إيران وجنوب القوقاز

AP
إيران وجنوب القوقاز
للعلاقة بين إيران والقوقاز تاريخ قديم لا يخلو من التعقيد. وباعتبارها دولة قوية في المنطقة، حظيت إيران باهتمام كبير في الماضي والحاضر . يرى بعض المحللين السياسيين في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ، أن إيران تشكل الخطر الأكبر على أمن أذربيجان، وأرمينيا، وجورجيا. ولكن هذا الاعتقاد لا ينسجم مع الواقع الحالي، بل أننا على الأرجح أمام مسعى من قبل بعض ممثلي النخبة الأمريكية مرة أخرى لجعل إيران فزاعة تخيف بها دول القوقاز، وترغمها على الإنضواء تحت المظلة الأمريكية.
وعند النظر في اتجاهات السياسة الإيرانية، يجب أن لا ننسى عاملا هاما يتم التغاضي عنه دائماً، وهو العامل القومي - النفسي. إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحالية هي وريثة احدى أقدم الحضارات في التاريخ، الامبراطورية الفارسية العظيمة التي أخضعت نصف العالم القديم آنذاك. ومن الناحية الروحية والدينية، تعتبر إيران خلال القرون الستة الأخيرة مركز العالم الشيعي. وتحت تأثير تلك العوامل التاريخية عبر مئات السنين، تشكلت في البلاد عقلية الإيرانيين الشيعة، الأباة المتشددين في الدفاع عن مصالحهم في المواجهة مع العديد من الأعداء حولهم. إن النفسية الفارسية التي تمثل مزيجا من قومية الدولة الكبرى الامبراطورية وشعور النخبة الشيعي، باتت عاملا سياسيا في الوقت الراهن. هذا هو على الأغلب السبب الرئيس وراء طموح طهران ، والنضوج النفسي للأمة الإيرانية القادرة على العيش وفق الطريقة التي تعتبرها صحيحة.
وفي حقيقة الأمر ، تلاحظ بوضوح مطامح إيران في سياستها القوقازية. ولكن لا بد من الاعتراف بان تطور العلاقات السياسية ومضمونها يخضعان بقدر كبير لتأثير العوامل الخارجية. وليس خافياً على أحد أن منطقة القوقاز تعتبر نقطة التقاء لمصالح العديد من الدول، أهمها تركيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا. ولذلك فان اتجاهات السياسة الإقليمية لكل دولة من دول جنوب القوقاز تحددها جملة من العوامل الناجمة عن خصوصية العلاقات الثنائية أو المتعددة الأطراف ضمن السباعي القوقازي : أذربيجان - أرمينيا - جورجيا - تركيا - إيران - روسيا - الولايات المتحدة الأمريكية. وعند تحليل العلاقة بين أي طرفين من هذه الدول لا يجوز إغفال طابع العلاقات على الصعيد السياسي الإقليمي ككل. ويلاحظ المراقبون في الآونة الأخيرة عملية معقدة لتشكل توازن للقوى بين أذربيجان - جورجيا - تركيا - الولايات المتحدة - اسرائيل من جهة، وإيران - أرمينيا - روسيا من جهة أخرى.
ان من الصعب في مثل هذا الوضع العثور حتى على امكانية افتراضية لتهديدات حقيقية من طرف إيران، إذ أن أذربيجان هي الحالة الوحيدة نظرياً كمجال للتوسع الديني والإيديولوجي للجمهورية الإسلامية. ولكن تجربة أذربيجان المستقلة منذ 20 عاماً تفيد بأن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث. كما أن التوسع الاقتصادي الإيراني باتجاه دول جنوب القوقاز ليس ضمن أولويات إيران، لأن علاقاتها الاقتصادية الثنائية مع جاراتها في جنوب القوقاز لا تتجاوز مئات الملايين من الدولارات ، فضلا عن أن دول جنوب القوقاز الثلاث ( أذربيجان ، أرمينيا ، جورجيا ) تتطلع نحو الغرب أساسا في خياراتها الاقتصادية. ويعتبر الحديث عن التهديد العسكري الإيراني قضية خيالية، فأرمينيا تعتبر عملياً حليفاً سياسياً لإيران، أما جورجيا وأذربيجان فيمكن القول بكل ثقة إنهما تحت المظلة الأمنية للولايات المتحدة وحلف الناتو. ولكل العوامل المذكورة أعلاه يمكننا التأكيد بوجود تأثير طبيعي لإيران، كدولة اقليمية كبيرة على دول جنوب القوقاز، ولكن دون تهديد في الوقت الراهن. ثمة محاولات عند بعض ممثلي النخبة الأمريكية في استعمال إيران كفزّاعة لإخافة دول القوقاز وإجبارها على الانضواء تحت المظلة الأمريكية.
المصدر: http://www.geopolitica.ru
الكاتب: فلاديمير ساجين
0 comments: