وضع اسرائيل ليس سيئا في كل الجبهات
بقلم: عاموس هرئيل
قبل عقد أو اثنين كانت الحياة اكثر بساطة. فقد تصدت اسرائيل لمشاكل أمنية عاجلة كانت هي تبادر فيها وهي المستخدمة المركزية للقوة وليست لاعبة فرعية، (المواجهة مع حزب الله في منطقة الحزام الامني في جنوب لبنان، الانتفاضة الثانية). وكان التهديد الايراني غامضا، تبلور ببطء في الافق البعيد ولم يعن سوى السياسيين والقليل من رجال الاستخبارات.
الحدود ـ حتى تلك التي ترسخت استنادا الى اتفاقات السلام (مع الاردن ومصر) وكذا تلك التي استندت الى وقف النار (سورية) بقيت بشكل عام هادئة. أحد آثار الهزة في العالم العربي على اسرائيل هو عدد الساحات الهائل الذي يتعين على القادة السياسيين واجهزة الاستخبارات ان تتصدى لها هذه الايام. ليست جميعها مشتعلة في وقت لاحق وليس من جميعها يحدق بالضرورة خطر فوري على اسرائيل، ولكن الصورة بصراحة تتعقد. وها هي بالتقريب، صورة وضع اسبوع عادي الاخير- في ظل قواعد اللعب الجديدة، مع اتجاه الساعة من الشمال الى الجنوب وبعدها الى الغرب.
لبنان: حسب آخر تقديرات الجيش الاسرائيلي، بعث حزب الله بين 3 الاف و5 الاف من رجاله (قرابة ربع قوته العسكرية، ومن الوحدات الاكثر تدريبا) لمساعدة نظام الاسد في الحرب الاهلية في سورية. عدد قتلاه في المعركة على بلدة القصير، في الشهر الماضي يقدر بمئة، الى جانب مئات الجرحى. جنازات القتلى في لبنان كانت تجري في الليل، في محاولة لاخفاء موتهم. واستخدمت المنظمة في المعركة اطرا من السرايا وراكمت تجربة عملياتية عظيمة القيمة، ولكنها تكبدت خسائر كبيرة.
الهجوم السني المضاد في لبنان مستمر: قرابة مئة شخص قتلوا في الاشهر الاخيرة في احداث على خلفية الانقسام الطائفي الحاد الذي سرع من جديد الحرب الاهلية في سورية المجاورة. وفي منتصف الاسبوع قتل من وصف بناشط كبير في حزب الله، علق في كمين اغتيال قرب الحدود مع سورية. والصورة التي نشرت عن الحدث مثيرة للاهتمام: في سيارة جيب حزب الله ظهرت بوضوح ثلاث اصابات دقيقة واحدة في المحرك، واحدة في الزجاج الامامي امام مقعد السائق وواحدة في المقعد على يمينه. عمل مهني.
سورية. حدث أثار اهتماما شديدا في بداية الاسبوع تبين كعاصفة في فنجان. دورية للجيش الاسرائيلي شخصت في ساعة ليل حركة مشبوهة لشخوص في استحكام مهجور على مقربة من السياج في هضبة الجولان. فتح الجنود النار واطلقت نحوهم نار مضادة. لم تقع اصابات. وفي الغداة فقط تبين أن الحديث يدور عن سارقي معادن وان النار من الطرف الاخر من الحدود كانت لسوريين اعتقدوا ان الجيش الاسرائيلي يطلق النار عليهم؛ نوع من الاحداث التي يمكنها أن تحصل حين تتواصل شرق الجدار حرب أهلية معربدة. والى جانب ذلك مرت اسرائيل مرور الكرام على سقوط قذائف هاون في اراضيها في الجولان، واخذ الجيش الاسرائيلي الانطباع بان هذا انتقال غير مقصود لنار الجيش السوري نحو الثوار، واوصى بتجاهل ذلك هذه المرة.
ولكن الدراما الحقيقي في سورية تجري في أماكن اخرى. بتأخير اسبوع، توصلت وسائل الاعلام الامريكية الى استنتاج ان اسرائيل هي التي هاجمت ارسالية صواريخ شاطئ بحر من طراز ياخونت في ميناء اللاذقية السوري في 5 تموز/يوليو. فقد كتبت ‘وول ستريت جورنال’ عن ‘أربع هجمات اسرائيلية على الاقل منذ بداية السنة’ (حتى الان احصيت في الصحافة الاجنبية أربع هجمات بالضبط). وبشكل غير مفاجئ، أعلنت روسيا التي اثنتان من ارسالياتها التي تعرضت للهجوم تضمنتا سلاحا من انتاجها عن نيتها حث توريد الصواريخ الحديثة المضادة للطائرات من طراز اس 300 للسوريين.
النهج الاسرائيلي تجاه الحرب في سورية يجتاز تغييرات. بداية، بشكل غير معلن، فضلت اسرائيل انتصار بشار الاسد، على فرض أن ‘الشيطان الذي تعرفه افضل’. في مرحلة لاحقة انتقلت الى تمني النجاح للطرفين، استنادا الى تقدير بان من بين كل البدائل من الافضل الاستنزاف المتبادل بين النظام المعادي وجماعات الثوار، التي بعضها اسلامية متطرفة. اما الان، فبعد بضع نجاحات حققها الطاغية السوري في المعارك، يوجد تخوف من أن مجرد حقيقة انه صمد رغم مساعي المعارضة ستعتبر انتصارا للمحور الراديكالي (ايران الاسد حزب الله). يحتمل أن على هذه الخلفية ايضا يمكن أن نشرح النشاط الزائد المنسوب للجيش الاسرائيلي في سورية مؤخرا.
الاردن. التنسيق الامني بين الاردن واسرائيل يتواصل بشكل جيد، بعيدا عن ناظر وسائل الاعلام. وحقيقة ان الملك عبدالله يقلل في السنة الاخيرة من هجماته العلنية على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهنا وهناك حتى يوفر له ربع ثناء على اسرائيل، تشهد على ما يبدو على قوة العلاقات بين الدولتين. ولكن الاردن لا يزال قلقا جدا من سياقين يرتبطان الواحد بالاخر احتدام الحرب الاهلية في سورية وقيام جيب بسيطرة منظمات سنية متطرفة، من معارضي نظام الاسد، في جنوب الدولة على مقربة من الحدود الاردنية.
في نهاية حزيران/يونيو انتهت المناورة الامريكية الاردنية المشتركة، تحت عنوان ‘الاسد المتحفز′ بمشاركة الاف الجنود من الولايات المتحدة. وبناء على طلب الملك، بقي في الاردن بعد المناورة ما لا يقل عن 900 جندي امريكي، سرب طائرات اف 16 وبطارية باتريوت، بينما تواصل سفينة مارينز اعمال الدورية امام شواطئ العقبة. وأعلن باراك اوباما أن المساعدة لازمة من أجل ‘حماية امن الاردن’.
الضفة الغربية. مع أو بدون صلة بشهر رمضان، عاد ليسود في الضفة هدوء أمني نسبي. الاحداث الاساس تقع لغرض التغيير في الساحة السياسية: التقديرات المتفاجئة لوزير الخارجية الامريكي جون كيري بالنسبة لفرص استئناف المفاوضات المباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين، وتشديد خطوات الاتحاد الاوروبي ضد المستوطنات. يبدو أن الفلسطينيين يحتفظون الان باوراق سياسية افضل: اذا فشلت مبادرة كيري ، فسيتوجهون الى الخطوة البديلة لطلب الانضام الى المؤسسات الدولية.
الاحتجاج الاجتماعي، في شكل انتفاضة ثالثة، هو فقط الثالث في سلم الاولويات. ولكن للميدان توجد طرق خاصة به للتدخل في حسابات السياسيين. فاستمرار الجمود في المفاوضات او حادثة محلية مع الجيش أو المستوطنين قد تشعل نارا غير مخطط لها. في المدى البعيد من الصعب ان نرى كيف ستنجح اسرائيل في عزل الفلسطينيين في الضفة عن تأثير الهزات في العالم العربي.
سيناء. شهد سكان رفح المصرية والعريش في الاسبوع الاخير مشهدا شاذا: دبابات. لاول مرة منذ حرب الايام الستة. بموافقة اسرائيل استعان الجيش المصري بتعزيزات من الدبابات، المروحيات القتالية وكتيبتي مشاة، في حملة واسعة النطاق نسبيا، يديرها ضد منظمات الارهاب الاسلامية العاملة في اوساط البدو، ولا سيما في القسم الشمالي من شبه الجزيرة. التقارير عن الحملة متقطعة ومصداقيتها قليلة ولكن يبدو أنه يشارك فيها الاف الجنود الذين يحققون بعض النجاح في مواجهة الخلايا المسلحة. واحتمال انتقال العنف الى الاراضي الاسرائيلية متدنٍ. في هذه الاثناء يتلخص الامر بصاروخ واحد سقط في ارض مفتوحة على مقربة من ايلات بعد يوم من الانقلاب في القاهرة. في المدى الابعد قليلا، اسرائيل قلقة من اثار المواجهة في سيناء ومن انعدام اليقين في علاقات حماس والنظام المصري الجديد على الهدوء النسبي الذي يسارع في الجبهة الجنوبية في الاشهر الاخيرة. المصلحة الاسرائيلية العليا هي الحفاظ على الذخر الاستراتيجي الكبير معاهدة السلام مع مصر، ولهذا الغرض فان القدس ستتخذ تكتيك الاحتواء وستحذر قدر الامكان من خلق توتر زائد مع القاهرة.
قطاع غزة: وضد حماس هو مثال آخر على عدم الاستقرار الاقليمي. فقد أدخلت الحرب الاهلية في سورية في ضائقة. اسيادها السابقون، ايران وسورية، يتقاتلون مع اساس تماثلها الايديولوجي الاخوان المسلمين. وبالتدريج فرت حماس من المعسكر أ الى المعسكر ب. رجال المكتب السياسي في حماس تركوا دمشق بل وبدأوا يصدرون تنديدات مترددة بافعال الاسد. والى جانب ذلك، اقتربوا جدا من حكومة الاخوان المسلمين في القاهرة، تلقوا منها ظهرا سياسيا وايديولوجيا، وتبنوا الاملاء المصري لفرض وقف نار كامل مع اسرائيل، بعد حملة ‘عمود السحاب’ في القطاع في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وكان للابتعاد عن الاسد ثمن: في لبنان نكل ناشطو حزب الله برجال حماس في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، بينما اخذ تزويد السلاح من ايران لحماس في غزة بالتناقص، ولاسباب تكتيكية ايضا القصف الجوي على القوافل في السودان وتحسن المعالجة المصرية لانفاق رفح ولكن على ما يبدو ايضا لان ايران لم تعد متحمسة جدا لتسليح من يتماثلون مع خصومها الالداء في سورية. وهذا ايضا هو احد الاسباب التي جعلت المنظمة، كما لمح رئيس الاركان بيني غانتس هذا الاسبوع، تطور الان بنفسها بدائل لصواريخ فجر صواريخ للمدى المتوسط من انتاج ذاتي كتعويض عن قناة التهريب التي ضعفت.
وفاجأ عزل الرئيس محمد مرسي قيادة المنظمة الفلسطينية ايضا. والان يوجه انتقاد لقادتها ولا سيما لخالد مشعل، من جانب الذراع العسكري بدعوى ان التقرب من القاهرة قطع المساعدة الحيوية من ايران. وأغلقت اجهزة الامن المصرية، ارباب البيت الجدد في القاهرة، الحركة في الانفاق، وحسب بعض التقديرات انخفض حجم التهريب في رفح بـ 80 في المئة، بشكل يستأنف التعلق الفلسطيني باستيراد المواد الخام من اسرائيل.
في الاسبوع الماضي نشر بيان شجب من جهات في حماس على عزل مرسي، ولكن قيادة المنظمة سارعت الى النفي خشية احتدام التوتر مع القاهرة. ولكن ازمة حماس ليست بشرى طيبة لاسرائيل بالضرورة. وذلك لان المنظمة قد تبحث عن مخرج بشكل اشعال من جديد للجبهة مع اسرائيل او حل اللجام عن الفصائل الاسلامية المتطرفة. في غزة ايضا، مثلما في مصر وفي سورية، الوضع يشوش العقل والمستقبل القريب صعب جدا على التوقع.
0 comments: