Monday, April 1, 2013

الخطأ في الحسابات الإقليمية التركية

بقلم : غلام رضا عسكري

ترجمة علي العبدالله عن صحيفة "اطلاعات" 


عندما أخذ أردوغان على عاتقه زمام  مبادرة "مشروع الديمقراطية في سوريا" بمساعدة كل من السعودية وقطر، فلعله لم يدرك حينها أنه سيدخل بذلك في أكثر الورطات السياسية تعقيداً في الشرق الأوسط! كما إن أحدا لا يعرف، ما الذي يستنتجه كل من "أردوغان" و"داود أوغلو" وباقي المنظرين للسياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية التركي، عندما يطرحون نظرياتهم السياسية في المنطقة، ولا سيّما ما يخص الشرق الأوسط. إلا أن التمعن في نتائج تلك النظريات خلال الثلاث سنوات الأخيرة، يشير إلى أنهم أخطأوا فيها كثيراً، حتى إن وضعهم الإقليمي أيضاً  تزعزع كثيراً.

الشرق الأوسط: حقل مليء بالألغام 

وينبغي القول بصراحة إن النظريات التي طرحها منظرو العلاقات الدولية فيما يتعلق  بالشرق الأوسط، لم تجدِ نفعاً ولن تجدي، وتأكد أنه ينبغي تحليل وتفسير تطورات الشرق الأوسط خارج مسار القوالب الراهنة والمنطق السائد في السياسة العالمية، وذلك نظراً لاختلاف البنية الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للشرق الأوسط مع باقي بلدان العالم، إلا أن ذلك لا يعني أن تطورات الأحداث في  المنطقة لا تتبع أي ترتيب منطقي ونموذجي.

حزب ب ك ك أحد الهواجس التركية
حزب ب ك ك أحد الهواجس التركية

كما إن الأطراف اللاعبة في المنطقة لديها اعتقاد بضرورة الدخول في الساحة السياسية للشرق الأوسط وكذلك الاهتمام أيضا بمعرفة  المنطق السائد في الشرق الأوسط، وذلك من خلال النظر إلى مجريات الأمور من الداخل والتعرف إليها عن قرب، وهذا ما دفع كثيرا من السياسيين إلى أن يسود لديهم اعتقاد أن  ذلك كان أعظم شيء غفل عنه الأتراك  من أجل لعب دور أفضل في الشرق الأوسط.

وللعلم، فإن حزب العدالة والتنمية التركي، وصل في نهاية المطاف إلى نتيجة نهائية بشأن الثورات العربية وأصبح معجباً بدوره في المنطقة كـ"قائد لشرق أوسط جديد ذي حكومات ناشئة وميول إسلامية"، هذا إذا ما علمنا أن السادة الأتراك دخلوا حقل الشرق الأوسط الملغوم من دون أي توجه أو خارطة واضحة، ولعل أخطرها ذلك الجزء المتعلق بالأزمة السورية. هنا نحن لا نقصد أن نحمل كل تبعات هذه الأزمة على تركيا، إلا أن قضية الأكراد بلا أدنى شك هي الأكثر خطورة على تركيا، خاصةً بعد انفجار الأزمة السورية في المنطقة وكذلك فشل الفريق الدبلوماسي لأردوغان في لملمة سريعة لخيوط القضية الكردية وكأن تركيا تراودها خشية من اتساع نطاق هذه الأزمة.

المشكلة هنا أنه عند إصرار أي دولة على إستراتيجية خاطئة، فإنه لا يمكن أن نتوقع أي رد فعل إيجابي لهذه الإستراتيجية، وفي حال حلحلة أية عقدة، فعلى الجانب الآخر تظهر عقدة أخرى، ومثال ذلك أن أردوغان خلال الأشهر الأخيرة حاول أن يكون أكثر اقتراباً من حكومة كردستان العراق، حتى يستطيع التخفيف من الضغوط العسكرية والسياسية لحزب العمال الكردستاني (ب.ك.ك)، مقترحاً دعم الصادرات النفطية لأربيل (عاصمة إقليم كردستان العراق) ومتجاهلاً حكومة بغداد.

لكن ما هي نتيجة هذا التصرف حتى الآن؟ كما كان متوقعاً، فإن حجم نفوذ أربيل على"ب.ك.ك" لم يصل إلى درجة تلبية طموحات وأهداف أنقرة، والعراق يعتبر بلدا ذا نفوذ لحل أي مشكلة يمكن أن تواجه تركيا في المنطقة ولا يمكن تجاهله، إلا أن بعض التصرفات التركية على المستوى السياسي تشير إلى أنه في الأشهر الأخيرة لم يكن على اطلاع ومعرفة جيدة بأبعاد الأزمة في المنطقة.

ومع اشتعال نيران الحرب في سورية وعندما قامت حكومة دمشق، عن قصد أو عن غير قصد، بمنح الأكراد حرية التحرك في بعض المناطق، فإن تركيا أدركت مؤخراً أنه لا ينبغي عليها أن تستخلص النتائج بهذه السرعة تجاه مجريات الأحداث في سورية، هذا فضلا عن إدراكها أن مجابهة الأكراد في سورية مع "الجيش الحر" الذي يشكل غالبيته سلفيين متطرفين ورعايا سعوديين وقطريين، يشير إلى أن الأكراد في حال الإطاحة بالأسد، ليسوا أقلية عاجزة يمكن أن تخضع  بسهولة لحكومة أخوانية متطرفة.

كما إن تشكيل منطقة حكومة ذاتية للأكراد في سورية بجوار تركيا، يمكن أن تكون أكبر محرك لأكراد تركيا لحصولهم على المزيد من امتيازات أكبر من تركيا، وفي الحقيقة  ليس لدى تركيا أي تصور واضح عن الحكومة المستقبلية لسورية، وبناءً عليه فإن أكثر السلوكيات منطقية التي يمكن أن تقوم بها أنقرة هي الاهتمام بترميم نقاطها المتضررة قبل وقوع كوارث مفاجئة.

الخطأ في الحسابات الإقليمية التركية
عبدالله أوجلان محاولة تركية فاشلة للمساومات

عبدالله أوجلان و الـ"ب.ك.ك"


إن أهم الحلقات التي تصل تركيا بـ"ب.ك.ك" وأكراد تركيا هي "عبدالله أوجلان"، ولكن هل "أوجلان" هو من بإمكانه أن يفتح جميع الأبواب الموصدة؟.. وفي حال أنك اطلعت على  مقابلة مع الرئيس التنفيذي السابق لحزب العمال الكردستاني "مراد كارايلان" على قناة "بي.بي.سي"، فإنك لن تسمع إلا أمانٍ عديدة بحل المسألة الكردية في تركيا على يد "أوجلان"، هذا فضلا عن تأكيده أن "ب.ك.ك" يقاتل من أجل شيء واضح ينبغي أن يتحقق كي يتم إلقاء السلاح على الأرض، هذا فضلا عن تأكيده أنه لن يكون بمقدور  "أوجلان" أن يصدر أمراً بالاستسلام من دون حصول الأكراد على مطالبهم في تركيا.

وبناءً عليه، فإنه من الطبيعي أن نرى مساعِيَ تركية لخلق نوع من الشرخ والفجوة في صفوف "ب.ك.ك" التي تعتبر مجموعة موالية لأوجلان ممن يقرعون بشكل دائم  طبول الحرب. كل ذلك إلى جانب أنه في مثل تلك الظروف استبدلت أنقرة قرارا غير ناضج بخطأ فظيع، عبر الإيحاء بأن هناك اتفاقا تم بين  تركيا و"أوجلان"، الامر الذي دعا القوى السياسية الكردية في تركيا إلى عدم الوثوق بالادعاء التركي باعتبار أنه من غير المنطقي أن يتم الاتفاق مع أوجلان المتواجد في سجن "إيمرالي"(1) ،مبررين ذلك بعدم إمكانية أن يقوم  شخص مثل "أوجلان" بالإمضاء على اتفاقات معدة مسبقاً في ظل الوضع الذي هو فيه حاليا.

اغتيال نشطاء أكراد في باريس 

في خضم تلك الأحداث، يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: من الذي اغتال النشطاء الأكراد الثلاثة في باريس؟ ومن المستفيد من هذه العملية؟ ولمن ستتوجه أصابع الاتهام في الوضع الحالي؟ هذا بالإضافة إلى آلاف الأسئلة الأخرى التي يفترض على أنقرة أن تجيب عنها، فعندما تدخل كسياسي في حوار مع عدو لك، فإنه يفترض أن يكون لديك مستوى واضح من الصداقة والرغبة الحقيقية للوصول إلى السلام، غير أن ما يبدو هو دخول تركيا في حوار مع الأكراد المعادين لها، في الوقت الذي كانت تأخذ على عاتقها مسؤولية تولي الحفاظ على  حالة السلام مع الأكراد.

إن حادثة الاغتيال الأخيرة، هي مثل كثير من الحوادث الأخرى التي تدلّ على أن هناك أزمات معقدة ومتشعبة وشديدة الارتباط مع الشرق الأوسط، إلا أنه يبدو أن الثقة بالنفس والإبداع في العمل، قد تلاشى من قاموس المسؤولين السياسيين لحزب العدالة التنمية التركي الذي اكتشف  أن الشرق الأوسط وأزماته ليس كما  كانوا يتخيلون، ولربما من الأفضل أن تنفتح أنقرة على أوروبا وأن تجرب حظها مرة أخرى هناك.

ــــــــــــــــــــــــــــ

"إيمرالي"(1): سجن أمضى فيه القائد الكردي البارز "عبدالله أوجلان"، رئيس حزب العمال الكردستاني  منذ 1999 عقوبة بالسجن مدى الحياة في جزيرة ايمرالي (شمال غرب تركيا) ، الواقعة في  بحر مرمرة.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: