واقع يتغير
بقلم:عمير ربابورات
بينما كان وزير الدفاع موشي يعلون في القطار من واشنطن لنيويورك اتضحت تقريباً نتائج الفوز الساحق لحسن روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية. وكانت المفاجأة كبيرة: لم تتوقع أي من أجهزة الاستخبارات الغربية ولا الإسرائيلية فوزاً كهذا من الجولة الأولى. ولكن من ناحية مؤسسة الأمن الإسرائيلية، فوز روحاني المعتدل، يعتبر عثرة: فانتخابه يؤجل المواجهة المباشرة مع إيران في المسألة النووية، إن كانت هناك مواجهة، على الأقل لعام 2014.
وبحسب الرؤية التي عرضها يعلون في زيارته لأميركا فور معرفة النتائج، وهي رؤية كررها في لقاءاته مع قيادة الحكم في باريس بعد ذلك، فإن فوز روحاني ينبع أولا وقبل كل شيء من قرار الزعيم الإيراني الفعلي، على خامنئي، لـ«استخدام» روحاني.
كان بوسع خامنئي أن يرفض مسبقاً ترشيح روحاني للرئاسة أو أن يضع مقابله فقط مرشحاً محافظاً واحداً أو اثنين، بدلا من توزيع أصوات المحافظين بين المرشحين الكثر، ولكن كانت له مبرراته لعدم فعل ذلك. فهدف خامنئي يمكن أن يكون تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران عبر إطلاق تصريحات معتدلة في العامين القريبين، والاتفاق مع الغرب على إبطاء مشروع تخصيب اليورانيوم، وذلك من أجل اجتياز المرحلة الأخيرة في الطرق إلى القنبلة بارتياح.
وبرغم ذلك، ومثلما لم تتوقع المؤسسة الأمنية فوز روحاني الجارف، يقر يعلون بوجود جوانب إيجابية في انتخاب الرجل المعتدل نسبياً: فهو رجل نطق اسم «إسرائيل» صراحة في خطاب فوزه، وهو يؤيد الحوار مع الولايات المتحدة بالآلية التي قاد فيها تجميد حقيقي للمشروع النووي الإيراني على خلفية الغزو الأميركي للعراق 2003-2004. ولكن المقاربة المتشائمة هي المسيطرة.
لا نظام عالمياً
مر يعلون بالولايات المتحدة في طريقه إلى معرض باريس الجوي، فيما واشنطن تعيش ذروة إعادة تقييم لسياساتها في الشرق الأوسط وخصوصاً سوريا. والأميركيون أرادوا ولم يريدوا سماع ما لدى يعلون، فيما كلام وزير الدفاع لم يتغير بشكل مثير منذ زيارة وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل لإسرائيل قبل شهر ونصف الشهر. وعموماً، هذه ليست أيام مجد للولايات المتحدة، ويمكن الشعور بذلك في المعرض الجوي. فقد تقلصت أجنحة القوة الأعظم في هذا المعرض مقارنة بالماضي، ولم يظهر ذوو بزات الجيش الأكبر في العالم أبدا في المطار، الذي يغدو مرة كل عامين المركز الكوني لعوالم الطيران والأمن. وقادت تقليصات ميزانية الدفاع الأميركية إلى التوقف التام لسفرات رجال الجيش إلى الخارج ليس لأغراض عملياتية.
وبقدر ما تتراجع الولايات المتحدة فإن الصين وروسيا تصعدان. فالقوة العظمى (الاقتصادية) الجديدة، الصين والقوة العظمى (العسكرية) سابقاً، روسيا قاما في باريس باستعراض قوة مذهل، وهذه شهادة إضافية على تضعضع النظام العالمي الذي ساد منذ انهيار الاتحاد السوفياتي قبل 24 سنة، والذي تميز بالهيمنة المطلقة للولايات المتحدة هيمنة لم تعد قائمة.
وبقدر كبير فإن رغبة روسيا في العودة لاحتلال مكانة الدولة العظمى، أو على الأقل أن تعاند الولايات المتحدة، يتجلى في الحرب الأهلية غير المنتهية في سوريا. وهناك صلة مباشرة بين إصرار روسيا (على الأقل إعلانياً) لتسليم بشار الأسد صواريخ أرض جو ,S-300 تجعل أصعب على سلاح الجو الإقلاع من أي مطار في المنطقة، وربما تصل أيضا لحزب الله، وبين طلب الروس عدم نصب صواريخ أميركية على الأراضي الأوروبية وعدم تسليح معارضي الأسد.
والواقع أن السلاح يتدفق أصلا على المتمردين كالمياه، أيضاً من المخازن المسروقة للجيش السوري، وكذلك عبر الحدود التركية أو بطرق ملتوية أكثر من السعودية. وعلى ما يبدو ثمة حقيقة في تقارير نهاية الأسبوع على صواريخ متقدمة وصلت للمتمردين أيضا في الأسابيع الأخيرة.
ولكن لعبة القوى العظمى تزداد دراماتيكية في ضوء النظام المتبلور في العالم الإسلامي: الطائفة السنية (بدعم رخو من أميركا) ضد المحور الشيعي، الذي يشمل إيران، الأسد (العلوي أصلا الذي أبرم تحالف حياة مع الشيعة) وحزب الله. والإعلان الواضح الذي أصدره الرئيس المصري محمد مرسي، لمصلحة المتمردين ضد الأسد، ومحاولة منظمة حماس السنية لجمع الأموال بدلا من الميزانيات التي كفت عن التدفق من طهران ترسم بخطوط أوضح من أي وقت مضى محور المواجهة الشيعية - السنية.
وقد أشاروا في إسرائيل مراراً في العامين الأخيرين إلى المزاج المقلق في العالم العربي، ومفاده أن من يتحالف مع أميركا اكتشف مع الوقت أنه لا يمكن الركون إليها (مثلا الرئيس المصري المطاح حسني مبارك، الذي تخلى عنه أوباما لحظة الحقيقة)، فيما تحارب روسيا لمصلحة حلفائها حتى النهاية (بوتين هو الركيزة الأهم لبشار الأسد).
نصر مرير
في الأسبوعين الأخيرين أدركت واشنطن وفهمت أن هذه هي صورة الأمور في نظر الشرق الأوسط. وما قاد إلى هذا الفهم المتأخر هو الفوز الساحق للمحور الشيعي بفضل قتال ما يزيد عن ألف من رجال حزب الله، الذين قتل أو جرح ما لا يقل عن 600 منهم.
والسعودية ودولة الإمارات تدعمان بكل قوتهما المتمردين في سوريا. وهما تمارسان هذه الأيام ضغطاً شديداً على الولايات المتحدة كي تعمل ضد المحور الذي تقوده روسيا والمعتبر منتصراً. وهذا الضغط يضاف لانتقادات لاذعة من الداخل، يطلقها الزعيم الجمهوري جون ماكين ضد عجز إدارة أوباما في المسألة السورية. وتخضع الإدارة لضغط كبير أيضاً لأسباب داخلية، مثل العاصفة الدائرة في مسألة تنصت أجهزة الحكم المختلفة.
وكما بدت الأمور هذا الأسبوع، فإن الأسد وحزب الله يلعقان بنفسيهما جراح نصرهما الكبير في القصير، وهما لا يستعدان لاستمرار المعارك أيضاً على مدينة حلب، التي يسيطر المتمردون على أغلبها. والحرب الأهلية ستعود إلى التعادل الذي ميزها زمنا طويلا. إذ ستزيد الولايات المتحدة تدخلها في المنطقة، وخصوصا ضخ الأسلحة برغم تهديدات بوتين. وحتى قبل وصول يعلون لواشنطن، وكما يبدو من دون صلة بالزيارة، أعلن الأميركيون بشكل مفاجئ أن الأسد تجاوز فعلا الخطوط الحمراء باستخدامه السلاح الكيماوي ضد المتمردين. فهل أن الخطوة الأميركية المقبلة ستكون الإعلان عن منطقة حظر جوي؟ وهل سيسمح بوتين لأوباما الإعلان عن حظركهذا؟
وبالإجمال لم ترد عملياً أية معلومات جديدة بشأن استخدام السلاح الكيماوي منذ قال رئيس لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات، العميد إيتي بارون أقوالا مشابهة في محاضرة في جامعة تل أبيب قبل شهر ونصف الشهر. وإعلان أميركا الجديد هو بالإجمال ثمرة تقدير موقف جديد في واشنطن. وأوحى الأميركيون عبره بأنهم يصعدون درجة في تدخلهم في سوريا. في هذه الأثناء لا يبدو ذعر في دمشق أو موسكو، ولا في بيروت أيضاً. بالمناسبة حزب الله يدفع ثمناً باهظاً لتدخله المطلق في معارك سوريا عدا الخسائر في الميدان. فالمتمردون السوريون لن ينسوا ولن يغفروا لنصر الله ما فعل.
هدايا أميركية
بالمناسبة عدا سوريا وإيران، خلال زيارة يعلون للولايات المتحدة كانت على جدول الأعمال قضيتان مركزيتان بشأن المساعدة العسكرية الأميركية لإسرائيل. وقد بحث يعلون في البنتاغون رزمة مساعدات فورية لأسلحة جديدة لإسرائيل، كتعويض عن صفقة سلاح أميركية هائلة للسعودية. فالسعودية تحتاج إلى أسلحة متطورة وبكميات هائلة كوزن مضاد لتسلح إيران، في وقت تحتاج فيه الصناعات العسكرية الأميركية العملاقة لصفقة المليارات حاجتها للأوكسجين، في ضوء تقليص ميزانية المشتريات الأمنية في أميركا نفسها. وهذه رافعة أخرى تستخدمها السعودية على الولايات المتحدة لزيادة تدخلها في سوريا.
من ناحية إسرائيل، فإن السلاح الذي ستتسلمه في العامين المقبلين كتعويض عن الصفقة السعودية، يشمل صواريخ، منظومات رادار وطائرات مروحية من طراز ,V-22 طار بها يعلون خلال الزيارة قبل أسبوع، لا تشكل مضاعفة قوة بالمستوى الاستراتيجي.
وأهم من ذلك المداولات التي بدأت في نهاية الأسبوع الفائت في واشنطن حول مذكرة التفاهم بشأن المساعدة الأمنية متعددة السنوات طويلة المدى الجديدة، بدلا من اتفاقية مساعدة إسرائيل (حوالي ثلاثة مليارات دولار سنوياً)، تكون سارية حتى تشرين أول 2017.
الفصل الساخن
0 comments: