Tuesday, June 25, 2013

الإرهابي أحمد الأسير من الإنطلاقة إلى بداية النهاية

الإثنين 24 حزيران 2013،     ماهر الخطيب - خاص النشرة


بعد الذي حصل في اليومين الماضيين، بات من الضروري الحديث بشكل مفصل عن ظاهرة الإرهابي أحمد الأسير بشكل تفصيلي، منذ البداية في العام 1997 إلى النهاية التي كتب أحرفها الأولى من خلال الإعتداء على الجيش اللبناني الذي نفذه عناصره يوم الأحد الماضي.
هناك الكثير من المحطات في حياته الموتورة التي ينبغي التوقف عندها، لا سيما أنه لم يكن قبل سنوات عديدة من الرموز السياسية والدينية التي تذكر في أي مناسبة، لكنه اليوم، من خلال اعتداءاته التي قام بها، بات صانع فتنة بامتياز، وهو المعروف بابتكار المعارك الوهمية غير المجدية.

البداية في عبرا
بحسب ما يذكر الموقع الرسمي لمسجد بلال بن رباح، "عرف الأسير التدين بُعيد الاجتياح الإسرائيلي، وانخرط في صفوف الجماعة الإسلامية عام 1985 حتى 1988، وشارك في مقاومة العدو الصهيوني وعملائه في لبنان، ثم تعرّف على عمل الدعوة والتبليغ سنة 1989 حيث أسس له في مدينة صيدا والجنوب، وأكمل دراسته الشرعية في كلية الشريعة في بيروت".

في العام 1997 أسس مع "إخوانه" مسجد بلال بن رباح في عبرا، ومن ثم تمايز عن جماعة الدعوة والتبليغ، وهو اليوم لا ينتمي لأي حزب أو جماعة، ويروي رئيس بلدية عبرا الياس مشنتف أن هذه الظاهرة بدأت تثير العديد من علامات الإستفهام حولها منذ بعض السنوات، بالرغم من وجوده في المنطقة قبل ذلك بكثير.
ويشير مشنتف، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الأسير كان لديه مسجد صغير قبل أن يعمد إلى تكبيره، وإلى شراء بعض الشقق المحيطة به، ويوضح أن حركته لم تكن مخيفة في البداية، لا سيما أنه لم يكن يتعرض لأبناء المنطقة، ويضيف: "كنا نتبادل معه التهاني بالأعياد والمناسبات".
ويوضح مشنتف، الذي يؤكد أن أبناء البلدة كانوا يرفضون منذ بداية الأحداث الاصطفاف إلى جانب أي فريق ضد الآخر، أن تطور ظاهرة الأسير بدأ منذ إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، ومن ثم تطور بشكل لافت بعد نزوله إلى أتوستراد صيدا من أجل قطعه.


الأحداث السورية.. نقطة التحول

على الرغم من أن السيرة الذاتية للأسير تتحدث عن تأليفه 6 كتب متنوعة هي: شرح رائض الفرائض، في الميراث- شرح كتاب أطواق الذهب، للزمخشري- سيف النصر، رواية تمثيلية- ردّ الشهم للسهم- الروض- الأريض، ديوان شعر- شرح المجلة القضائية، لكن "نجم" الرجل لم يسطع بهذا الشكل، إلا مع بداية الأحداث السورية في العام 2011، وهذا الأمر تؤكد عليه أوساط صيداوية، التي تعتبر أنه إستغل هذه الأحداث من أجل توسيع نشاطه بشكل كبير من خلال إعتماده على الخطابات المذهبية التحرضية، لكن مصادر متابعة ترى أن خروج رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من السلطة في نهاية العام 2010 ومغادرته البلاد، ساعد في تطور هذه الظاهرة بشكل لافت، لا سيما أن بعض وسائل الإعلام بدأت بالتركيز على نشاطاته بشكل كبير.
وتشير الأوساط الصيداوية إلى أن الأسير إستطاع أن يجذب بعض الشبان، بعد أن توفرت له الأموال الطائلة من أجل تغطية نشاطه، وبعد أن لجأ إلى التحركات الإستفزازية من خلال رفعه شعارات مذهبية تحريضية، وتعتبر أن الظهور الأبرز كان من خلال الدعوة إلى الإعتصام في ساحة الشهداء في بيروت تضامناً مع الشعب السوري، ومن ثم من خلال الإعتصام المفتوح في صيدا.
وفي هذا السياق، توضح الأوساط الصيداوية أن تطور هذه الظاهرة نحو العمل المسلح بدأ بعد الإتفاق الذي تم معه من قبل وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل من أجل إنهاء الإعتصام، حيث تم السماح له بانشاء مربع أمني في محيط مقره في عبرا، ومن ثم بدأت المعلومات تتوارد عن تحركات مشبوهة يقوم بها.
وتشير الأوساط إلى أن الأسير بدأ بعد ذلك بالقيام بالكثير من التجاوزات القانونية، وعدد من الإعتداءات على أبناء صيدا، وتذكر بما قام به نجله مع دورية من قوى الأمن الداخلي التي حاولت توقيفه، وما قام به أنصاره عند وضع شعارات دينية في المدينة، والإشتباكات التي وقعت على إثر ذلك، وأدت إلى سقوط ضحايا من دون أن يتم إتخاذ أي إجراء قانوني بحقه.
أما بالنسبة إلى موضوع الشقق السكنية التي يدّعي الأسير أنها تعود إلى "حزب الله"، تؤكد مصادر متابعة أنها موجودة في المنطقة منذ العام 1985، أي منذ ما قبل وجود الأسير، وهي كانت تستعمل كـ"foyer" لطلاب من الجنوب.


التوسع نحو البقاع والشمال
على صعيد متصل، تؤكد مصادر متابعة لحركة الأسير أنه إستفاد من الكثير من العوامل من أجل توسيع نشاطه نحو بعض المناطق اللبنانية، لا سيما في الشمال والبقاع، وتشير إلى أن هذا الأمر أثار استياء بعض الظواهر المشابهة له، حيث أن دعوته إلى زيارة مدينة طرابلس من قبل الداعية عمر بكري تم رفضها بشكل كبير من قبل القوى السلفية في البداية، لكنها تمت في النهاية، وبات لدى الأسير أنصار يدافعون عنه في أكثر من منطقة، وهم ينزلون اليوم إلى قطع الطرق تضامناً معه.

وحول هذا الموضوع، يوضح إمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود، في حديث لـ"النشرة"، أن العوامل الأساسية التي ساهمت في توسع حركة الأسير هي الجو العام في المنطقة المُحرض على الوصول إلى الفتنة، والمؤامرة التي يجري العمل عليها من خلال إنفاق الأموال الطائلة.
ويرى الشيخ حمود أن الأسير إستفاد أيضاً من جهل بعض المواطنين، ومن بعض أخطاء قوى الثامن من آذار، إضافة إلى سعي قوى سياسية إلى إستغلاله من أجل تحقيق أهدافها، ويعتبر أنه لولا إجتماع كل هذه العوامل لبقيت حركته محصورة في مسجده لا أكثر.
ويشدد الشيخ حمود على أن هناك مؤامرة كبيرة على لبنان ساهمت في ولادة هذه الظاهرة، ويشير إلى أن الرجل بات يعتقد أنه "سوبر مان" يرفض الحوار والمفاوضات، وينتقد كل المواقف المترددة التي أوجدت له هامشاً كبيراً للتحرك.
ومن جهة ثانية، تكشف مصادر طرابلسية أن بعض الشخصيات في هيئة العلماء المسلمين، كانت حتى فترة قليلة تصف الأسير بـ"المجنون"، وتعتبر أن تحركاته لا فائدة منها، وترى أنها تنم عن جهل في قراءة الأوضاع السياسية، لكن هذه الشخصيات تعتبر أن المطلوب اليوم التضامن معه من أجل الكسب الشعبي، وتدعوها إلى أخذ الموقف الواضح لأنها تعلم جيداً حقيقة ما يجري، وتذكر بالمنافسة التي كانت تحصل بين الأسير وبعض المشايخ في الفترة الأخيرة.


التوسع نحو عين الحلوة

بالنسبة إلى التوسع نحو مخيم عين الحلوة، تؤكد مصادر فلسطينية من داخل المخيم أن هذا الأمر كان موضع متابعة من مختلف الفصائل، وتذكر بالزيارة التي قام بها الأسير قبل أشهر عديدة إلى القوى الإسلامية، والتي أثيرت حولها الشبهات.
وتشير المصادر إلى أن الأسير سعى منذ ما يقارب السنة إلى التوسع نحو المخيم، مستفيداً من من بعض نقاط القوة، وتعود هذه المصادر إلى الحديث عن تأثر بعض الشباب الفلسطيني بخطاباته منذ بداية عمله قبل سطوع نجمه، حيث تلفت إلى أن بعض أبناء المخيم كانوا يذهبون لصلاة الجمعة في مسجده، وتؤكد أنه لم يكن يتطرق فيها إلى القضايا السياسية الخلافية، بل كانت معظمها تعالج مواضيع حياتية لها علاقة بقضايا الناس.
وتوضح هذه المصادر أنه بعد بداية الإستقطاب السياسي في البلاد، عمل الأسير على الإستعانة ببعض الشخصيات المتعاطفة معه من أجل التوسع في المخيم، وسعى إلى إنشاء بعض المراكز في داخله، لكن الفصائل الفلسطينية رفضت ذلك، وطلبت منه عدم توريطها في هكذا أعمال، وتكشف عن أنه تجاوب معها في العلن، لكنه إستمر في العمل على هدفه.
أما بالنسبة إلى الإشتباكات الحاصلة حالياً، فتوضح المصادر أن عدد المسلحين المتورطين في هذا الأمر لا يتجاوز المئة، وتشير إلى أن المجموعات الأساسية هي من تنظيمي "جند الشام" و"فتح الإسلام"، وأبرز المسؤولين عنهما هم: بلال بدر، المدعو أبو جمرة، أسامة الشهابي، هيثم الشعبي، وتلفت إلى أن هؤلاء تعاطفوا معه من الناحية الدينية، لكنها تؤكد أن عامل المال لعب دوراً أساسياً في الموضوع.
ومن جهة ثانية، تشدد المصادر الفلسطينية على أن الأوضاع في المخيم لا تحتمل هكذا ظواهر في الوقت الحالي، وتشير إلى أن قوات الأمن الوطني الفلسطيني لا يمكنها التدخل من دون توفير غطاء سياسي من قبل كافة القوى، وتلفت إلى أن هناك رفع للغطاء عن هذه الأعمال ما يخفف من خطورتها، لكن التعامل العسكري معها يحتاج إلى قرار واضح.


الخطأ المميت وبداية النهاية

بغض النظر عن كل ما يجري في مدينة صيدا في هذه الساعات، هناك إجماع على أن الأسير إرتكب الخطأ المميت الذي سيؤدي إلى نهاية مسيرته، التي رافقتها شبهات كثيرة، وهذا الأمر كان واضحاً من خلال حجم الإجماع الشعبي حول مهمة الجيش اللبناني، والدعوات  إلى حسم هذه الظاهرة التي باتت تشكل خطراً كبيراً على السلم الأهلي في لبنان.
اعتقد الأسير، في الفترة الأخيرة، بعد الإشتباكات التي إفتعلها قبل أيام قليلة في المدينة، أنه يستطيع القيام بما يريد من دون أي حسيب أو رقيب، خصوصاً في ظل التراخي الرسمي في التعامل معه، تحت الكثير من المبررات غير المقبولة، والتي على رأسها الخوف من تداعيات الحسم معه، لكن الجريمة البشعة التي قام بها أخيراً أدت إلى أخذ قرار حاسم على أعلى المستويات بالقضاء على هذه الظاهرة، خصوصاً أن المستهدف كان هذه المرة عناصر من الجيش من دون أي مبرر.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر متابعة أن لا رجوع عن العملية العسكرية القائمة في المدينة، بالرغم من أنها قد تأخذ بعض الوقت بسبب تضامن بعض الجهات معه، لأن أي تراجع سوف يضعف الجيش، وترى أن المؤسسة العسكرية تخوض اليوم معركة السلم الأهلي، لأن القضاء على هذه الظاهرة، سيكون بمثابة رسالة حاسمة إلى أي متطاول في المستقبل، وهي بالتأكيد ستكون رادعة إلى الكثير من الجهات.


في المحصلة، لن ينجح الأسير في كسر هيبة المؤسسة العسكرية لا اليوم ولا في المستقبل، وهي من خلال تضحيات ضباطها وعناصرها تثبت من جديد قدرتها على أن تكون المؤسسة الجامعة في ظل الإنقسام السياسي القائم في البلاد، وتؤكد أنها قادرة على حسم كل الظواهر مهما كبرت عندما تتوفر لها التغطية السياسية اللازمة.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: