من هاجم الأميركيّين في بوسطن... وكيف ستردّ واشنطن على الإنفجارين؟
الأربعاء 17 نيسان 2013، ناجي س. البستاني
منذ لحظة حصول التفجيرين في ولاية بوسطن الأميركيّة، واللذين أوقعا 3 قتلى و144 جريحاً، كثرت التحاليل بشأن الجهّة المنفّذة، والأهداف المنشودة، وطبيعة الردّ الأميركي... فما الجديد على مستوى هذه المحاور الثلاثة؟
بالنسبة إلى الجهة المنفّذة، يبدو أنّ "الأفكار المُسبقة" التي تسيطر على "العقل الأميركي" تقوده سريعاً إلى إستنتاجات غير مبنيّة على معطيات حسّية. وفي هذا السياق، وفور وقوع إنفجاري بوسطن، تمّ التحقيق مع شخص سعودي أصيب في رجله، بحجّة أنّه كان قريباً جداً من موقع التفجير إلى درجة إصابته بجرح في رجله، وأنّه ركض مسرعاً بعيداً عنه بعد حصوله! كما جرى أيضاً تعميم أوصاف رجل داكن البشرة، وربّما أسود كما جاء في بلاغ البحث والتحرّي، بحجّة أنّه حاول الدخول إلى منطقة محظورة على الجمهور قبل خمس دقائق من وقوع الإنفجارين! وتبيّن بعد التحقيق في الحالين، أنّ لا علاقة لهذين الشخصين بالحادث.
وحتى لحظة إعداد هذا المقال، كانت المعطيات لدى المحقّقين الأميركيّين هي الآتية:
أولاً: إنّ إعتماد أسلوب التفجير المتزامن يُذكّر بعمليات إرهابية مشابهة وقعت في أكثر من دولة غربيّة، ويَنفي صفة العمل الفردي عن الهجوم، ويؤكّد تورّط مجموعة منفّذة.
ثانياً: إنّ إختيار الأهداف بدقّة، لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، بالتزامن مع إحداث بلبلة إعلامية واسعة وخضّة معنوية مؤثّرة، يدلّ على فِكرٍ مُحترف وعلى حُسن التخطيط والتنفيذ.
وما سبق يقود وجهة التحقيق نحو جماعات "إرهابيّة" من خارج الحدود. لكن في المقابل، تُوجد معطيات عدّة تقود وجهة التحقيق نحو جماعات من المتطرّفين الأميركيّين، وأبرزها:
أولاً: إنّ المرحلة الأخيرة من سباق الماراتون، وطولها 26,2 كلم. كانت مخصّصة لذكرى ضحايا مجزرة مدرسة "نيوتاون" (سقط فيها 26 قتيلاً، عندما فتح شاب مسلّح النار عليهم قبل أن ينتحر، وذلك في 16 كانون الأول 2012). وبالتالي، قد يكون المنفّذون من أصدقاء منفّذ عمليّة "نيوتاون"، أو ممن يعانون من النَقمة نفسها على المجتمع الأميركي.
ثانياً: إنّ تنفيذ العمليّة في تاريخ 15 نيسان، والذي هو اليوم الأخير لدفع الضرائب المستحقة للدولة من قبل عامة الشعب، قد يكون يحمل رسالة دمويّة إعتراضيّة من متشدّدين يرفضون النظام الإقتصادي الأميركي.
ثالثاً: إنّ شهر نيسان شهد أكثر من مجزرة في الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الماضية، ومنها مجزرة كولومبيين في ولاية كولورادو في نيسان 1999، عندما أطلق فتيان النار داخل مدرستهما فقتلا 12 تلميذاً ومدرّساً ثم إنتحرا. وفي نيسان 2007، قتل طالب أميركي في الثالثة والعشرين من عمره 32 شخصاً قبل أن ينتحر أيضاً، وذلك في مسكن الطلاب في معهد فيرجينيا للعلوم. وقد يكون منفّذو العملية الجديدة متأثّرين بهذه الأحداث، ويرغبون بجعلها بمثابة جرائم متسلسلة.
رابعاً: إنّ العبوات المستخدمة مصنّعة بشكل يدوي، من دون إستخدام لمواد شديدة الإنفجار، ومنها C4 على سبيل المثال، كما أنّها من الحجم الصغير. وبالتالي، لو كان وراء الهجوم جهات "إرهابيّة" محترفة، لكانت إستخدمت عبوات أكبر حجماً وأكثر فتكاً.
بالنسبة إلى الأهداف المنشودة، وبغض النظر عن الجهة المنفّذة، فالأكيد أنّ الضجّة الإعلامية التي أحدثها الإعتداء الجرمي تفوق بهولها عدد الذين قُتلوا أو أصيبوا نسبة لإعتداءات مشابهة، ومنها على سبيل المثال تفجيرات إسبانيا (إستهدفت محطة قطارات في 11 آذار 2004، وأوقعت 191 قتيلاً) وبريطانيا (إستهدفت باصات عامة ومترو الأنفاق في تموز 2005، وأوقعت أكثر من 50 قتيلاً)، إلخ. وإذا كان من الطبيعي أن تختار الجهة المنفّذة موقعاً يحتشد فيه الناس، لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، فإنّ اللافت والأهمّ أنّ الجهة المنفّذة إختارت موقعاً يحتشد فيه المصوّرون وممثّلو وسائل الإعلام، لتأمين التغطية الإعلامية السريعة، والتي تزيد من حجم المأساة، كونها تنقل خوف الناس وحال الرعب بشكل شبه مباشر. وبالتالي، الهدف المعنوي المحقّق، لجهة ضرب قبضة الأمن، وشعور الأمان والإستقرار، وجعل الجميع يشعر أنّه يمكن أن يُستهدف في أي وقت وفي أي مكان، كان في أعلى لائحة المنفّذين.
بالنسبة إلى الردّ الأميركي المتوقّع، فهو يختلف تبعاً لما ستكشفه التحقيقات. فإذا كان المنفّذون من المتطرّفين الأميركيّين، فإنّ الأمور ستتجه نحو مزيد من التشدّد بالنسبة إلى الأسلحة والذخائر التي يمكن للمواطنين الأميركيّين الحصول عليها، في ظلّ تنامي ظاهرة إطلاق النار على الأبرياء العزّل، وفي ظلّ الإبتكار في الأساليب الإجرامية، على الرغم من كل الإجراءات المتخذة. أما في حال ثبت ضلوع جهة أو جهات خارجيّة في الحادث، فبطبيعة الحال سيكون هناك تشدّد في شروط الحصول على التأشيرات السياحيّة وطلبات الهجرة، إضافة إلى ردّ عسكري من قبل الجيش الأميركي. لكن أصلاً، الولايات المتحدة الأميركية ليست بحاجة إلى ذرائع لتنفيذ هجمات على أهداف محدّدة من قبلها، حيث أنّ طائراتها من دون طيّار تقصف بشكل دوريّ أهدافاً في اليمن وباكستان وأفغانستان وغيرها من الدول. وبالتالي، عمليّة بوسطن لن تقدّم أيّ جديد، لضرب عناصر مسلّحة بتهمة الإنتماء إلى "تنظيمات إرهابيّة". كما أنّ عمليّة بوسطن ليست بالضخامة التي تسمح لواشنطن بشنّ حرب كبيرة على دولة ما، كما حصل عندما هاجمت أفغانستان إثر أحداث "11 أيلول" 2001 والتي إتهمت فيها "القاعدة" وحُماتها من حركة "طالبان" آنذاك.
وفي كلّ الأحوال، تقوم الأجهزة الأميركية المعنيّة حالياً بتحليل المواد التي إستخدمت في تفجيري بوسطن، وبدراسة المكالمات الهاتفية في المنطقة، وخصوصاً بالكشف على مختلف أفلام كاميرات المراقبة في مكان التفجيرين. وهي طلبت من كل مواطن يملك أي صور ثابتة أو متحركة للمكان المستهدف، قبل الإنفجارين وخلالهما وبعدهما، بتسليم نسخة عنها للشرطة. وبالتالي، قد تظهر الحقيقة كاملة قريباً، إلا إذا جرى تعمّد إخفائها لهدف في نفس يعقوب!
0 comments: