تحليل السياسات

المرصد السياسي 2100
تصاعد العنف والتصدعات السياسية في لبنان
15 تموز/يوليو 2013
في 9 تموز/يوليو، انفجرت سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت الخاضعة لسيطرة «حزب الله»، الأمر الذي أسفر عن مقتل شخص واحد وجرح عشرات آخرين، معظمهم من الشيعة. وبعد يوم واحد، أعلن رئيس البرلمان أن "التيار الوطني الحر" الذي يتزعمه العماد المتقاعد ميشال عون سوف يخرج من «قوى 8 آذار» في البرلمان التي يتزعمها «حزب الله». ومنذ عام 2006، سهَّل تحالف "التيار الوطني الحر" مع «حزب الله» الهيمنة السياسية للميليشيا الشيعية على لبنان. وإذا استمر هذا التصدع الجديد، فسوف يمثل تحولاً كبيراً في الحركة السياسية في البلاد -- والمزيد من العزلة لـ «حزب الله» -- في لحظة أصبح فيها السنة في لبنان يأخذون الطابع المتشدد والمسلح بشكل متزايد.
القتال في صيدا
أصبحت الحرب الدائرة في سوريا لمدة تزيد على العامين مهدِدة لاستقرار لبنان. حيث إن وجود ما يقرب من نصف مليون لاجئ معظمهم من السُنة أتوا من الجوار قد حرّف إحصائياً التركيبة السكانية الطائفية الحساسة في لبنان، كما أن وفاة الآلاف من أهل السنة على أيدي نظام الأسد العلوي -- الشيعي إسمياً -- قد أثار التوترات إلى نقطة الغليان. ومما يزيد من القلق هو أن فصائل لبنانية لها مقاتلين متنافسين في سوريا باتت تتصارع في بلادها أيضاً. ففي طرابلس، على سبيل المثال، ظل السلفيون السنة يقاتلون مؤيدي نظام الأسد من العلويين لمدة عام تقريباً؛ كما يقوم السنة والشيعة بقتل الواحد للآخر في منطقة الحدود الشمالية قرب الهرمل.
ومع ذلك، فقد وقعت آخر الصدامات الطائفية الأكثر حدة في مدينة صيدا في جنوب لبنان، وبلغت ذروتها في معركة جرت في 24 حزيران/يونيو بين ميليشيا «حزب الله» و200-300 من أنصار الشيخ السلفي الغامض أحمد الأسير، الذين كانوا مسلحين بأسلحة ثقيلة. وقد اشتركت وحدات "القوات المسلحة اللبنانية" في مناوشات استمرت طوال اليوم بما فيها إحدى الهجمات على مجمع الأسير القريب من عبرا. ووفقاً لمصادر لبنانية، أطلق جنود "القوات المسلحة اللبنانية" ما يزيد عن 400,000 طلقة أثناء هذه المعركة. ومع نهاية اليوم، لحقت الهزيمة بقوات الأسير، ولكن قُتل ثمانية عشر جندياً لبنانياً بالإضافة إلى ثمانية وعشرين مسلحاً آخر.
ورغم عدم وجود إشارة إلى أن "القوات المسلحة اللبنانية" قد نسّقت عملياتها مسبقاً مع «حزب الله»، إلا أن التقارير من المعركة تدفعنا للقول على الأقل بأن الميليشيا حاربت إلى جانب الجيش. وهذا الواقع -- جنباً إلى جنب مع العمليات السابقة لـ "القوات المسلحة اللبنانية" التي استهدفت السنة الذين يدعمون الثوار السوريين -- لم يؤكد سوى الشكوك المنتشرة بأن هناك قاعدة موالية للشيعة في الجيش. وفي الوقت نفسه في واشنطن، ربما زاد حادث عبرا من الأسئلة في الكونغرس بشأن الاستمرار في تقديم مبلغ 100 مليون دولار سنوياً إلى "القوات المسلحة اللبنانية".
سامراء التالية؟
في 9 تموز/يوليو، وبعد أسبوعين من انتهاء المعركة في صيدا، انفجرت سيارة مفخخة كبيرة بالقرب من المجمع السكني والمكتبي لـ «حزب الله» في بيروت. وأفادت التقارير أنه كانت هناك أربع محاولات أخرى لمهاجمة الحي قبل وقوع هذا الحادث، لكن تم اعتراضها جميعاً. ورغم أن هوية من قام بهذا التفجير تبقى غير معروفة، إلا أن هناك شكوك عن ضلوع سلفيين لبنانيين وثوار سوريين في وقوعه -- وإن لم يكن ذلك مفاجئاً نظراً للغضب المتصاعد من الدور البارز الذي يلعبه «حزب الله» في قتل السنة في سوريا. وكان تحالف الثوار الرئيسيي، "الجيش السوري الحر" قد سبق وأن تعهد بمهاجمة «حزب الله» في لبنان، في الوقت الذي أعلن فيه العالم الإسلامي السني الكبير يوسف القرضاوي أن ما يُسمى بـ "«حزب الله»" كان في الحقيقة "حزب الشيطان".
ورغم هذا العداء السني- الشيعي الآخذ في الازدياد، سعى كل من «حزب الله» و «تحالف 14 آذار» الذي يترأسه السنة إلى تخفيف حدة هذا الموقف في الأعوام الأخيرة، ولا شك أنهما كان يضعان نصب أعينهما الهجوم الذي وقع على الضريح الشيعي الرئيسي في سامراء - العراق عام 2006، الذي أثار سنوات من العنف الطائفي. وفي بيانين منفصلين، اتهم «حزب الله» وزعيم «تحالف 14 آذار» سعد الحريري إسرائيل بارتكاب التفجير الذي وقع في 9 تموز/يوليو.
انقسامات في »تحالف 8 آذار«
وفقاً لزعيم "حركة أمل" ورئيس البرلمان الدائم نبيه بري، استند خروج "التيار الوطني الحر" في 10 تموز/يوليو من «قوى 8 آذار» على "أسباب محلية"، وليس على "مقاومة" «حزب الله» ضد إسرائيل -- تلك المقاومة التي لا تزال تدعمها الحركة. وبالرغم من أن "التيار الوطني الحر" منحاز سياسياً لـ «قوى 8 آذار» منذ عام 2006، عندما وقّع عون على مذكرة تفاهم مع «حزب الله»، إلا أن الحزب قد شهد سلسلة من الخلافات العلنية جداً مع الميليشيا في الأشهر الأخيرة. وعلى وجه التحديد، عارض عون دعوة «حزب الله» لتمديد فترة ولاية البرلمان بثمانية عشر شهراً وكذلك تمديد فترة ولاية رئيس أركان القوات المسلحة اللبنانية العماد جان قهوجي، الذي من المقرر أن يتقاعد قريباً. وبدلاً من ذلك، سعى عُون بصورة حثيثة نحو الوصول إلى اتفاق لا يمكن تحقيقه بشأن قانون انتخابي جديد وإجراء انتخابات جديدة، إضافة إلى طلبه أن يتم تسمية صهره -- رئيس قيادة القوات الخاصة في "القوات المسلحة اللبنانية" شامل روكز -- رئيس الأركان الجديد.
وقد عارض عُون تمديد فترة ولاية البرلمان لأنه مكلفاً بمهمة انتخاب رئيس لبنان القادم عام 2014؛ ووفقاً للتشكيل الحالي للسلطة التشريعية، سوف تكون له فرصة ضئيلة بالفوز بذلك المنصب. وفي الوقت نفسه، إذا بقي قهوجي رئيساً لهيئة أركان الجيش اللبناني، تشير السوابق إلى أنه سيظهر بسرعة المرشح الأوفر حظاً للفوز بمنصب الرئاسة.
ويبدو أن عُون و«حزب الله» مختلفان بشأن الحكومة التي يجري تشكيلها حالياً من قبل رئيس الوزراء تمام سلام. وحتى وقت قريب، كان سيتم توزيع المناصب في مجلس الوزراء المكون من أربعة وعشرين عضواً بالتساوي بين «تحالف 14 آذار» و«قوى 8 آذار» ووزراء يختارهم رئيس الوزراء والزعيم الدرزي وليد جنبلاط. وبموجب صيغة معقدة مقترحة، ستحصل «قوى 8 آذار» الشيعية على 5 حقائب وزارية بينما يحصل "التيار الوطني الحر" والمسيحيون الأرمن في الكتلة على ثلاثة معقاعد وزارية فقط. وكان عون، على ما يبدو، يدفع لحصول "التيار الوطني الحر" على خمسة مقاعد من الإثني عشر مقعداً المخصصة كلياً للمسيحيين في مجلس الوزراء.
وبما أن "التيار الوطني الحر" قد تفسخ الآن، فإن معالم الحكومة الجديدة أصبح يكتنفها المزيد من الغموض. وقد كان «تحالف 14 آذار» بالفعل غير متأكد من الموافقة على الجلوس مع «حزب الله» في مجلس الوزراء خوفاً من تنفير مؤيديه من السنة. وأياً كانت النتيجة، فيكاد يكون من المؤكد أن الحكومة الجديدة سوف تكون أقل فعالية وحسماً من سالفتها المؤقتة المحتضِرة.
التداعيات
في حين أن الخلافات بين التيار الوطني الحر و«حزب الله» واضحة، إلا أن خطة عُون بالخروج من «قوى 8 آذار» -- على افتراض أن ذلك كان خياره -- يصعب فهمها. وفي بيروت، يقول البعض إن السعوديين كانوا يضغطون على عُون كجزء من جهودهم الرامية إلى تقويض نظام الأسد مهددين بإجلاء مموليه من المملكة إذا استمر في شراكته مع «حزب الله». وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، حضر عون حفلة عشاء مع السفير السعودي في بيروت، الأمر الذي أجج المزيد من الشائعات. وفي الوقت نفسه، قد يستغل العماد قهوجي مثل هذه الاجتماعات للحصول على تنازلات سياسية من «حزب الله»؛ وعلى أي حال، يخشى كثير من ناخبي عُون من مضاعفات الاستيلاء السني على سوريا، وبالتالي ليس لديهم مشكلة كبيرة مع بقاء الأسد في السلطة.
في جميع الأحوال، يبقى استمرار عُون بمفرده أمراً محيراً -- إذ من غير المحتمل بعد الآن أن يساند «تحالف 14 آذار» ترشيحه للرئاسة أكثر من ذي قبل، أو حتى السماح له بالاحتفاظ على سيطرته على المناصب الرئيسية مثل وزارة الطاقة. وهناك احتمال، على الرغم من غير المرجح وقوعه، يقول بأنه ربما يؤمِّن رهاناته محاولاً وضع مسيحيي لبنان في موقع أفضل حال تحقيق نصر نهائي للسنة في سوريا. أو ربما يأمل السياسي البالغ من العمر ثمانين عاماً في حصول انفراجة مع «تحالف 14 آذار»، لكي يقوم بمحاولة أخيرة للوصول إلى رئاسة الجمهورية.
وبالنسبة لـ «حزب الله» أيضاً، فإن خسارة عُون مشكلة يصعب حلها. ورغم أن الفساد المستشري في الوزارات التي يتحكم فيها "التيار الوطني الحر" كان بمثابة طائر القطرس البحري للميليشيا، إلا أن حزب عُون كان لا يزال الوجه المسيحي لـ «قوى 8 آذار». وبدونه يعود «حزب الله» وحركة أمل إلى كتلة شيعية ضيقة في وقت يتصاعد فيه النزاع الطائفي المتعلق بسوريا داخل الأراضي اللبنانية. ولكن بالنظر إلى تدهور المكانة الإقليمية لـ «حزب الله»، والتزامه العنيد بتأييد الأسد، وموقفه العسكري المهيمن في لبنان، ربما ترى هذه الميليشيا أنها لم تعد بحاجة إلى التغطية المسيحية من عون، لا سيما إذا أصبح قهوجي المرشح الأوفر حظاُ للوصول إلى الرئاسة من خلال اتباعه فلسفة أكثر ودية. كذلك من المرجح أن تشير حسابات «حزب الله» إلى أنه إذا فاز الأسد فسوف تزداد تطلعات الحزب، ولكن إذا انتصر الثوار فسوف يميل عون وغيره من المسيحيين اللبنانيين إلى المضي في حلف الأقليات مع الشيعة ضد السنة.
وما زالت تبعات انشقاق عُون على المدى الطويل غير واضحة حتى الآن. وإذا كانت السياسة اللبنانية فعالة، فسوف يمثل رحيله من «قوى 8 آذار» هزة حقيقية لآليات الحركة البرلمانية الراكدة. ومع ذلك، ونظراً للفترة المحدودة لولاية الحكومة الجديدة، فقد لا يكون للتغيير أثراً يذكر أو أي أثر على الإطلاق، إلا إذا حدث تحولاً غير محتمل من قبل "التيار الوطني الحر" تجاه «تحالف 14 آذار».
إن هجوم الضاحية، الذي يمثل بداية النهاية لإفلات «حزب الله» من العقاب يمثل نتيجة تبعية سواء بسواء على مسار مستقبل البلاد. وخلال عدة سنوات، ظلت المليشيا تخيف الأعداء السياسيين وتهاجمهم بشكل دوري بمن فيهم السنة. ومع ذلك، فإن الانتفاضة السورية قد رفعت سقف طموح المعارضة الداخلية لـ «حزب الله» في الوقت الذي يبدو فيه أن الحزب يفقد حلفاء سياسيين، ومن المرجح أن تشهد لبنان عنفاً طائفياً متزايداً نتيجة لذلك. وإذا استمر ظهور "القوات المسلحة اللبنانية" في ثوب الداعم لمجموعة انتخابية وتفضيلها على أخرى، فسوف تواجه ضغوطاً ومصائب متزايدة.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
0 comments: