لتقارير الميدانية حول سوريا والمعارضة
12 آذار/مارس 2013
في 7 آذار/مارس، 2013، خاطب أندرو جيه. تابلر، جيفري وايت، وسايمون
هندرسون منتدى سياسي في معهد واشنطن لمناقشة رحلاتهم الأخيرة إلى لبنان
وتركيا والأردن وإسرائيل والخليج الفارسي. والسيد تابلر هو زميل أقدم في
المعهد ومؤلف كتاب "في عرين الأسد: رواية شاهد عيان من معركة واشنطن مع سوريا".
والسيد وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في المعهد وضابط كبير سابق لشؤون
الاستخبارات الدفاعية. والسيد هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج
وسياسة الطاقة في المعهد. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم.
أندرو جيه. تابلر
تشعر المعارضة السورية والدول المجاورة بالارتباك جراء تأكيد واشنطن
المستمر بأن الصراع سوف يصحح نفسه من الداخل، في حين أن جميع المؤشرات توضح
انتقال العنف على نطاق واسع عبر أنحاء المنطقة. وقد رأينا في جميع الدول
التي زرناها ضمن جولة طاقم معهد واشنطن الأخيرة أن خطر هذا التصعيد آخذ في
التزايد.
إن الأحداث في لبنان تنتشر عبر الحدود رغم سياسة الحكومة القائمة على
الانفصال عن الصراع. ويمثل وادي البقاع الشمالي أهمية استراتيجية خاصة لأنه
يربط مناطق واقعة تحت سيطرة «حزب الله» بمعقل العلويين الخاضع لسيطرة
النظام في سوريا.
وفي تركيا، تراقب السلطات الحدود بصرامة، كما تزايدت بشكل كبير أعداد
السوريين النازحين الذين ينتظرون على الجانب الآخر من الحدود. يُشار إلى أن
المساعدات لا تصل إلى هذه الأجزاء من سوريا، مما يجعل الوضع مشكلة إنسانية
ومصدراً لعدم الاستقرار. كما أن تركيا قلقة بشأن التطورات في المناطق
الكردية السورية.
وفي إسرائيل، يدرس المسؤولون احتمالية ظهور دولة فاشلة في الناحية
المقابلة لمرتفعات الجولان. بيد أن مصدر قلقهم الرئيسي يكمن في احتمالية
نقل الأسلحة الاستراتيجية للنظام، سواء عن قصد (إلى «حزب الله») أو عن غير
قصد (إلى الجهاديين).
ويمثل الأردن الصورة الأكثر تعقيداً. فخلال الستين يوماً الأخيرة فقط،
تدفق 100,000 لاجئ عبر الحدود، وأصبح معسكر الزعتري للاجئين خارج عمّان
سادس أكبر مدينة في المملكة. كما أن قوات النظام السوري تغتال علانية
الأفراد الذين يحاولون الفرار عبر الحدود، لذا فإن القوات المسلحة الأردنية
كانت ترد على إطلاق النار رويداً رويداً، مما عرضها لبعض الخسائر أثناء
تلك العملية.
وفي سوريا، تحول الثوار بشكل ملحوظ وأصبحوا أكثر ميلاً للسلفية والجهادية
منذ تشرين الثاني/نوفمبر، كما زاد الغضب ضد الولايات المتحدة في ظل تقارير
عن رفض البيت الأبيض خطط تزويدهم بالأسلحة. وربما يكون الأمر الأكثر
إزعاجاً هو النمو السريع لـ "جبهة النصرة" التي تدور في فلك تنظيم
«القاعدة»، والتي أصبحت تأتي في طليعة جماعات المعارضة المسلحة.
وفي غضون ذلك، لا تزال المعارضة الخارجية تفتقر إلى الفاعلية. ورغم الآمال
المعقودة على "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، إلا أنه
فشل إلى درجة كبيرة في إنجاز هدفه، حيث إن "ممثليه المحليين" غير المنتخبين
ليسوا على اتصال بالثوار المسلحين داخل سوريا. وسوف تعتمد فاعلية الائتلاف
من الآن فصاعداً على المحفزات الخارجية للعمل مع المعارضة الداخلية على
تطوير كيان سياسي عقب رحيل الأسد.
ومن الصعب أن نحدد كيف أن إعلان الولايات المتحدة عن الدعم الغذائي والطبي
للمعارضة المسلحة سوف يساعد على إسقاط النظام. فالمساعدات التي يتم
توزيعها من خلال "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" قد لا
تصل إلى المقاتلين على الأرض. ولا بد من القيام بالمزيد من الأعمال القوية
للتأثير على الجماعات المسلحة. ولا يزال هناك وقت لتقديم مساعدات أمريكية
قتالية وغير قتالية مباشرة إلى الثوار -- وكلما يحدث هذا بصورة أسرع زادت
فرص واشنطن في احتواء الأزمة وصياغة مستقبل أفضل للشعب السوري.
جيفري وايت
أبرزت رحلة طاقم المعهد إلى المنطقة جوانب عديدة حول الوضع العسكري في
سوريا. أولاً، إن تحديد عدد أفراد "الجيش السوري الحر" والفصائل المسلحة
الأخرى لا يزال صعب التحقيق -- ويواصل القادة والمحللون العسكريون خلافاتهم
بشأن حجم المعارضة وتكوينها وهيكل قيادتها وترسانتها من الأسلحة.
ثانياً، تمثل القدرة والرغبة في القتال المصادر الرئيسية للشرعية والقوة
السياسية بين صفوف المعارضة. وقد أدى هذا الاتجاه إلى تهميش النشطاء
السياسيين لكنه كان في صالح الجماعات الإسلامية. فتلك الجماعات توصف بأنها
متماسكة ومنضبطة ولديها قيادة فعالة وروح قتالية عالية، وهي أمور تفتقر
إليها جميعاً الوحدات العلمانية. وتُوصف "جبهة النصرة" بصورة خاصة على أنها
تتمتع بمهنية عالية، وهي نشطة حالياً في ثمانية من محافظات سوريا.
ثالثاً، يحول نقص الأسلحة بين صفوف وحدات الثوار دون قدرتهم على القيام
بالعمليات والاستمرار فيها. فاللوجستيات وأعمال التخطيط تخضع للتفاوض بدلاً
من التنظيم، كما أن الجماعات تتبادل الذخيرة والأسلحة وتتساوم حول نسبة
الأسلحة من ترسانتها التي سيتم استخدامها في الهجوم على قواعد النظام. ولا
تلوح في الأفق مؤشرات واضحة على أن "المجلس العسكري الأعلى" يمارس أي قيادة
على الأرض.
رابعاً، أعرب الأفراد عن كراهيتهم للمجتمع الدولي بشكل عام والولايات
المتحدة بصفة خاصة. كما تنتشر نظريات المؤامرة، بما في ذلك فكرة أن واشنطن
وإسرائيل وإيران يتعاونون بشكل ما من أجل سحق الثورة. وفي الوقت ذاته، يرى
العديد من السوريين أن "جبهة النصرة" هي بطل الثورة بسبب استعدادها للقتال
وتكبد الخسائر؛ ولا يفهمون سبب تسمية الولايات المتحدة لها كجماعة إرهابية.
خامساً، ينتقل الصراع إلى جيران سوريا. فقد أصبحت الحدود الأردنية منطقة
حرب -- حيث يقاتل "الجيش السوري الحر" قوات النظام للسيطرة على مختلف
المعابر، كما يقع اللاجئون الفارون ضحية لنيران المعارك. وفي غضون ذلك، ترى
إسرائيل أن الأمن في الجولان يتفكك مع تركيز النظام لقواته في أماكن أخرى.
ورغم أن قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي" تمتلك خبرات هائلة في منع تسلل
الإرهابيين، إلا أن مشكلة أكبر قد تنشأ مع بدء المعركة النهائية على دمشق
-- وتحديداً تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى الجولان.
وأخيراً، يظل النظام محافظاً على تماسكه، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى
شحنات الأسلحة التي تصل إليه من إيران و «حزب الله». كما أنه شكّل أعداداً
غفيرة من القوات غير النظامية والإضافية ويعمل على نقل قدراته العملياتية
إليها. ورغم ذلك، أشارت حسابات أحد المحللين الدارسين لبيانات جنائز جنود
النظام بأن متوسط القتلى في صفوف هذه القوات يبلغ أربعين شخصاً في اليوم،
كما أن هناك ضِعفاً أو ثلاثة أضعاف هذا العدد من الجرحى الغير قادرين على
العودة إلى الخدمة. وإيجازاً، يستنفد النظام قدراته ببطء، بينما يعمل
الثوار، كالأمواج العارمة، على إضعاف سيطرته على المناطق الشاسعة شيئاً
فشيئاً.
سايمون هندرسون
تجمع الأزمة السورية بين ثلاث مواضيع ذات أهمية بالغة لـ "مجلس التعاون
الخليجي" وهي: صعود الإسلام السياسي، ومعاناة الإخوة العرب، وإيران. وتتألم
دول "مجلس التعاون الخليجي"، كونها دولاً عربية، جراء التقارير التصويرية
المفجعة حول معاناة السوريين. وباعتبارها دولاً خليجية، فإنها تخشى من نفوذ
إيران وترى الإطاحة ببشار الأسد على أنها انتكاسة استراتيجية محتملة
لطهران.
ورغم تعاطفها المشترك مع الثوار، إلا أن دول "مجلس التعاون الخليجي"
تتنافس أيضاً مع بعضها البعض من أجل الزعامة الإقليمية، وفي هذا الصدد
أصبحت سوريا ساحة كبرى للمنافسات السياسية. ويشار هنا إلى أن المملكة
العربية السعودية وقطر هما من الدول المنافسة الفاعلة بصفة خاصة، كما أن
غريزتهما التنافسية قد تكون أقوى من إحساسهما بالمسؤولية عن النتيجة. فعلى
سبيل المثال، لا يوجد لدى الدولتين نفس درجة التردد التي لدى الغرب بشأن
تزويد الثوار في سوريا بالأسلحة، ومن المرجح أنهما تزودان الجماعات
الجهادية بالأسلحة.
وفي الوقت ذاته، فإن تأثير إيران يعمل وإن جزئياً على الأقل على الحد من
استعداد الدوحة للعمل داخل سوريا. إذ يتعين على قطر، أكثر من أي دولة أخرى
من دول "مجلس التعاون الخليجي"، أن تحافظ على درجة من علاقات العمل مع
طهران. كما أن معظم ثروة البلاد يأتي من خزان الغاز الطبيعي في "حقل
الشمال" البحري، الملاصق لحقل "بارس الجنوبي الإيراني". إن مشاركة هذا
الخزان الحيوي تعني أن استعداد قطر لإثارة حفيظة إيران هو أقل بكثير من
استعداد المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة.
وعند سؤال العديد من المسؤولين في دول "مجلس التعاون الخليجي" عن الخلافات
في وجهات نظرهم حول كيفية معالجة القضية السورية، أشاروا إلى غياب القيادة
الأمريكية، وعزم دولهم على القيام بشيء ما لأن واشنطن لا تفعل ما يكفي.
ومن ثم فإن غياب عمل أمريكي مؤثر والمنافسات السياسية في الخليج قد تصبح
أكثر إثارة للخلاف والنزاع. وعندما يسقط الأسد، قد تكون الفجوات قد بلغت
إلى درجة من الاتساع بحيث لا تتيح لدول "مجلس التعاون الخليجي" الاستمرار
في التوحد ضد إيران أو تبقى حليفاً فعالاً للولايات المتحدة.
أعدت هذا الملخص المقررة كاتي كيرالي.
0 comments: