Sunday, July 14, 2013


«true caller» و«who’s calling»: مرحبا خصوصية


رقم غريب. أجيب؟ لا أجيب؟ لا أسئلة من هذا النوع بعد اليوم، فقد بات بإمكان أيّ مشترك ببرنامجَيْ who›s calling وtruecaller معرفة هوية أصحاب الأرقام المجهولة في أقلّ من 10 ثوانٍ. خدمة مميّزة، لكن السؤال عمن يحمي خصوصية غير المشتركين فيها؟
راجانا حميّة – الأخبار

كرجل آليّ مبرمج على تأدية مهمة محددة، «رَوْكب» لسان سامي على عبارة «عطيني حيّللا رقم». نسي الشاب كلّ شيء. حتى التحية اختفت من قاموس مصطلحاته. قبل هذه الجملة، كان الشاب «طبيعياً» جداً، لكن، بعد فورة برامج الهواتف الذكية، وتحديداً برنامجي «true caller» العالمي، و« who›s calling» اللبناني الصنع، اللذين يكشفان هوية أصحاب الأرقام المجهولة التي ترد إلى الهواتف، انقلبت الموازين. فقد الشاب الطبيعي أعصابه، مبهوراً بقدرات برامج تفقده صوابه. برامج لا تكشف عن اسم صاحب الرقم فقط، بل تتعدّاه إلى الكشف عن ماهية عمله ومكانه أيضاً. بتعبير دقيق: تعرّيه.
خدمة مميزة بلا شك، إذ بات يمكن لأيّ كان كشف أي متطفّل أو حتى «تطنيش» مكالمة متصّل مزعج، لكن، هل الأمر بهذه البساطة فقط؟ هل تقف الخدمة هنا؟

قد يكون كذلك لدى مشتركين شُغفوا بكشف هوية «المستخبّي». إلا أن هذه الخدمة على «ذكائها»، أثارت خوفاً عند البعض من برنامج، باتت معه الخصوصية «online». فأن تعرف أمّ أن رقم هاتف ابنها، بات موجوداً على هواتف نحو 4 ملايين لبناني، مذيّلاً باسمه وماهية عمله (فلان الفلاني/حزب الله أو قائد منطقة الجبل/حزب الله)، فهذا الرعب بحدّ ذاته. هو خوف على الخصوصية المفضوحة، وخوف آخر من المفاعيل اللاحقة التي يمكن أن تنتج عن تلك البرامج. فمن كان سيعرف بـ«القائد» غير القلّة القليلة القريبة منه، أو «الإخوة»؟ ثمة سؤال آخر: ما الذي سيحصل لاحقاً؟ من المستفيد (أو سيستفيد) من تلك الخصوصية؟ وما هو هدف الشركات التي أطلقت الخدمة من تجميع الأرقام وأرشفة «الخصوصيات»؟

نبدأ من السؤال الأخير عن الهدف الذي يحتفظ به مطلقو الخدمة لأنفسهم، إلا أن أحداً لا يفشي «سرّاً يدرّ المال»، كما يقول أحد الشركاء الأساسيين في خدمة who›s calling. محتفظين لأنفسهم ببحث تطوير هذه البرامج مستقبلاً لتقديم خدمات أخرى.

خوفاً من هذا «السرّ»، بات كثيرون يبحثون في «نوايا» تلك البرامج قبل «المخاطرة» ووضعها على هواتفهم. ذلك أن تنزيل أحد هذين البرنامجين يفترض موافقة مسبقة من الراغب في الحصول على هذه الخدمة، بالدخول إلى قاعدة البيانات الخاصة به. عندها تصبح أرقام أصدقائه كلّها متاحة إلكترونياً، وتتجمّع مباشرة في قاعدة البيانات الأساسية الخاصة بمشغّل الخدمة، علماً أن هناك اليوم إضافات جديدة إلى الخدمة: تحديد الرمز البريدي، رمز المنطقة والبلد وعرض نتيجة البحث على خريطة.
لذلك يمكن السؤال: هل يقتصر الإذن على الدخول إلى لائحة الأرقام الخاصة بالمستخدم؟

يخاف مستشار وزير الاتصالات فراس أبي ناصيف من أن يصبح الإذن مفتوحاً على أكثر «من لائحة الأرقام، مثل التسلل إلى بريدنا الإلكتروني».

الخطر إذاً قد لا يبقى مقتصراً على انتهاك الخصوصية الفردية، بل قد يتعدّاه إلى أخطار أخرى. وإن كان الكثير من المختصين يحصر الأمر في الخصوصية، إذ إن «تلك البرامج لا تمثّل خطورة قومية، بل خطورة على خصوصية الأفراد، فأية معلومة تخص هذا الفرد ستصل إلى طرف آخر من دون علمه ومن دون إرادته أيضاً»، يقول د. علي حمية، خبير الاتصالات والألياف الضوئية. إلا أن ثمة من يضيف المزيد، وإن لم يكن مؤذياً، «فالخطر موجود في أجواء لا رقابة عليها»، يقول رياض بحسون، خبير الاتصالات والمعلومات لدى الاتحاد الدولي للاتصالات. أول المخاطر قد يكون تجارياً، «إذ يمكن شركة تنافس شركة أخرى على مشروع معين، أن تسمح لأشحاص، عبر مكالمات بسيطة جداً، بجمع قائمة بياناتها». وهناك خطورة علمية في أن تقوم بعض الشركات «بتوزيع معلومات (على الناعم) لأشخاص لم يطلبوها أصلاً، وقد تكون معادية لهم، على سبيل المثال يمكن أن تصلهم أخبار من إسرائيل من دون أن يعرفوا مثلاً». قد يحدث هذا الأمر ببساطة مفرطة، فطبيعة هذه البرامج «هي ارتباط المستخدم بعالم معلومات من دون أن يكون مشاركاً فيه، فيصبح جزءاً منه من دون أن تقول الدولة نعم أو لا»، يضيف بحسون.

وهناك ما يمكن تسميته الأذى المتعمَّد، وهو عندما تصبح الخطورة «استخبارية». هنا، يدخل بحسون في تفصيل الطريقة الجديدة للخرق الاستخباري التي كانت حتى عام 2005 «تجري بطريقة عادية كالتجنيد مثلاً». أما اليوم، «فيمكن لدولة ما، ومنها اسرائيل، تجنيد أشخاص من دون أن نعرف أنهم مجندون»، لأنه بكل بساطة «الكلّ مشترك في خدمة الكشف عن الهويات، فمن منهم المجند؟». عندها، يصبح مجنّد واحد على الشبكة أفضل من «ألف جاسوس». وهنا أيضاً، يصبح من الصعب التصدي أو عدم التصدي لهذه التطبيقات، فقد يحتاج فك الارتباط بتلك الشبكات، إلى فك الارتباط بشبكات مترابطة أصلاً، وبالتالي فك الارتباط بشبكة الإنترنت! ثمة حل واحد، أن «يكون هناك إدارة اتصالات قومية، بحيث تقوم الهيئات الناظمة بتنظيم عمل هذه التطبيقات».
ما المطلوب إذاً من قطاع الاتصالات الرسمي؟ وما الذي يقوم به في هذا الإطار؟

بدايةً يؤكد مستشار وزير الاتصالات فراس أبي ناصيف أن الخطورة إلى الآن «شخصية، إذ إن ما يجري الآن هو انتهاك لخصوصية المشتركين في تلك الخدمات».

أما ما تفعله الوزارة في هذا الإطار، فهو «إيقاف هذه الخدمة»، لكن ليس لوقت طويل. إذ تواجه «فتاوى» كثيرة قد تعيد هذه الخدمة إلى الواجهة بعد أسبوع واحد من إيقافها فقط. يشرح أبي ناصيف عملية إيقاف هذه الخدمة التي تجري بين مرحلتي حدوث الاتصال وما قبل وصوله إلى «السرفر» الرئيسي. ويشير إلى أنه «في اللحظة التي يردنا فيها اتصال، يرسل الهاتف الرقم المتصّل إلى عنوان قاعدة البيانات الرئيسية، التي تكون الشركة قد جمعتها، للحصول على الاسم، ومن ثم العودة إلى هاتف المشترك». ما يمكن وزارة الاتصالات القيام به هو «اعتراض الطلب قبل تنفيذه إن تعرّفت على عنوان القاعدة». حلّ بسيط، لكن على أرض الواقع ثمة «استحالة لإيقاف هذه البرامج نهائياً، وخصوصاً أن بإمكان الشركة أن تعدّل في عنوان قاعدة البيانات الرئيسية».

هي لعبة الفأر والقط إذاً. فما إن تقوم الوزارة بالاعتراض، حتى تتغير «الموجة» على عنوان آخر. وهنا، يتطرّق أبو ناصيف إلى إمكان إيجاد حلول أخرى «كأن نقطع العلاقة بموقعها الإلكتروني». وأيضاً يمكن الشركة «إيجاد فتاوى أخرى، كأن ينزّلوا التطبيقات على مفتاح البحث «غوغل». يمكننا أن نعترض لدى غوغل، لكن قد لا يسمح لنا الأخير بالاعتراض».

إلى الآن، ما يمكن فعله هو «قيام كلّ فرد بإلغاء المعلومات الخاصة به إذا رغب في الدخول إلى موقع الخدمة». فقط لا غير. قد يبدو ذلك عديم الجدوى، لكن من المؤكد أنه يبقى أهون بكثير من التعامل مع برنامج call corder (تسجيل مكالمات الشخص المشبوك بك، الواردة والصادرة، وسماعها في ما بعد)، فهنا لا أحد يستطيع منع متطفلين من تسجيل مكالمات كنت تعتقد أنها لك وحدك.
حماية دولية

ماذا عن الحل القانوني في خرق تلك البرامج لخصوصياتنا؟ وهل يمكن رفع دعاوى على مطلقي الخدمة أو «مندوبيها» في لبنان على سبيل المثال؟ قبل الدخول في تفاصيل ما إذا كان بالإمكان رفع دعوى أم لا، يجب على مطلقي تلك الخدمات فهم طبيعة الأمور «إذ لا أحد يمكنه أن يبني مشروعاً تجارياً يقوم على خصوصية الآخرين، صحيح أن له الحق في الربح، لكن ليس على حساب حياتي الخاصة»، يقول المحامي سامر أبو سعيد. ويتحدّث الرجل عن انتهاك الخصوصية الصريح للأشخاص «الآخرين»، من غير المشتركين في تلك الخدمة، «إنّ مجرد جعل أرقام الهواتف متاحة أمام الجميع، من دون علم أو موافقة أصحابها، يمثّل تعدٍّياً وانتهاكاً للحق الشخصي، الذي تحميه المادة الثانية عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة السابعة عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية». ولئن كانت الأمور غير واضحة في لبنان، بالنسبة إلى القوانين الحالية، إلا أنه يمكن أيّ شخص، يشعر بأنّ حقه الشخصي انتُهك، أن يرفع دعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة، وذلك استناداً إلى الشرعتين.




Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: