Tuesday, December 17, 2013

تهديد أمني غير خاضع للسيطرة

تهديد أمني غير خاضع للسيطرة

أندرو جيه. تابلر

متاح أيضاً في English

لبنان الآن

10 كانون الأول/ديسمبر 2013

في ضوء تزايد أعداد السوريين الفارين إلى دولة لبنان المجاورة، فإن الوضع لا يمثل مصدر قلق متزايد للأمن القومي اللبناني فقط ولكن للمنطقة بأسرها. ورغم دعم «حزب الله» وإيران لنظام الأسد في سوريا، إلا أن وضعهما الذي يزداد هشاشة يوماً بعد يوم في لبنان ينبغي أن يجعلهما يفكران جيداً قبل الانخراط في أي عمل في ضوء التفجير الأخير للسفارة الإيرانية واغتيال أحد العملاء الميدانيين التابعين لـ «حزب الله» حسن اللقيس. فبدلاً من استمرارهم في تقديم الدعم المطلق لنظام الأسد، زاد «حزب الله» وإيران من أسباب الضغط عليه ليس فقط من خلال الجهود الدولية لتدمير الأسلحة الكيمائية السورية ولكن أيضاً من خلال تسوية سياسية مستقبلية "تتنحى" بموجبها عصابة عائلة الأسد لصالح حكومة انتقالية قابلة للاستمرار تستطيع فعلياً وضع نهاية لهذا الصراع.

أصداء أزمة لاجئين أخرى

وفقاً للإحصائيات الرسمية، استوعبت لبنان حوالي 800,000 لاجئاً سورياً فارين من الصراع. وتقدر الحكومة اللبنانية أن الأعداد الحقيقة تقترب من 1.2 مليون لاجئ نظراً لأن العديد من السوريين الذين دخلوا لبنان يقيمون مع عائلات وفي أماكن إيواء غير رسمية. وتشكل هذه الأعداد ربع سكان لبنان تقريباً البالغ عددهم 4.4 مليون نسمة.

وفي نظام طائفي كذلك الموجود في لبنان، فإن وصول اللاجئين إلى الأراضي اللبنانية مع وجود احتمال ضئيل لأن يعودوا مرة أخرى إلى موطنهم في أي وقت قريب يخلق مشاكل سياسية كبيرة. وتقدر "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" أن 96 في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان هم من المسلمين السنة وهو ما يشبه إلى حد كبير نظرائهم الفلسطينيين النازحين إلى لبنان من عامي 1948 و1967. ويوجد حوالي نصف هذا العدد الآن في المناطق الأكثر فقراً في البلاد مثل شمال لبنان ووادي البقاع، وهي الأماكن التي لا تزال تشهد توترات كبيرة بين السنة والشيعة؛ أما النسبة المتبقية فهي متفرقة في شتى أنحاء جبل لبنان والجنوب وهي المنطقة التي تشكل الأساس الديموغرافي للسكان الشيعة في البلاد.

وفي ضوء دور اللاجئين الفلسطينيين في إشعال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) والوضع المستمر للمخيمات الفلسطينية في لبنان كمناطق قانونية وعسكرية غير واضحة المعالم والحدود لا يسمح للسلطات اللبنانية بدخولها، فلن يكون من المفاجئ أن يعارض اللبنانيون وقادتهم الطلبات المقدمة بإقامة مخيمات رسمية للاجئين السوريين. وبدلاً من ذلك، يعيش السوريون مع العديد من العائلات المضيفة أو يستأجرون شققاً سكنية أو يقبعون في العديد من المباني التي لم يكتمل تشييدها أو في الملاجئ أو في المخيمات غير الرسمية التي يتزايد وجودها داخل البلاد. وفي ضوء التقديرات بأن ثلث منازل السوريين قد دمرت جراء الحرب الدائرة وأنه سيستغرق إعادة بنائها وفق بعض التقديرات عقداً من الزمن، فإن اللاجئين السوريين في لبنان سيمثلون مشكلة طويلة المدى سيحتاج جميع الفاعلين اللبنانيين إلى التعامل معها.

ومما زاد الأمر سوءاً أن تقريراً صدر مؤخراً عن "البنك الدولي" بشأن التأثير الاقتصادي للأزمة السورية على لبنان أشار إلى أن النمو الاقتصادي الإجمالي في لبنان تعرض لتقييد كبير جداً نتيجة للتعامل مع الأزمة لدرجة أن توفير وظائف للبنانيين ناهيك عن السوريين سيجعل التكيف مع الأزمة أكثر صعوبة بكثير.

التهديدات الأمنية  الناشئة

في الوقت الذي لا يوجد فيه مؤشر في الأفق على نهاية الصراع الدائر في سوريا فضلاً عن حداثة اللجوء إلى الحل الدبلوماسي، فإن التهديدات الأمنية التي تنشأ عن هذه المخيمات تزداد يوماً بعد يوم. وهناك خطر متنامي لانتشار أحد الأمراض داخل لبنان وما هو أبعد من ذلك في ضوء ظهور مرض شلل الأطفال في شرق سوريا. ورغم أن هذا يمكن احتواؤه من خلال استجابة إنسانية منسقة، إلا أن معسكرات اللاجئين توفر أرضاً خصبة لتجنيد العناصر الإرهابية كما يمكن أن تكون قاعدة للإرهابيين للتخطيط لشن هجمات إرهابية داخلية ضد المدنيين اللبنانيين.

ويزداد السياسيون اللبنانيون صراحة يوماً بعد يوم بشأن هذا التهديد. فعلى هامش الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس اللبناني ميشيل سليمان إن لبنان تواجه "أزمة بقاء" نظراً لتدفق اللاجئين السوريين قائلاً "إن التوتر الاجتماعي سيزداد مع التنافس الشديد على الوظائف والخدمات". وقد أكد وزير الداخلية اللبناني مروان شربل مؤخراً أن العديد من اللاجئين هم في الحقيقة من مقاتلي الثوار ولذلك هم يمثلون تهديداً للأمن اللبناني. كما صرح عضو البرلمان عن «حزب الله» وليد سكرية أيضاً أن اللاجئين ينفذون "عمليات قتل" تستهدف فصائل في لبنان تدعم نظام الأسد في حين أن بعضاً منهم موجود داخل البلاد لتنفيذ "أعمال تخريبية". وقد ذكر عضو البرلمان اللبناني وأحد الشخصيات المقربة تاريخياً للنظام السوري سليمان فرنجية أن حوالي 50,000 سوري هربوا إلى لبنان محملين بالأسلحة.

وأفادت بعض التقارير أن السلطات اللبنانية قد اتخذت بعض الإجراءات للتعامل مع تجنيد الإرهابيين أيضاً. حيث أصدر قاضي لبناني مؤخراً مذكرة اعتقال بحق العقيد المنشق في الجيش السوري أحمد عامر الذي دخل الأراضي اللبنانية كلاجئ متهماً إياه بتشكيل عصابة مسلحة لتنفيذ عمليات إرهابية داخل لبنان. وفي وقت سابق، اتهم قاضي لبناني آخر 12 شخصاً من بينهم لبناني وسوريين احتجزتهم الدولة بالتخطيط للقيام بأعمال إرهابية واغتيالات في لبنان. وحتى في أوروبا، حيث يتم جمع الأموال لمساعدة اللاجئين السوريين يزداد قلق وكالات المراقبة بشأن إمكانية وقوع المساهمات التي تجمعها في أيدي المتطرفين ومن يقومون بتجنيدهم.

وينشط كل من «حزب الله» وأخوانهم في "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" على الأراضي السورية مما يجعل هذه القوات معرضة لمحاولات مستمرة من قبل النظام لإخضاع المعارضة بصفة عامة بل ولاستخدام مواد كيميائية أو صواريخ سكود وهو ما يمكن أن يحدث في المستقبل. وكما يتضح من الوضع الحالي لنظام الأسد فيما يتعلق بـ "الانتخابات" الرئاسية المقبلة في أواخر الربيع، ليست للرئيس السوري أية نية للتنحي أو تنفيذ أي شيء سوى القيام بمحاولة مزيفة للوصول إلى تسوية. ولم يستطيع الأسد تأكيد سيطرته إلا من خلال تدخل «حزب الله» والوكلاء الإيرانيين جنباً إلى جنب مع استخدامه للأسلحة الكيميائية وغيرها من الأسلحة الإستراتيجية مثل صواريخ سكود والاستخدام المستمر للمدفعية والطائرات الحربية. وعلى عكس الانتفاضة السورية الأخيرة التي اندلعت في 1979-1982، شهدت سوريا تحولاً ديمغرافياً كبيراً لصالح الأغلبية السنية في سوريا وهو الأمر الذي يعني أنه على الرغم من أن الأسد "صامداً"، إلا أن قدرته على استخدام القوة للخروج من الأزمة الحالية بدون التوصل إلى حل سياسي قابل للاستمرار لن تفلح على الأرجح.

إن الطريق الأمثل أمام «حزب الله» وإيران على المدى الطويل هو دعم التوصل إلى حل سياسي حقيقي يؤدي إلى تشكيل حكومة انتقالية في سوريا تعكس رغبات وتطلعات السوريين في جميع أنحاء البلاد. كما أن حدوث تقدم فوري في هذه المسألة يبدو أمراً مستبعداً نظراً لأن المعارضة والنظام ينظران إلى المعركة على أنها لعبة محصلتها صفر يرى فيها كل طرف أن بإمكانه تحقيق نصر عسكري مطلق. إلا أن هذه النظرة تتحطم على صخور الواقع: فالمعارضة السورية لن تعود إلى وضع ما قبل الانتفاضة والتي كانت تقبل فيه آنذاك حكم الأسد، كما أن رعاتها في الخليج وخارجه ليسوا على وشك التوقف عن دعمها في أي وقت قريب - سواء قبل إبرام أي "اتفاق" بشأن برنامج طهران النووي أو بعده. وفي واقع الأمر، فإن الصراعات التي تتم بالوكالة غالباً ما تزداد حدتها سواء بعد أن يتوصل أطراف النزاع إلى امتلاك قدرات نووية أو إلى اتفاقات لاحتوائها لأن أي عودة إلى الحروب التقليدية هو طريق أكثر أماناً للسعي في سبيل تحقيق مصالحهم. وفي الوقت نفسه، فإن قوات النظام - حتى بمساندة «حزب الله» - لا تستطيع استعادة جميع الأراضي السورية والاحتفاظ بها من دون أن يتوفر لها قوات كافية، لا يمتلكها النظام في واقع الأمر. إن مواجهة هذه الحقائق الأليمة في الوقت الحالي يمكن أن تساعد في تجنب المزيد من إراقة الدماء في سوريا وفي لبنان على المدى الطويل.

أندرو جيه. تابلر هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومؤلف كتاب "في عرين الأسد: رواية شاهد عيان عن معركة واشنطن مع سوريا".

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: