Monday, March 4, 2013


أحمد الأسير علامة الإحباط السنّي!

الإثنين 04 آذار 2013،     ابراهيم الأمين - "الاخبار"
لم تتعاظم شعبية الشيخ أحمد الأسير الى حدود تثير الرعب عند خصومه المختارين من قبله بعناية، لكن واقع الحال أن الرجل يخيف الآخرين لسببين:
الأول، أنه يتصرف من دون ضوابط سياسية وغير سياسية، وأن تجربة المواجهة الدموية في منطقة التعمير، التي أودت بحياة ثلاثة شبان تدل على إمكان ذهاب الرجل الى تجربة مشابهة، وربما أوسع. وبالتالي، وهذا يوجب الحذر مما يقوم به.
الثاني، أن غالبية حقيقية في الطائفة السنية، التي يقول إنه يدافع عنها، لا ترفضه بالطريقة التي تجعله غريباً بين أهله. فكيف إذا كان مرحباً به بين خصوم حزب الله من الشيعة ومن غالبية قوى 14 آذار؟
طبعاً، ينشغل الجميع الآن في معالجة ما يحبّ السياسيون وصفه بـ«الظاهرة الأسيرية»، معتقدين أنه محصور ببقعة جغرافية وأشخاص محددين، وأنها «ظاهرة» سرعان ما سوف تختفي. وفي المعالجات، توجد مؤسسات وجهات منشغلة في ترتيبات أمنية ولوجستية تحول دون انفجار صغير أو كبير. بينما تنشغل الجهات السياسية في عملية تدقيق يومية بما حصده من نتائج.
بالتأكيد، نجح الأسير في استفزاز قواعد حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وغالبية عظمى من أنصار فريق 8 آذار. وهو نجح أكثر، في تعزيز عصبية شيعية ضده، جعلت كثيرين لا يرغبون في أي نقاش لوضعه وحالته، والاكتفاء بمطالبة الدولة بأن تحسم الأمر. وهذه المطالبة تعني، إجبار الرجل على وقف ما يقوم به، سواء من خلال إقناعه بالتوقف عن التحرك أو إجباره على ذلك. وفي الحالتين، يتقمص المطالبون باحتواء الأسير شخصية المحتاج الى إجراء قمعي لا أكثر ولا أقل. وهم يراهنون هنا، على أن الرجل متى توقف عن التحرك، فإن الجمع الذي التفّ حوله سوف ينفضّ ويذهب كل واحد الى بيته.
أما في جانب 14 آذار، فإن المتابعة والتدقيق يأخذان شكلاً آخر، حيث دق جرس الإنذار في تيار «المستقبل» بعدما تبين أن الرجل يسحب مناصرين كثراً لآل الحريري صوبه، ولا يقتصر الأمر على صيدا وحدها، بل وصل إلى قلب بيروت والشمال والبقاع وإقليم الخروب والعرقوب، حتى باتت الخشية منه حقيقية لدى آل الحريري. وهم محقون في ذلك. فمشهد تجمعات الأسير تعكس حيوية في أوساط الشباب، بينما صارت احتفالات «المستقبل» تقتصر على الموظفين من كبار السنّ. وهو ما جعل آل الحريري يبحثون عن حل.
لكن منطق الاستثمار المسيطر على عقلهم السياسي، وحال المراهقة السياسية الغارقين فيها، يدفعان بهم الى البحث في كيفية الربح. وهم يتوهمون أن بمقدورهم «وشوشة» الدولة بكل مؤسساتها، بأنهم مع إطاحة الأسير وقمعه. لكنهم يتلعثمون علناً، خشية خسارة المزيد من قواعدهم. فيكون الحل بجلوسهم متفكرين أنه يمكن دفع الأسير نحو تفجير نفسه بحزب الله، فيتخلصون منه أولاً، ويتسببون بمشكلة جديدة لحزب الله بين السنّة، مراهنين على أنهم سوف يتولون قيادة الشارع الغاضب في حينه.
وبما أننا أمام «مياومة سياسية» تسيطر على حركة الأسير وعلى تصرف الدولة، فإن أحداً لا يمكنه توقع الآتي، مع ارتفاع منسوب القلق من تفجير أهلي يقود البلاد نحو موجة جنون طائفي ومذهبي تشبه ما يحصل في سوريا الآن. ومع ذلك، وجب لفت انتباه الأسير وحزب الله والدولة والأجهزة المحلية والخارجية المتورطة في هذا الملف، الى حقائق عدة:
أولاً: أن الشارع السني المرحّب بالأسير وخطابه، هو شارع يعبر بذلك عن إحباطه من كل القيادات التي تعاقبت على الإمساك بمصيره سابقاً، وخصوصاً إحباطه من قيادة آل الحريري.
ثانياً: أن هذا الشارع، يحصر تضامنه حتى الآن، في أن يكون الأسير ناطقاً باسمه. لكنه ليس موافقاً _ أو على الأقل ليس مستعداً اليوم _ لأن يقبل بأن يكون الأسير قائداً له.
ثالثاً: أن الخبرة السياسية الضيقة للأسير نفسه دفعته سابقاً، وقد تدفعه الى مزيد من الأخطاء الملوثة بالدماء. وأي غاضب على وضع ما، عليه أن يفكر جيداً في كيفية تحقيق ما يعتقد أنها مطالب محقة، ولكن من دون جر نفسه وأنصاره الى عمل انتحاري، لا يحقق المطالب ولا يبقي أحداً يرفع لافتات بهذه المطالب.
رابعاً: أن على المؤسسات العسكرية والأمنية إدراك أن بعض الوقائع اللبنانية المحلية، تفرض عليها سلوكاً آخر؛ فمثلما أعطت هيئة التنسيق النقابية مثلاً على قدرة اصطفاف اجتماعي عابر للمناطق والطوائف أن يتشكل كقوة ضغط، من دون أن يدفعها الى ذلك حزب أو برنامج سياسي، فإن بمقدور المؤسسات الأمنية والعسكرية أن تقدم نموذجاً عن قدرة السلطة على منع أي انفجار أهلي، من دون الحاجة الى قرار سياسي بالمعنى الذي لن يصدر عن أي جهة رسمية في البلاد.
خامساً: على حزب الله أن يدرس من دون حرج، أو توتر، أو موقف مسبق، الأسباب العميقة للإحباط السني القائم الآن، والذي يستمر بسبب الخسائر المتوالدة. إذ بالرغم مما اعتبر نجاحات في مصر وشمال أفريقيا، إلا أن المشكلة لا تزال قائمة. وتتعلق بتفوق شيعي بارز، سواء على صعيد فكرة الدولة (إيران مقابل دول مجلس التعاون) أو على صعيد التحركات المطلبية المنظمة (حراك البحرين مقابل الحراك السوري) أو على صعيد القوى الشعبية الناشطة (حزب الله مقابل تنظيم القاعدة ومتفرعاته).
ثمة أشياء كثيرة للنقاش حول هذه العناوين، وما لم يكن العقلاء في كل الأمكنة مستعدين لتقديم تنازلات جدية من أجل الوصول الى نتائج معقولة، فإن التوتر سوف يملأ الفراغ قبل أن يسود صوت الرصاص.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: