مَن "ضربَ ضربتَهُ": ميقاتي أم حزب الله؟
حتى اللحظة الأخيرة، بقي ميقاتي يتلقى النصائح من القوى الدولية بمواجهة "حزب الله" داخل الحكومة إلى حدود التهديد بتطييرها. لكنّ قوى عربية ودولية حذّرته من مغبة الإستقالة فعلاً، لأنها بوابة الفراغ.
إلّا أن ميقاتي إختار القفز من تجربة "حافة الهاوية" إلى تجربة السقوط فيها. فأقدم على الإستقالة، وحوَّل حكومته إلى وضعية تصريف للأعمال، شارحاً للجميع أنها السبيل الوحيد لمنع "حزب الله" من الإطباق على السلطة.
ويعتقد ميقاتي أن الإستقالة ستجعله الأقوى، هو والفريق الوسطي، إذ سيتبيَّن للجميع مدى الحاجة إليه. وفي تقديره أيضاً أنه الأقوى بين المرشحين لدخول السراي الحكومي، وهو أساساً لن يغادره ما لم تتألف حكومة جديدة.
وستكون وضعيته في تصريف الأعمال، من حيث الفاعلية، قريبة من وضعيته قبل تقديم الإستقالة. ففي السلطة، لم يستطع ميقاتي القيام بأكثر من تصريف للأعمال في شؤون عادية... فيما القرارات المطلوبة في شؤون أساسية كالتمديد للأمنيين أو قانون الإنتخاب معطّلة. ولم ينجُ في اللحظات الأخيرة سوى ملف السلسلة. لذلك، قرر الرئيس ميقاتي خلط الأوراق بإستقالته لعلها تولّد معطيات جديدة.
إستقالة ترضي الجميع
لكن الأهم، هو إقتناعه بأن هذه الخطوة لا تستفزُّ أحداً. ومن هنا ظهوره راضياً، خلال تقديمه إستقالة الحكومة، وكأنه في أجمل أيامه في السراي. وهو مرتاح خصوصاً إلى أنه لا يغامر بردّة فعل غير محسوبة من "حزب الله"، كما كان يخشى في تجارب سابقة.
ميقاتي أرضى القوى الدولية بإظهار تمسّكه بالمواعيد الدستورية للإنتخابات النيابية، ولو من خلال قانون 1960، وبالإحتفاظ بالموقع الأمني الحسّاس في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وعدم السماح للذهاب به في إتجاهات "غير مرغوب بها"، ومنها تولّي اللواء علي الحاج هذا المنصب، مع ما يعنيه ذلك على مستوى الأمن والملفات الأمنية ـ القضائية، من ملف سماحة إلى ملفات الإغتيال ومحاولات الإغتيال منذ 14 شباط 2005، ومستتبعات إنطلاق المحاكمات في لاهاي.
وأرضى ميقاتي فريق 14 آذار، وأنعش قناة التواصل بينه وبين الرئيس سعد الحريري. وأظهر لقوى 14 آذار أنه الأقرب إلى منطقها، لعله يغسل مفاعيل "يوم الغضب" بعد إسقاط الحكومة الحريرية.
وتالياً، أرضى أبناء مدينته طرابلس، خصوصاً في الدفاع عن إبن المدينة اللواء ريفي. في المقابل، هناك مَن يقول: "حزب الله" ليس منزعجاً من إستقالة ميقاتي. بل إن "الحزب" تعمّد خلق الظروف التي تدفع ميقاتي إلى الإستقالة، لأنه يفضّل وضعية تصريف الأعمال على إنتخابات لا تناسبه، ومؤسسة أمنية خارج نفوذه.
والدليل أن ميقاتي بعث إلى الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، بعد الجلسة الصاخبة، وعبر الحاج حسين خليل (المعاون السياسي لنصرالله)، بإشارة إلى رغبته في الإستقالة مساءً، فجاءه الجواب: فليفعل الرئيس ميقاتي ما يراه مناسباً.
وفي تقدير المتابعين أن "الحزب" وحلفاءه يمتلكون القدرة على إبقاء هذه الحكومة، أو تلك التي قد يتمُّ تأليفها، بمقدار ما يشاؤون في وضعية تصريف الأعمال، ومنع قيام حكومة جديدة مكتملة المواصفات الشرعية.
ويريد "حزب الله"، من وضعية تصريف الأعمال، منع الإتجاه لدى قوى عربية ودولية الى إقرار قانون إنتخاب يكرّس غلبة الوسطيين، أو فريق 14 آذار لاحقاً، أي عندما تظهر ملامح جديدة في الملف السوري. كما إن الحزب يرغب في قطع الطريق على التمديد لريفي، في مرحلة حافلة، زادها خطورة إغتيال رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن.
من هنا، أدرك ميقاتي أنه لن يُغضب أحداً بقرار تحويل حكومته إلى تصريف الأعمال، خصوصاً شركاءه الأقوياء في الحكومة وسوريا وإيران. وهو لطالما خشيَ هذا الغضب، هو وسائر الوسطيين، وتحسَّب له.
مغامرة ميقاتي مبرّرة ربما. لكن مخاطر الإستقالة تكمن في إحتمال سقوط البلد في الفراغ الشامل، أمنياً وسياسياً وإقتصادياً ودستورياً. وفي "الفراغ" سيكون الفريق الوسطي وفريق 14 آذار متضررين، لأنهما لا يمتلكان أوراق قوة إلاّ في السلطة. أما "حزب الله" فلن يتأثر، وربما يرتاح، لأن أوراق القوة التي يمتلكها موجودة في السلطة وخارجها. فهل الإستقالة "ضربة معلّم" لـ"حزب الله" أم لميقاتي؟
طوني عيسى| الجمهورية
2013 - | آذار - | 25 |
0 comments: