Monday, April 22, 2013


إيلات وعدو بلا عنوان


بقلم: عاموس هارئيل
حذر رئيس الأركان بني غانتس في خطابه عشية يوم الذكرى قائلا: «لا تدعوا الهدوء يخدعكم». وبعد يومين، في حفل الاستقبال التقليدي الذي يعقده وزير الدفاع، موشي يعلون، لقادة المؤسسة الأمنية بمناسبة يوم الاستقلال الـ65، تحدث جنرالات في هيئة الأركان عن القلق المميز للمرحلة. من جانب هدوء أمني استثنائي مقارنة بالسنوات الـ13 الأخيرة، مع عدد ضئيل جدا نسبيا من القتلى الإسرائيليين جراء عمليات تخريبية (من دون الحديث عن حروب)، وبالمقابل عدم استقرار على حدود الدول المجاورة. يصعب على الاستخبارات التكهن بموضع قدوم الشر وموعده. كما أن فقدان الهدوء ذاته يثير الخشية الدائمة من تطورات أمنية غير متوقعة.
ويوم الأربعاء أطلقت صلية من ثلاثة صواريخ غراد من سيناء إلى إيلات ـ وهي المرة السابعة لاستهداف المدينة في السنوات الثلاث الأخيرة. وسوف يشرح لنا أنصار نظرية المؤامرة أن كل هذا مرتبط بالسجال حول ميزانية الدفاع. وبعد أن تُلِي جزء من الحجج مؤخرا، من الاتهام بتزييف إسرائيل معطيات اعتراض القبة الحديدية مرورا بتضليل دافع الضرائب الأميركي وانتهاء بادعاء أن الجيش يسهم في تقبيح وجه الدولة عبر بناء الأماكن الآمنة بدل صنع السلام مع الفلسطينيين، فإن مثل هذه الاتهامات أيضا لن تفاجئ أحدا.
والبهجة التي أصابت القيادة العسكرية جراء العناق الجماعي من الجمهور ووسائل الإعلام، في أسبوع طافح بالمراسم والخطابات الحادة بين ذكرى المحرقة ويوم الاستقلال، تثير بالفعل عدم راحة. وكان بالوسع التنازل أيضا عن نبرة الرحمة التي أبديت في السجال على التقليص الاضطراري في ميزانية الدفاع. ولكن في الأساس الأمر يسري على أداء هيئة الأركان في العقدين الأخيرين، عدا قسم من ولاية شاؤول موفاز كرئيس للأركان عند نشوب الانتفاضة الثانية ـ قيادة الجيش تتميز بمقاربة واعية بل وبالغة الاعتدال بشأن المخاطر الأمنية.
ومن دون محاولة التكهن بمواقف رئيس الأركان الحالي، غانتس، السياسية، يبدو أنه ليس صدفة أنه على مدى العقدين الأخيرين، حيث سيطرت غالبا حكومات يمينية، فضل معظم الجنرالات المسرحين الذين ذهبوا للسياسة إيجاد أماكن لأنفسهم في موقع حزبي بين اليسار والوسط. كما أن أغلبهم أعرب عن تفاؤل معين بشأن فرص التوصل إلى سلام حقيقي مع الفلسطينيين. ويعلون، رجل الليكود، استثناء، تصعب رؤيته كداعية حروب (كما تثبت مواقفه المعتدلة بشأن الهجوم على إيران). والمقاربة الاقتصادية لرئيس الأركان، من أيام يعلون مرورا بدان حلوتس وغابي أشكنازي، مكبوحة غالبا. وهي لا تتردد في استخدام القوة وقت الضرورة، لكنها لا تحث المستوى السياسي على التورط في معارك عسكرية زائدة.
وهذه هي الصورة الراهنة أيضا، في فترة تتطور فيها تهديدات جديدة ومعقدة، يتعذر على الاستخبارات حتى الآن رسمها بدقة. ويبدو أن هيئة الأركان، وكذلك حكومة نتنياهو الثالثة، لا تهرع لاستخدام قوة غير مدروسة ولا تخطئ في التفكير بأنه تكفي بضع غارات جوية، مركزة أو غير مركزة، لفرض النظام في الجبهات الجديدة التي يغلي فيها انعدام الهدوء. وفي أقواله هذا الأسبوع، توجه غانتس أساسا نحو ما يجري في سوريا. فسيرورة التفكك السريعة للدولة، حيث لا يستطيع أي من الطرفين فيها حسم الحرب الأهلية، تؤثر في الوضع في هضبة الجولان. وإطلاق الصواريخ من جانب إحدى السرايا المرتبطة بالقاعدة يمكن أن يشكل ظاهرة تصطدم بها إسرائيل في الجولان أيضا، وليس فقط على الحدود مع سيناء مصر.
وحتى الآن نسبت أغلب حوادث النار على الحدود السورية إلى جيش بشار الأسد ـ وفي إسرائيل رأوا فيها على الأغلب حوادث بالخطأ من جانب الجنود السوريين. وعلى مثل هذه الانتهاكات ردت إسرائيل بهجوم مركز، كإطلاق صاروخ تموز أو قذائف دبابات نحو الموقع الذي أطلقت منه النيران. وإذا انضمت القاعدة أو أتباعها للصورة ـ وكل التقديرات الواعية ترى أن ذلك سيحدث آجلا أم عاجلا ـ ليس هناك عنوان للاشتباك معه في الجانب الثاني. فعملية جباية الثمن من قصر الأسد في دمشق لن تكون مؤثرة، لأن هذه الفصائل هي عدو لدود للحاكم المصارع من أجل البقاء. وتعبير «قيادة جبهة النصرة» (وهو التنظيم الأبرز للمتطرفين السنة) في جنوب سوريا هو شبه وهم. إذ يصعب ترجمته إلى نقطة علام من 12 رقما يمكن لطائرة إسرائيلية أن تطلق نحوه قذيفة دقيقة.
وعلى خلفية غياب الخطر العسكري التقليدي البادي من الدولة السورية، فهذه هي الهموم التي تقلق القادة الإسرائيليين: عمليات القاعدة في الجولان، وأيضا استمرار الجهود لتهريب أسلحة متطورة من سوريا إلى حزب الله. ومراقبة القوافل من هذا النوع عمل يومي. في الماضي نسب لإسرائيل هجوم موجه ضد بطارية صواريخ أرض - جو من صنع روسي، من طراز إس إي 17، دمرت في نهاية كانون الثاني على الحدود السورية اللبنانية. وحتى الآن، أفلحت إسرائيل في عدم حرق الطبخة. ولكن هجوما مكثفا على قوافل معدة لحزب الله أو خطوات فعالة ضد خلايا سنية متطرفة في الجولان يمكنها أن تغرقها أعمق في قلب الحرب الدائرة داخل سوريا.
والمشكلة على الحدود المصرية مشابهة بقدر ما. هنا أيضا يوجد من الجانب الثاني على السياج في سيناء حكم فاشل، يتعذر عليه، وربما لا يريد، أن يفرض إمرته على القبائل البدوية وعلى الخلايا الإرهابية المتطرفة. والوسيلة الأبسط لاجتياز السياج القائم على الحدود هي إطلاق صواريخ، مثل الغراد الذي سقط في إيلات أمس الأول. وإيلات هي نقطة ضعف بارزة: لأن تهديدها المتواصل يمكن أن يوقف بسرعة السياحة الأجنبية في المدينة ولأنه يصعب الدفاع عنها. فموقع المدينة جغرافيا، على حدود قاطع ساحلي ضيق ومكتظ بين الأردن ومصر، يمنع حمايتها ويجعل صعبا ترسيخ هامش كاف بين الإنذار بالخطر وإحباطه.
ورغم نشر بطارية قبة حديدية في إيلات، يبدو أنه أسهل تشغيلها في مدينة كبئر السبع أو عسقلان مما في إيلات. فهناك إغراء للمنظمات الإرهابية باحتمال تهديد طائرات الركاب التي تهبط في مطار إيلات. ومعروف أن في سيناء صواريخ مضادة للطائرات متنوعة. وعلى الأقل في حالة واحدة، حينما قتل ثمانية مدنيين وجنود إسرائيليين في طريق 12 في آب 2011، فشلت محاولة بواسطتها لإسقاط مروحية عسكرية.

هدوء ليس صدفة
ومقابل سيناء، سجل هذا الأسبوع هدوء في الضفة الغربية. فيوم الأسير الفلسطيني، الذي احتفل به يوم الأربعاء غداة يوم الاستقلال، مر من دون حوادث عنف فعلية. والمشاركة في التظاهرات والمهرجانات كانت محدودة. وهذا يناقض المواجهات الكثيرة في الضفة قبل أسبوعين، على خلفية موت الأسير الأمني الفلسطيني ميسرة أبو حمدية بالسرطان في مستشفى إسرائيلي. والهدوء لم يكن صدفة: فمثلما عملت قيادة السلطة على تشجيع التظاهرات في مطلع الشهر، كبحت نفسها هذه المرة. والتعليمات المفصلة بهذا الشأن سلمت لنشطاء في أجهزة الأمن وفرضت بشدة ميدانيا.
ويبدو أن تغيير السياسة مرتبط بجهد الإدارة الأميركية المستجد لتحريك المبادرة السلمية (جون كيري تحدث عن نافذة فرص من عامين لتسوية سياسية). والصلة ممكنة بعد المواجهة بين الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة سلام فياض الذي أعلن قبل أيام استقالته. وفي فترة انعدام الاستقرار الداخلي ثمة مبرر للطرفين للخشية من نشوب مواجهات غير مدروسة مع الجيش الإسرائيلي.
وعلى الأقل ستأسف القيادة الأمنية الإسرائيلية لخروج فياض، إذا جسد هذه المرة قراره الاعتزال. فأكثر من أي شخص آخر في الجانب الثاني يسجل لفياض، الوطني الفلسطيني الفخور، إعادته الهدوء النسبي لشوارع الضفة وسياسة التنسيق الأمني التي ساعدت جدا في تقليص خطر الإرهاب ضد الإسرائيليين. كما كان فياض نوعا من ستانلي فيشر فلسطيني، ساعد في تحقيق الاستقرار الاقتصادي نسبيا (وفي سنوات سابقة في تحقيق ازدهار جوهري)، عبر تعزيز العلاقات مع الدول المانحة والمنظمات الدولية. واعتزاله يرمز إلى انتصار الحرس القديم في فتح، الذي رأى فيه عقبة أمام طموحاتها وبالأخص أمام المشاريع الفاسدة لقسم من أعضائها.
ومنطقي أن رئيس الحكومة الفلسطيني يترك من منطلق التفكير بأن السلطة تعيش عميقا في حالة انهيار وهو لا يريد أن يسجل كمن كان له دور في الكارثة. وهناك تفسير آخر، مكمل، يرى أن عباس دفع فياض إلى الاستقالة، معتقدا أنه إذا أزيح رئيس الحكومة المكروه من حماس، فإن هذا سيسهل على الرئيس إملاء اتفاق مصالحة في شروط مريحة له وللقيادة في غزة. وأيا يكن الحال، فهي سواء من الزاوية الفلسطينية أو الإسرائيلية، أخبار سيئة، تحقيقها يمكن أن يزيد الوضع الأمني الحساس أصلا في المناطق تعقيدا.
المصدر:هآرتس
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: