Wednesday, July 17, 2013

الانفراجة مع العلويين الأتراك

تحليل السياسات

صفحات رأي ومقالات

الانفراجة مع العلويين الأتراك

الشرق الأوسط
13 تموز/يوليو 2013

اندفعت تركيا في الأشهر الأخيرة إلى فعل الشئ غير المتصور بإطلاقها محادثات سلام مع "حزب العمال الكردستاني" -- وهو منظمة أدرجته أنقرة كجماعة إرهابية. ومن بين الدوافع الهامة وراء هذه الانفراجة سياسة أنقرة تجاه سوريا. وتعمل تركيا على تغيير النظام في دمشق، بدعمها المتمردين للإطاحة بنظام الأسد. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، تحتاج أنقرة إلى جميع ما تستطيع أن تحصل عليه من أصدقاء، حتى لو كان ذلك يعني التواصل مع خصومها السابقين. ويتمتع "حزب العمال الكردستاني" بتواجد قوي داخل سوريا، ومن خلال إرساء السلام مع هذه الجماعة، تأمل تركيا أن تكسب هذه المنظمة إلى جانبها ضد نظام الأسد.
والآن، تدفع الأزمة السورية تركيا إلى فعل الشيء التالي غير المتصور ألا وهو: التواصل مع العلويين الأتراك، في سوريا وداخل البلاد على حد سواء. وهذا من شأنه أن يساعد أنقرة على الحيلولة دون زعزعة الاستقرار المنطلق من سوريا. ويوضح بصراحة أحد التقارير الصادرة مؤخراً عن "مجموعة الأزمات الدولية" أنه "مع ما أصاب سوريا من ضعف وانشقاق متزايدين، ومع عدم ظهور أي بوادر لحل الأزمة"، فإن تركيا بحاجة إلى تكوين صداقات مع جميع الجماعات السورية لضمان قدرتها على إدارة الفوضى هناك.
كما أن التواصل مع العلويين السوريين سيمثل إشارة هامة للعلويين الأتراك، الذين يتركزون في الغالب في محافظة هاتاي الواقعة أقصى جنوب البلاد، وبجوار سوريا.
وتطفو التوترات إلى السطح بين الحكومة والعلويين الأتراك. فبعد أن بدأت أنقرة في توفير ملاذ آمن لجماعات المعارضة السورية والثوار المسلحين في خريف عام 2011، انتاب الشك العلويين الأتراك تجاه سياسات حكومة "حزب العدالة والتنمية". كما لعب العلويون الأتراك دوراً كبيراً لا يتناسب مع حجمهم في المسيرات المناهضة لـ "حزب العدالة والتنمية"، بما في ذلك مظاهرة جرت في 9 آذار/مارس وجذبت ألفي شخص واحتجاج أُقيم في أواخر عام 2012 شارك فيه نحو ثمانية آلاف شخص. إن العلويين الأتراك غاضبون من سياسة أنقرة تجاه سوريا التي يرون أنها تمثل دعماً واضحاً للسنة السوريين بما يضر بأبناء عشيرتهم، العلويين السوريين.
وفي سبيل سعيها لتحقيق انفراجة مع العلويين الأتراك، لدى حكومة "حزب العدالة والتنمية" في أنقرة شريك غير محتمل، وإن كان بالغ القيمة والأثر ألا وهو: "حزب الشعب الجمهوري" التركي المعارض، الذي يحظى بشعبية بين العلويين الأتراك وقد تواصل بالفعل مع النظام البعثي في دمشق، حيث كسب الإشادة من العلويين السوريين الذين يدعمون هذا النظام.
لقد كانت وفود "حزب الشعب الجمهوري" متعاطفة بشكل كبير مع نظام الأسد في سوريا. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2011، أرسل الحزب وفداً عبر الحدود بناءً على دعوة من "الاتحاد النسائي السوري". وبعد زيارته لدمشق وحماه واللاذقية، أعلن الوفد عن معارضته لقيام "تدخل أجنبي في شؤون سوريا الداخلية". ومؤخراً، زار أربعة نواب عن "حزب الشعب الجمهوري" الأسد في دمشق في أوائل آذار/مارس. وفي مناورة للعلاقات العامة، قوض هؤلاء من سياسة "حزب العدالة والتنمية" تجاه سوريا، حيث أكدوا على أن الشعب التركي "يرفض التدخل في سوريا".
واليوم، حيث يخالج العديد من العلويين الأتراك المناصرين لنظام الأسد شك كبير في حكومة أنقرة، فلن يكون من باب المبالغة أن نقول إن هؤلاء العلويين لديهم مشاعر أكثر دفئاً تجاه "حزب الشعب الجمهوري". كما أن العلويين الأتراك، وهم طائفة تشمل نحو نصف مليون شخص، يفضلون "حزب الشعب الجمهوري" أيضاً. وقد أشار استطلاع للرأي صدر مؤخراً من قبل عضوة البرلمان عن "حزب الشعب الجمهوري" صباحات أكيراز إلى أن 83 في المائة من العلويين الأتراك دعموا حزبها في انتخابات 2011.
إن التواصل مع العلويين السوريين سوف يعود بفائدة هائلة على كل من شعبي تركيا وسوريا.
وتخشى أنقرة من أن ينتقل الصراع بين العلويين والسنة في نهاية المطاف إلى أراضيها، مما يزكي نيران التوتر بين السنة والعلويين في محافظة هاتاي. ولهذا السبب "تأتي الانفراجة مع العلويين" -- بقيادة "حزب الشعب الجمهوري"، وبتشجيع من "حزب العدالة والتنمية" -- منسجمة ضمن الإطار العام. وربما لا يرغب "حزب العدالة والتنمية" في مشاركة سياسته تجاه سوريا مع "حزب الشعب الجمهوري"، لكن من الواضح أنه من صالح "حزب العدالة والتنمية" أن يُشرك حزب المعارضة، مالئاً بذلك الفجوات في سياسته تجاه سوريا.
وقد يجد "حزب الشعب الجمهوري" نفسه مشدوداً للعمل مع "حزب العدالة والتنمية" إذا أشركه الحزب الحاكم في عملية صنع القرارات المتخذة في أنقرة بشأن سوريا، بما يوفر لـ "حزب الشعب الجمهوري" منبراً للتعبير عن آرائه. لقد اتخذت تركيا بالفعل بعض الخطوات الإيجابية تجاه العلويين السوريين، على سبيل المثال إنشاء مناطق منفصلة في هاتاي للعلويين الذين يرغبون في التخلي عن نظام الأسد. وفي هذا الإطار فإن تشكيل لجنة مشتركة بين "حزب العدالة والتنمية" و"حزب الشعب الجمهوري" لمناقشة موضوع سوريا من شأنه أن يبعث بالرسالة الصحيحة إلى العلويين السوريين والأتراك على حد سواء.
لقد أصبح التفتت يضرب سوريا إلى أن جعلها دولة ضعيفة ومنشقة؛ وبغض النظر إذا كان الأسد سيبقى في الحكم أو يفقد سلطته، سرعان ما ستواجه تركيا حالة من عدم الاستقرار على أعتابها في السنوات المقبلة. وللأسف، سوف يشكل الصراع بين السنة والعلويين محوراً رئيسياً لحالة عدم الاستقرار هذه. وأنقرة التي تربطها بالفعل علاقات قوية مع السنة السوريين يمكنها أن تُحد من تعرضها لهذه المخاطر من خلال بناء جسور للتواصل مع العلويين السوريين. ويمكن أن يكون "حزب الشعب الجمهوري" الشريك المثالي لهذا الفعل.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: