’رسائل إيجابية’ بين الرياض ونصرالله؟
’رسائل إيجابية’ بين الرياض ونصرالله؟ - طارق ترشيشي
طارق ترشيشي - صحيفة الجمهورية
هل تكون مجزرة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية أمس الأول بدايةً لانطلاق مناخ جديد في العلاقات السياسية المحلية والإقليمية؟ أم أنها ستكون إيذاناً لمرحلة من التفجير الشامل الذي لن يستثني لبنان، بل سيضعه على خطّ الزلزال الدموي الذي يعصف بسوريا والعراق، والى حدّ كبير، مصر وليبيا وتونس؟
سياسيون حاولوا أن يقرأوا في خطاب الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله أمس إتجاه الرياح الآتية الى لبنان والمنطقة، فوجدوا أنّ هذا الخطاب وعلى رغم ما تخلّله من مقاطع عاطفية ووجدانية تعكس حميمية العلاقة بين السيّد وجمهوره، خصوصاً بينه وبين ذوي الشهداء، كان خطاباً سياسياً من الدرجة الاولى يتساوى فيه، من ناحية الاهمية، ما قاله السيّد مع ما لم يقله.
ورغم انّ الخطاب حمل تهديداً واضحاً للجهات التي إتهمها بالوقوف وراء سلسلة التفجيرات والاعتداءات، إلاّ انّ السيّد كان واضحاً في رغبته بحصر الاتهام والتهديد بجهة واحدة هي الجهة "التكفيرية الإرهابية"، فيما اعتبر انّ الخلافات السياسية مع الأفرقاء الآخرين في لبنان يجب ان تبقى في الاطار السياسي ولا تنزلق الى التحريض الطائفي والمذهبي الذي من شأنه وضع البلاد على شفير الهاوية، وإنّ أحداً من اللبنانيين لن ينجو من نار هذه الفتنة التي تحاك في لبنان والمنطقة. وهو ما فسّره كثيرون باستعداد الأمين العام لحزب الله ضِمناً لحصر الخلافات في نطاق محدد ورغبته في التمييز بين "قتلة تكفيريين" وخصوم سياسيين.
كذلك لفت هؤلاء السياسيون أيضاً الى حرص نصرالله على افساح المجال للدولة بأجهزتها العسكرية والامنية لقطع دابر هذه الجماعات التكفيرية مع تلميحه الى انه في حال عجزها، فإن حزب الله سيتولى أمرها. وهذه المسؤولية التي وضعها السيّد في عهدة الدولة برؤسائها ووزرائها بمقدار ما تنطوي على تحميلها مسؤولية ايّ تقاعس، فإنها تنطوي ايضاً على اقرارٍ بمرجعيتها كحامية للأمن والسيادة ومكافحة الارهاب.
ولاحظ السياسيون أنفسهم أيضاً انّ السيد نصرالله لم يسمِّ ايّ دولة عربية بإسمها، على خلاف ما فعله في مقابلته التلفزيونية قبل يومين حين وجّه الى الرياض تحديداً كلاماً قال فيه "إنّ المملكة العربية السعودية هي التي تبادل حزب الله العداء فيما الحزب حتى الآن لم يرد على سلبيتها تجاهه".
وفيما كان البعض يعتقد انّ نصرالله سيوغل في خطابه أمس في التعرّض للمملكة وغيرها من دول الخليج، إذ به يتجنّب ذكر إسم أيّ عاصمة عربية، وكأنه يريد أن يفسح في المجال أمام هذه العواصم لمراجعة سياساتها تجاه حزب الله خصوصاً، وفي المنطقة عموماً، وهو أمر يستحق المتابعة على صعدٍ عدة، خصوصاً انّ الموقف السعودي في مصر يتناقض تماماً مع الموقف القطري، وهذا ما اشار اليه نصرالله حيث تحدث عن "التناقض" بين موقفي قناتي "العربية" المحسوبة على السعودية، و"الجزيرة" المحسوبة على قطر، بكل ما يحمله هذا التناقض من علامات إستفهام حول "صدقية" القناتين اللتين تجتمعان على محاربة ايران والعراق وسوريا وحزب الله، وتختلفان في مصر وتونس وليبيا، متسائلاً "أيّاً من أخبار القناتين نصدّق في مواكبة الاحداث التي تدور في المنطقة؟".
وتقول معلومات غير مؤكدة انّ اصدقاء مشتركين بين الرياض ونصرالله قد نقلوا رسائل ايجابية تحمل رغبة سعودية بتجنب النزاع مع حزب الله، خصوصاً انّ اشارات عدة رجّحت احتمال انفراج في العلاقات بين الرياض وطهران بعد تولّي الشيخ حسن الروحاني الرئاسة الايرانية.
وهنا يتوقف السياسيون إياهم أمام مسارعة قادة تيار "المستقبل" بدءاً من الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة وصولاً الى نواب "التيار" الى استنكار مجزرة الرويس بنحو لافت مقروناً بموقف متميّز لحزب الكتائب عبّر عنه الرئيس امين الجميّل ونجله النائب سامي وتوّجته تصريحات نائب رئيس الحزب سجعان قزي لدى زيارته مكان الإنفجار.
وما يعزز وجود هذا المناخ الجديد هو ما صدر عن اجتماع المجلس الاعلى الدفاع برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وحضور الرئيس نجيب ميقاتي، من اعتبار ما جرى في الضاحية عملاً إرهابياً، داعياً الاجهزة الامنية الى كشف الشبكات التي تقف وراءه وملاحقتها، فيما كشف وزير الدفاع فايز غصن أسماء متورطة في هذه الانفجارات محدّداً انتماءاتها ما قد يفتح الآفاق لعودة الحرارة، ولو محدودة، الى العلاقة بين حزب الله وحلفائه والرئاستين الاولى والثالثة، بما قد يسهّل عملية تأليف حكومة لا اقصاء فيها ولا تنفيذ لاملاءات خارجية تريد ان تعاقب حزب الله، بعضها بسبب الموقف الإسرائيلي منه، وبعضها بسبب موقف الحزب من الأزمة السورية.
ومن هنا جاء موقف نصرالله حاسماً في ما يتعلّق بدور الحزب في سوريا، مشيراً الى الذين يحاولون الضغط عليه من خلال إستهداف ناسه، ومؤكداً انّ تهديدات كهذه ستجعله منخرطاً أكثر في الميدان السوري، وهو أمر يدرك أعداء الرئيس بشار الأسد خطورته على موازين القوى في الحرب السورية.
ومن هنا أيضاً يفهم إصرار نصرالله على رفض تحميل السنّة كطائفة او السوريين والفلسطينيين كشعب، المسؤولية عن المجازر التي يرتكبها من ينتمي الى هذه الطائفة أو ذاك الشعب، وهو أمر لا يدرك معناه وأهميته إلّا من يعرف حجم الغليان الكبير الذي يعصف بمشاعر جمهور حزب الله بفعل الجرائم والمجازر التي ترتكب في حقه.
لكنّ سياسيين آخرين يعتقدون أنّ قرار الانفراج في العلاقات الداخلية أو الخارجية ليس في يد الجهات المحلية والعربية بمقدار ما هو في يد واشنطن والدول الأوروبية التي ما زالت تعتبر "حزب الله" عدواً خطيراً لها، ولا سيّما من منظور الخطر الذي يمثّله على إسرائيل التي يتحكم انصارها بالقرارين الاميركي والاوروبي.
لكنّ هؤلاء السياسيين يرتكبون خطأ في تحليلهم النمطي هذا في ظل الاختراق الواضح بين موقف الرياض وعدد من الدول العربية في المسألة المصرية وموقف واشنطن والاتحاد الاوروبي، لا بل انّ مندوب المغرب في مجلس الأمن وهو يمثل المجموعة العربية قد حال دون اتخاذ قرار يدين الجيش المصري، متوافقاً في موقفه هذا وللمرة الأولى مع الموقفين الروسي والصيني.
إلّا انّ الأيام وحدها ستكشف ما اذا كانت الحكمة والمصلحة العليا للبنان ولدول المنطقة ستتغلّب على الاملاءات الخارجية والغرائز الطائفية والمذهبية التي بات واضحاً من أنّ انفلاتها سيؤدي الى تدمير المنطقة بأسرها، بما فيها لبنان، وهو دمار لن ينجو منه أحد.
فهل ستمسح دماء الشهداء في مجزرة الرويس كثيراً من الادران العالقة في العلاقات اللبنانية ـ اللبنانية والعلاقات العربية والإقليمية؟ أم أنّ شظاياها ستتوسّع ليتحوّل لبنان مجدداً بلداً مشغولاً بتشييع الضحايا ودفن الأبرياء المنتمين الى كل المناطق والطوائف؟
0 comments: