إذا بالغوا فالثمن باهظ
بقلم: رون بن يشاي
تسمى الخطة متعددة السنوات الجديدة للجيش الإسرائيلي «تعوزا» (جرأة)، وهي اسم على مسمى. والمجلس الوزاري الذي سيعقده قريبا رئيس الحكومة للبحث في الخطة لن يتعذر عليه أن يلحظ أن معدي خطة العمل لبناء قوة الجيش الإسرائيلي أخذوا على عاتقهم مجازفة بشكل لم يسبق له مثيل، على حدود غير المعقول. وما يرفض الجمهور ووسائل الإعلام فهمه واستيعابه هو أن القصد ليس هذه المرة مناورة نمطية (توضع على طاولة الحكومة ويخرجونها لحظة إخضاع صبية وزارة المالية لتخويفات مرتدي البزات العسكرية ومنحهم مرادهم). هذه المرة يمكن أخذ الانطباع أن قادة المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي جادون، بل ومتحمسون، وينوون تنفيذ خطتهم الجديدة. وهم في نظري جادون أكثر من اللازم.
ويجدر بالوزراء المطلوب منهم المصادقة على خطة العمل العسكرية للسنوات الخمس المقبلة أن يفحصوها بإمعان ويتأكدوا أنهم يفهمون مغازيها، إذ أنه ليس في الخطة الثورية التوفيرية أي ذرة زيادة. وإذا كان رئيس الأركان بني غانتس ونائبه الجنرال غادي آيزنكوت، ومعهما جنرالات هيئة الأركان العامة، قد أخطأوا في فرضياتهم الأساسية التي ارتكزت عليها الخطة، وفي تقديرهم لقدرات الجيش الإسرائيلي، فنكون قد أكلناها. إذ قد نقع بعد عامين ـ نعم بعد عامين ـ في وضع يغدو فيه الجيش عاجزا طوال أسابيع عن حسم المعركة في جبهات القتال فيما تتلقى الجبهة الداخلية آلاف الصواريخ كل يوم. وهذا وضع شبيه بما كان في حرب لبنان الثانية ولكن فقط مع نتائج أصعب بكثير.
والأمر لا يتعلق بخطر وجودي على دولة إسرائيل، ولكن التآكل في الجبهة وفي الداخل قد يكون كبيرا. وكما يتذكر الجميع، صحيح أن إسرائيل حققت في حرب لبنان الثانية الردع إلا أنها طوال 34 يوما لم تفلح في إنهاء القتال مع حزب الله بانتصار قاطع. وأحد الأسباب الأساسية لذلك كان حقيقة أن تلك الحرب ضبطت الجيش الإسرائيلي أثناء إجرائه إصلاحات بعيدة المدى خطط لها رئيس الأركان حينها الجنرال دان حلوتس وهيئة أركانه على بنية الجيش ونظرية تفعيل قواته.
ولا أحاول هنا القول أن هذا بالضرورة ما يتوقع حدوثه إذا نفذت خطة «تعوزا»، لكن الخطر قائم. ولغرض التوازن تجدر الإشارة إلى أن تنفيذ وإكمال الخطة سيزيد كثيرا احتمالات أن تقفز قدرات الجيش الإسرائيلي بعد عدة سنوات على حسم الحرب بسرعة، حتى إن وقعت في جبهتين أو ثلاث جبهات.
أربعة شروط للتوفير
إن خطة «تعوزا» معدة أيضا لإحداث توفير جوهري في الموارد البشرية وفي الميزانيات. ولكن ينبغي لهذا الغرض توفير أربعة شروط:
أ ـ أن لا تفرض الظروف في الدول المجاورة وإيران على الجيش الإسرائيلي قريبا مواجهة هجوم مفاجئ من جيش أو جيوش نظامية (ينبغي الأخذ بالحسبان أن هذا قد يحدث في الظروف الراهنة في سوريا ومصر).
ب ـ أن الحكومة ستفي بالتزاماتها بأن تضخ للجيش الإسرائيلي ميزانيات سوف تزداد من العام 2015 فصاعدا. والقرار المبدئي بهذا الشأن اتخذ في الحكومة، وينبغي فقط الحرص على تنفيذه.
ج . أن يحرص وزير الدفاع موشي يعلون، رئيس الأركان غانتس وقادة هيئة الأركان شخصيا على أنه خلال تنفيذ الإصلاحات سيواصل الجيش الإسرائيلي المحافظة على جاهزية الوحدات المحاربة بالمستوى الحالي.
د . أن واشنطن سوف تتجند مرة أخرى لمساعدة إسرائيل في تمويل شراء كمية حاسمة من بطاريات اعتراض الصواريخ ومخزون كبير من صواريخ الاعتراض من كل الأصناف. فليس هناك في «تعوزا» ما يكفي من المال لإنشاء منظومات دفاع فعالة متعددة الطبقات وناجعة.
وإذا توفرت هذه الشروط بمستوى معقول من التنفيذ، فبعد حوالي أربع سنوات سيكون لدولة إسرائيل جيش أصغر لكنه أشد فتكا وحداثة، من النوع المؤهل لردع مواجهة كبرى، ويوفر هامش مناورة للقيادة السياسية، وقادر على حسم الحروب بسرعة إذا ما نشبت. وإذا لم تكن لدى الحكومة النية للوفاء بهذه الشروط، فمن الأفضل عدم تنفيذ الإصلاحات الكامنة في خطة «تعوزا». وذلك لأن الجيش الإسرائيلي، بسبب تقليص ميزانيته، سوف يتراجع كميا في السنوات القريبة في كل واحد من مكونات قوته القديمة والمتقادمة، فيما سيصل التعويض في النوعية فقط في وقت لاحق.
والحديث يدور عن شراء كميات كبيرة من الذخائر الدقيقة والمحصنة من التشويش في الجو والبر، وتطوير سريع لقدرات جديدة للاستخبارات ولحرب السايبر، وتحديث سلاح البحرية من حرس سواحل إلى ذراع مقاتل يؤثر أيضا على المعركة البرية. والفترة الانتقالية التي ستبدأ بعد عامين ستشكل المرحلة الحاسمة، لأسباب بينها أن تقليص حجم القوات في الجيش يمكن أن يقوض الردع إزاء أعداء قريبين (حزب الله مثلا) أو بعيدين (إيران).
جيش مرن وسريع
ولكن المكون الأهم في «تعوزا» ليس تقليص عديد القوات ولا حتى نوعية منظومات السلاح والذخائر التي ستحل مكانها. فالالتماعة التفكيرية هي نظرية التفعيل الجديدة للجيش الإسرائيلي، المستندة إلى مبدأ تفعيل كل قوته وأذرعتها بشكل مشترك ضد كل التحديات وجبهات المواجهة. وهذا التغيير ضروري لأنه بسبب التقليص الكمي في الوحدات المقاتلة والأطر (دبابات، طائرات وسفن حربية)، لم تعد قيادة واحدة أو ذراع واحدة في الجيش قادرة بقواها الخاصة على المواجهة المستقلة مع عدة مهمات معقدة في منطقتها. وهذا الوضع ألزم الجيش بكل أذرعته وقدراته بالعمل للحسم في جبهة يكون فيها الجهد الأساسي ويكبح في باقي الجبهات.
وبكلمات بسيطة فإن وحدات المدرعات والمشاة ستعمل سوية مع سلاحي الجو والبحرية لإسكات الصواريخ على الجبهة الداخلية. وطائرات سلاح الجو مع سفن البحرية ستعالج أمر الصواريخ الروسية بشتى أنواعها. ولهذا الغرض ينبغي للجيش الإسرائيلي أن يكون مرنا في التفعيل وسريع جدا في التنقل من مهمة إلى أخرى، والأساس عدم تبذير الوقت الثمين والأموال على نيران ثابتة. إذ يجب أن يكون لكل صاروخ تبلغ تكلفته مئات الآلاف من الدولارات عنوان بدقة متر أو مترين.
وشعبة الاستخبارات التي مرت بثورة دراماتيكية في الأعوام الأخيرة، توفر حاليا آلاف الأهداف كهذه لآلات الإطلاق والمقتحمين في كل الأذرع. وهي أيضا مؤهلة لإنتاج أهداف أثناء القتال.
ولغرض تجسيد نظرية التفعيل هذه يفترض بالجيش الإسرائيلي تغيير انتشاره الجغرافي القاعدي لفرقه بشكل يسمح له بالعمل بسرعة وفق الخطط العملانية. وستوضع تحت إمرة رئيس الأركان قبضة مدرعة برية كبيرة يمكنه تفعيلها كليا أو جزئيا لصالح ما يعتبره الجهد الأساسي.
كما أن العمليات في العمق لن تغدو مجرد أحلام. فقط خسارة أن تسلح ألوية المدرعات بمنظومات دفاع للدبابات ضد الصواريخ ليست بأفضلية عليا في «تعوزا». فمنظومات كهذه تنقذ أرواحا وتسمح للقوات المدرعة بأن تسحق بسرعة عدوا يستخدم الصواريخ الحديثة ضد الدبابات ـ سواء كان حزب الله في لبنان أو جبهة النصرة في سوريا.
إن خطة «تعوزا» تنطوي على الكثير من الجرأة. والآن حانت اللحظة الحاسمة التي يقرر فيها أعضاء المجلس الوزاري المصغر ورجال المالية مصير الخطة الثورية هذه وفرص نجاحها.
يديعوت احرنوت
0 comments: