
Mon, 09/02/2013 -
بقلم: الوف بن
اتخذ الرئيس الأميركي، براك أوباما، القرار السليم بإعلانه "عملية مع وقف التنفيذ" ضد سورية. فقد أوضح بأن القوات جاهزة والاهداف محددة، لكنه كسب وقتاً لبلورة مخرج من الأزمة. وفي الايام القريبة القادمة، في قمة العشرين الكبار في سانت بطرسبورغ، سيفحص الحائز على جائزة نوبل للسلام قدراته كدبلوماسي: فهل سينجح في أن يربط الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتسوية تعزز الاستقرار والامن في الشرق الاوسط؟ اذا حاول اوباما وفشل، فانه سيتمتع بالشرعية لعملية عسكرية.
لقد كان التأجيل حيوياً، وذلك لان أوباما يحتاج إلى دعم داخلي ودولي في عملية موضع خلاف، أهدافها الإستراتيجية غير واضحة. وستسمح له المهلة الزمنية بالتدقيق في اهداف الحملة العسكرية وتجنيد المؤيدين لها. هذا ما روج له منذ أيامه الاولى في السياسة.
في إسرائيل يعجبون بمن يسحبون السلاح بسرعة. وقد وصفت ترددات اوباما هنا كتعبير عن الضعف وانعدام الزعامة من جانب "القائد الاعلى". قادة الدولة والجيش الاسرائيلي ومعظم وسائل الاعلام حثوه على أن يضرب الأسد منذ الآن وألا ينتظر المزيد. مرة تلو أخرى أعيد الكليشيه من فيلم "الطيب، الشرير، والبشع" ("إذا كان لا بد ان تطلق النار، فتفضل، ولا تعتذر")، وفي الغالب باقتباس غير دقيق. خسارة أن المشجعين والمتحمسين اكتفوا بمشهد واحد ولم يروا كل الفيلم الذي هو من الاعمال الفنية النقدية المناهضة للحروب على نحو اشد في تاريخ السينما.
فلو أنهم شاهدوه حتى النهاية، لحصلوا على فكرة او اثنتين عن الغاء وانعدام الجدوى من الحروب، ولعلهم كبحوا قليلا جماح حماستهم..
ان الحروب الناجحة تستوعب إعدادا سياسيا ودبلوماسيا جذريا، والا فانها تتعقد وتطول عبثا او تنتهي باخفاق. وحتى في اسرائيل، حيث يقدس رد الفعل السريع على كل عملية وتهديد، كان الصبر مجديا دوما للزعماء الذين تبنوه. لقد سخروا من ارئيل شارون حين قال: "ضبط النفس قوة"، ولكن امتناعه عن ردود فعل حادة على العمليات في بداية ولايته سمح له بالانطلاق الى حملة "السور الواقي" في ربيع 2002 والحاق الهزيمة بالانتفاضة الثانية، متمتعا بإجماع مطلق في الداخل وبدعم دولي واسع. لم يتعلم خليفته، ايهود باراك، الدرس وبعد أربع سنوات من ذلك انطلق الى حرب لبنان الثانية بقرار لحظي. وكانت النتيجة انه جر الى عملية طويلة وفاشلة، فقد التأييد الجماهيري، واضطر الى انقاذ أميركي كي يخرج من الوحل.
الولايات المتحدة العظمى هي الأخرى، التي لا منافس لقدراتها العسكرية، نجحت في حروب استعدت لها (الحربين العالميتين، حرب الخليج) وأخفقت حين عملت دون حلفاء وفي ظل خلاف شديد في الداخل (فيتنام، العراق). يتبين أن النوايا الطيبة لا تكفي حتى للقوة العظمى، وحتى القوة التكنولوجية والاقتصادية. فالحكمة وتجنيد المؤيدين مهمان بقدر لا يقل. لم يعرض أوباما، أول من أمس، صيغة دبلوماسية للخروج من الأزمة السورية. لعله ينتظر مبادرات زملائه في قمة العشرين الكبار، ولعله في ظل الخطابات ذات نزعة القوة تجري قناة دبلوماسية سرية بين البيت الابيض والكرملين، مثلما في ازمة الصواريخ في كوبا في العام 1962. تعتمد الصيغة المطلوبة على نموذج قرار مجلس الامن 687، الذي أنهى حرب الخليج في 1991: بشار الاسد يبقى في كرسيه، وبالمقابل ينزع مراقبو الامم المتحدة السلاح الكيميائي والصواريخ بعيدة المدى الموجودة في سورية. هذا لا يتخذ صورة جيدة مثل القصف وعواميد الدخان، ولكن التجربة العراقية تدل على أنه لا يوجد طريق افضل لازالة "الوسائل الخاصة" من ايدي دكتاتور يذبح الجماهير.
هذه الصيغة يتعين على اوباما ان يبيعها لبوتين. هذا لن يكون بسيطا: فخلافا لصدام حسين في العام 1991، لم يضرب الاسد في المعركة، وجيشه لم يتفتت. فهل التهديد الحالي باطلاق الصواريخ من البارجات يكفي كي يتخلى عن ذراعه الاستراتيجية؟ واذا رفض، فهل سيستسلم بعد الهجوم الأميركي؟ هذه أسئلة ستشغل بال اوباما في رحلته، هذا الاسبوع، إلى روسيا. إذا نجح في نزع السارين والـ "في إكس" السوري دون أن يطلق صاروخا واحدا، فانه سيخرج عظيما مثل جون كندي في الأزمة الكورية. كان محظورا عليه أن يتخلى عن هذه الامكانية، ولهذا فانه لم يستمع الى المتحمسين واختار العملية المؤجلة التي تفسر كانذار للاسد ولبوتين. الكرة الان في ايديهما.
المصدر:
هآرتس
0 comments: