الموجة العنصرية تهدد بإغراق المشروع الصهيوني
Fri, 01/10/2014 - —
بقلم: جدعون ليفي
تكمن وراء كل هذا الشر بواعث نفسية معوجة، وتكمن وراء كل القومية والعنصرية نفسٌ وطنية قاتمة متنازعة. بهذا فقط يمكن أن نفسر الموجة العكرة التي تهدد بإغراق المشروع الصهيوني في الأعماق. إن الشر باسم القومية يرفع رأسه في كل مكان، وقد أصبحت معاملة الفلسطينيين هي شر الأمس.
ليس من سبيل الى فهم كيف أصبح مجتمع لاجئين ومهاجرين في غضون وقت قصير جداً مجتمع شر كهذا ترأسه حكومة شر. وكيف حدث أن تدمر دولة كانت ترمي الى أن تكون مكان لجوء ونجاة مع ادعاء مجتمع عدل وهداية للأغيار وشعب مختار، كيف تدمر اجهزة منعتها. وكيف يقوم رئيس وزراء ليتحدث عن خمسة من طالبي لجوء أفارقة بائسين بلغة جد مستكبرة ومؤمنة بالقوة، إذ قال: "لن تساعد أية تظاهرات وإضرابات، فنحن مصممون على إخراج أولئك الذين دخلوا دولة إسرائيل"، وليس فيها أدنى قدر من الرحمة الإنسانية، وكيف بلغنا إلى وضع أصبح من المشروع فيه أن يُحرض عليهم وتُشاع الكراهية الدنيّة ضدهم.
كيف يستطيع أبناء لاجئي الأمس، الذين نشؤوا على قصص آبائهم الفظيعة وعلى قصص إنقاذ قلة قليلة من فضلاء أمم العالم لهم، أن يسدوا قلوبهم وألا يروا التشابه بين مصير أجدادهم الذين حاولوا أن يطرقوا أبواب العالم ومصير من يطرقون أبواب دولتهم الموصدة، لكن ليست الأبواب وحدها هي الموصدة، فأكثر القلوب موصدة والأدمغة مغسولة.
الاستنتاج أن الإسرائيليين أصيبوا بأعراض ستوكهولم. فبدل أن يطور الضحايا شعورا متطورا مميزا بالعدل بسبب تراث الماضي، طوروا شعور موالاة عجيبا لأولئك الذين نكلوا بهم. ويظهر اليهود الاسرائيليون كالرهائن الاربعة في فرع البنك في عاصمة السويد الذين أفضوا الى تشخيص هذه الاعراض في العام 1973، يظهرون علامات موالاة لعقيدة من قاموا للقضاء عليهم قبل جيلين أو ثلاثة فقط. ليس طالبو اللجوء من افريقيا ناجين من المحرقة بالطبع، وكان يمكن أن تكون معاملتهم أقسى مما هي اليوم، لكن علامات الشر أخذت تشيع كثيرا حتى إنه ليُظن أن الحديث يدور عن تلك الأعراض المشهورة.
لا يدور الحديث فقط عن فقدان الشعور بالعدل بل عن سلوك انتحاري أيضا. فقد كان أساس قوة إسرائيل دائما التسويغ الأخلاقي لها، فبفضله قامت وبفضله ثبتت. وقد نبعت نظرة العالم إليها قبل كل شيء من شعور بالذنب نحو ضحايا المحرقة. وأضيف إلى ذلك قوتها العسكرية وازدهارها الاقتصادي والعلمي وتأثير يهود العالم. لكن المنارة – في ظاهر الأمر قد تنهار من غير التسويغ الأخلاقي. كان الكيبوتس والريادة والتقدم والديمقراطية ومساعدة دول أفريقيا أيضا في أول الطريق مصدر قوة لإسرائيل لا يقل عن جيشها ولم يبق منه الكثير.
بإزاء تظاهرات حرية مؤثرة جدا كالتي كانت، هذا الأسبوع، بقي الرأي العام غير مبال في أحسن الحالات، ومُحرضا في أسوئها. كان ميدان رابين أشد سوادا من السواد في يوم الأحد، فلم يكد يوجد فيه بيض، فقد كان الإسرائيليون أكثر انشغالا من أن يؤيدوهم. وأصبح أرباب العمل يهددون بالإقالة، وصارت السلطات تشتد أكثر في معاملتها، ولا تكاد توجد في المقابل أصوات أخرى سوى أصوات عدد من منظمات المساعدة الشجاعة التي اصبحت حملات التحريض ضدها وسلبها شرعيتها في ذروتها. "من المثير أن نعلم من الذين ينفقون على هذه التظاهرات وما هو هدفها"، قال مقدم نشرة الأخبار في صوت اسرائيل بصورة مسمومة معبرا تعبيرا أصيلا عن صوت الدولة.
أصبحت اللعبة منذ الآن هي "الحفاظ على صبغتها اليهودية"، ويجوز باسم هذا إحداث كل شيء تقريبا، كما يجوز إحداث كل شيء باسم عبادة الأمن. لكن إذا كانت توجد تسويغات لدين الأمن فلا تسويغ لوسواس الحفاظ على الصبغة اليهودية بكل ثمن سوى القومية والعنصرية اللتين تلدان كل هذا الشر. هكذا هي الحال في أعراض ستوكهولم وهي أن تصبح قيم الخاطف وهي "طهارة العرق"، بالتدريج قيم الرهينة وهي "الدولة اليهودية".
0 comments: