الظواهري يستهدف إسرائيل: ما وراء توجه تنظيم «القاعدة» نحو الشام
فورين آفيرز
3 شباط/فبراير 2014
في 22 كانون الثاني/يناير، أعلن المسؤولون الإسرائيليون أنهم أفشلوا قبل عدة أسابيع ما وصفوه بمخطط إرهابي "متقدم" لـ تنظيم «القاعدة» في إسرائيل. وعلى الرغم من أن الجهاديين الذين يستوحون أفكارهم من تنظيم «القاعدة» استهدفوا إسرائيل من قبل (في تشرين الثاني/نوفمبر خطط ثلاثة رجال للقيام بهجوم قرب الخليل ولكنهم قُتلوا في تبادل لاطلاق النار مع الشرطة)، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يشترك فيها كبار قادة «القاعدة» بشكل مباشر في تلك المخططات.
وقد يبدو هذا مفاجئاً نوعاً ما للمراقب العادي، في ضوء تصدر إسرائيل لخطاب «القاعدة» على مدار سنوات عديدة. ورغم أن الحاجة لاستهداف إسرائيل واليهود واضحة للعيان في معتقدات «القاعدة»، إلا أنها نادراً ما تُرجمت إلى مهام فعلية ضد إسرائيل. وهذا ما يجعل من هذا المخطط الأخير، الذي يعود مصدره إلى زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، ذو أهمية كبيرة. وفي الواقع يعكس ذلك خوف القادة الرئيسيين في تنظيم «القاعدة» من أن يتجاوزهم القتال في الشام - وخاصة في سوريا.
خطة الهجوم
وفقاً للسلطات الإسرائيلية، بدأ المخطط الأخير عندما قام عميل تنظيم «القاعدة» في غزة، عارف الشام، الذي عمل لصالح الظواهري، بتجنيد ثلاثة رجال - رجلين من القدس الشرقية ورجل ثالث من الضفة الغربية - للمشاركة في شن هجوم. ورغم عدم وضوح كيفية معرفة مسؤولي الأمن الإسرائيليين في بداية الأمر بأعمال التجنيد هذه، التي أُعلنت عن طريق سكايب وفيسبوك، إلا أنهم على ما يبدو قاموا بمراقبة هذه الاتصالات على مدى بضعة أشهر إلى حين اعتقال الأشخاص الأربعة في أواخر كانون الأول/ديسمبر.
ووفقاً للإسرائيليين، كان إياد خليل أبو سارة، من حي رأس هميس في القدس الشرقية البالغ من العمر 23 عاماً، هو المجند الرئيسي للشام. وتفيد التقارير أن أبو سارة تطوع لتنفيذ "هجوم انتحاري" على حافلة إسرائيلية تنتقل بين القدس ومعاليه أدوميم. وكانت الخطة تتمثل بقيام مسلحين بإطلاق النار على إطارات الحافلة ومن ثم قلبها. وبعد ذلك، يقوم هؤلاء بإطلاق النار على الركاب من مسافة قريبة. وأخيراً، افترضوا أنهم سوف يلقون حتفهم في تبادل لاطلاق النار مع الشرطة ومع أول المستجيبين للحدث. كما قام الشام وأبو سارة بوضع رسم مبدئي لقنابل تفجير انتحارية متزامنة في مركز للمؤتمرات في القدس، ويقوم مفجر انتحاري ثان باستهداف المستجيبين لحالات الطوارئ، [وهجوم آخر] على السفارة الأمريكية في تل أبيب، يتولى تنفيذه خمسة إرهابيين أجانب لم يكشف عن أسمائهم كانوا سيتوجهون إلى إسرائيل كسياح وبحوزتهم جوازات سفر روسية مزيفة. واستعداداً لذلك، أرسل الشام إلى أبو سارة ملفات حاسوبية لدورة تدريب افتراضية على صنع القنابل. وكان مخطط أن يتولى أبو سارة إعداد السترات الانتحارية وقنابل تفجير الحافلات كما كان سيسافر إلى سوريا للتدريب على القتال وتصنيع القنابل. وقد اقتنى بالفعل تذكرة سفر على رحلة إلى تركيا أثناء إلقاء القبض عليه.
كما أن المجندين الآخرين للشام - روبين أبو نجمة وعلاء غنام - كانا يعملان معه على تنفيذ هجمات ضد إسرائيل أيضاً. وقد أفادت التقارير أن أبو نجمة خطط اختطاف جندي إسرائيلي من محطة الحافلات المركزية في القدس وتفجير بناية سكنية في حي يهودي في القدس الشرقية. كما تعلّم أيضاً تصنيع المتفجرات على الإنترنت. وقد أُنيطت بغنام، من سكنة قرية قرب جنين، مدينة فلسطينية في شمال الضفة الغربية، مهمة تأسيس خلية سلفية في الضفة الغربية تتولى تنفيذ هجمات مستقبلية.
وقد شعرت السلطات الإسرائيلية بالصدمة جراء تورط الظواهري، الذي أصدر تعليماته مباشرة للشام لتنفيذ هذه المؤامرة. لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو مدى سرعة تطوير المخطط، التي لم تتجاوز شهوراً. وصرح مسؤول أمني قائلاً "قام أبو سارة والشام بتنسيق رحلة إلى سوريا وتحويل الأموال. وقد حدث كل ذلك بسرعة كبيرة؛ وتشكلت جميع القنوات الثلاث بمعدل سريع".
ما وراء الخطاب
تُمثل إسرائيل والقضية الفلسطينية منذ فترة طويلة موانع صعق لـ تنظيم «القاعدة». فقد أشار بن لادن إلى القضية الفلسطينية في جميع بياناته العلنية تقريباً خلال الفترة بين 1990 و 2011. وفي عام 1994، كتب خطاباً إلى المفتي العام للمملكة العربية السعودية بعنوان "خيانة فلسطين"، عارض فيه دعم المفتي الأكبر لـ "اتفاقات أوسلو" قبل ذلك بعام. وفي إعلانه الحرب عام 1996 ضد الغرب، استدعى بن لادن القضية الفلسطينية مرة أخرى لحشد المسلمين لقتال التحالف "الأمريكي الإسرائيلي". وفي فتوى عام 1998، دعا بن لادن والظواهري وآخرون المسلمين إلى قتل الأمريكيين وحلفائهم - من المدنيين والعسكريين على حد سواء - وتحرير المسجد الأقصى في القدس. وحتى أن خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، اعتبر مؤامرة 11 أيلول/سبتمبر فرصة للتنديد بإسرائيل. وفي المخططات الأصلية للهجوم، أفادت التقرير أنه أُنيطت به مهمة اختطاف طائرة بنفسه، والهبوط بها في إحدى المطارات بعد تحطم تسع طائرات أخرى، وإلقاء خطاب يندد فيه بدعم الولايات المتحدة لإسرائيل والفلبين والحكومات القمعية العربية.
ورغم أنه نادراً ما تُرجم هذا الخطاب إلى عمليات فعلية ضد إسرائيل حتى الآن، إلا أنه كانت هناك بعض الاستثناءات. فقد قام "مفجر الحذاء" البريطاني، ريتشارد ريد، بالإعداد لمهمته في عام 2002 باختبار أمن الطيران على الخطوط الجوية لشركة إل عال الإسرائيلية واستطلاع أهداف محتملة في إسرائيل ومصر. ويزعم خالد شيخ محمد أنه شارك في مخططات مختلفة لشن هجمات على إسرائيل، بما في ذلك مخطط تدخل فيه طائرات من المملكة العربية السعودية إلى المجال الجوي الإسرائيلي وتصطدم بمبانٍ في إيلات، المدينة الإسرائيلية الواقعة أقصى الجنوب. والجزء الناجح من مخططه هو الهجوم على فندق بارادايس في مومباسا، كينيا، في تشرين الثاني/نوفمبر 2002 الذي أسفر عن مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة 20 آخرين بجراح. وعلى نحو مماثل، وقبل فترة طويلة من شهرة الظواهري كزعيم تنظيم «القاعدة»، أفادت التقارير أنه حاول إنشاء خلية إرهابية لاستهداف إسرائيل. فبحلول عام 2001، أفادت وزارة الخزانة الأمريكية أن الظواهري تلقى أكثر من 35,000 دولار لتدريب مقاتلين أردنيين وفلسطينيين في أفغانستان وتسهيل سفرهم إلى الشام. "وتلقى الزرقاوي تأكيدات بأنه سيتم تقديم المزيد من التمويل للقيام بهجمات ضد إسرائيل"؛ ووفقاً لبعض التقارير ربما كان قد سافر بنفسه إلى الأراضي الفلسطينية بحلول عام 2002. إلا أن ذلك لم يسفر عن أي شئ.
وقد ثبتت صحة هذه الاستثناءات: فمخططات «القاعدة» ضد إسرائيل لم تضاهي مطلقاً حملتها الدعائية المناهضة لإسرائيل. ويرجع ذلك إلى مناقشات احتدمت بين القادة المستقبليين للجماعة في أيام أفول الجهاد ضد روسيا في أفغانستان. فعقب الانسحاب السوفيتي من أفغانستان في شباط/فبراير 1989، اختلف بن لادن وعبد الله عزام - فلسطيني من الضفة الغربية الذي كان كبير المنظِّرين للجهاد الأفغاني - بشأن القبلة التالية للمقاتلين المجاهدين. وقد أشار بن لادن إلى الولايات المتحدة، التي دعمت الحكومات العربية غير الإسلامية بما فيه الكفاية وكان يتوجب الإطاحة بها واستبدالها بنظام خلافة جديد. وقد اتبع في ذلك نصيحة الظواهري والإسلاميين المصريين الذي كانوا يؤكدون منذ فترة طويلة على حتمية الإطاحة بالأنظمة الإسلامية الملحدة. وبعد ابتعاده عن الصراع الفلسطيني لأنه كان خاضعاً لهيمنة جماعات قتالية علمانية، رأى الآن أن هناك فرصة لإعادة الزخم إلى ذلك الصراع مع جعل الأسس الإسلامية الجبهة الجهادية التالية. وقد قُتل عزام في انفجار سيارة ملغومة في عملية غامضة عام 1989، والباقي معروف ولا يحتاج إلى إعادة السرد.
ولم تركز القيادة العليا لـ تنظيم «القاعدة» بشكل عام عملياتها على إسرائيل، كما أنها لم تكن متقبلة للجماعات القائمة في غزة التي زعمت أنها تابعة لـ «القاعدة» أو تستلهم أفكارها منها. وأثناء حرب كانون الأول/ديسمبر 2008 - كانون الثاني/يناير 2009 في غزة، أعربت «القاعدة» عن دعمها للمقاتلين الفلسطينيين ونددت بالدول العربية لعدم مساعدتهم، لكنها لم تدعم أقوالها بالأفعال. وبعد بضعة أشهر، في آب/أغسطس 2009، عندما شنت «حماس» غارة على مسجد للجهاديين السلفيين في غزة انتهى بمعركة بالأسلحة النارية خلفت نحو 24 قتيلاً و130 جريحاً، أدان قادة «القاعدة» حركة «حماس» ودعوا الله "إلى الانتقام من دم الرجال المقتولين وتدمير دولة «حماس»". كما دعا بن لادن والظواهري إلى الجهاد في غزة، ولكن مع ذلك لم تعترف «القاعدة» مطلقاً بأي من الجماعات الفلسطينية التي لبت دعوتها.
فوز، خسارة، أم تعادل
إذن لماذا هذا التغير المفاجئ في المسار؟ إن الظواهري، الذي هو الآن زعيم تنظيم «القاعدة»، مثله مثل بن لادن، قد جعل منذ فترة طويلة استهداف إسرائيل ضمن التسلسل العملياتي بعيد الأجل ولم يجعله ضمن الأهداف الأكثر إلحاحاً. ففي تسعينيات القرن الماضي، قال الظواهري "إن الطريق إلى القدس يمر عبر القاهرة". وبعبارة أخرى، لا يمكن تحرير فلسطين إلا بعد أن يتم التعامل مع الأنظمة غير الشرعية وتلك غير الإسلامية بما فيه الكفاية في دول مثل مصر. وبعدها بسنوات، في رسالة إلى أبو مصعب الزرقاوي في العراق، أوضح الظواهري أن استهداف إسرائيل كان هدفاً من "المرحلة الرابعة" ويأتي في أعقاب (أو في نفس الوقت الذي يتم فيه) طرد الأمريكيين من العراق، وإنشاء إمارة إسلامية هناك، وتوسيع نطاق الجهاد إلى البلدان العلمانية المجاورة للعراق.
والآن وبعد أن ساد اعتقاد بأن حرب «القاعدة» في العراق قد مُنيت بالهزيمة، إلا أننا نجدها الآن في حالة تعافي، وذلك بفضل الجهود التي تبذلها الجماعة في البلد المجاور سوريا. فمن جهة، يمكن أن ننظر إلى قرار استهداف إسرائيل على أن الظواهري يستدعي ذلك التسلسل في استراتيجيته طويلة الأجل.
ومن جهة أخرى، فإن المخطط الذي افتضح أمره مؤخراً يرتبط بصورة أكثر بمكانة الظواهري وغيره من كبار قادة «القاعدة» بين الجماعات الجهادية العالمية الأخرى. فالأحداث في سوريا تولد تغييرات سريعة في طبيعة المشروع الجهادي، الذي لم يعد مركزه في أفغانستان أو باكستان أو العراق أو اليمن، بل في قلب المشرق العربي - بلاد الشام - في سوريا. وهناك، تقاتل اثنين من المنظمات التابعة لـ تنظيم «القاعدة»، نظام الأسد وحلفاؤه الشيعة والمتمردين السوريين الأكثر اعتدالاً. وهاتان المنظمتان هما «الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)» و «جبهة النُصرة» اللتان لم تندمجا بينهما. وقد تعهدت واحدة منهما فقط («جبهة النُصرة») بالولاء لأيمن الظواهري. وفي الواقع، عندما أوعز الظواهري إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بالتركيز على العراق وترك المسرح السوري إلى «جبهة النُصرة»، رفض زعيم تنظيم «داعش» الانصياع لتوجيهاته. وقد جاءت استجابة الظواهري هذا الأسبوع استجابة فعلية، حيث ألقى باللائمة على «الدولة الإسلامية في العراق والشام» جراء "فداحة الكارثة التي حلت بالجهاد في سوريا" وتبرأ من علاقات الجماعة بـ تنظيم «القاعدة». وأصر الظواهري، بأن "تنظيم «داعش» ليس فرعاً من «القاعدة» وليس لدينا أي علاقة تنظيمية معه."
وفي غضون ذلك، بقيت الجماعات الإسلامية الأخرى، مثل «أحرار الشام»، مستقلة حتى في الوقت الذي تشارك في بعض الأسس الأيديولوجية مع تنظيم «القاعدة». واليوم لا تخضع المراكز الجهادية، التي تجذب المجندين والتبرعات والمقاتلين الأجانب، إلى إدارة «القاعدة». وفي ضوء ذلك، ربما شعر الظواهري بالحاجة إلى القدرة على تنفيذ حدث جلل يمكن أن يتجمع حوله المقاتلون الجهاديون من كافة الأشكال والأحجام. وفي هذا الصدد، هل هناك ما هو أفضل من شن هجوم على إسرائيل؟
وتحتدم نقاشات في صفوف من يدرسون الإرهاب والعنف السياسي، حول الصلة والأهمية المستمرة لمركز «القاعدة» التقليدي وقيادات عليا أخرى لـ تنظيم «القاعدة». وقد تجددت تلك النقاشات بتعليق جَسور للرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقابلة أجرتها معه مجلة "نيويوركر" أشاد فيها بنجاح إدارته في "استئصال" «القاعدة» على طول الحدود بين أفغانستان وباكستان، وقلل من شأن التهديد الذي تمثله فروع «القاعدة» التي تركز بصورة أكثر على مهاجمة أوطانها من مهاجمتها الولايات المتحدة. وقارن أوباما تلك الجماعات بفريق طلائع الاسكواش - التي ليست بنفس خطورة الفرق المحترفة التي نفذت هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. وفيما يتعلق بذلك الفريق، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً أن "جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية نجحت في استئصال القيادة بالكامل. ولم يتبق سوى [الظواهري]". وفي هذه المرحلة، توقع المتحدث باسم وزارة الخارجية أن الظواهري يمضي على الأرجح "وقتاً كبيراً قلقاً بشأن أمنه الشخصي يتجاوز ما يقضيه في الدعاية، لكنه لا يزال مهتماً بالاستمرار في هذا النوع من الدعاية لكي تستمر أهميته".
ربما نجم مخطط الظواهري ضد إسرائيل عن الحاجة إلى إعادة تأكيد وضعه بين الجماعات الجهادية الأخرى، لا سيما في سوريا، لكن ذلك لا يعني أن تهديد الإرهاب هو أقل واقعية. ومع ذلك، يستطيع المرء أن يعرِّف «القاعدة» اليوم بأنها جماعة فردية لها بعض أصحاب المصالح المقربين، أو أنها مجموع جميع أصحاب المصالح والأجزاء غير المركزية، وبهذا يتضح من واقع مثل هذه المخططات أنه يتعين على الغرب، بما في ذلك إسرائيل، توخي الحذر.
ماثيو ليفيت هو زميل فرومر- ويكسلر، ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن.
0 comments: