حراس الرئيس السوري الجدد
بقلم: د. رؤوبين باركو
أفضت الفترة الاخيرة من الحرب الأهلية في دمشق الى واقع جديد، فقد وُجد في مقدمة القوات المقاتلة من اجل بقاء نظام الاسد جيش ليس سورية البتة. إن حزب الله، وهو منظمة لبنانية ترعاها ايران، هو الذي يدافع عن الحاكم ـ لا قوات محلية.
لم يعد العلويون هم القوة الأهم. إن الذي بدأ في سورية الحريق الديني بين المعسكرين هو عمل رمزي دراماتي برز في شذوذه في نطاق الفظاعات والقتل الذي لا نهاية له، الذي ينفذه النظام السوري العلوي وحلفاؤه الشيعة من ايران والعراق ولبنان. تدفق ناس حزب الله ومحاربو الحرس الثوري الايرانيون والمقاتلون الشيعة من العراق الى مدن سورية المدمرة ومواطنيها النازفين، ورفعوا في نزوة دينية هائجة منفلتة العلم الشيعي للامام الحسين على مآذن المساجد المدمرة القبب للسنيين، وهم يصرخون ‘الله أكبر’.
من هو ذلك الحسين على الرايات السوداء وأين هو التحرش؟ كان الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب ابن عم النبي محمد وصهره، الذي كان الخليفة الرابع للأمة المسلمة. إن موته وموت ابنيه نقطة انشقاق مأساوي لشيعة علي ‘المظلومين’ وأبنائه وهم الشيعة عن تيار الاسلام السني المركزي.
ومنذ تلك الواقعة القديمة التأسيسية أصبح الشيعة يرفضون صحابة محمد والأحاديث المنسوبة اليهم، وشرعية كل ما حدث في الاسلام بعد ذلك، بدعاوى ظلم علي وابنائه بعده. أما أهل السنة من جهتهم فينظرون الى التيار الشيعي على أنه تيار كُفر اسوأ حتى من الكفار العاديين. وهم يُكفرون الشيعة بل يرونهم اسوأ، فهم ‘مرتدون’، أي من اولئك الذين عرفوا حقيقة الاسلام وارتدوا عنها. فالحديث عن دينين مختلفين عدوين بعضهما لبعض، رغم محاولات التقارب وحقيقة أنهما يقومان على رسالة محمد. ومن هنا يبدأ كل شيء.
الخطة الايرانية
قبل رفع أعلام الشيعة على أنقاض المساجد السنية في سورية كانت المواجهة الدامية بين حاكم سورية العلوي (وهذا مذهب مشتق من الشيعة) وشعبه السني، التي قضى فيها النظام الى الآن على نحو من 100 ألف مواطن، كانت قد تحولت الى مواجهة طائفية. ورأى الايرانيون ان هذه المواجهة قد جاءت في وقت غير مخطط له شوش عليهم الجدول الزمني لخططهم الاستراتيجية. في اثناء التصعيد في المعارك اجتمع حول جيش سورية الحر ضباط سوريون انشقوا، ومواطنون علمانيون حملوا السلاح. وانضم الى هذه الكوادر مقاتلون مسلحون من حركة الاخوان المسلمين السوريين الذين رفعوا في الماضي راية التمرد في 1982 على حافظ الاسد وخسروا آنذاك نحوا من 30 ألفا من رجالهم في مجزرتي حمص وحماة.
وانضمت الى المتمردين في خلال القتال قوات اسلامية سنية متطرفة سلفية اخرى تحمل فكر القاعدة من كل أنحاء العالم العربي. وبدأت هذه المعارضة المسلحة تحقق انجازات تكتيكية في القتال، لكنها تورطت في جدالات وانشقاقات وعدم قدرة على التنسيق والتمثيل المشترك. وزاد الاسد المهدد في قوة المذابح التي نفذها جيشه على السكان مستعينا بالطائرات والمدافع لقصف المدن السنية.
ازاء نجاحات المتمردين وضعف الاسد المتزايد، نشأ تهديد حقيقي لجهود ايران وخططها للسيطرة على المنطقة المتصلة الشيعية الاستراتيجية بينها وبين العراق وسورية ولبنان، حيث الاسد حلقة شديدة الأهمية.
ويبدو ان هذا المحور الشمالي كان يفترض ان يكون أداة ضغط حاسمة من اجل مطامح ايران في الشرق الاوسط، وشرطا لتحقيق خططها للسيطرة، خصوصا على دول عربية في الخليج الفارسي مع استعداد لصد تركيا من الشمال. وعن شعور الايرانيين بضعفهم العسكري كما يبدو خططوا لردع القوات الامريكية في الخليج عن العمل الى جانب العرب، حينما يحين وقت القتال بواسطة القنبلة الذرية التي تُبنى الآن، وفي مقابل ذلك استعمل الايرانيون قواعد ارهابية في دول عربية لاحداث فوضى حكم في الداخل تفضي الى تعويقها، وعملوا بلا كلل على انشاء رأس جسر ايراني في جزر أبو موسى في الخليج للسيطرة على البحرين، استعدادا كما يبدو للغزو البري الايراني.
وتم تصريف لعبة البازل الاقليمية هذه بلا تشويش، فقد استطاع الايرانيون ان يوجهوا غضب الزعماء العرب والجماهير السنية الى كراهية اسرائيل بتعليلهم أن زيادة قوتهم والقنبلة التي يدأبون في بنائها ترميان الى تحرير فلسطين والقدس من اليهود، وهذا هو القاسم المشترك الوحيد بين الجموع كلها، وبذلك نوّم الايرانيون العرب وكادوا ينجحون في هذه الخدعة الى أن جاءت الازمة في سورية.
نجح الايرانيون الى الآن في تعويق الامريكيين الذين أضعفتهم حربهم في العراق وافغانستان. وزادت جرأتهم مقابل ضعف الامريكيين عن كوريا الشمالية الوقحة وتردداتهم ازاء تطوير القنبلة الذرية الايرانية. إن صمت الامريكيين عن المجزرة الجارية في سورية في هذه الايام، يُقوي كما يبدو تقديرات الايرانيين ان الحديث عن امبراطورية ورقية. وأفضى الزعيم الأعلى علي خامنئي تتمة لهذه السياسة المحكمة الى انتخاب روحاني ‘البراغماتي’ رئيسا لايران. إن من اعتقد ان انتخاب روحاني هو طريقة ايرانية مهذبة لاعطاء آيات الله سلما ‘للانكماش والنزول عن الشجرة’ مخطئ. إن الايرانيين لم يحتملوا طريق آلام تكاليف تطوير القنبلة الذرية وخسارة العلماء والاضرار والعقوبات على الشعب الايراني، كي يوقفوا كل ذلك الآن من اجل لحية المنتخب الجديد المهذب ونظارتيه الغربيتين، أي الدكتور روحاني.
ازاء التصريح الابتدائي لروحاني بأن ايران ستستمر في تخصيب اليورانيوم، يبدو ان روحاني يفترض ان يطلب في حيلة سياسية تخفيف العقوبات شرطا لمفاوضة الغرب في المشروع الذري، مع الاستمرار في التسويف الى أن يتم مشروع القنبلة الذرية. ولهذا يجب على الامريكيين ان يطلبوا الى روحاني فورا تفكيكها قبل بدء التفاوض في قضية العقوبات.
الحرب الباردة
تستعين ايران في قتالها في سورية بالمصالح السوفييتية التي تنحصر في بقاء نظام الاسد، واهتمامهم الخاص بموانئ سورية وبدعم الصينيين التلاعبي. وهكذا يجمع الايرانيون في خندق واحد تحت مظلة الأجندة التوسعية الشيعية الايرانية، كل من يعارض الامريكيين. بيد أن تحطيم الحلقة السورية في صورة الاسد المتضعضع دفع ايران الى ان ترسل الى سورية آلاف المقاتلين وسلاحا ومعدات ومساعدة مالية ومادية ايضا. ولهذا السبب أمروا حزب الله بدخول سورية بقوة والقتال الى جانب النظام ذراعا شيعية عملياتية مباشرة. وفي المواجهة العسكرية بين مقاتلي حرس الثورة الايرانيين ومقاتلي منظمة حزب الله الذين يقاتلون الى جانب الألوية السورية في مقابل مقاتلي المعارضة والعصابات المسلحة الاسلامية، يتغلب النظام في هذه الاثناء ‘بالنقاط’ ويحشد من جديد انجازات تكتيكية مع إحداث خراب وايقاع عشرات القتلى الآخرين من السكان كل يوم.
يتم القتال بين القوى الكبرى في سورية الآن بواسطة مندوبين، لكن عناصر القوة والسلاح في الصراع غير متعادلة. فالسلاح المتقدم الذي يحصل عليه نظام الاسد من الروس والايرانيين وحزب الله في الأساس يحسم الى الآن مصير المعارك في المدن المختلفة، ويتقدم الجيش السوري بمساعدة حزب الله في سلسلة عمليات تُصور على أنها نجاحات تكتيكية مع قصف من الجو بمساعدة سلاح متقدم وطائرات صغيرة بلا طيارين، هي فخر الصناعة الروسية. وازاء استعداد الغرب لدعم المتمردين حذر بوتين اوروبا من ان ارسال سلاح الى المتمردين سيفضي الى ‘ردود عكسية’ عليها.
عرّف الامريكيون من جهتهم استعمال النظام السوري للسلاح الكيميائي بأنه خط احمر سيفضي الى التدخل. وبهذا أوقعوا أنفسهم في شرك احتمال ان تزور المعارضة واقعة كهذه وان يستعمله النظام في مقابل ذلك ويضطرهم الى التدخل في وقت لا يريدونه. وازاء المذبحة والعلامات الشاهدة على ان السلاح الكيميائي قد استُعمل، هدد الاوروبيون بأنهم سيرسلون سلاحا الى المعارضة. وهدد الاسد وهو خبير قديم بالارهاب اوروبا فورا بأنها ستعاني ارهاب رد عليها. أما الامريكيون ففشلوا في محاولتهم التوصل الى فك الشرك في سورية طوال اتصالاتهم بالروس وفي اللقاء الاعدادي لمؤتمر جنيف الثاني في الاسبوع الاخير مع دول ‘الثماني’.
يندد حلفاء الامريكيين العرب السنيون بهم بأنهم امبراطورية عاجزة ولهذا أعلنوا مؤخرا بأنهم سيرسلون سلاحا الى المعارضة. بيد ان المعارضة السورية غير متجانسة ولهذا يصعب على الغرب مساعدتها. إن فريقا من محاربي العصابات المسلحة السورية منشقون عن الجيش السوري وناشطون مدنيون علمانيون آخرون، لكن أكثر جهات المعارضة من ناشطين اسلاميين سلفيين سنيين متطرفين يتدفق عدد منهم على سورية من الدول العربية المختلفة وعدد آخر منهم ‘من انتاج محلي’.
إن المشكلة هي ان أكثر القوات الاسلامية تعمل مع توجه اسلامي سني في مستنبت الاخوان المسلمين والقاعدة، ويسمون أنفسهم ‘جبهة النصرة’، و’أحرار الشام’ و’كتائب الفاروق’. وهذه القوى منقسمة بينها حول ماهية الحكم الاسلامي في المستقبل، حينما سيسقط نظام الاسد، وهي مشغولة بمعركة سابقة لأوانها جدا على الكراسي.
إن الشلل الامريكي مستمر ازاء الدروس التي تعلموها من قضية طالبان حينما استعانوا بسلاح امريكي لمحاربة الروس ووجهوه بعد ذلك الى ‘التوائم’. وعلمهم ذلك درسا أو اثنين عن الاخلاص الاسلامي ويجعل من الصعب عليهم الآن اختيار العنوان الصحيح في المعارضة لتقديم المساعدة. وتلقى أفكار امريكية لفرض منطقة حظر طيران في سورية أو تدخل امريكي مباشر فيتو روسيا مهددا محبطا. ولما كان الامر كذلك فان المتمردين في سورية يأتيهم سلاح من جهات وساطة عربية مجاورة فقط، ويبدو ان الامريكيين سيرسلون سلاحا الى المتمردين بصورة ‘انتقائية’. وربما تتغير معادلة القتل بذلك.
بدأت حرب ‘السوشي’
في حين تُقصف مدن سورية وتنتقض عُراها، يوجد أكثر من مليون لاجئ في عُسر وضيق في الدول المجاورة لسورية. والعالم العربي السني مثل قِدر يفور. إن الاردن يستعد لحماية حدوده الشمالية ويُجري تدريبا مشتركا مع قوات غربية لصد النظام السوري عن امكان تحويل العنف اليه. وتوجه تركيا إصبع اتهام الى النظام السوري وتتهم مستخدمي الاسد بتنفيذ عمليات تفجيرية في ارضها وإحداث غليان شعبي باعتباره جزءا من المظاهرات في ساحة تقسيم.
إن الوضع الذي نشأ في سورية يجعل حزب الله في الوعي العربي واللبناني عصابة مسلحة تخدم ايران. ولم يعد العرب تجوز عليهم ‘قضايا’ تحرير فلسطين، بل يرون ذلك حجة حزب الله للتسلح ومحاولة السيطرة على لبنان كله. دخلت منظمة حزب الله سورية في ظاهر الامر بدعوى حماية الموقع المقدس للشيعة ‘السيدة زينب’. وعرضت المنظمة تدخلها بعد ذلك الى جانب النظام على أنه قتال للخطة الاستعمارية للولايات المتحدة واسرائيل التي ترمي الى القضاء على سورية وعلى ‘المقاومة’، التي ترمي الى تحرير فلسطين. ويقذف أعداء المنظمة المنظمة مرة بعد اخرى بقولهم إن العدو الصهيوني موجود في ‘فلسطين’ لا في سورية ويقترحون عليها ان تحارب اسرائيل من الجولان. في الآونة الاخيرة، وعلى أثر معارك القصير، قام مقاتلو حزب الله باجتياح عسكري منظم الى جانب لواء أبو الفضل السوري على أهداف في مدن سورية، وهم الذين رفعوا الى جانب الحرس الثوري الايراني أعلام التحدي الشيعية فوق مساجد سورية.
ولما كان الامر كذلك اتحدت في الآونة الاخيرة التيارات والقوى اللبنانية المنقسمة والمتصارعة بينها في العادة واتجهت بصوت واحد الى مجلس الشعب بواسطة فؤاد السنيورة من كتلة المستقبل طالبة انسحاب حزب الله من سورية ونزع سلاحه. واتهم مجموع القوى اللبنانية 14 آذار حزب الله باشعال المواجهة الطائفية في لبنان والعالم العربي وباستيراد متعمد للحرب من سورية الى لبنان.
ويُعرض حزب الله الآن في وسائل الاعلام اللبنانية والعربية على أنه عصابة مسلحة تهدد سيادة لبنان وسلامته، وأنها ستفضي الى حرب أهلية وبأنها أداة خدمة لايران وسورية على حساب المصالح والقانون والسيادة اللبنانية.
على أثر نشاط حزب الله في سورية نشأت مواجهات معه بالسلاح في مناطق مختلفة في لبنان، في البقاع وبيروت وصيدا وطرابلس وفي مخيم اللاجئين عين الحلوة. واشتملت هذه المواجهات على اطلاق صواريخ وهي تهدد بأن تجر الى المعارك ايضا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين يؤيدون اخوانهم السنيين والفلسطينيين المهاجمين في مخيم اليرموك في سورية ايضا.
ويطالب معارضو حزب الله باقامة الجيش اللبناني على الحدود الى جانب قوات دولية لمنع انتقال أناس حزب الله الى سورية، ويشتكون من زيادة قوة المنظمة بالسلاح التي تجعلها أقوى من جيش لبنان.
إن منظمة حماس ايضا تجلس الآن على الدكة وتحاول ان تصرف النقاش عن الوقائع الفظيعة في سورية. ويطلق ناسها مرة بعد اخرى اشاعات عن خطط اسرائيل لبناء الهيكل وتفجير الأقصى. منذ أن ترك مسؤولو حماس الكبار سورية، لوحظ طغيان لعلاقاتهم، باعتبارهم مقاولين ثانويين لارهاب وكلائهم السوريين والايرانيين. منذ نشبت الازمة في سورية قطعت حماس بالتدريج علاقاتها المعلنة بوكلائها ولاذت بكنف الدول العربية السنية.
في اثناء الاسبوع الماضي دعا رئيس حكومة حماس حزب الله الى الخروج فورا من سورية ووقف ذبح الشعب السوري السني الى جانب بشار الاسد. وبعد ذلك فورا اتهم ناس حزب الله حماس جهرا بالخيانة وإنكار الجميل بعد ان ساعدوها في القتال والمال وتهريب الوسائل القتالية من الحدود المصرية. وتنتقل المواجهة العسكرية في سورية ايضا الى العراق وتهدد بأن تغرق العالم الاسلامي بأنهار دم وحرب دينية بين أهل السنة والشيعة. ويصرخ رئيس الحكومة العراقي الشيعي المالكي بمعارضيه قائلا، انه يفضل ان يوجهوا السلاح الى اسرائيل ويستعمل مرة اخرى ‘الحيلة القديمة لتوحيد الصف’.
بدأت حرب ‘السوشي’ ويبدو انه لا ذنب لنا في ذلك.
المصدر:
اسرائيل اليوم
0 comments: