هاية الحدود المعروفة في الشرق الاوسط
بقلم: دوري غولد
إن أكثر التحليلات الرائدة للازمة السورية تتفق على أن جزءا من حدود الشرق الاوسط الحديث الرئيسة، التي نشأت نتيجة اتفاق سايكس بيكو في 1916، توشك ان تتغير تغيرا أساسيا إن لم تُمحَ تماما. قال وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو في خطبة له في منتصف آذار/مارس الاخير إن المخطط الاقليمي في الشرق الاوسط الذي أحدثه هذا الاتفاق بلغ نهايته، وتوقع ايضا ان يعود تأثير تركيا الى مناطق كانت تحت سيادتها في الماضي، لكنها صارت الى القوى الكبرى الاستعمارية الاوروبية.
يبدو ان الجميع يتحدثون عن نهاية اتفاق سايكس بيكو. فقد حذر ديفيد اجينتيوس من صحيفة ‘واشنطن بوست’ الروس من ان ‘نقض حدود سايكس بيكو في الشرق الاوسط’ سيضر بهم أكثر من الجميع. وكتب أليوت أبرامز، نائب مستشار الامن القومي في ادارة بوش في الوقت نفسه عن نقض الاتفاق. وقبل ذلك ببضعة اسابيع كتب أحد المراقبين الرواد في فرنسا لشؤون الشرق الاوسط أنطوان باسباوس، في 12 نيسان/ابريل في صحيفة ‘ليفيغارو’ ان ‘الحدود المصطنعة’ التي أحدثها اتفاق سايكس بيكو توشك ان تتلقى الضربة القاضية، مما سماه ‘التسونامي العربي والزعزعات التي تجري على أثره’.
يصعب ألا نبالغ في أهمية هذا التغيير اذا وقع. ويستحسن في هذا السياق أن ننظر في جذور اتفاق سايكس بيكو الذي حدد حدود خمس دول في الشرق الاوسط على الأقل. في اثناء الحرب العالمية الاولى في تشرين الاول/اكتوبر 1916، توصل السير مارك سايكس مندوب بريطانيا، وشارل فرانسوا جورج بيكو، مندوب فرنسا، الى اتفاق سري على تقسيم المناطق الآسيوية من الدولة العثمانية الى مناطق نفوذ تسيطر عليها الدولتان. حينما سنت عصبة الامم ترتيبات الانتداب على الاراضي العثمانية السابقة التي احتلها الحلفاء بعد ذلك، أُعطيت فرنسا الانتداب على سورية ولبنان، في حين أُعطيت بريطانيا الانتداب على العراق. وفي السنوات التي تلت ذلك أفضت هذه النظم الانتدابية الى تقوية سلطة القلة العلوية على الكثرة السنية في سورية والى سيطرة القلة السنية على الكثرة الشيعية في العراق.
وفرّق اتفاق سايكس بيكو ايضا بين ما سيسمى بعد ذلك ‘الانتداب البريطاني على فلسطين’، وهي منطقة كانت معروفة لسكان المكان العرب قبل الحرب العالمية الاولى بأنها ‘سورية الجنوبية’ وبين ‘الانتداب الفرنسي على سورية’ في الشمال.
العراق ـــ أهي النهاية؟
صحيح اليوم ان حدود الشرق الاوسط التي يحصر الخبراء عنايتهم فيها تمتد بطول 600 كم تفصل بين سورية والعراق. وقد تطرقت الى ذلك هذا الاسبوع صحف رائدة مثل ‘فايننشال تايمز′ التي كتبت عن ‘فصم عُرى سورية’ وصحيفة ‘نيويورك تايمز′ التي جاء فيها ان الدولة السورية ‘تنتقض عُراها’ الى ثلاثة أجزاء مستقلة على الأقل: 1- منطقة موالية للاسد. 2- منطقة موالية للمعارضة 3- سورية الكردية ذات العلاقات بشمال العراق وبجماعات كردية في تركيا. إن ما يُعجل في الأساس بنهاية حدود اتفاق سايكس بيكو هي الأحداث في الجانب العراقي من الحدود، وتشير التطورات في السنة الاخيرة الى فصم عُرى الدولة العراقية القريب. وفي ايلول/سبتمبر القريب سيربط أنبوب نفط جديد ينقل النفط الكردي عن طريق تركيا العراق الكردية بالسوق التركية لا بأجزاء العراق الاخرى.
يرى الغرب ان هذا التطور هو الخطوة الاولى نحو استقلال كردستان. وإن الاكراد ينفذون في الحقيقة صفقات مستقلة مع شركات نفط دولية ويلتفون على النظام المركزي في بغداد. ومع ذلك أعلن متحدث مجلس الامن القومي في الادارة الامريكية ان الولايات المتحدة تعارض تصدير النفط من أجزاء العراق جميعا ‘بدون الموافقة المناسبة من الحكومة العراقية الاتحادية’. وتعارض واشنطن مشروعات اقتصادية كردية قد تفضي الى تقسيم العراق الى ثلاث دويلات على الأقل: كردية وشيعية وسنية. وفي الوقت الذي قد تكون فيه كردستان مستعدة للاستقلال ما زالت الأخريان غير مستعدتين. يبدو في واقع الامر ان ايران ستسيطر على المناطق الشيعية من العراق، لكن ماذا سيكون مصير المناطق السنية في العراق كمحافظة الأنبار؟
انضمت في السنة الاخيرة قوات مجاهدة من القبائل العربية السنية في العراق المنتشرة على طول الحدود السورية العراقية، الى الحرب على نظام الاسد. وتجتاز هذه القبائل جيئة وذهابا على نحو دائم الحدود السورية العراقية منذ سنين كثيرة.
إن احتمال ان يهزم أبناء عمومتهم السنيون في سورية نظام الاسد آخر الامر أو أن يسيطروا على الأقل على جزء من الدولة السورية أشاع روحا جديدة بين العرب السنيين في العراق. فقد كان هؤلاء يشعرون قبل ذلك بأن حرب العراق في 2003 أفضت الى هزيمة النظام السني الحاكم برئاسة صدام حسين والى انتصار الكثرة الشيعية العراقية. وهم يشعرون الآن بأنهم يستطيعون استعادة قوتهم.
خريطة جديدة
كتب سفير الولايات المتحدة في العراق في الماضي، ريان كروكر (2007 2009) في صحيفة ‘واشنطن بوست’ في الاول من أيار/مايو ان القاعدة في العراق ثبتت نفسها من جديد في المناطق التي هزمتها فيها قوات امريكية وعراقية في السنوات الخمس الاخيرة. وليس مفاجئا ان يُعرف كروكر القوة المجاهدة الرائدة في الحرب لجيش الاسد بأنها شعبة للقاعدة في سورية.
رُفعت راية القاعدة العراقية زمن اعدام 11 جنديا سورية في مارس في ميدان عام في مدينة الرقة شمال سورية. فقد تحولت حدود سايكس بيكو القديمة اذا لتصبح عديمة المعنى بالنسبة اليهم. وذكر محلل عراقي انه تُسمع منذ 2011 دعوات دينية الى محو الحدود العراقية السورية القديمة والى توحيد المناطق السنية من الجانبين.
اذا اجتمع انقسام سورية مع بلقنة العراق فكيف سيبدو الشرق الاوسط؟ من المنطق ان نفترض ان يطمح العرب السنيون الى التوصل الى أحلاف مع جيرانهم. واذا كانت تحكمهم تلك الشعبة من القاعدة سياسيا، فان النتيجة قد تكون نشوء افغانستان جديدة في قلب العالم العربي. واذا تولت الحكم قوى أكثر اعتدالا بين السنيين في العراق فقد يزنون هم ايضا انشاء علاقات اتحادية بجارتهم السنية في الغرب، الاردن، التي ستمنحهم قدرة على الوصول الى البحر الاحمر.
لكن مهما يكن التطور في المستقبل للنظم السياسية في سورية والعراق، فمن الواضح انه يتوقع ان تكون خريطة الشرق الاوسط مختلفة جدا عن الخريطة التي رسمتها بريطانيا وفرنسا قبل 97 سنة.
اسرائيل اليوم
- صحافة عبرية
0 comments: