Tuesday, June 25, 2013

 
هآرتس - مقال - 24/6/2013

انتفاضة ثالثة في الطريق

بقلم: رؤوبين بدهتسور


إن تحذير قائد منطقة المركز نتسان ألون من أمواج عنف اذا فشلت محاولة جون كيري تحريك المسيرة السياسية، هو بالطبع ثمرة تحليل مهني خالص لا موقف سياسي، كما سارعوا الى الصراخ في اليمين. لكن الحديث فوق ذلك عن دعوة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الى الاستيقاظ.

في كانون الاول 1987 وفي ايلول 2000 فوجيء مقررو السياسة في اسرائيل بنشوب الانتفاضتين. وتجاهلوا في الحالتين تأثيرات سياساتهم في المزاج العام في المناطق. أما هذه المرة فيصرف قائد منطقة المركز انتباه نتنياهو الى الصلة بين الجمود السياسي وانتفاضة ثالثة. ولن يستطيع رئيس الوزراء ان يقول في هذه المرة انه لم يكن يعرف وإن نشوب العنف قد فاجأه لأن كبار مسؤولي "الشباك" يوحون الى المستوى السياسي بأن "الميدان" على شفا انفجار، يضاف هذا الى اللواء ألون.

اجل إن الارض تشتعل تحت المشهد البراق للبناء الكثيف والحياة الليلية العاصفة في رام الله. ولا يُحتاج إلا الى شرارة تشعل العنف. اذا كان نتنياهو يفضل ان يتجاهل تحذيرات اللواء ألون فمن المؤكد ان مستشاريه يترجمون له تصريحات زعماء فلسطينيين منهم معتدلون باحثون عن الهدوء ايضا يُحذرون بوضوح من موجة العنف الذي قد ينشب من غير ان يكون لهم سيطرة على ذلك.

يؤكد أبو مازن في الحقيقة انه لا ينوي ان يقود الى مواجهة عنيفة مع اسرائيل، لكنه يوحي بأنه اذا استمر الجمود وعظم اليأس فقد يفقد السيطرة على الجماهير. وبيّن حسن الخطيب ايضا الذي كان وزير العمل في الحكومة الفلسطينية في مقابلة صحفية مع وكالة الأنباء الفرنسية ان العنف قد ينشب دون يد موجهة من أعلى. "يُبنى هذا بالتدريج. أعتقد أن هذا نتاج تأليف خطر بين عدم وجود أفق سياسي وازمة اقتصادية شديدة تفضي الى بطالة متزايدة والى فقر".

كان يجب على نتنياهو ان يُثني على اللواء ألون وأن يدعوه الى حديث في ديوانه وأن يسمع منه لماذا يُقدر انه توجد صلة بين محادثات كيري والهدوء في المناطق. لكن رئيس الوزراء يعلم ان اللواء ألون هو بمنزلة خرقة حمراء للمستوطنين ومبعوثيهم في الكنيست فلماذا يواجههم ويحمي ضابطا رفيع المستوى مستقيما يقوم بعمله باخلاص؟.

حينما تقرر تعيين ألون قائدا لمنطقة المركز أعلنوا في المستوطنات ان "هذا مجنون، إن هذا التعيين اعلان حرب حقيقية". وحينما كان قائد فرقة "أيوش"، أجرى مستوطنون مظاهرة أمام بيته وصاحوا: "كان آيخمان ايضا لولبا في الجهاز فقط. إن ألون هو الترجمة العبرية لـ آيخمان كل ما فعله انه حول اسمه الى اللغة العبرية". ولا أتذكر أحدا من وزراء الحكومة أو من اعضاء الكنيست زعزعه هذا الكلام.

سبق ألون قادة مناطق وضباط كبار آخرون كانوا يشعرون هم ايضا بثقل ذراع المستوطنين حينما لم "يسيروا في السبيل المحددة" وعبروا عن آراء لم تلائم التصور العام للمستوطنين مثل عمرام متسناع ويئير نفيه مثلا. بل إن رئيس هيئة الاركان بني غانتس لم يستطع التملص من انتقادهم. فحينما كان قائد قوات الجيش الاسرائيلي في الضفة في بداية الانتفاضة الثانية تمت الاساءة الى سمعته لأن المستوطنين اعتقدوا أنه لم يُظهر ما يكفي من المبادرة لتخليص متنزهين هوجموا في جبل عيبال.

عبّر اللواء ألون عن شجاعة تستحق الذكر حينما حذر المستوى السياسي. وسيكون تجاهل كلامه، لأنهم في اليمين أعلموه بعلامة يساري، خطأ لا يُغتفر.











يديعوت – مقال افتتاحي – 24/6/2013

ما أصغره وما أشد إيلامه

بقلم: ناحوم برنياع


في اثناء مؤتمر الرئيس في الاسبوع الماضي دعا نتنياهو الى اللقاء مجموعة صغيرة من أصحاب الملايين اليهود جاءوا الى المؤتمر. فقد أراد أن يجند مالهم وعلاقاتهم لمحاربة حركة القطيعة مع اسرائيل. إن هذه الحركة التي أُسست في المناطق في 2005 معروفة بالحروف الاولى لأهدافها "بي.دي.إس" (قطيعة ومنع استثمارات وعقوبات). وقد بدأت تؤثر في الدول الغربية وتلاحظ علاماتها على الجهاز الاكاديمي وقرارات اقتصادية لجهات أعمالية وسياسية وفي وسائل الاعلام وأخذ ضررها يزداد.

إن من يتابع هذه الحركة من بعيد يستطيع ان يراها اغلاق دائرة تاريخية، فالقطيعة العربية التي جعلت اندماج اسرائيل في الاقتصاد العالمي صعبا ذوت بمسيرة اوسلو. فكان من الطبيعي ان تبرز من جديد باسم جديد وخطة حديثة بعد سنوات جمود للمسيرة السياسية.

عُقد في يوم السبت في بيت لحم المؤتمر السنوي لمبادرة الـ "بي.دي.إس" الفلسطينية التي بدأت المسار الدولي. وبارك ذلك من السجن مروان البرغوثي وأحمد سعدات. وحينما بدأ جواد ناجي، وهو وزير في حكومة السلطة، خطبته اتهمه المساركون بالتعاون مع اسرائيل وطردوه من القاعة. وتحدثوا معترضين على مركز بيرس للسلام، وعلى بذور سلام وعلى المدينة الجديدة "روابي". وكانت الخطب قريبة من جهة الاسلوب والمضمون من الخطب في المؤتمر الذي عقده مجلس "يشع" قبل ذلك ببضعة ايام.

إن تأثير حركة القطيعة في الضفة قليل الشأن. فليست القطيعة في الضفة هي التي يجب ان تقلق اسرائيل بل التغييرات بالنسبة إلينا في الغرب.

يوجد في اليسار في اسرائيل أناس يدعمون توسع القطيعة بمباركة. وهم يؤمنون بسابقة جنوب افريقيا حينما أفضت قطيعة اكاديمية وعقوبات اقتصادية الى تغيير سياسة. إن دعمهم للقطيعة – لقطيعة الجامعات التي تنفق عليهم احيانا – يمنحهم بطاقة دخول محترمة لليسار الراديكالي في اوروبا ويتوجهم بأنهم ضحايا المؤسسة الاسرائيلية. ولا يوجد شيء أحب اليهم من أن يصبحوا ضحايا.

وفي اليمين ايضا من تُفرحه القطيعة، فهي في نظر متطرفي اليمين برهان قاطع على صدق التصور الذي يقول إن المشكلة ليست الاحتلال ولا جمود التفاوض بل كراهية اسرائيل. فالعالم يريد القضاء علينا دائما ولا يهم ماذا نفعل. فالدعوة الى القطيعة هي معاداة سامية تنكرت بلباس نضال من اجل حقوق الانسان.

إن الحقيقة هي ان لليسار الراديكالي في الغرب مشكلة لأن انتقاض نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا تركه بغير دولة معادية يمكن ان يكرهها. وهم يتظاهرون على رؤساء الدول الغنية ويتظاهرون على الاتحادات الصناعية وعلى البورصة لكن هذا لا يُحدث نفس تفجر الكراهية الخالصة، الكراهية الصافية التي كان يثيرها نظام الفصل العنصري. ولولا ان هوليوود مليئة بيهود صالحين مصابين بمشاعر الذنب لحظينا بأن نرى فيلما آخر من سلسلة "سلاح فتاك" مع أوغاد شقر هذه المرة في القنصلية الاسرائيلية بدل أوغاد شقر في قنصلية جنوب افريقيا.

ليس من العدل ان استطلاعات الرأي الدولية الأخيرة تجعلنا في ذروة الدول المكروهة الى جانب ايران وكوريا الشمالية. فالحياة ليست عادلة دائما. والسؤال هو ما الذي تفعله الدولة بازاء هذا الوضع: هل تكتم المشكلة أم تواجهها، أوتأخذ مسكن أوجاع أم تأخذ علاجا كيميائيا؟.

من الحقائق أنه لم يكن للدعوات الى القطيعة مع اسرائيل أي صدى ما كان يوجد تفاوض. إن الانقطاع بين القدس ورام الله يجعل القطيعة خصبة أما المحادثات فتُبطلها، فاسرائيل مُحتاجة الى التفاوض كاحتياج التنفس الى الهواء.

في مقابلة صحفية أجراها نتنياهو مع صحيفة "واشنطن بوست" في نهاية الاسبوع قال انه مستعد لأن يسكن خيمة وأن يفاوض أبو مازن في الليل والنهار. إن استعداد نتنياهو للخروج من التكييف الهوائي في حرارة الصيف يؤثر في القلب لكنه لا يواجه المشكلة. ولم يثمر التوجه الى أصحاب الملايين ايضا سوى انفاق مال على دعاية فارغة. يجب ان تفعل اسرائيل شيئا دراماتيا إما باعلان تجميد البناء وإما بافراج كثيف عن سجناء، وإما بفتح المنطقة ج للبناء الفلسطيني وإما بكل ذلك معا. لأنه اذا لم يتم تجديد المحادثات فسيتوجه الفلسطينيون في الخريف الى مؤسسات الامم المتحدة وستُنبت حركة القطيعة جناحين.

شبّه نفتالي بينيت الفلسطينيين في الاسبوع الماضي بشظية في مؤخرة اسرائيل. وأسهم بذلك بنصيبه في الحملة الدعائية المعادية لاسرائيل من قبل مؤيدي القطيعة. ولندع لحظة كون التعبير مشروعا. إن اسرائيل هي المؤخرة لكن ما هي هوية الشظية التي تُصعب الامر عليها في كل مرة تريد الجلوس فيها؟ أهي خوف نتنياهو من ازمة حكومية؟ أوهي سيطرة المتطرفين على حزب الليكود؟ إن الشظية في المؤخرة ربما تكون حزب البيت اليهودي للأخ بينيت، فما أصغره وما أشد إيلامه.













هآرتس – افتتاحية - 24/6/2013

لا يجب السماح بالاقصاء

بقلم: أسرة التحرير


النقاش الذي جرى في مجلس امناء الجامعة العبرية في القدس قبل نحو عشرة أيام عني بموضوع معقد وحساس: علاقات جهاز التعليم العالي مع الجمهور الاصولي. وحسب الاقتراح الذي تم بحثه، فان الجامعة العبرية ستأخذ تحت رعايتها الكلية الاصولية في القدس التي افتتحتها قبل بضع سنوات عدينا بار شالوم، ابنة الحاخام عوفاديا يوسيف. ومعن الرعاية هو أن تمنح الجامعة القابا اكاديمية في برنامج منفصل، مخصص للاصوليين. وتستند الخطوة الى برنامج نشرته قبل نحو سنة لجنة التخطيط والميزانية في مجلس التعليم العالي، لترتيب التعليم الاكاديمي للاصوليين في الجامعات والتي تعمل الى جانب المؤسسات الاكاديمية او في داخلها.

وفي نهاية نقاش عاصف تقرر عدم طرح الاقتراح لاقامة حرم اصولي للتصويت ولا سيما على خلفية معارضة شديدة من جانب اعضاء الطاقم الاكاديمي. وبالفعل، فان الرغبة في تطوير دراسات اكاديمية في اوساط الاصوليين لا يمكنها أن تأتي على حساب مبادىء المساواة التي على أساسها اقيمت الجامعة العبرية وغيرها من المؤسسات. ولا يمكن لاي "لقاء" وأي "دمج للاصوليين" أن يمنح الشرعية للفصل بين الجنسين واقصاء النساء. حسنا يفعل رؤساء الجامعة اذا ما انضموا الى الصراع ضد هذا الوباء، بدلا من توسيعه ايضا الى نطاق جهاز التعليم العالي.

وفي وثيقة نشرتها لجنة التخطيط والميزانية قبل نحو سنة، جاء ان "ترتيبات الفصل (بين الرجال والنساء) ستكون توصية فقط" و "المؤسسة الاكاديمية تتخذ اجراءات انضباطية ضد كل من يمارس الضغط لفرضها". هذه محاولة تساذج. فمطلب الفصل بين الجنسين لم يعد من نصيب الجمهور الاصولي بعده. فهو يتسلل الى جماعات اخرى ايضا، اكثر اتساعا. لا يدور الحديث فقط عن جنود متدينين وحاخامين يتحدثون باسمهم ممن يطالبون "بالمراعاة"، بل وايضا في المدارس في التيار الرسمي – الديني، والتي في معظمها يبدأ الفصل منذ الصف الاول، بتمويل سخي من الدولة. وحيال التطرف المتعاظم أبدت السلطات الرسمية عجزا مستمرا. لا يوجد سبب يجعلنا نفترض بان في جهاز التعليم العالي لن يتحقق سياق مشابه ايضا.

الجامعة العبرية، مثل المؤسسات الاكاديمية الاخرى هي مجال عام يتعلم فيه – وفي اطار ذلك يلتقي ايضا – طلاب من جماعات مختلفة. هذا الاختلاط الهام هو أحد مزايا المجتمع الليبرالي، الذي يفترض أن يتعامل مع النساء والرجال بشكل متساوٍ. حسن يفعل رؤساء الجامعة اذا لم يقدموا الرعاية لمؤسسة مبادئها تتضارب مع هذه المبادىء.















هآرتس - مقال - 24/6/2013

رئيس الوزراء يبحث عن معنى

بقلم: ألوف بن


يتحدث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الايام الاخيرة بحماسة عن انشاء دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل، ويُحذر من دولة ذات شعبين ويدعو الى نصب "خيمة سلام" بين القدس ورام الله. فماذا حدث له؟ هل تأثر باحتفالات يوم ميلاد الرئيس شمعون بيرس؟ أوأقلقته "خطبة الشظية في المؤخرة" للوزير نفتالي بينيت الذي تحدث عن تأبيد الصراع؟ أم هو مجرد مشتاق الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس؟.

يمكن ان نلاحظ اربعة اسباب للتوجه الى اليسار أولها الملل والوحدة. فقدْ فقدَ نتنياهو سيطرته على العمل السياسي حتى قبل الانتخابات ولم يُعده الى يديه منذ ذلك الحين. وأصبحت تحذيراته من الخطر الايراني تثير اهتماما ضئيلا لدى الجمهور الذي يحصر عنايته في الوضع الاقتصادي. ويحافظ نتنياهو على بُعد عن الاقتصاد لأنه ليست لديه حلول ولكي يتجه الغضب على الضرائب والتقليصات على خصمه وزير المالية يئير لبيد. لكن النتيجة في هذه الاثناء عكسية، فقدْ فقدَ لبيد من شعبيته حقا لكنه أصبح يُرى الرجل المركزي في الحكومة. وليس عند نتنياهو ما يقوله وهو مُحتاج الى رسالة جديدة، تعيده الى الوعي العام بصفة زعيم.

ويريد نتنياهو ثانيا ان ينقض الحلف بين لبيد وبينيت فهذا هو مصلحة رئيس الوزراء السياسية العليا وهو الذي يواجه منذ كانت الانتخابات الجبهة الحصينة ليوجد مستقبل والبيت اليهودي ويصعب عليه ان يخترقها. فالسبيل الوحيدة للفصل بين "الأخوين" تمر في الطريق الفلسطيني حيث توجد فروق عميقة في التوجه بين بينيت ولبيد. فأحدهما يعارض الدولة الفلسطينية معارضة شديدة أما الآخر فيراها ضرورة كما قالا لمجرية اللقاء الصحفي ليلي فايموت من صحيفة "واشنطن بوست". إن اختراق طريق مع الفلسطينيين ولا سيما اذا كان مصحوبا باجلاء مستوطنين سينبذ بينيت عن الحكومة ويسجن لبيد فيها.

وثالثا زاد انتخاب حسن روحاني رئيسا لايران في خوف نتنياهو من صفقة امريكية ايرانية تكون على حساب اسرائيل. وهذا هو سبب تشدده في طلبه وقف برنامج ايران الذري. إن وضعه يُذكرنا بعزلة شانغ كاي شيك زعيم تايوان قُبيل زيارة ريتشارد نيكسون للصين. إن تولي روحاني مقاليد الحكم يضائل احتمال ان تهاجم اسرائيل ايران، لكن اذا كان نتنياهو ما زال يحلم بعمل عسكري واذا كان لا يريد سوى أن يصغوا اليه فعليه ان يضمن التأييد الامريكي وان يدفع عنه تنازلات للفلسطينيين.

ورابعا إن نتنياهو قلق من ازدياد قوة القطيعة الدولية مع اسرائيل. إن أكثر الاسرائيليين ما زالوا لا يشعرون بها لكن رئيس الوزراء مضغوط. فهو يسمع تحذيرات مجموعة الاعمال من الضرر الذي يسببه الجمود السياسي ويقول ان الدعوات الى القطيعة مع اسرائيل هي النسخة الحالية من معاداة السامية التقليدية. لو أنه كان يعتقد أن هذه زمزمة غير مُضرة لتجاهل المشكلة أو رآها قزما. لكن نتنياهو خائف كما يبدو من ان يتم تذكره بأنه زعيم أُبعدت اسرائيل في مدة ولايته من أسرة الأمم.

كل هذه الاسباب تدفع نتنياهو زيادة على الرسائل التي عرضها قبل اربع سنوات في خطبة بار ايلان التي أيد فيها الدولة الفلسطينية أول مرة. لم يذكر آنذاك خطر الدولة ذات الشعبين، وهو الآن يتبنى مصطلحات اليسار الصهيوني التي يعتبرها اليمين جيفة.

ماذا يستطيع نتنياهو ان يفعل؟ إن احتمال تسوية دائمة صفر. ولن توقع حماس على "انهاء الصراع وانهاء المطالب"، ولن يعترف محمود عباس بأن اسرائيل دولة الشعب اليهودي، ولن توافق اسرائيل على حق اللاجئين الفلسطينيين واولادهم في العودة الى داخلها. ويستطيع نتنياهو ان يعترف بدولة فلسطينية في الجمعية العمومية القريبة للامم المتحدة وان يعلن بأن حدودها ستُرسم بالتفاوض. ولن يكتفي "العالم" بكلمات وسيطلب اليه رسوم جدية على صورة اخلاء المستوطنات حتى بصورة رمزية. وسيؤيده الجمهور الاسرائيلي. وليس واضحا مع كل ذلك أقادر نتنياهو على ان يسلك سلوك اريئيل شارون في حينه وعلى ان يثور على قاعدته السياسية. فهو اليوم يحجم عن ذلك. لكن هل عنده خيار في المقابل؟.













هآرتس - مقال - 24/6/2013

صاروخ من غزة

بقلم: عميرة هاس


عساف الذي لم يبلغ بعد سن الـ 24، من سكان مخيم خان يونس للاجئين صعد الى الوعي قبل نحو ثلاثة اشهر كاسطورة حديثة العهد، حقيقية: بجهود مضنية خرج من القطاع المغلق الى القاهرة، قفز من فوق سور الفندق كي يصل الى مقابلة التصنيف والاختيار، اضاع فرصة التقاط رقم للمشاركة وعندها أعطاه غزي آخر رقمه للامتحان وقال: "لك فرصة في الفوز، ليست لي".

عائلة أمه جاءت من القرية الفلسطينية المهدومة بيت دراس (اليوم بيت عيزرا، شرقي عسقلان) وعائلة أبيه – من بئر السبع. في غزة معروف هو منذ زمن كمغني حفلات وأعراس، ظهرت موهبته منذ الصبا. والان باتوا في تشيلي البعيدة يعرفونه. وهذه أنباء طيبة إذ ان الجالية الفلسطينية هناك ثرية جدا وهذه على أي حال هي مصلحة تجارية. فاختيار "الايدل" منوط بعدد الرسائل القصيرة التي يحصل عليها كل متنافس، وكل رسالة تكلف مالا – شيكل ونصف لشركات الاتصال الوطنية وجوال (2.85 في بداية المنافسة). من يمكنه يحق له أن يرسل 100 رسالة قصيرة باسمه، لربح شركات الخلوي. ولكن من يمكنه ؟ بالتأكيد ليس معظم سكان مخيمات اللاجئين. المصريون، الذين تجندوا لتأييد ابن بلادهم دون صلة بجودة الصوت، هم أكثر بكثير من الفلسطينيين (ومن جهة اخرى معظمهم حتى أفقر من الفلسطينيين). بنك فلسطين تعهد بالتبرع بعدد من الرسائل تساوي الرسائل التي تؤيد عساف، لتعويض الفارق الديمغرافي مع المصريين. "الـ 48" (اي الفلسطينيين من مواطني اسرائيل) يمكنهم ان يصوتوا عبر الانترنت. ولؤي ابن العاشرة يبلغ بان الاكراد والعراقيين سيصوتون لنا.

حكم الرسائل القصيرة صدر يوم السبت، وأصبح عساف بطل العصر للفلسطينيين، من الشباب والكبار. خريجو الجامعات الغربية وخريجو السجون. سكان مخيمات اللاجئين في البلاد وفي المنفى. الشقق الفاخرة في رام الله وفي حيفا والسجناء من نساء ورجال. نشطاء م.ت.ف قدامى ومن ابتعد عن السياسة – الجميع جلسوا ليشاهدوا بالبث الحي والمباشر المنافسة اللامعة وانصتوا الى الهراء الذي اطلقه الحكام ورافقوا بسعادة عساف الذي تسلق من مرحلة الى مرحلة. كتابات في الفيسبوك موضوعها عساف، شاشات ضخمة في المطاعم وفي الشوارع، دقات قلب متسارعة وهو يغني "بجودة أقل مما في المرات السابقة"، قضم الاظافر قبل بث النتيجة في كل مرحلة. منذ اجتياح الجيش الاسرائيلي في 2002 لم يشهد الفلسطينيون تجربة توحدهم بهذا القدر. الحاكم اللبناني في المنافسة، المغني راغب علامة، وصف عساف بانه صاروخ سلام ومحبة يمر من فوق مدن فلسطين، القدس والناصرة، غزة ورام الله.

وحتى في الوحدة توجد شروخ: بعض من رجال الدين في الضفة وفي غزة (ليس فقط من مؤيدي حماس) اعربوا عن معارضتهم للظاهرة وللبرنامج، الذي يبث في محطة الـ ام.بي.سي السعودية، والتي يمكن لنا أن نفهم لماذا. جمهور مختلط من الرجال والنساء مكشوفات الشعر والصدر، تقليد للعادات الغربية – وكله بالبث الحي امام الملايين. هذا ليس غناء، هذا صرف للانتباه عن فرائض المؤمنين، ليس رجوليا وينسي مصير السجناء، قال المعارضون. ويبث البرنامج بالضبط في الفترة التي ينشغل فيها شرطة حماس بمحاولات اخرى لفرض وحدة في السلوك: قبل نحو شهرين أمسكوا في الشوارع شبانا بشعور طويلة وفرضوا عليهم الحلاقة، ووزير الداخلية في القطاع تحدث مؤخرا عن المهامة التي امامه: الحفاظ على "رجولة" الرجال. وفي الاسابيع الاخيرة تدير الشرطة حملة ضد المخدرات واقراص الترمادور – مخفف الالام الباعث على الادمان والذي بواسطته يهرب الناس من الافكار والمشاكل – ولكن أفراد الشرطة النشطاء اقتحموا المقاهي التي تتجرأ فيها النساء على تعاطي النرجيلا الى جانب الرجال. ونفى الناطقون بان هذه سياسة من فوق وادعوا بان هذه مبادرة من أفراد الشرطة.

هكذا حصل الان عدة مرات منذ صعود حماس: رجال الامن أو مسلحون مجهولون حاولوا بهجمات عنف فرض سلوك "اسلامي" موحد حسب التفسير الاكثر تطرفا (مثل وقف الغناء في الاعراس، تفريق مخيمات صيفية لوكالة الغوث أو العباءة كزي موحد للتلميذات). وعندا اصطدموا بالمعارضة الجماهيرية ادعى الناطقون الرسميون بان هذه مبادرات خاصة وتوقفت الهجمات. وعندما ضعفت المعارضة (مثل التشدد في الفصل بين البنين والبنات في المدارس) – استمرت السياسة.

لقد فهم حكم حماس بانه لا يمكنه ان يوقف موجة الحماسة والانفعال لعساف، وبعض من الناطقين بلسانه يمتدحون الان الشاب الذي اصبح "سفير فلسطين". هذا السفير الذي صعد الى المسرح وهو مريض، غنى للسجناء والشهداء (علي الكوفية) – اغنية من التسعينيات تتماثل مع م.ت.ف (وبين الاغاني التي منعت حماس انشادها في 2007 – 2008. وقد قام الحكام والجمهور وغنوا معه – فأهلوا الاغنية كاغنية فلسطينية للعموم.

حتى الان اتخذ عساف جانب الحذر من أن يكون اداة في يد السلطة الفلسطينية (التي أيده مسؤولوها منذ البداية) ضد سلطات غزة. ولكن في نفس الوقت ترسم ظاهرة عساف الحدود لحماس. في نسبة معاكسة لحجم المنافسة الفني الصغير تثبت كم يتوق الفلسطينيون لبطل وطني اسمه وعمله ينطويان على الفرح، النجاح والحياة، وليس الحزن، المعاناة والفشل.


















معاريف - مقال - 24/6/2013

مائة يوم من البقاء

بقلم: شالوم يروشالمي


هذا الاسبوع تكتمل مائة يوم على ولاية بنيامين نتنياهو الحالية، التي مثل ولايتيه السابقتين، هي مثابة ضرب من التراجيديا السياسية. فعلى مدى كل الطريق اضطر رئيس الوزراء الى الموافقة على سياسة ينكرها وقاتل ضدها كل حياته. ولهذا السبب فقد قيض عليه أن يتصرف دوما بمعيار مزدوج، مما جعله رجلا غير مصداق في نظر أقسام من الشعب والعالم.

خذوا القصة السياسية: فمن جهة، أيد نتنياهو علنا اتفاقات اوسلو ومبادرة واي التي وقع عليها في نهاية 1998. واليوم يؤيد خطابات السلام لاوباما وخطوات وزير الخارجية جون كيري، التي تستهدف اقامة دولة فلسطينية. ومن جهة اخرى، عمليا، سيفعل نتنياهو كل شيء كي يعرقل هذه الخطوات، يؤجلها ويشوشها. نائب وزير الدفاع داني دنون كشف النقاب عن هذه الحقيقة البسيطة. نتنياهو، بحكم الظروف، هو رئيس وزراء مخادع.

تؤكد الولاية الحالية هذه الظاهرة البائسة بقدر أكبر بقليل. رئيس الوزراء مقود أكثر مما هو قائد. لا يتخذ مبادرات بل يهدمها. ليس زعيما بل ساعٍ الى البقاء وسلبي اكثر مما هو ايجابي.

الحلف الذي تفكك

نتنياهو انطلق الى انتخابات 2013 بعد أن ربط بين الليكود وافيغدور ليبرمان واسرائيل بيتنا. ويبدو أن هذه هي مبادرته السياسية الاخيرة، التي أثبتت نفسها ايضا.

وكان السياق مفعما بالهزائم التي فرضت عليه خطوات غير مرغوب فيها. قيادة انتخابات الليكود فشلت تماما، الحزب المشترك تدهور الى 31 مقعدا، ليبرمان ورجاله خطفوا 11 مكانا. نتنياهو وجد نفسه في موقع رئيس الوزراء الذي لا يمكنه أن يقيم الحكومة التي يريد. واذا لم يكن كل هذا بكافٍ، فقد أثار عليه حزبه، الليكود، الذي يدور فيه ضده هذه الايام تمرد بكل معنى الكلمة. سنعود الى هذا.

وكانت النتيجة على الارض قاسية. فقد اضطر نتنياهو الى أن يفكك، لاول مرة منذ سنين، الحلف بين اليمين والاصوليين، والذي كان مريحا له جدا، ولا سيما في السنوات الاربعة الاخيرة، واتاح له انهاء الولاية. وبدلا من أن يواصل ذات الصيغة السياسية، وجد نفسه محشورا بين زعيمين لحزبين شبه معاديين، يسعيان الى خلافته باسرع وقت ممكن: يئير لبيد ونفتالي بينيت. ويحتفظ الرجلان معا بـ 31 مقعدا داخل الائتلاف والحكومة، وبدونهما نتنياهو لا يمكنه أن يتحرك. واذا اضفنا لكل الموضوع تطلعات افيغدور ليبرمان (الخاضعة حاليا للتجميد القضائي) وتطلعات الخصوم المحتملين له في الليكود، موشيه بوغي يعلون، جدعون ساعر وآخرين، نفهم لماذا يجد رئيس الوزراء نفسه ملزما بالتصرف بما يثير الريبة الدائمة ويلف رأسه الى الوراء طوال الوقت.

الايام الطيبة انتهت. في الولاية السابقة كان نتنياهو وزير أعلى للاقتصاد، شغل تحت يديه يوفال شتاينتس، الدمية بالخيوط في وزارة المالية. اما الان فالواقع مختلف تماما. السياسة الاقتصادية يقودها وزير المالية يئير لبيد، خيرا كان أم شرا. ولعل نتنياهو يستمتع برؤية لبيد يتعذب ولكنه يشعر بانه يفقد السيطرة. نتنياهو مثلا مقتنع بانه كان يمكنه أن يقشط بين 4 و 5 مليار شيكل من الهستدروت، وعندها كان سيوفر على الجمهور رفع الضرائب مثلما تعهد في ايام الانتخابات.

شك نتنياهو بوزير المالية كبير لدرجة أن الناس في محيط رئيس الوزراء، ويبدو أنه هو ايضا، مقتنعون بان لبيد عقد حلفا سياسيا مع عوفر عيني، سيوجه لاحقا ضد نتنياهو نفسه.

"التهديد": جون كيري

في موضوع المسيرة السياسية الامر أكثر تعقيدا بقليل. نتنياهو، وهذا واضح، كان يود لو يرى وزير الخارجية جون كيري يأخذ أقدامه وينصرف من المنطقة، بالضبط مثلما فعل الرئيس اوباما حين وصل الى هنا قبل نحو شهرين. ويفهم الجميع بان هذه كانت زيارته لوداع المسيرة السلمية. لو لم يكن كيري في المحيط، لما كان نتنياهو بحاجة الى المناورة، التلوي والتملص من محاولات الوزير حث المفاوضات والدولة الفلسطينية التي كتب نتنياهو ضدها كتبا بمئات الصفحات. اذا كان كيري هنا، يتعين على نتنياهو أن يخادع، ولكن عليه ايضا أن يقنع بانه صادق وحقيقي.

المشكلة هي ان نتنياهو فقد السيطرة حتى على هذا التكتيك. الخط السائد في الحكومة هو خط نفتالي بينيت الذي يقول علنا "لا" للدولة الفلسطينية، لا للمفاوضات، لا للتجميد، لا لشيء وفقط "البناء، البناء والبناء".

بينيت ليس الوحيد. شركاء نتنياهو الكبار في الليكود يكشفون الوجه الحقيقي لرئيس الوزراء ويضعونه في حرج أمام العالم. فقد قال نائب وزير الدفاع داني دنون ما قاله. واعترف نائب وزير الخارجية زئيف الكين بانه يفكر كدنون، ولكنه يتصرف خلاف ذلك. وينشيء رئيس الائتلاف يريف لفين ونائبة وزير المواصلات تسيبي حوتوبيلي لوبي في الكنيست لفرض السيادة الاسرائيلية في يهودا والسامرة، يشارك فيه نواب من الليكود، البيت اليهودي وحتى من يوجد مستقبل. الجميع يعرف منذ الان الاطياف، المواقف الناهضة للمسيرة وليبرمان، ناهيك عن وزرائه – يئير شمير وعوزي لنداو. ولم نقل بعد كلمة عن الرفيق موشيه فايغلين من الليكود.

وزير الدفاع السابق ايهود باراك يقول في احاديث خاصة ان ليس لنتنياهو الشجاعة لتحقيق خطاب بار ايلان. ولكن حتى لو تأزر بالشجاعة، فليس له احد يسير معه. حتى لو اراد، فانه لا يستطيع.

المشاكل في البيت

والان جاءت المشاكل في البيت، من داخل الليكود. مرة اخرى تأتي الكرة هنا أيضا. فالفشل في الانتخابات الاخيرة والوحدة مع اسرائيل بيتنا تركا خارج الكنيست نشطاء مركزيين بذلوا كل اموالهم في السباق. وهم غاضبو من رئيس الوزراء، من قيادة الانتخابات، من المعاملة الاغترابية التي يلقونها في المكتب. كما انه توجد شكاوى طائفية. وأراد النشطاء اجراء انتخابات للمؤسسات، ولكن الامر تماطل. وفرضت المحكمة على نتنياهو انتخابات تجري هذا الاسبوع، مرة اخرى خلافا لارادته.

لو كان نتنياهو يتنافس بنفسه على أحد المناصب في مؤسسات الليكود، فلعله كان سيتكبد هزيمة نكراء. وبالمناسبة، رئيس السكرتاريا، الوزير اسرائيل كاتس، يطالب بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة قاضي خارجي لكل الاخفاقات التي رافقت الليكود في حملة الانتخابات، الامر الذي يعني أن بانتظارنا احداثا في هذا المقطع أيضا.

الصمود، في هذه الاثناء

لقد حشر نتنياهو بين كل عناصر الائتلاف الذي اقامه رغم أنفه. حزبه يدير له الظهر. وفي الوضع الناشيء يمكنه أن يفرض جناحية وان يطير بعيدا عن المواضيع الداخلية المشتعلة، الى مطارح ليست له فيها معارضة ثقيلة. ولا غرو أن معظم وقته ونشاطه يكرسهم لايران وسوريا. ولكن حتى في الموضوع الايراني "مشروع حياة" نتنياهو، حقق رئيس الوزراء نجاحا محدودا. فمن جهة أثر الضغط الدولي الذي قاده على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في ايران وشجع انتخاب الرئيس الجديد حسن روحاني. ومن جهة اخرى، انتخاب روحاني المعتدل كفيل بان يخفف الضغط عن ايران. وهذا هو السبب الذي يجعله يخرج الى صراع جديد، اصعب باضعاف، كي يثبت بان شيئا لم يتغير في مملكة آيات الله.

ومع كل هذا، فان ائتلاف نتنياهو لن يتفكك بسهولة. فليس لاحد أي مصلحة فوضوية كهذه: لا نتنياهو في وضعه، لا الليكود، لا ليبرمان، لا لبيد، لا بينيت وبالطبع ليس تسيبي لفني التي كل أزمة سياسية وانتخابات جديدة ستبعث بها وحركتها الى البيت. الحكومة ستواصل العيش، في هذه الاثناء، في ظروف مستحيلة. اما ما سيكون بالفعل فهو الصراعات الداخلية والاحتكاكات اليومية التي تثير حاليا سباقا خفيا ودافعا كبيرا وهكذا تسجل ايضا بضع اصلاحات جديرة بالاشارة في مجال السماء المفتوحة، الغاز، الموانىء والخدمات الدينية. هذا على الاقل.

















اسرائيل اليوم - مقال - 24/6/2013

دخول لاعب جديد الى الملعب في سوريا

بقلم: د. رؤوبين باركو


إن استقرار رأي الامريكيين على إمداد المتمردين في سوريا بالسلاح هو ذروة جهد عربي عام لكسر الجمود ومساعدة المعسكر السني – كل دولة عربية بحسب قدرتها واستطاعتها الوصول. ونفخ القرار ريحا قوية في أشرعة المتمردين الذين كانوا مُعرضين الى الآن لهجمات "الحرس الثوري الايراني" ورجال حزب الله، وأصيبوا اصابات بالغة بأفضل السلاح والطائرات الروسية الصغيرة بلا طيارين. أعلن المتمردون أول أمس عن عملية "القادسية"، التي تنحصر في الأساس في جبهة مدينة حلب، وليس عجبا ان اختاروا هذا الاسم للعملية المخترقة الطريق التي بدأوها.

بقيت أجزاء كبيرة من تفصيلات القرار وتحقيقه سرية فوق التصريح الامريكي بنقل سلاح الى المعارضة النازفة بعد ان تبين ان السكان السنيين تعرضوا لسلاح كيميائي. يبدو أن الامريكيين استقر رأيهم على تسليح قوات جيش سوريا الحر فقط بسلاح نوعي بقيادة الجنرال سليم ادريس ومنع وصول هذا السلاح المُحكم الى العصابات الارهابية الاسلامية المسلحة التي تعمل على مواجهة النظام.

بقي الشك في عناصر قوة المعارضين الاسلاميين في سوريا على حاله. إن الذاكرة الامريكية الجماعية تشتغل على تجربة مساعدة متطرفين اسلاميين وجهوا سلاحهم الامريكي الذي حصلوا عليه الى الامريكيين بعد ذلك. وليس عند الامريكيين أي اهتمام بأن يقع السلاح النوعي الذي سيُسلمونه الى المتمردين السوريين في نهاية الامر في أيدي هؤلاء الاسلاميين المتطرفين مثل "القاعدة" و"جبهة النصرة" و"أحرار الشام" و"كتائب الفاروق" وهم من أعدائها اللدودين في الغد.

وليس واضحا الى الآن أي سلاح سيُرسل في نهاية الامر والى من، لكن من الواضح ان الامريكيين ضاقوا ذرعا بمعادلة الدم التي أحدثتها ايران وروسيا في سوريا بحيث ما زالت هاتان الدولتان تُسلحان الاسد بسلاح مُحكم في حين يبطل فعل الغرب ويقف عند تسويف صيغ خالية من المضمون لحل الازمة. اتُخذ قرار الامريكيين برغم تهديدات الروس والسوريين بالانتقام في داخل اوروبا حينما أدركوا انه لا احتمال لتنحي الاسد وانشاء حكومة انتقالية تمهيدا للانتخابات.

في حين ما زال حلف الاسد العلوي مع مقاتلي الشيعة من حزب الله والحرس الثوري يضربون السكان المدنيين السنيين في سوريا، ومقاتلي المعارضة والبنى التحتية المدنية، أخذ الزعماء العرب السنيون في الدول العربية يجتمعون في جبهة صارخة واحدة واضحة دون صيغ دبلوماسية معوجة، فهم يعلنون أن "الفتنة الدينية" قد صارت لها الآن أبعاد ظاهرة والحديث عن حرب أهلية بين أهل السنة والشيعة لا تتلخص في مواجهة عسكرية بين الاسد والمتمردين. وتشتعل الآن عدا سوريا مراكز مواجهة في لبنان والعراق وتستعد الدول السنية التي تحاذي سوريا مثل تركيا والاردن للمواجهة.

إن المعارضة السورية السنية تشير بتسميتها عمليتها الاخيرة في حلب "القادسية" الى ايران الفارسية الشيعية بأنها تهدد من داخل سوريا الشرق الاوسط وبأنها أعلنت حربا على العالم السني. وكأنه لم يمر أكثر من ألف سنة منذ كانت المعركة التاريخية في القادسية في سنة 636م بين جيش الخليفة عمر الفاروق وبين الجيش الوثني لملك الدولة الفارسية كسرى. إن تلك المعركة علامة نصر اسلامي في مقابل هزيمة فارسية مُذلة لم يُشف الايرانيون منها الى اليوم وهم يحاولون الآن ان يغيروا أحداث التاريخ ولو قليلا.















معاريف - مقال - 24/6/2013

حالم، ليس شهيدا

بقلم: ميخال أهروني


محمد عساف هو شاب صغير ذو صوت مذهل. فقد أراد أن يكون نجما واصطدم بمشاكل في طريق المجد. وبالاساس حقيقة أنه من خانيونس، وصعب بعض الشيء الخروج من خانيونس هذه الايام. وعليه فقد فعل ما كان يمكن لاي شاب طموح أن يفعله: تسلق من فوق جدران فكرية ومادية.

قبل لحظة من بدء الغناء في اختبار القبول بدا مرتبكا وفزعا. ولكن ما أن فتح فمه حتى سقطت كل الاسوار أمامه. هذا الولد انتحر على المسرح ومزق روح لجنة التحكيم. لقد فهم بان هنا لا مجال للاخطاء، وانها توجد فرصة واحدة. فهجم عليها.

هكذا وصل الى "أرب آيدل" كمتنافس. وفي البرنامج اعطى كل ما لديه، وفجأة، من ولد منذعر وهش اصبح كريزماتيا وآسرا. ومثلما يحصل مع كثير جدا من المتنافسين الاخرين في مسابقات الغناء ولا يهم لاي دين ينتمون. ومثلم يحصل لمن يجد مكانه في لحظة واحدة. والجمهور أحبه. العالم العربي عانق بحرارة هذا الشاب. وابتداء من يوم امس لم يعد محمد عساف الفائز الاكبر في "أرب آيدل" بل اصبح رمزا: رمز لمن لا يتنازل، ولا يسمح لاي جدار أو سور أن يوقفه.

في خطابه بعد التتويج أهدى فوزه الى الشهداء الفلسطينيين والسجناء. هذا، اضافة الى حقيقة أنه التف بالعلم الفلسطيني، جعلته في نظر الجمهور الاسرائيلي عدوا وحشيا. ها هم مرة اخرى يمجدون ويقدسون الكباح المسلح. ها هم الفلسطينيون العطاشى للدماء. هكذا كان من كتب في التعقيبات بانهم هكذا يعلمون اطفالهم، اولئك الفلسطينيين، ليكرهوا ويقتلوا.

ولكن محمد عساف ليس على الاطلاق رمزا للكفاح الفلسطيني. فهو لم يحلم بان يكون شهيدا، لم يلتف بعلم حماس، لم ينضم الى اي منظمة ولم يتصرف بعنف. بل العكس. حلم بان يخرج من خانيونس والوصول بعيدا ليغني لا ليطلق النار. حلم بالمال وبالمجد وبالحياة الطيبة وليس بالموت. غنى الى جانب شابات كاشفات ومزينات. وشارك في برنامج ترعاه بيبسي وكنتاكي فرايدتشكن، رمز الامركة كريهة نفس المتطرفين المسلمين. البرنامج هو فكرة غربية تبناها العالم العربي. فما علاقة هذا الشاب بالاسلام المتطرف بالضبط؟

عساف تعلم في مدرسة الوكالة، وما يعرفه هو رزم المساعدة وانعدام الكهرباء. لم يعمل ابدا في اسرائيل ولم يلتقِ يهودا ليسوا جنودا. فلمن كان يريد الجمهور الاسرائيلي أن يهدي فوزه. للبيد؟

ولكن نحن والطرف الاخر على حد سواء بتنا أسرى جدا بانفسنا لم تعد لدينا القوة لان نرى الناس يحلمون ويريدون، ببساطة كي يحلموا ويريدوا. انعدام الثقة، الكراهية، التعب والكثير من الالم يميز الخطاب وردود الفعل على فوز محمد عساف في "نجم وليد" العربي. أحلام لم نعد منذ زمن بعيد بقادرين على أن نراها، ناهيك عن الواقع.















يديعوت - مقال - 24/6/2013

أنوية روحاني

بقلم: اليكس فيشمان


لا يجب ان نُخمن ما الذي يعتقده رئيس ايران الجديد حسن روحاني في سياسة بلده الذرية. فقد كتب في ذلك عشرات المقالات وما لا يقل عن سبعة كتب كان آخرها: "الأمن القومي والدبلوماسية الذرية" وصدر في 2011. وروحاني يبسط هناك في ألف صفحة على نحو واضح حازم تصوره العام للقضية الذرية على أساس التجربة التي جمعها في سني خدمته الـ 24 بصفة رجل مفتاحي في صوغ سياسة ايران الذرية.

نشر باتريك كلاوسون، مدير البحث في معهد واشنطن في الآونة الاخيرة بحثا يلخص مواقف روحاني كما تظهر في كتابه الأخير. ويتناول أحد فصول الكتاب تكتيك التفاوض مع الغرب. في 2004 كان روحاني يرأس فريق التفاوض الايراني مع الدول الغربية الثلاث القوية، وهو الذي أحرز اتفاق باريس. يقول ان ايران وافقت آنذاك على تأجيل ما لتخصيب اليورانيوم مقابل طائفة من الافضالات الاقتصادية.

وقد قُبلت ايران آنذاك في الحقيقة في منظمة التجارة العالمية وكانت قريبة من اتفاق تعاون تجاري مع الاتحاد الاوروبي. والى ذلك قبلت الدول الكبرى – بريطانيا وفرنسا والمانيا – علنا الرواية الايرانية التي تقول إن وقف تخصيب اليورانيوم قد قامت به ايران "متطوعة"، باعتباره جزءا من بناء خطوات الثقة بين الطرفين.

يكتب روحاني أن اتفاق باريس أسقط من برنامج عمل مجلس الأمن القضية الذرية الايرانية برغم الضغط الامريكي للاستمرار في علاجها. وقد أحرزت ايران بذلك الاتفاق كما قال انجازات في عدد من الجبهات دون أن تحتاج الى الاعتراف بأنها نقضت اتفاقات دولية في المجال الذري ودون ان يتضرر برنامجها الذري في واقع الامر.

بعد اتفاق باريس في تشرين الثاني 2004 في الحال أعلن مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجود "تقدم صالح" في الاتصالات بايران. ويكتب روحاني ان ايران شعرت في تلك الفترة بأنها سارت في الطريق الصحيح لأنه اذا استثنينا أمرين أقلقا الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهما عدد منشآت التخصيب وتوسيع خطة آلات الطرد المركزي، لم تُذكر كل الموضوعات الاخرى. إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية محت في الحقيقة سلسلة دعاواها على ايران. وكتب ان الامريكيين وحلفاءهم وجدوا أنفسهم بلا تأييد دولي فيما يتعلق باستعمال ضغط على ايران.

ويعترف روحاني أنه في الوقت الذي نقلت فيه ايران الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أجوبة عن اسئلة عُرضت عليها، استمرت في تحسين منشآتها الذرية. ويقول ركبنا معدات في المنشآت في أصفهان بموازاة المحادثات في طهران. "انشأنا في واقع الامر جوا مطمئنا مكّننا من إتمام الاعمال في أصفهان".

ويكشف روحاني عن النظرية كلها على قدم واحدة وهي التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية واجراء تفاوض مع القوى الكبرى هما أفضل طريق لايران للتقدم في برنامجها الذري.

ويكتب روحاني ايضا عن الصعاب التي واجهته لاحراز اجماع في ايران على تنازلات للغرب، فقد كان يجب عليه ان يقنع الزعيم الروحي خامنئي وجهات مركزية كما يبدو ايضا من الحرس الثوري. لم يُحب خامنئي المصالحة لكنه أعطى روحاني في نهاية الامر حبلا للاستمرار في تدبير أموره مع الغرب كما يشاء.

ويُقدر كلاوسون أنه سيكون أصعب على ايران اليوم أن تعود الى تلك الحيلة بسبب الشك فيها والمعلومات التي اجتمعت على مر السنين عن نواياها والمنشآت التي انشأتها. وكلاوسون على حق. إن "المحتال من طهران" سيضطر الى ان يجد حيلة اخرى.

إن ايران والولايات المتحدة اليوم ليستا ايران والولايات المتحدة في 2004. فقد كانت ايران آنذاك في بداية الطريق نحو بناء قدرة انتاج كامل لمشروع ذري عسكري، وقد أصبحت اليوم قريبة جدا من الهدف. وفي 2004 استعملت ادارة بوش قوة في العراق عززت الردع الامريكي في المنطقة. وفي 2013 أعلن قائد الاسطول الامريكي بأنه بقيت له حاملة طائرات واحدة فقط لمواجهة وضع ازمة في الخليج الفارسي بسبب الاقتطاع من الميزانية العامة.















يديعوت - مقال - 24/6/2013

العودة

بقلم: سيفر بلوتسكر


إن يعقوب فرانكل محافظ بنك اسرائيل السابق وهو اليوم رئيس الذراع الدولية للاتحاد المصرفي الامريكي "جي.بي موردان – تشيس منهاتن" فاجأه أمس وقت اعلان رئيس الوزراء ووزير المالية بتعيينه لمنصب محافظ بنك اسرائيل بدل ستانلي فيشر التارك عمله. وقد نشر الاعلان وقت اقامة مساء تكريم في بنك اسرائيل لفيشر وسبب احراجا غير قليل لفرانكل نفسه. فقد قال فرانكل: "هذا يوم ستانلي لا يومي. من الصحيح الآن أنني استطيع ان أقول إن منصب المحافظ عُرض علي وأنا أزن ذلك بجدية".

ذُكر امكان التوجه الى فرانكل ليكون محافظ بنك اسرائيل مرة اخرى في صحيفة "يديعوت احرونوت" في الاسبوع الاول بعد اعلان استقالة ستانلي فيشر، لكنه أُنكر بعد ذلك بشدة. وقال البروفيسور فرانكل لاصدقائه الكثيرين الذين حضروا مساء التكريم لفيشر: "قد استُعمل علي مدة طويلة ضغط كي أوافق على أن أعمل محافظا لبنك اسرائيل وترددت كثيرا. لكن الضغوط ازدادت في الآونة الاخيرة".

فاجأ اقتراح تعيين البروفيسور فرانكل الجماعة الاقتصادية في اسرائيل التي لم تعتد على عودة اشخاص الى مناصب شغلوها قبل ذلك بنجاح كبير.

لا اختلاف في ان البروفيسور فرانكل له كل الخصائص المهنية المطلوبة ليكون محافظا ممتازا: فهو يعرف جيدا بنك اسرائيل، وهو يعرف أدق تفصيلات وضع الاقتصاد الاسرائيلي، وقد شغل مناصب رئيسة في منظمات اقتصادية دولية، وعُد مثل ستانلي فيشر في الفريق الرفيع المستوى في اتحادات مالية دولية. طُلب الى فرانكل وقت الازمة الكبيرة ان يكون في فريق شفاء الاتحاد المالي الضخم "إي.آي.جي" الذي نجا من إفلاس بفضل خطة تخليص كثيفة للادارة الامريكية.

ومع ذلك أنهى البروفيسور فرانكل ولايته الثانية محافظا لبنك اسرائيل – واستقال في منتصفها – باحتجاج شخصي عالي النغمة. وفحص مراقب الدولة عن سلوك فرانكل بشأن الحصول على مخصص تقاعد من بنك اسرائيل، وكشف عن عدم ترتيبات وجعل فرانكل التارك عمله يعيد أموالا الى صندوق بنك اسرائيل. وألقت القضية بظل كبير على وداع فرانكل للبنك.

بين فرانكل ورئيس الوزراء نتنياهو علاقات ثقة عميقة. تذكرون ان نتنياهو اقترح على فرانكل عند بدء ولايته الاولى ان يعمل وزيرا للمالية في حكومته وهو اقتراح لم ينفذ بسبب معارضة من داخل الليكود.

إن ليعقوب فرانكل بصفته محافظا لبنك اسرائيل سلسلة طويلة من انجازات مدهشة في مقدمتها السيطرة على التضخم المالي وخفضه الى مستوى ذي خانة واحدة سنوية، والغاء الرقابة على العملة الاجنبية ولبرلة سوق العملة الاجنبية واستعمال سعر فائدة بنك اسرائيل مرساة للاستقرار وتقوية بنك اسرائيل في نضال عنيد من اجل استقلاله. ويُتذكر تذكرا حسنا ايضا تحدث البروفيسور يعقوب فرانكل إذ كان محافظ بنك اسرائيل معترضا على المضاربات الهوجاء في بورصة تل ابيب التي سماها فرانكل "فقاعة مالية".

إن الصيت الدولي للبروفيسور فرانكل جعله المتحدث البارز عن النجاح الاقتصادي الاسرائيلي. وقد شارك فرانكل بضع مرات بعد ان ترك عمل المحافظ في محادثات أجرتها حكومات اسرائيل مع شركات ترتيب الائتمان الدولية.

اذا نفذ آخر الامر تعيين البروفيسور يعقوب فرانكل الذي يعمل اليوم رئيسا لهيئة مؤتمني جامعة تل ابيب، وليس هذا مؤكدا لاسباب شخصية ولاسباب عامة، فسيتتابع على بنك اسرائيل تركة اساتذة جامعات من الحلقة الرائدة لخبراء اقتصاديين دوليين بصفة محافظين على صورة البروفيسور ميخائيل برونو الراحل وفيشر وفرانكل، أدام الله بقاءهما.

لم يكن فرانكل اختيار وزير المالية يئير لبيد الذي فضل لهذا المنصب نائبة محافظ بنك اسرائيل الدكتورة كرانيت بلوغ – بل قال هذا بصراحة لنتنياهو.

لم يتحمس رئيس الوزراء لترشيح بلوغ برغم أنه يُقدر جدا حرفيتها الخالصة، بل بحث عن مرشح "مثل فيشر" وحينما لم يحصل على رد ايجابي من اساتذة جامعات خارج البلاد، توجه اليهم مرة اخرى ليقنعوا فرانكل بأن يوافق على الانتقال الى مكتب المحافظ الذي يعرفه.

سيجد يعقوب فرانكل حينما يأتي الى مكتب المحافظ واقعا اجتماعيا اسرائيليا يختلف جدا عن ذلك الذي عرفه قبل أكثر من 12 سنة: فالحياة العامة الاسرائيلية اليوم أكثر تأثرا بقرارات اقتصادية وأكثر وعيا للثمن الاجتماعي لهذه القرارات وهي لا تخشى التعبير عن آرائها ومواقفها بصوت جهير.

وبرغم انه لن يجد أية صعوبة في ان يحل محل ستانلي فيشر فان السؤال هو هل يجب عليه ان يحل في هذا المحل – لأن من الامور المشهورة أننا لا ندخل نفس النهر مرتين فضلا عن ثلاث مرات.

تتطلب أزمان جديدة في الاقتصاد ناسا جددا على نحو عام ايضا.











Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: