلفائها الأتراك والخليجيين والأوروبيين تجاهله. وهذا الأمر سيرتـِّب توازنات جديدة على مستوى المعارضة بحيث تعطي أوزانا إضافية للمعارضة الداخلية و"هيئة التنسيق لقوى التغيير الديمقراطي" التي تعترض على العمل المسلح.
والثابت أن واشنطن وضعت سقوفا لحركة المعارضة السورية وداعميها من الخارج. وعندما يتحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما عن شكوكه حول جدوى التدخل العسكري في سوريا فإنه يترك خيارا وحيدا للحل هو الخيار السياسي والدبلوماسي مع ما يعنيه ذلك من انكفاء أدوار الذين يشجعون على الخيار العسكري من الخارج. وهكذا نحن إزاء مرحلة جديدة تتسم بخلط الأوراق. دخول أطراف جديدة من المعارضة السلمية. توتر في العلاقات بين مكونات "الإئتلاف الوطني للمعارضة" بحكم الإعتراض الأميركي على "جبهة النصرة". تعاون وثيق بين واشنطن وموسكو لإيجاد مخارج للأزمة السورية على قاعدة التفاوض بين النظام والمعارضة وبغطاء دولي. وكل ذلك سيكون مسبوقا بمواجهات عسكرية حادة وعنيفة بين المؤسسة العسكرية السورية والمعارضة المسلحة على أمل أن يحسّن كل طرف من مواقعه. لكن ما هو ثابت أن الموضوع السوري أصبح بين يدي كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والحل يفترض مزيدا من الوقت وبحاجة إلى تبريد الرؤوس الحامية وخصوصا "رؤوس الخارج" التي افترضت خطأ أن الإنكفاء الأميركي يعزز من حضورها الإقليمي أو يعزز من مكانتها لدى واشنطن. ولا غرابة في الأمر فنحن في زمن الإفتراضات الخاطئة.


* رئيس المجلس الوطني للاعلام
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: