تـجـارة الـسـلاح الإسـرائـيـلـيـة.. أســرار مـنـقـوصــة
Fri, 01/10/2014 1 —
بقلم: غيلي كوهي
صدّرت الصناعات الأمنية في دولة إسرائيل في العقد الأخير أسلحة إلى ما لا يقل عن 29 دولة في أنحاء العالم. ومع ذلك حينما طلبت المحكمة من الدولة، مؤخراً، أن تكشف عن معطيات الصفقات في السنوات الأخيرة، كُشف عن قائمة تتناول السنتين 2011 – 2012 وفيها خمس دول فقط وهي الولايات المتحدة وبريطانيا واسبانيا وكوريا الجنوبية وكينيا. وقد بينت الدولة، أول من أمس، برغم وجود معطيات مكشوفة لنظر الجميع تتعلق بصفقات من هذا النوع في نشرات للأمم المتحدة، بينت أنها تستطيع أن تكشف فقط عن صفقات بيع المعدات الامنية التي وقع عليها مع هذه الدول الخمس خشية قطع علاقات امنية استراتيجية.
إن التقرير الجزئي الذي قُدّم، أول من أمس، هو غير عادي من جهة الشفافية الإسرائيلية، أو عدمها في الأصح، فيما يتعلق بصفقات دولية في وسائل قتالية. فتمت تأدية هذا التقرير فقط على إثر استئناف اداري رفعه المحامي ايتي ماك، في نيسان الماضي، وفيه طلب الكشف عن اسماء الاشخاص والشركات المسجلين في قائمة التصدير الامني، وعن رخص التسويق والتصدير الامني التي أعطاها قسم الرقابة على التصدير الامني. وأضيف الى ذلك في الاسبوع الماضي اقوال اعضاء كنيست كانوا غاضبين لأنهم لا يعلمون الى أين تحول الاسلحة الإسرائيلية.
"توجد اشياء لا يسعدنا أنها تُباع، ويوجد زبائن لا يسعدنا أنهم مشترون، وتوجد امور ربما كان يجب أن نمتنع عنها"، قال يفتاح شبير، رئيس مشروع التوازن العسكري في الشرق الاوسط في معهد بحوث الامن القومي، لصحيفة "هآرتس". "توجد أنواع سلاح ويوجد أنواع زبائن كان من الأفضل ألا يتلاقيا". فعلى سبيل المثال يذكر شبير أن اسرائيل كانت لها علاقات تجارية مدة سنين بنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، "وهي زبون سببت صلاتنا به غير قليل من الضرر"، يذكر. ومع ذلك أضاف أنه "توجد إشاعات تقول إننا طورنا اشياء مختلفة مميزة لدولة اسرائيل". ويقول: "يوجد اليوم مستبدون يستعملون العلم الاسرائيلي في الاضطهاد والاعمال الفظيعة، وكان من الأفضل لو لم نبعهم".
قبل أكثر من نصف سنة بقليل حينما رُفع الاستئناف رفضت الدولة، لأسباب امنية، الكشف أيضا عن القائمة الضيقة للدول الخمس التي عُرفت بأسمائها، أول من أمس، بزعم أن الكشف عن رخص التسويق والتصدير يفضي الى الكشف عن اسماء "دول غير معنية بنشر علاقاتها الامنية بإسرائيل بسبب وضعها الدولي الحساس". وزعمت المحامية ليمور حيلد – رون من النيابة العامة في تل ابيب في رد الدولة الذي قدم في تموز أن "هذا الكشف قد يفضي الى قطع علاقات أمنية استراتيجية بين اسرائيل وهذه الدول، ويسبب استعمال ضغوط على دول اخرى لقطع علاقاتها بإسرائيل".
لكن في المداولة التي تمت في هذا الاستئناف في محكمة الشؤون الادارية في تل ابيب، أمر نائب رئيس المحكمة، الدكتور عوديد مودريك، الدولة بأن تفحص ثانية هل توجد معطيات تتصل بقائمة المصدرين والدول التي باعتها اسرائيل سلاحا ويمكن نشرها. وبعد ذلك بأسبوع عقدت وزارة الدفاع، في خطوة غير عادية، مؤتمراً صحافياً عرض معطيات لم يكشف عنها بعد عن التصدير الامني، وشملت قيمة الصفقات التي وقعت عليها اسرائيل مع دول مختلفة، بحسب القارات الموجودة فيها. فقد نشر مثلا أنه وقع في 2012 على صفقات بلغت قيمتها 3.83 مليار دولار مع دول آسيا والمحيط الهادئ؛ وصفقات بقيمة 1.73 مليار دولار مع دول اوروبية؛ وصفقات بـ 1.1 مليار دولار مع الولايات المتحدة وكندا، أما دول أميركا اللاتينية وافريقيا فوقع معها على صفقات بقيمة 604 ملايين دولار و107 ملايين دولار على التوالي، ومع ذلك لم تشر أدنى اشارة الى اسماء الدول التي كانت مشاركة في تلك الصفقات. وقد بين عامل في جهاز الامن في الماضي أنه قبل الحصول على رخصة تصدير يتم مباحثات تأخذ في الحساب تقديرات امنية وسياسية وغيرها. "ويتم التعبير عن التقديرات التي تتناول نوع نظام الحكم. ويوجد تباحث وتوجد قائمة دول لا نصدر إليها. ويجري الفحص عن كل شيء"، أوضح.
أول من أمس، بعد نصف سنة انتظار تقريبا، أعلنت الدولة أنها أجرت "فحصا آخر يتعلق بإمكانية نشر أسماء دول أو مناطق هدف التصدير الأمني" ونشرت المعطيات التالية: في 2011 جرى تصدير امني من اسرائيل الى اسبانيا والولايات المتحدة وكينيا، أما في 2012 فوقع على صفقات مع اسبانيا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وبريطانيا. وبقيت اسماء سائر الدول خفية برغم أن تقارير وزارة الدفاع في المؤتمر الصحافي الذي عقد في تموز لم تدع مكانا للشك في أن الحديث يدور عن أكثر من خمس دول.
حسب جواب الدولة، يقوم التقرير الاسرائيلي على نظام تأدية التقارير السنوي الدولي للأمم المتحدة، وفي اطاره توافق دول بصورة تطوعية على أن تقدم تقارير الى الامم المتحدة عن تصدير واستيراد منظومات سلاح تقليدي. وقد قدمت الدول الخمس جميعا تقارير الى الامم المتحدة عن هذه الصفقات، بينوا في النيابة العامة للدولة، ووافقت وزارة الدفاع على ابلاغ أسمائها. "اختارت سائر الدول التي هي هدف للتصدير الامني من اسرائيل ألا تبلغ الامم المتحدة عن ذلك أو أن تنشر ذلك بصورة رسمية ما، وعلى ذلك لا تستطيع جهة الرد أن تكشف عن اسمائها من أجل العلاقات الخارجية والحفاظ على أمن الدولة"، ورد في الاعلان.
مع ذلك يكشف فحص صحيفة "هآرتس" عن وجود صفقات اخرى غير قليلة قدمت الدول المشاركة فيها تقارير عنها الى اجهزة رقابة الامم المتحدة، لكنها لم تجد طريقها الى تقارير قسم الرقابة على التصدير الامني. فعلى سبيل المثال وثقت في وثائق تسجيل الأمم المتحدة المتعلقة بالسلاح التقليدي صفقة بين اسرائيل وتشيلي في العام 2012 اشتملت على عدد غير معلوم من صواريخ "سبايك"، من انتاج "رفائيل" مضادة للدبابات ذات مدى مختلف. وقدمت المكسيك تقريرا عن صفقة اخرى في تلك السنة تقول إنها بيع فيها 47 مسدسا عيار 9ملم وأكثر من 5700 بندقية من انتاج شركة "آي.دبليو.آي" الاسرائيلية. وفي تلك السنة نفسها وقع على صفقتي بيع صغيرتين لهولندا (بندقية غلوك واحدة) ورومانيا. وقبل ذلك بسنة في 2011 بيعت الدانمارك 20 منظومة اطلاق راجمات صواريخ 120 ملم، وهي صفقة لم تصل الى التقارير.
أما شبير – الذي يجري متابعة لجيوش المنطقة تشمل تركيبها والوسائل القتالية التي تملكها ونظام القوات وصفقات السلاح التي أتمتها – فيضيف الى ذلك عدة صفقات اخرى غابت عن أنظار الجمهور فيها بيع اثيوبيا وسائل طيران بلا طيارين من طراز "سكاي ليت" في 2011، وبيع كازاخستان طائرات بلا طيارين من طراز "أور بايتر" في 2009، وبيع اذربيجان وسائل طيران بلا طيارين من طراز "هرمس 450" في 2009. ويقول إنه جمع كل هذه المعطيات بوساطة مصادر معلومات مكشوفة – من وثائق عسكرية الى اخبار صحافية وتقارير مختلفة كتقارير الأمم المتحدة.
ويتبين أن اسرائيل اعتادت في السنوات من 1992 الى 2009 أن تقدم تقارير الى الامم المتحدة، وإن يكن ذلك بصورة جزئية وتطوعية عن تصديرها للسلاح. فقد أبلغ في 2009 مثلا أن اسرائيل باعت اوغندا 18 منظومة اطلاق راجمات صواريخ 120 ملم، و3 وسائل قتالية محمولة على شاحنة. وفي تلك السنة بيعت بوتسوانا في افريقيا 12 منظومة اطلاق راجمات صواريخ 81 ملم وبيعت كولومبيا 33 منظومة كهذه. وزودت اسرائيل البرتغال بـ 30 قاعدة اطلاق راجمات صواريخ 120 ملم من طراز "كردوم"، وزودت الولايات المتحدة بـ 57 منظومة اطلاق راجمات صواريخ 120 ملم.
لكن معطيات التصدير الامني الاسرائيلي في هذه السنوات كانت أعلى كثيرا بحسب تقارير الدول التي اشترت سلاحا من اسرائيل. فعلى سبيل المثال بيعت سلوفاكيا في 2009 وسيلتي طائرتين بلا طيارين صغيرتين من طراز "سكاي لارك" صناعة شركة "البيت"؛ وباعت اسرائيل رومانيا 20 مركبة من طراز "كاركال"؛ وباعت كولومبيا 18 قاعدة اطلاق راجمات صواريخ 81 ملم و15 صاروخا من طراز "سبايك"؛ وباعت بيرو 516 صاروخا و48 قاعدة اطلاق "سبايك". "من المهم جدا لإسرائيل أن توجد صناعة امنية، ولا يمكن أن توجد إذا لم تبع أو تصدر"، يقول شبير. "وكي يكون للجيش الاسرائيلي قشدة تحتاج الصناعة الى الملح والزبد لأن الجيش الاسرائيلي لا يستطيع أن يشتري الكثير منها".
ويُمكّن نظام تقديم التقارير الى الأمم المتحدة ايضا من اعطاء صورة عن وضع التصدير الامني الإسرائيلي بالأرقام في العقدين الاخيرين. فعلى سبيل المثال بيعت في هذه السنوات 17 دبابة، و74 مركبة مسلحة، وأكثر من 8600 منظومة مدفعية، و37 وسيلة طيران، و10 سفن حربية ونحو 2500 صاروخ وقاعدة اطلاق صواريخ. إن هذه القائمة في الحقيقة جزئية فقط لأنها تعتمد على تقرير تطوعي للدول – وقد لا تكون قدمت تقارير عن صفقات كثيرة اخرى – لكن هذا يُمكن من اختلاس النظر الى شيء من التصدير الامني الاسرائيلي. وتشمل قائمة الدول التي صدرت اليها اسرائيل في العقد الاخير بحسب تقارير هذه الدول الى الامم المتحدة: تشاد ورواندا وسوتو في جنوب القارة الافريقية، وكازاخستان ورومانيا وتشيلي والبرازيل وايطاليا والولايات المتحدة وفيتنام والكاميرون واوغندا والهند والمكسيك واسبانيا وتركيا (التي بيعت صواريخ في 2002).
حسب معطيات عرضها قسم الرقابة على التصدير الامني في وزارة الدفاع قبل أسبوع على لجنة رقابة الدولة في الكنيست، يتم تلقي نحو من 9 آلاف طلب في قسم الرقابة على التصدير، كل سنة ، ويوافق منها على 8 آلاف رخصة تصدير "الى نحو 130 دولة وجهة"، كما تقول الوزارة – في حين تتناول كل رخصة نوعا ما من الوسائل القتالية وتعيين الدولة التي يُصدّر إليها. وتُعرف رخص التصدير بأنها الموافقة النهائية على تصدير المنتوج الى الخارج بعد التوقيع على الاتفاق مع الدولة للشركة الاسرائيلية، ويمكن بوساطة ذلك فقط تمرير المنتوج في الجمارك. وحسب المعطيات التي عرضت في الكنيست، يُقدم في كل سنة بين 25 ألفا الى 30 ألف طلب تسويق. وهذه الطلبات هي في الحقيقة توجه الشركات والجهات التي تعمل في التصدير الامني الى وزارة الدفاع للحصول على موافقة على مجرد بدء الاتصالات لبيع السلعة الامنية للوسيلة نفسها والدولة التي قد تباع لها السلعة. ولقسم الرقابة سياسة تختلف في الرقابة من منتج إلى آخر. فعلى سبيل المثال توجد لجان تجتمع في توال متغير لأجل البيع الامني لدول تعرف بأنها "مميزة"؛ وبشأن وسائل قتالية تتعلق بمكافحة الارهاب؛ وبشأن تصدير امني لوسائل تُعرف بأنها سرية؛ أما المنتجات غير السرية فيوافق عليها في كل يوم في وزارة الدفاع. وبحسب معطيات القسم أعطيت في النصف الاول من العام 2013 مثلا 12.116 رخصة تسويق، و3.970 رخصة تصدير لشركات حكومية وخاصة.
يزعم المحامي ايتي ماك، الذي رفع الاستئناف، أن التباحث في التصدير الامني يجب أن يكون تباحثا عاما. "اذا لم يكن من الممكن في البدء قول أي شيء وكان زعم الدولة "لا" بصورة مطلقة، فانه كلما مر الوقت صرنا نرى أنه توجد اشياء يمكن الكشف عنها، وأن الدولة أخفتها كي تمنع تباحثا عاما"، بيّن المحامي ماك. "هذه هي البداية، وهنا خُرق السد. أشعر بأن الجمهور الاسرائيلي لا يعلم بأنه يأتي مصدرون ويبيعون بوساطة الدولة دولا شديدة الاشكال سلاحا. وأشعر أنهم اذا كانوا يصدرون الى دولة ما فانهم يفعلون ذلك باسمي أيضا، ولهذا يجب أن توجد رقابة عامة".
يزعمون في وزارة الدفاع أن تأدية التقارير الى الامم المتحدة عن التصدير الأمني لم تتوقف قط، وأنهم لا يعرفون لماذا لم يُحدّث ذلك في الموقع في الشبكة. ويقول عامل في وزارة الدفاع إنه توجد وثائق تشهد على نقل المعطيات. ينبغي أن نذكر أن موقع الشبكة نفسه مُحدث حتى نهاية 2012 – ويشمل تقارير اخرى من دول اخرى وثقت صفقات تمت مع اسرائيل. "إن التصدير الامني لدولة اسرائيل يتم بحسب سياسة منظمة وتتخذ القرارات ويوافق عليها بعمل فريق منهجي بوساطة لجان مختصة ومباحثات مختصة بالتعاون مع وزارة الخارجية"، جاء عن وزارة الدفاع. "إن القرارات في شأن التصدير الأمني تأخذ في الحساب جملة الجوانب السياسية والاستراتيجية والعسكرية، ومنها جوانب حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة بشأن عقوبات دولية. ولا نستطيع لأجل الأمن القومي والثقة المتبادلة مع الدول التي يتم التصدير الأمني إليها، أن نؤدي تقارير، وننشر صفقات تصدير وتفاصيل عنها".
حرره:
- م . ع
المصدر:
- هآرتس
0 comments: